إيران توافق على الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحظر تمويل الإرهاب- ما تأثير ذلك عليها وعلى حلفائها؟
صائب خليل
6 تشرين الأول 2025
أعلن المتحدث باسم مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن دهنوي، الأربعاء 1 تشرين اول، عن موافقة المجمع المشروطة على انضمام إيران إلى الاتفاقية الدولية لحظر تمويل الإرهاب (CFT)، بعد أربع اجتماعات ودراسة تقارير اللجان المشتركة، بحضور كبار المسؤولين الإيرانيين ورؤساء السلطات الثلاث.
ويمكن اعتبار هذا القرار انتصارا جديدا لحكومة الإصلاحيين على المعارضين الأصوليين، وهو الثاني من نوعه بعد تحقيق انتصار مشابه في أيار الماضي، عندما وافق المجمع على المصادقة على اتفاقية باليرمو (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للاقطار).
المصادقة الجديدة كانت عالقة لسنوات بسبب خلافات بين مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الذي وافق عليها، ومجلس صيانة الدستور الذي رفضها، وأخيرًا فقد صادق عليها مجمع تشخيص مصلحة النظام (الذي يحسم النزاعات بين المؤسستين) مع تحفظات الاكتفاء بتنفيذها بما لا يتعارض مع دستور وقوانين ايران المحلية.
وتعتبر المصادقة على الاتفاقيتين استجابة إيران لآخر شرطين من أصل 40 توصية وضعها فريق العمل المالي (FATF) للخروج من القائمة السوداء التي تم وضع ايران فيها من قبل الفريق المذكور.
ورغم الهدف المختلف المعلن للاتفاقيتين (تركز باليرمو على مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال، بينما تتوجه (CTF) مباشرة الى حظر تمويل الإرهاب( فإن الاتفاقيتين تعملان بشكل متشابه الى حد بعيد ويمكن استخدامهما لنفس الهدف السياسي، وخاصة الـ (CTF) التي وافقت عليها ايران أخيرا، باستغلال اميركا المفهوم الفضفاض لـ “الإرهاب”، وسعيها لاستخدامه لخنق مصادر حركات التحرر الوطني.
ابرمت هذه الاتفاقية عام 1999 ولم يوقعها سوى 4 دول، حتى جاء 11 سبتمبر، فجاء قرار مجلس الأمن بإلزام الدول بتجريم تمويل الإرهاب، وتعميم نصوص انتقائية من الاتفاقية والزام جميع الدول بها، متجاهلا النصوص الخاصة بضمان الحقوق الأساسية للملاحقين بموجب الاتفاقية.
وتتشابه الاتفاقيتان في مطالبتهما الدول الأعضاء بإجبار البنوك على كشف مصادر الأموال والتحويلات وتجميد ومصادرة أصول المتهمين بالارتباط بتمويل الإرهاب ومنظمات الجريمة المنظمة وغسل الأموال وتعاون دولي موسع وتبادل معلومات استخباراتية وقضائية وتسليم المطلوبين او محاكمتهم عند الاشتباه بتورطهم بتمويل الإرهاب.وكانالرئيس بزشكيان قد وعد خلال حملته الانتخابية بالعمل على شطب اسم إيران من القائمة السوداء، لكنه جوبه بمعارضة من المحافظين، كما كان الحال مع محاولات الرئيس الأسبق حسن روحاني.
تأمل ايران من خلال هذه الموافقة إرضاء فريق العمل المالي (FATF) واخراجها من القائمة السوداء التي وضعها الفريق فيها عام 2020 بتهمة عدم الامتثال لمعايير الشفافية المالية. ويأتي ذلك الاجراء ضمن سلسلة من الإجراءات المضادة لإيران منذ 2006 حيث أصدر مجلس الامن ستة عقوبات على ايران لبرنامجها النووي (لم تقم روسيا او الصين بمنعها، انما ضغطت لتخفيفها كشرط للموافقة عليها، وهو موقف ضعيف وغير مشرف، لأن ايران لم تخل بأية اتفاقات نووية)، واستمر تشديد العقوبات حتى توقيع الاتفاق النووي عام 2015 الذي انسحب منه ترامب في 2018، ووضعت ايران في القائمة السوداء. وأخيرا فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا آلية “سناب باك” مؤخرا والتي اغضبت ايران، قبل ان يقرر مجمع تشخيص مصلحة النظام قبل أيام الاستجابة لطلب مجلس الشورى، وبالضد من رغبة مجلس صيانة الدستور، الموافقة على شروط الاتفاقية الدولية لحظر تمويل الإرهاب (CFT)، مقتصرا على “الشروط التي لا تتناقض مع دستور إيران وقوانينها المحلية”.
