اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (297)- سماع المقام العراقي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (297)

 

سماع المقام العراقي

      قد يقول البعض ان الاستماع الى الاغاني عامة والمقام العراقي خاصة ليس له وقت محدد ولا يشترط له ذلك. وهذا رأي مطروح بيد انه ينطلق من حيث العموم ولايأخذ الحالة المزاجية والنفسية. فساعات اليوم تستغرق الإنسان في بحر من الاعمال المضنية تأخذ عليه ألبابه وتشغله عما حوله، لذا فأنه وان استمع في الصباح اوفي الظهيرة، فأن هذه الحالة لا تعدو ان تكون حالة لا تصل الى الذروة المزاجية في معظم الاحيان. لذا فأن الليل بما يتضمنه من خلود الى الراحة وانعاش النفس والروح والاستلقاء والاسترخاء ومناجاة الحبيب..! الليل وحده بما يحمله من سر الهي في هدوئه وسكونه. فإذا بصوت المؤدي ينفذ الى اعماق المستمع فيهزه هزاً ويطير معه في فضاءات الخيال الروحية وينفصل عن الواقع فيبتعد عنه سابحاً في اجواءٍ اخرى..! فالسماع بالليل له خصوصية تختلف بالتأكيد عن اوقات اليوم الاخرى، فأنه حين يحث خطاه قادماً إلينا يوقظ أحاسيس ومشاعر مختلفة في الاستماع الى الموسيقى والغناء، فيندمج الفكر بالاحساس وتصبـح هنـاك حياة خيالية يعيشهـا المستمع. حياة كأنها واقعية، فيها اناس يشعرون ويتحركون. وهذه الخيالات التي يعيشها المتلقي عند سماعه للموسيقى والغناء، وغناء المقامات العراقيةوالتراث عموماً، قد تسمو به اوتعذبه..! يبقى فيها عاجزاً عن فهم احاسيسه مستسلماً لها. وهنا يتمنى المتلقي حين يستثار من المؤدي ان يكون موضعاً للثقة، سواء أكان ذلك في قيمة العمل المجردة او اسلوب العبير او صدقه في الاداء وانفعالاته الحقيقية فيه. وفي الحقيقة ان المتلقي يطالب المؤدي من خلال ادائه. او يجيبه على بعض التساؤلات والهموم والمعاناة التي يعيشها في حياته. ومن ناحية اخرى فان المتلقي عندما يتأثر بعمل ادائي ما سواء كان هذا العمل رديئاً ام جيداً في حقيقته المجردة. ففي هذه الحالة يكون هذا العمل أو أي عمل آخر بشكل عام قد أدى الى نتيجة مثمرة لان المتلقي سوف يرى بوضوح الميزات الموجودة في الاعمال بشتى مستوياتها. وعندما نطلق هنا عن النتاجات الفنية صفة الرديء او الجيد، فأننا نقصد الاعمال الرديئة غير المستوفية لمقومات العمل الفني الصحيح والسليم من الاخطاء من حيث القواعد العلمية والاصولية والبنائية والى غير ذلك. والعكس صحيح فأن العمل يكون جيداً. ولكن أيضاً من الناحية الاخرى نطلق على الاعمال عموماً صفات اخرى مثل عمل جميل او عمل غير جميل. نرى ان هذه الصفات نسبية تماماً. لان ما كان غير جميل لدى البعض يكون جميلاً لدى البعض الاخر، ما دام هذا العمل مستوفياً للشروط الصحيحة المجردة في بناء الاعمال الادائية. ولما كان الامر كذلك، اذن لا وجود لعمل جميل او عمل غير جميل، حيث تكون المسألة نسبية في رؤية المتلقي عموماً، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

 

