كـتـاب ألموقع

• مناضل من طراز خاص (حبيب هرمز ميخا)شهادة للتاريخ (3) الاخيرة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 
 
ناصر عجمايا

  مناضل من طراز خاص (حبيب هرمز ميخا)شهادة للتاريخ (3) الاخيرة

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

ملبورن - أستراليا

 

التقينا مع المناضل الشيوعي الرفيق حبيب هرمز ميخا , بمناسبة أنقلاب شباط الأسود ، كان لنا الحصيلة التالية:

 

س: اين كنت معتقلا وكيف تمت محامتك؟

 

ج:كما ذكرت لكم سابقا ، تم اعتقالي من امام داري في بغداد ، وبعد طمأنت الجلاوزة بانني شيوعي ، تم نقلي الى معتقل الرمادي ، عانيت فيه كغيري من المعتقلين ، بانتظار المحاكمة الصورية المعلومة النتائج ، لكل من لم يقدم البراءة للحرس القومي المجرم ، دام اعتقالي بحدود سنة ونصف ، ومن ثم تم ارسالي الى المحكمة العسكرية الخاصة في الحبانية ، حكمت حكمها المقرر سلفا وفق المادة 131 من قانون العقوبات العسكري ، التي اصدرها عبد الكريم قاسم.

 

س: ماهي المدة التي اصدرت المحكمة حكمها عليك وفق المادة 131 ؟

 

ج:حكمت المحكمة حكمها بخمسة سنوات كاملة ، وكما تعلمون بان شهر السجن هو 28 يوم وليس 30 يوما وعليه فالمدة اقل من خمسة سنوات.

 

س: بعد الحكم اين قضيتها وهل بقيت في معتقل الرمادي؟

 

ج:بالتاكيد بعد محاكمتي الصورية ، تم نقلي الى سجن نكرة السلمان السيء الصيت في صحراء السماوة القاحلة ، بالقرب من الحدود السعودية ، وبقيت فيه سنة كاملة ، ومن ثم تم نقلي الى سجن الحلة ، الذي مكثت به سنة وثلاثة اشهر ، وبعدها تم نقلي الى سجن بغداد ، والذي دام سجني فيه قرابة اكثر من سنة ، ومنها تم تحويلي الى الموصل ومن ثم الى كركوك ، حيث وحدتي هناك واطلق سراحي يوم 22\10\1966 بقرار من عبد الرحمن عارف ، لانهاء المدة المتبقية من السجن والباقية اربعة اشهر.  

 

 س:ماهي معلومات عن سجن النكرة ؟ وكيف كان التعامل معكم؟

 

ج:كان السجن يدار من قبل السجناء انفسهم ، انتخبنا لجنة تدير الامور كافة ، حيث توزع الادوار والاعمال على السجناء ، من حيث الطبخ واستلام الارزاق والتنظيف ، وحلاقة الراس والطبابة والمكتبة ، لاستعارة الكتب فيما بين السجناء ، والقاء المحاضرات ، وفتح صفوف للدراسة وتعليم القراءة والكتابة وتقويتها ، والتعامل فيما بين السجناء انفسهم متضامنين ، بمودة واحترام.

 

س: كم وصل عددكم في نقرة السلمان؟

 

ج:تجاوز العدد عن الفين سجين سياسي ، كانت لنا معناة كبيرة جدا لكثرة عددنا ، حيث الارزاق تقل نتيجة الزيادات المستمرة ، على فترات من دون حساب الزيادة الا بعد فترة ، وهكذا دواليك.

 

س:ما هي معاناتكم الصحية بسبب بعد السجن عن المدن ؟

 

ج :معاناتنا الصحية لا تخلو من الخطورة أطلاقا ، حيث لنا قصص في هذا المجال ، تبدو خيالية في هذا الوقت ، لكنها الحقيقة بعينها ، دعني اروي لك قصتين مثالا وليس الحصر:

 

الاولى:كان عندنا ضابط برتبة ملازم اول ومن اهل الموصل ، عانى من المغص الكلوي ، ولم يكن بامكاننا معالجته داخل السجن ، كما ارساله الى السماوة ، بسبب عدم وجود سيارة أسعاف او نقل ، وبعد السجن عن المدينة من الصعوبة ايصاله ، وبعد مدة ونتيجة للاوجاع والاعدام بانتظاره ، قرر هو ورفيق آخر السير في الصحراء ، بعد اخذهم الاحتياطات اللازمة من ماء وغذاء ، وبعد فترة من الزمن ، كان الموت حليفهما في صحراء خالية من البشر ، والطيور تنبش بجثتيهما ، وبسبب ذلك تم العثور عليهما.

 

الثانية:في احد الايام كانت الاوجاع تزامن احد الرفاق ، وبقوة في الجهة اليمنى من البطل ، ولم تكن لدى الاطباء الشيوعيين المعتقلين معنا ، أبسط مستلزمات اجراء العملية الجراحية ، مما حدى بالطبيب الجراح اجراء العملية للمريض ، من دون بنج ولا خيط ولا ابرة للعملية ، فاستخدم الطبيب الجراح ، موس الحلاقة وخيط الملابس وقيادة المريض من قبل رفاقه السجناء ، وفعلا نجحت العملية الجراحية ، وتحسنت صحة الرفيق المريض بعد استئصال الزائدة الدودية منه.

