رثاء الى راعينا الجليل مار بولس ثابت
باسل شامايا
عدد القراءات قبل التحديث 1552
ها هي الارض تحتضن قامة سامقة من قامات كنيستنا في القوش، قامة لها حضورها المميز في مختلف مجالات الحياة ،مار بولس ثابت واحد من المباركين الذي انجبته كرمليس وهب طاقات متميزة ارتقت به الى ذرى العمل والتضحية والعطاء، اندمجت فيه خصال رجل دين وانسان مثقف تجسد حرصه الكبير بتفانيه من اجل المساهمة في احياء التراث القديم في القوش وتطويره كما حصل في احياء سوق القوش القديم وتم افتتاحه بمباركته وبحضور جماهير القوش التي اكتظ بها السوق وكان حضوره متميزا بمشاركاته الفعلية في المهرجانات والامسيات الثقافية التي اقيمت في القوش وبكلمات وقصائد شعرية بلغة الام والعربية ولم يبخل عن تقديم مختلف انواع التعاون والمساعدات وحسب الممكن من اجل تذليل كافة الصعاب التي يعاني منها الناس تعبيرا حيويا عن ذلك التلازم بين كونه شخصية دينية وانسان واعي مثقف، لم تقتصر حياته على المواقف الصلبة والقدرات الباهرة بل كان يمتلك مرونة مدهشة بتعامله صقلتها التجارب والازمات التي مرت عليه خلال حياته القصيرة فشكل شخصية ذات ملامح متكاملة وحضور متميز لا يختلف بجدارتها وامكانيتها احد، تمتع بصفات ومزايا حميدة جلها الايمان ودماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب ورهيف الاحساس وواسع الصدر وهاديء الطبع ودائم الابتسامة وان قصده احدا في حاجة ما كانه هو من يطلبها منه، خدم رسالته الكهنوتية من خلال تلك السنين التي كرسها من حياته لخدمة الكنيسة، كان حبه لالقوش حبا وجدانيا صادقا غير خاضع للمظاهر والمصالح فقد كان منذ ان وطأت قدميه ارض القوش مثالا للعطاء حيث جسدها في الاعوام الثلاثة الاخيرة التي خدمها في مطرانية القوش للكلدان قدم خلال تلك السنين وبكل تجرد خدمات جليلة دافع عن مصلحة الاهالي دون ان يميز بين هذا وذاك لكنه تميز بنكران الذات وحمل هموم الناس واوجاعهم وبحث على حساب راحته سعادة للآخرين ، كان قريبا من الناس لطيفا مع الصغار والكبار لم يتقاعس يوما عن استقبال الناس للاطلاع على اوضاعهم ومشاكلهم متسامحا قنوعا ملتزما بانسانيته كالتزامه بكنيسته وواجباته تجاه رعيته كان انسانا مائلا الى التواضع لا يشبه اولئك الذين يبحثون عن مجد ومركز، حمل الامانة بكل وفاء واخلاص واعطى للحياة والمجتمع من جهده وتجربته وحبه اللامتناهي واستمر بعطائه وهو يعلم علم اليقين ان اجله قريب ثم وصل الى قناعة تامة انه راحل الى جوار ربه لذلك احتفظ برصيد كبير وثر من الحب والاحترام عند الجميع فليس هناك ثروة يبقيها الانسان بعد رحيله اكثر من محبة الناس.. لقد جاء رحيلك مبكرا ومؤلما مطراننا الجليل غادرتنا تاركا لنا حزنا وجرحا لا يندمل سترافقنا في كل صغيرة وكبيرة.. رحلت سيدي الجليل بولس بصمت فخسرت القوش وفقدت رمزا من رموز الكنيسة الكلدانية سيشهد له التاريخ اليوم وغدا.. فوجعت القوش بفقدانها علم من اعلام كنيستنا ، وبهذا المصاب الاليم حاولت رثاءك فوجدتك حيا في قلوب محبيك نعم فارقت الدنيا جسدا ولم نعد نسمع عطر كلامك لكن روحك ستبقى ساكنة في ارجائنا.. فيا ايها المسافر عبر السحاب ايها الراحل الى ما وراء الغمام ايها الراعي الصالح لم غادرتنا بهذه العجالة فانني مهما كتبت وملئت اسطري سابقى عاجزا عن تجسيد ما يعبر عن تلك الانسانية الفريدة التي خزنتها بين حناياك مع هذا ساكتب بعضا من كلماتي واهديها اليك في ذكرى رحيلك لعل مفرداتي تسعفني عما تستحقه من الرثاء.
من الاعماق التي يعتصرها الحزن والالم ابعث اليك من بين حشود القوش المتألمة التي رافقت موكب تشييعك المهيب وبرفقة الحمامات المقدسة الحزينة التي رفعت روحك النقية الى اقدس مكان كلماتي الاخيرة ندية مبتلة بآلام صادقة حزنا على رحيلك الأليم.. ايها المسافر بعيدا وحيدا في تلك الدروب الحالكة لا رائحة للحياة فيها ان مكانك الفسيح المعشعش في قلوب محبيك فرشوه لك بزهور البنفسج والياسمين.. نم ايها الراحل الى عالم اللاعودة نم قرير العين فلو عطشت سترويك دماء احبتك التي تسري في شرايينهم ستكون مرهونة لاروائك وان جعت ستجد القلوب التي بكت برحيلك تتوسى لاشباعك.. نم قرير العين سيدي فالشجرة التي غرستها ثلاثة اعوام في القوش اينعت واثمرت ثمارا طيبة وستبقى تتفرع وتعطي خير الثمار.. نم راسما تلك الابتسامة الخجلة فوق وجنتيك وتذكر هناك في القوش قلوب تنزف دما حزنا عليك تشكو القدر المشؤوم الذي راح يلهو بترتيب احداث حياتنا.. اخيرا ورغم فراقك الابدي فانك باق معنا في وجداننا نذكرك مع الاصيل ونراك عند الفجر ونسمعك نشيدا شجيا مع تراتيل الملائكة والابرار.