لكن ما الذي يخشاه مجلس صيانة الدستور من الاتفاقية ليرفضها؟
يعود رفض مجلس صيانة الدستورإلى نقطتين اساسيتين:
أ. تعريف “الإرهاب” في الاتفاقية: حيث تعتمدالاتفاقية تعريفًا واسعًا للإرهاب، وتخشى ايران استخدامه لوصف أي دعم لحركات المقاومة (مثل حزب الله في لبنان أو حماس في فلسطين أو الحوثيين في اليمن) على أنه “تمويل إرهاب”. وبالتالي فأن مجلس صيانة الدستور يرى أن القبول بتعريف الاتفاقية قد يُقيد سياسة إيران الخارجية و”دعمها للمستضعفين” الذي تعتبره جزءًا من هويتها الثورية.
ب. شرط التعاون القضائي والمصرفي الدولي: فالاتفاقية تُلزم الدول بتبادل المعلومات مع أطراف أخرى، وحتى مع دول تعتبرها إيران خصومًا (كالولايات المتحدة وإسرائيل). وهذا قد يفتح البابأمام الضغط على سيادة ايران على تصرفها بأموالها حتى داخل ايران واجبارها علىمراقبة التحويلات المالية الإيرانية، وتقديم تقارير بها، وربما تم اعتبار تحويلات “الحرس الثوري” أو مؤسسات خيرية مرتبطة به، أعمالًا مشبوهة.
هل تأمل ايران فعلا بإخراجها من القائمة السوداء بعد هذا القرار؟
يؤكد المحللون ان هذا الأمر مستبعد تماما، والمتابع لمجريات الأمور، وعدم استجابة الدول المعنية للخطوات “الإيجابية” لإيران، يستطيع ان يستنتج بسهولة ان اميركا ستبقى على موقفها المتشدد، ولن تعتبر هذا التغيير كافيًا ما لم يرتبط بملف إيران النووي والصاروخي والإقليمي. والحقيقة انها لن تعتبر أي تغيير كافيا، مهما كان! فهي لن ترض إلا بالتسليم التام لإرادتها، وسيخرج ترمب مباهيا بأن تلك الخطوة كانت بفضل “سياسته الحازمة لكنها غير كافية.
إسرائيل ستقول انها مناورة خبيثة ليس إلا، ولن تعلق دول الخليج عليها على الأغلب. اما أوروبا (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) فسوف تشكك في الخطوة، خاصة بعد إعادة فرض العقوبات الأممية، لكنها يتوقع ان تقول فقط انها “خطوة بالاتجاه الصحيح”!
إذن لماذا هذا الحماس من قبل مجلس شورى الدولة ومجمع تشخيص مصلحة النظام للموافقة على اتفاقية قد تكلف ايران مواقف سيادية مهمة دون ان يبدو لها نتائج اكيدة؟ كيف ستستفيد إيران من موافقتها؟
إيران بالتأكيد لن تحصل على رفع الحصار عن تعاملاتها المالية بالدولار، لأنه بيد اميركا وليس الأمم المتحدة ومؤسساتها. لكن قرارات (FATF) تؤثر على التعاملات المالية حتى بالعملات الأخرى، لأنها توجه عقوباتها إلى البنوك وليس الى الحكومات فقط. ويكفي ان تتهم أي بنك بأنه مشبوه بدعم الإرهاب لكي تجعل معظم بنوك العالم مترددة في التعامل معه خشية العقوبات التي تكلف البنك كثيرا جدا، اذ يكون مهددا بتصنيفه كمؤسسة عالية المخاطر ويقلل من قدرته على التعامل مع بنوك عالمية أخرىوهذا ينطبق حتى على بنوك روسيا والصين والدول الأخرى التي لها علاقة جيدة مع ايران.
