كـتـاب ألموقع
الحقيقة الغائبة: نظراتٌ في أسرارِ أسمهان، وسحرِ فنِّها (ح4)// سيمون عيلوطي
- المجموعة: سيمون عيلوطي
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 12 نيسان/أبريل 2024 20:00
- كتب بواسطة: سيمون عيلوطي
- الزيارات: 1059
سيمون عيلوطي
الحقيقة الغائبة: نظراتٌ في أسرارِ أسمهان، وسحرِ فنِّها
(الحلقة الرابعة)
سيمون عيلوطي
جاء في الحلقة السابقة وفقًا لمقال الكاتبة الصَّحافية منال الجيوشي، نشرته في موقع "مصراوي" بعنوان: "ولدت في البحر وماتت بسبب حادث غامض... محطات في مشوار أسمهان" أنها "في 1938، تزوجت من ابن عمها الأمير حسن الأطرش، بعدما قدَّمت وقتها عددًا من الأغاني، واستقرَّت للعيش معه في جبل الدُّروز، وأنجبت منه ابنتها "كاميليا"، وبعد نشوب الخلافات بينهما، انفصلت عنه وعادت لمصر وقرَّرت المضي في مشوارها الفني".
عادت أسمهان إلى مصر وهي في غاية الشَّوق والحماس لمتابعة مشوارها الفنيّ الذي انقطع لمدة ست سنوات، وهي الفترة الزمنيَّة التي قضتها مع زوجها، الأمير حسن الأطرش قبل الانفصال، فاستمرَّت بالتَّعاون مع كبار الملحِّنين الذين عبَّدوا طريقها في بداية مشوارها مع الغناء، وهم: زكريا أحمد، محمد القصبجي، رياض السنباطي، فريد غصن، مدحت عاصم، محمد عبد الوهاب، وشقيقها فريد الأطرش.
في هذه الفترة كانت صاحبة "يا طيور" في أوج نشاطها الفنّي والمجتمعي، تُسابِق الزَّمن... تريد أن تأخذ من الحياة ما استطاعت من ملذَّات جنَّة الدنيا، فكانت تبالغ في كل شيء قبل أن تغادر هذا العالم وتتحقّق لا محالة نبوءة العرّافة التي أقنعتها حين قرأت كف يدها أن حياتها على هذه الأرض قصيرة، وأنّها كما ولدت في الماء ستكون نهايتها بعد أجل قصير في الماء أيضًا.
زد على ذلك المفارقات الكبيرة التي مرَّت على حياتها، وانتقالها من حال إلى حال، فمن فقيرة، معدمة في طفولتها في مصر، إلى نجمة لامعة، أحدثت انقلابًا في الغناء العربيّ، ثم أميرة ذات سلطان ونفوذ في جبل العرب في سوريا، استطاعت بذكائها وثقافتها أن تفرض شخصيَّتها على كل من حولها ما جعل زوجها الأمير يأخذ رأيها في كل شاردة وواردة حول مختلف الشُّؤون التي تخصُّ الحياة في الجبل.