      ان الاستماع الى المقامات العراقية في المساء يكتسب لمسة سحرية، حيث ان السامع في هذه اللحظات يريد ان يتزود بكمية وافية من الخيال والعواطف، بل هو يريد كذلك ان يستسلم الى تهدئة نفسه من خلال سلطان اللحن والكلمات الشعرية التي يغني بها المقام العراقي، ليصنع عالماً يكون هو بطله أو ضحيته أو مخرجه..! وهكذا فالمقام العراقي عموماً يندمج في اصله بأحلام اليقظة، وهي تظهر كأمتداد لحالة باطنية تتكلم بالصور والخيال والعاطفة. من هنا فلابد للمستمع ان يحدث له شيء ما في هذه الحياة، أي انه لابد ان يمر بتجارب وعلى قيمتها يتعامل ويتفاعل مع الموسيقى والغناء، بل الحياة عموماً. هذه الحياة التي قد لا يحدث فيها شيء كبير، اذن يجب ان تتخلل الحياة اليومية تجارب تتكلم فيها المغامرة والحب والترف والحزن. يقول علماء النفس(اننا نسمع الغناء والموسيقى للتعويض عن بعض النقص في التجربة. لان المستمع يجد فيما يسمع من موسيقى وغناء، التصرفات المحرمة عليه من قبل المجتمعبشتى جوانبها، حتى ليجد في سماعه تجارب يصعب تحقيقها في الواقع فيعيشها في الخيال. لأنه في الغالب ان هذه التصرفات التي يراقبه المجتمع عليها يخالطه شعور بالذنب تحاول الموسيقى او الغناء ان تعلله او تمحوه، فهي ترضي هذه التطلعات بأن تضع نقاباً عليها يجعلها مقبولة في نظر السامع لكي يكون بأمكانه الاعتراف بها والاستسلام لها. ان سماع الموسيقى والغناء يحررنا ويكشف لنا انفسنا أي يجسد مخاوفنا ورغبتنا ويمنحها شكلاً معيناً)(هامش1).

 

      اذن لابد ان نطرح مشكلة اندماج السامع مع نفسه، ولكي يحقق هذا الاندماج لا بد ان يكون هناك نوع من الوحدة او نوع من الابتعاد والعزلة. عندئذ يكون في وسع السامع ان يعيش مع احلامه وخيالاته وتطلعاته بعد ان يفترض مسافة يضعها بينه وبين اللحظة الزمنية التي يحس بها والمكان الذي يشغله، لحظات السماع والراحة التي تساعده في ان يكون معها بشكل مباشر، ولهذا فأننا نضع الواقع بين حالين خلال فترة سماعنا.

 

      اذن فالسامع يحاول الهروب من مشاكل العالم اليومية، بل مشاكله المباشرة هو، عن طريق عالم آخر وهمي، بغض النظر ان كان جميلاً وساحراً اوغير ذلك، بل يكفي ان يكون متماسكاً..!

      ان متذوق الغناء التراثي والمقام العراقي يعيش كل هذه اللحظات، فهذا السماع يخلق له الوحدة وفي نفس الوقت يتيح له الخروج منها، فهو في هذه الحالة يكون بوسعه ان يعيش اللحظات الممكنة التي لا يسمح بها محيطه وبيئته الاجتماعية او عصره.

 

      ان المقام العراقي يقرِّب بين المؤدي والمستمع ويحاول التوفيق بينهما في شعور مشترك.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

هوامش

1 - هامش1: من محاضرة علم النفس الموسيقي للاستاذ الدكتور الراحل ابو طالب محمد سعيد -رحمه الله- في قسم الموسيقى بكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد.

 

اضغط على الرابط

محمد رؤوف

https://www.youtube.com/watch?v=qnJQlw-Rl0k

 

ناصر حسين الفضلي

https://www.youtube.com/watch?v=jQhEhjBxj8Q

 

مؤيد حسن مقام مدمي

https://www.youtube.com/watch?v=RamyqJYGsJU

 

حسين الاعظمي مقام خنابات 1986

https://www.youtube.com/watch?v=Csjg51buv-M

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.