إذن كيف تتعامل ايران حاليا مع هذه الدول الصديقة؟
إنها تتعامل بطرق غير رسمية ومعقدة ومكلفة للغاية، عبر آليات الالتفاف على النظام المصرفي العالمي القائم على الدولار، مثل المقايضة والائتمان (Barter and Credit)، فتبيع النفط والغاز مقابل سلع وخدمات (مثل ابنية البنية التحتية والمعدات الصينية أو الحبوب الروسية) بدلاً من تبادل العملات. وكذلك باستخدام العملات الوطنية (الروبل واليوان) في التجارة الثنائية عبر أنظمة دفع بديلة (مثل نظام SPFS الروسي ونظام CIPS الصيني) كبديل لشبكة SWIFT العالمية، متجاوزة بذلك الدولار والرقابة الأمريكية المباشرة. وأخيرا يتم استخدام شبكة معقدة من الشركات الوهمية أو شركات الواجهة في دول ثالثة (قد تكون غير مدرجة في القائمة السوداء لـ FATF) لإخفاء الطرف النهائي للمعاملات (إيران)، وهو ما يجعل الكشف عن طبيعة التمويل صعباً ومكلفاً.
هذه العمليات تكلّف الاقتصاد الإيراني كثيرا، حيث تضطر إيران لبيع مواردها بـ خصومات كبيرة جداً، وتدفع أقساط مخاطر عالية للشركات والبنوك التي تجرؤ على التعامل معها.لذلك يتوقع أن روسيا والصين سترحبان بالخطوة لأنها تفتح مجالا افضل أمام التبادل التجاري دون تعقيدات مصرفية بما يتعلق بـ FATF. وحتى لو لم يتم اخراج ايران من القائمة السوداء، فسيكون لدى البنوك المتعاملة معها، الى حد ما، حجة افضل للدفاع عن نفسها بوجه العقوبات المحتملة، وهو ما تأمله ايران كنتيجة لموافقتها.
الشرط الذي وضعته ايران للموافقة على شروط الاتفاقية بكونها لا تتعارض مع قوانينها، يتيح لإيران بعض المناورة، لكنه أيضا سيعطي حجة قوية لدعم موقف من لا يريد اخراج ايران من القائمة السوداء، التي تشترك فيها حاليا مع كوريا الشمالية وميرامار.
شكوك في الفوائد وتخوف من الضرر
الباحث الاقتصادي سهرابرستميسبق ان شكك بهذا التوجه ونبه أن الإعلان عن انضمام إيران إلى باليرمو أدى إلى تراجع قيمة الريال الإيراني أمام الدولار الأميركي بدلا من زيادته، حيث كثفت إدارة ترامب (السابقة) فرض العقوبات على إيران.
ويُعتبر المرشح الرئاسي السابق سعيد جليلي، وهو عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام، من أبرز معارضي الانضمام إلى مجموعة العمل المالي. وبين جليلي موقفه -إبان حملته الانتخابية – قائلا أن المصادقة على قوانين “فاتف” لن تحل مشكلات البلد، كما أن طهران لم تجنِ نفعا جراء توقيعها الاتفاق النووي عام 2015، إذ انسحب منه ترامب وأعاد العقوبات على طهران من جانب واحد، مضيفا أن حكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي تمكنت من تحييد جزء من الضغوط الأجنبية دون المصادقة على قوانين “فاتف”.
فوق كل ذلك يخشى أن تؤدي الشفافية المفروضة على ايران إلى كشف الشبكات المالية الإيرانية التي تستخدم حاليا للالتفاف على العقوبات، وبالتالي يزداد الحصار شدة وقوة على ايران بدلا من ان يخفف ويضعف!
وكتب النائب المحافظ محمود نبويان أن القبول بقوانين “فاتف” يساوي القبول بكشف جميع بيانات العلاقات التجارية والمالية للشعب الإيراني، مما يترتب عليه غلق الأبواب بوجه الاقتصاد الوطني، مضيفا أنه “من شأن هذا القرار إفشاء بيانات دقيقة عن اقتصاد البلاد، وبالتالي سيؤدي إلى تزايد شدة الضغوط الغربية على الجمهورية الإسلامية”.