هذه العوامل مجتمعة أحدثت خلخلة في كيانها، جعلتها حزينة، عابثة، متناقضة، تريد أن تحصل على كل شيء من هذه الحياة بسرعة ويسر، تحب الغناء بشكلٍ خرافيٍّ، تركت زوجها وأهلها وعشيرتها في الجبل بسببه، وفي نفس الوقت تكره أن تغنِّي أمام الجمهور، خاصة النِّساء اللواتي يشاركن في حضور حفلاتها، فهنَّ حسب تعبيرها لسنَ أفضل منها في شيء ليطلبنَّ منها أن تغني هي الأغنية أو تلك، فهي أميرة، أصبحت سيَّدة مجتمع، كلمتها مسموعة عند رجال السِّياسة والفنِّ، وكثيرًا ما عبَّرت عن ذلك لأصدقائها ولتوأم روحها فريد الأطرش الذي كان داعمًا لها، وواقفًا إلى جانبها في السَّراء والضَّراء، وكثيرًا ما كان يدافع عنها ويحميها من قسوة شقيقها فؤاد، وحماقته التي تصل أحيانًا حدَّ الضَّرب المبرح.. وذلك لأنه لا ينظر بعين الرضى إلى احترافها الغناء وعلاقاتها مع أهل الفن. معتبرًا أنها لم تزل على ذمة زوجها الأمير حسن. ناهيك عن مضايقة الملكة نازلي لها بسبب غيرتها الشديدة واعتقادها بانها خطفت منها قلب حبيبها، أحمد حسنين باشا، فعملت على تجميد إقامتها في مصر. بالإضافة إلى خوفها من شبح الموت الذي تراه ينتظرها، وقد يقبضُ على روحها في كلِّ لحظة. وتتحقَّق نبوءة العرافة التي فتحت لها ذات يوم بالكف، وأخبرتها أنها مثلما وُلِدت في الماء، ستموت وهي في ريعان شبابها في الماء أيضًا، وقالت لها: ستتزوجين من رجل مُهِم، وهو على درجة عالية من الجاه والنفوذ، ثم تنجبين منه ثلاثة أولاد، اثنان يموتان، أما الثالث فتكتب له الحياة ويعيش.
ما زاد من خوف أسمهان هو أن نبوءة تلك العرَّافة قد تحقَّقت في أمرين، أولهما زواجها من رجل مهم، الأمير حسن الأطرش، ثانيهما موت أثنين من أولادها وهما لا يزالان طفلين، أما المولدة الثالثة وهي الأميرة كاميليا الأطرش، فقد كتبت لها الحياة وعاشت سعيدة، تزوَّجت وأنجبت، إذن: لم يبقَ من نبوءة العرَّافة سوى أن تنتظر ساعة أجلها التي قد تأتيها في كل لحظة. أسمهان لم تُخفِ خوفها وقلقها بهذا الشأن عن صديقها الصَّحفي والكاتب محمد التَّابعي الذي ألَّف عنها كتابًا، عنوانه: "أسمهان تروي قصّتها"، تطرَّق فيه إلى جوانب متعدّدة من حياتها وفنّها.
تأزَّمت حياة أسمهان، وضاقت الدُّنيا في عينيها، وأحسَّت أنَّها هربت من سجن الزوجيَّة في الجَّبل، إلى سجن بيت العائلة في القاهرة، ولكي تُحرِّر نفسها من هذه القيود حجزت جناحًا خاصًا في فندق "مينا هاوس" وأقامت به، لكنَّها لم تسلم من مضايقة شقيقها فؤاد وتوبيخه لها على هذه الفعلة. وذات يوم: بينما كانت تجلس مع نخبة من الباشوات وبعض رجال السِّياسة والمجتمع، والفن، حضر زوجها الأمير بصحبة فؤاد إلى الفندق. ووفقًا لموقع "الجريدة" الذي نشر حول ذلك يوم: 10-9-2008، مقالًا تحت عنوان: "صوت الحب والأنس والطرب(9) أميرة الأحزان أسمهان...الحريّة أو الموت!"، جاء فيه: لمحت أسمهان زوجها وشقيقها وهما يدخلان الفندق، فاستأذنت من الباشوات كأنها ستقوم بأمر بسيط وتعاود فورا، وتقدمت لاستقبالهما بهدوء وكأنهما صديقان لم تغب عنهما طويلا."
"صافحت الأمير حسن برقة تخفف بها عنه الأهوال المقبلة، وبدا على وجهها أنها اتخذت قرارا لا رجعة فيه واختارت أن تبدأ هي بالحديث حتى لا تضيّع وقت الأمير، فضلا عن الباشوات الذين ينتظرون. قالت بصراحة من دون مواربة أو تردُّد: لن أخمن لماذا جئت، أعرف جيدا السبب، ولن أبدأ أيضا بالحديث عن نفسي، بل عنك، فأنت زوج محب وعطوف ورجل شهم ونبيل، ولك أخلاق الفرسان، فأنت واحد منهم."
