مبدعون وابطال الحرية

• شهادات

ناجي محيبس الكناني


 
شهادات

 

بمناسبة مرور عام على رحيل الشخصية الوطنية العراقية  هاشم الواسطي

                       المناضل والطاقه المتحركه في أروقة الزمن

 

يندهش الانسان أحياناً عندما يلتقي برجل طاعن في السن ، يحمل طاقه لا يجرؤ على حملها ، ألا من كانت له القدره الكافيه ،و من هذا المنطلق راحَ قلمي يسرد هذه الامكانيات ، والطاقات الفذه التي ادهشتني، انه المناضل هاشم جلاب (ابو نزار) الرجل الذي يعجز اللسان عن التعبير عما يمتلكه من قدره فكريه ، وسياسيه ، واجتماعيه أني وجدته انساناً يعيش منذُ الجاهليه وحتى القرن الواحد والعشرين ، وكيف لا ؟ انه القائد والسياسي والمعلم البارع في تنظيم حياة الناس المليء بالمشاعر ، وبعد الظر .

الراحل ( ابونزار) ابن المدينه التي امتزج  تراب ارضها الطيبه بمرقد الامام التابعي الشهيد سعيد بن جبير (ع) ، انه من رواد المسيره النضاليه في ارض واسط .

ابن مدينة الشهداء الشيوعيين ، والوطنيين ، والديمقراطيين الاحرار وأخصُ منهم بالذكر ، علي الشيخ حمود ، وعطا مهدي الدباس ، وعبد الرضا الحاج هويش .

كان شيوعياً شجاعاً صلباً لايخاف سجون الغرف المظلمه ، والمعتقلات .           يتصفُ بالعنفوان ونكران الذات ، يمتلك أحاسيس مرهفه ، لانه تأثر برفاق دربه ، وبصمودهم ، وآثرَ التعب والمشقه ، طوى المسافات الطويله مشياً على الاقدام، في طول بغداد ، وعرضها ، لأيصال خبراً اومنشوراً حزبياً أو تبليغ بموعد أجتماع ، فلا يبالي الصعاب ، ولاتهمهُ المخاطر .

لاترهبه اساليب سلطات الانظمه الرجعيه، والدكتاتوريه لايجامل اعداء الحزب ، وان جاملهم ليس على حساب مفاهيمه الفكريه ، والسياسيه و يؤمن بحركة المجتمعات ،وكيفية انقسامها الى طبقات ، ودور الطبقه العامله ، بشقيها اليد

 ، والفكر، والبرجوازيه، الوطنيه ،في التطورات الاقتصاديه ، والاجتماعيه و ظهور تيارات فكريه وسياسيه ، ودينيه ويؤكد دائماً ان التيار الديمقراطي هو المنوط  بحمله في المستقبل .

عام 1947 غادر الراحل العاصمه بغداد ، بعد نفيه منها ،و فضل العوده الى مدينته الحي ، افتتح َ فيها مكتبه ، غنيه بالكتب العلميه ، والادبيه ، والسياسيه ، والفلسفيه ، وكتب النقد ، والمسرح  تحولت المكتبه الى عامل جذب ، ومكاناً لتجمع الشباب ، ومنطلقاً للتظاهرات ضد الظواهر السلبيه ، ومناصرة الشعوب ، التي تناضل من اجل التحرر الوطني ، والديمقراطي ، والاجتماعي ، وتأييداً للانتصارات التي احرزتها الحركات التحرريه ، الوطنيه والعالميه ، واحتجاجاًُ على وعد بلفور الداعي لتقسيم فلسطين .

في عام 1948 اعتقل هاشم جلاب مع نخبه طيبه من ابناء المدينه ، محاولين اقصاء دوره النضالي ، لافراغ المدينه من العناصر الشيوعيه المناضله ، بأساليب الترغيب ، والترهيب ، والاغراء ، علّهم يستطيعون تفتيت اللحمه ، النضاليه المتماسكه ، لكن من دون جدوى .

يعتبر الراحل أبو نزار ، الفتره التي قضاها في السجون ، في العهود المنصرمه ، التي عانت منها البلاد ، سجون الكوت ،العماره، الحله ،بعقوبه ، الرمادي ،وسجن بغداد المركزي، ونقرة السلمان ، وكركوك ، وعديد من المعتقلات والمنافي ، انها مرحلة التبلور والنضوج الفكري ، والسياسي ، بسبب تعلقه بالرفيق الخالد يوسف سالمان يوسف (فهد) وتأثره بأفكاره النيره ،وبصلابته امام السلطات الحاكمه ، ودراسة امهات الكتب الماركسيه ، وكتب لينين الشهيره ، وقرائتة لأشهر الروايات العالميه .

سألتهُ :من هو فهد؟ لحظة صمت ، بعدها شمرّ عن ساعديه ،و أجاب قائلاً : ان الرفيق فهد( كتاب مفتوح كبير ) غطت صفحاته ، كل تضاريس العراق ، سهل المعاني ، عميق الفكره ، ثري التجربه ،جدير بالتأمل والدرس ، أراد تغيير لون الحياة القاتم المظلم الى لون مشرق مضيء .

ان سنوات السجون لم تقل من عزيمة المناضل هاشم جلاب ، بل  زادته صلابه ، وأيماناً، وكثيراً ما حدثني بأعجاب عن الرفيق المؤسس (فهد ) عن رباطة جأشه ، وهدوءه ، وشجاعته في مواجهة الصعاب ، وكان دائماً يعلمنا على تخطي المشاكل ، ويتعلم منا متواضعاً مع رفاقه ، حازماًُ في مواقفه مع العدو ، وعملائهُ ، لم تزعزعه لاسنوات السجون ، ولاحمله للاغلال الموثق بها .

تحدث الراحل ابو نزار عن ايام سجنه مع الرفيق فهد عن الأغلال الحديديه ، التي يحملها .... ماثقلها عليك يارفيقي العزيز ؟ هل تؤلمك كثيراً ؟ كان جوابه درساً بليغاً ونافعاً لي ولرفاق الدرب :ـ انها ثقيله كالجبل يارفيقي هاشم! كل لحظه اشعر بالتعب منها ، كأنها تزداد وزناً يوماً بعد يوم وتؤلمني كثيراً كأنها تأ كل في عظامي ! لكنها ياهاشم ان هذه الاغلال ستفتح امام شعبنا في المستقبل ، الافاق المطلقه ، والرحبه ، وما هي الاعامل مهم لتحطيم ، اعصاب قوى الشر ، وستبقى رمزاً لارادة الانسان، وقوه للضعاف ! ممن لا اهلية لحمل وسام  الامتداد ، الصحيح لمستقبل الحزب ،

 ولكل شهيد من بعدي.

سأل احد الحضور الرفيق هاشم عن مشاعره عندما سمع خبر....؟ قاطعه بكل هدوء ، تقصد حكم الأعــ ...... تلعثم الراحل هاشم جلاب ، ولم يكمل عبارته ، وتنحى جانباً متكئاً على عكازه ، وعصبَ عينيه بــ (يشماغه) واخذ ينشج بصوت خافت كأنه يكلم نفسه..هذا لايطاق ، لايطاق ، صمت الجميع وغرورقت الدموع في العيون . قبله الحضور، وربتوا على كتفيه ، غادروا المكان ، وهم حاملين ، معهم اوسمة الوفاء والمبادئ الساميه .

ستبقى هذه الصوره خالده في قلوب ، كل محبي الراحل هاشم جلاب لانه كان انساناً بسيطاً ، ولطيفاً ، وصادقاً مع نفسه وفكره وسيظل الطاقه النضاليه المتحركه في اروقة الزمن .! لانه سلك اشرف ، وانبل طريق ....... طريق الشيوعيه.