 

س:يقال المعلم الكبير يحي القاف المصلاوي كان معك في السجن ، ممكن ان تحدثنا عن هذا الانسان الكبير السن في ذلك الوقت ؟

 

 ج:فعلا وصل المرحوم سجن نكرة السلمان ، وهو في حالة يرثى لها ، لكبر سنه في ذلك الوقت متجاوزا السبعون من العمر ، أستقبلناه بترحيب كبير ، محاولين مساعدته لحمل فراشه ، فوجئنا بالرفض من الشرطة الذين اصطحبوه للسجن ، ولا انسى ذلك الموقف المشين والغير الانساني ما حييت ، وعلى اية حال ، كان مستاءاّ جدا من موقف ولده سعد ، لاعترافه على رفاقه في الخط الخط العسكري ، طالبا الموت لولده ، بديلا عن الاعتراف ضد رفاقه ، كان شامخا صلبا مؤمنا بقضية شعبه وقدسية وطنه ، للتطلع نحو الحرية والاستقلال من براثن العمالة والخيانة للاجنبي ،كان انسانا لطيفا ودودا صبورا ، اكبر سنا من كل المعتقلين ، ان يفتخر بتنفيذ الواجبات اسوة برفاقه ، مهما تحثنا عن هذا الانسان من طيبة وخلق وادب وثقافة وفكر سياسي وطني اصيل ، لا يمكننا الايفاء بما يصف به ، ولا يمكننا ان ننصفه وصفاته الممتازة وروحه المرحة ، رغم مرارة السجن وتأثيراته الكبيرة من جميع النواحي الحياتية ، وخصوصا فراق الاهل والعائلة والظروف القاهرة ، التي يمر بها الجميع.

 

س:كيف تديرالامور وانت معيل لعائلة واولاد ، وما مصيرهم بغيابك؟

 

ج:الحقيقة الامر لم يكن سهلا بل في غاية الصعوبة ، حيث والدي ووالدتي يسكنان في القوش ، والدي يعمل فلاحا في بستان للكروم بالقرب من الدير الاسفل على شرق القوش ، والامور الاقتصادية لم تكن بالمستوى الكفاف بل دونها ، والمعيشة صعبة جدا وزيارتي شبه مستحلة ، خصوصا في نكرة السلمان ، فكرت كثيرا بالامر ، تعلمت وانا في السجن صناعة الجنط النسائية والتحف الجميلة مطعمة بخرز ملونة ، كنت ابيعها واصرف من تعبي واعيل عائلتي في بغداد ، كان العمل فني ومتعب وملذ  انتاجي الفردي في آن واحد.

 

س: بعد خروجك من السجن هل تغيرت الامور نحو الافضل ام العكس هو الصحيح؟

 

ج:لم يكن الامر هينا اطلاقا ، انا سجين سياسي ومراقب امنيا واستخباريا ، كوني عسكري مطرود من الجبش ، والعمل صعب جدا والحصول عيه نادرا ، والاكثر من هذا ، ليس بامكاني الحصول على اي عمل ، بسبب دفتر خدمتي مدون فيه ، تفاصيل اعتقالي وسجني لانتمائي الشيوعي ،وكانني مرتكب جريمة وجنحة ، تصور حتى اجازة سوق عمومية لم يكن ، بمقدوري الحصوص عليها بسبب انتمائي للحزب الشيوعي ، ومع هذا كنت اتجازف واسوق تكسي من غير اجازة ، وفي حالة طلبها من قبل الشرطي ، كنت مظطرا لاقدم له رشوة ، مع الاعذار ، خاصة وانا كنت املك عائلة كبيرة يتطلب اعالتها باي ثمن ، ولهذا لم اتمكن من مواصلة العمل السياسي لاحقا ، لكن فكري وتفكيري وثقافتي هي شيوعية ومعتز بها لحد اللحظة وحتى الوفاة المترقب.

 

س:يقال انك بعد الجبهة رجعت الى وظيفة مدنية ، ممكن ان تحدثنا عن ذلك؟

 

ج:فعلا بعد قيام (الجبحة) (هكذا سماها) رجعت وعملت موظفا في مؤسسة نقل الركاب ، كموظف مراقب وبمعاناة هي الاخرى اليمة حقا ، ولا تقل خطورتها لفقدان الحياة والاعتقال باية لحظة ، من قبل البعث وسلطته الفاشية الاجرامية ، بعد سنوات احلت نفسي على التقاعد ، نتيجة المظايقات الكثيرة ، وبعد انتهاء الجبحة ، اظطريت الذهاب الى القوش والبقاء والعمل في دير السيدة (الاسفل)، تخلصا من الملاحقة والسين والجيم ، كذلك ملاحقتي الدائمة من قبل ما يسمى بالجيش الشعبي ، كما وعملت طباخا في الدير، كي اعيل نفسي وعائلتي.   

 

س:كلمة اخيرة ، كيف تقدر الوضع العراقي الحالي؟

 

ج:الوضع العراقي الحالي عسير ومعقد جدا في هذه المرحلة ، لكنني متفائل في نفس الوقت ، ولابد ان يتحرك للامام باتجاه وطني وديمقراطي ، والشعب يجب ان تأخذ مكانتها اللائقة ، وانا متفائل ، اقدم شكري الخاص لك ولجهودك .

 

شكرا لك ولنضالك

ناصر عجمايا

ملبورن \ استراليا