"ثم صمتت قليلا وواصلت: لكني على رغم ذلك لن أعود إلى الجبل... لقد تزوجت نزولا عند مشيئة أخي فؤاد الذي سلّط على رقبتي سيفًا، وحاولت أن أحبك لأعيش حياة هانئة، عملت وتعبت وسهرت معك، لكني لم أنس فني، كان استماعي إلى أسطوانة يثير جنوني. كانت أخبار الغناء وفريد وأم كلثوم أحبّ عندي من كل شيء، أحبّ إليّ من أخبار الفرنسيين والدروز والمعارك، وهذه الحقيقة. أريد العودة إلى الفن، إلى الغناء. تطلع الأمير إلى عيني أسمهان طويلا وسألها: هل انتهيت من كلامك؟ نعم، ليس لدي ما أقوله أكثر مما قلت، وأعرف أنك ابن عمي ورجل كريم، لن تجور على حقي. - ماذا تريدين الآن؟ صمتت قليلا ثم نظرت إلى الأرض وقالت في صوت رقيق: عفوا... أريد الطلاق يا أمير! نظر إليها نظرة فاحصة، ثم استدار بوجهه إلى فؤاد، فهز الأخير رأسه حسرة، ثم أدار وجهه بعيدًا عن حسن. قال الأمير وهو يكتم آلامه ويحاول أن يبدو متماسكا قويا: أنت طالق يا آمال...".
(انتهى الاقتباس)
غادر الأمير الفندق وهو حزين على فراق أسمهان، هذه المرأة التي أحبَّها بكل جوارحه، وكان مستعدًا أن يفعل كل شيء في سبيل إسعادها، كيف لا وهي من سحرت قلبه منذ أن رآها في بيت والدتها في مصر، فطلب يدها للزواج، ثمَّ استحوذت على عقله وفكره معًا بحواراتها النيَّرة معه بعد الزواج، حيث دلَّت على حبِّها للوطن والشَّعب في الجبل وفي سوريا عمومًا، وحثّه على رفض ما اطَّلعت عليه في الوثائق الموقَّعة بين الفرنسيين وبين أهلها في الجبل، والتي تنصّ على تقسيم سوريا إلى دويلات، واحدة في جبل الدروز، وأخرى للعلويِّين، وثالثة لدمشق، مستذكرًا طلبها منة وضع مضخَّة في النَّهرِ تصبُّ في قنوات يُقيمها خصِّيصًا لنقل الماء إلى بيوت الناس، بدلًا من يسيروا مسافات لنقلها، مستحضرًا أيضًا ذلك الحوار الذي دعته فيه للعمل على نبذ الخلافات بين أبناء الشَّعب الواحد، ورصِّ الصُّفوف أمام المخاطر المحدقة بهم، والوقوف وقفة رجل واحد في وجه الاستعمار حتى كنسه من بلادهم الحبيبة.
هام الأمير على وجهه وهو يقود سيارته عائدًا إلى بلاده، لشعوره بالانكسار وانفصاله عن نصفه الآخر، وبينما هو في شروده تعرَّض لحادثتين في الطَّريق نجا منهما بأعجوبة، الأول اصطدامه في حيفا بإحدى الدَّواب، أما الحادث الثاني، وقع عند مدخل الجبل، اصطدم بجدار، تحطَّمت السيارة وخرج منها ينزف من الجراح التي أصابته وهو لم يزل هائمًا بطيف أميرته المغرِّدة.
أختار من تغريدها أغنية "دخلت مره بجنينة" كلمات: عبد العزيز سلام، ألحان مدحت عاصم، سنة 1938.
https://www.youtube.com/watch?v=J8R2RuJVl4Q
المتواجون الان
395 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع