اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مقطع بالعرض// كريم عبدالله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مقطع بالعرض

كريم عبدالله

 

مددت رجلي على الطاولة الصغيرة التي امامي ،

وأنا اشعر ببعض الأرتياح الغريب الذي لم يخالجني منذ أمد بعيد، وبالذات حين ضاقت أموري المالية وتأزمت جداً في الأشهر الماضية ، بعد ان لم يحالفني الحظ في المحافظة على محل التوابل والبهارات الذي كان يدر علينا انا وابن اخي الذي يتولى هذا العمل ويختص فيه ، والذي اضطررت الى تركه بسبب تدهور امور الأمن في السوق . .

وقد كنا أنا وابن اخي نتقاسم ايراد هذا المحل، فيعينني المبلغ الذي اقبضه من وقت لآخر اضافة الى راتبي الوظيفي قبل ان أتقاعد على قضاء كل أمور ومتطلبات البيت والعائلة، والان لم يتبقى غير الراتب التقاعدي. 

فكرت وأنا أمدد رجليّ على الطاولة بأن اول شيء سأقوم به غداً حين ساقبض مبلغ المنحة التي تحققت لي من دائرتي عن الاجازات السنوية المتراكمة لي والتي لم أكن أتمتع بها وقتذاك او أسعى للحصول عليها ، أول شي ساقوم به هو ، ملأ ثلاجة البيت بالمخضرات وبأنواع من السلع واللحوم التي سأتسوقها عند استلامي مبلغ المنحة وقبل عودتي للبيت، وسأشعر بنشوة وراحة الضمير ، وانا ارى زوجتي تقلب الانواع والعلاقات اذ ستحتوي كل علاقة على صنف من المخضرات والفواكه. .

مددت رجلي اكثر على الطاولة ،

شبكت يدي وراء عنقي ،

وتمددت بارتخاء بين الكرسي الذي يسند ظهري ، والطاولة الصغيرة التي مددت رجليّ عليها..

- واخيراً ، سأشتري دشداشة ، دشداشة نص ردن ، هذا الصيف حار..

قلت لزوجتي ، وتابعت:

- لا ، ليست دشداشة وحدها، دشداشة وليفة وصابونة معطرة ، هذه المرة انا مصر على تحقيق تفاصيل حلم كامل، تفاصيل هذا الحلم الصغير ، سأحلم وأنجز بالتفصيل وبالدقة كمل حلمت ، ولأول مرة في حياتي ، فغداً بعد ان اعود للبيت، ساذهب الى الدكان واشتري واحدة من الدشاديش المعلقة في محله، وواحدة من ليف الحمام، والصابونة الخضراء ذات الماركة التركية، هذا حلم ، وسيتحقق بالكامل .. اضمن انا ذلك..

فسخرت زوجتي من حلمي هذا ، وقالت:

- الناس تحلم بقصور وفلل. .

- تركنا هاي الاحلام اريد احلم بحلم احققه فوراً وبالتفصيل الدقيق مثل ما أريد . .

- هاي بسيطة ، وحتى بدون حلم.

- لا ، حلم ، انا مصر ان يكون حلم.

نهضت زوجتي وهي تسخر من حلمي هذا :

- انت يمكن صاير مستوي؟

ورأيتها تثب نحو حنفية الماء الواقعة بظهر باب دارنا من الداخل، وقالت مستبشرة :

- جاء الماء..

فتقطرت حبات الماء من الحنفية ،

واستمر الماء ،

فدخلت زوجتي لتخرج اكداس الصحون الملطخة بالمرق، والقدور المتسخة ، وتقربها من حنفية الماء..

- شوف الحضارة..

قالت وهي تريني أحد القدور التي تعتز بها والتي اتسخت بالسواد من قفاها وجوانبها الخارجية بفعل دخان (البريمز) الذي باتت تطبخ عليه طعامنا ، وشاينا .. والذي كان يملأ مطبخ زوجتي وباقي ارجاء البيت ببريره الرجولي المقدام ، قبل كل وجبة طعام في الصباح والمساء والذي اصبح له في نفوسنا واجب الاحساس بالفضل والجميل والعرفان..

احتفلت زوجتي بغسل أوانيها بقرب باب الدار لأن الماء لايرتفع الى الحنفيات العالية في داخل البيت ، وطارمة البيت، ملأت كل الجلكانات والقدور والأواني الفارغة بالماء ووضعتها تحت مبردة الهواء التي كانت تتصدر وجه البيت ، فعسى ان نستخدمها للمبردة ، فلنكن جاهزين للاستمتاع بساعة او أقل من الهواء المنعش من المبردة ، حين تأتينا الكهرباء،

واستغللت الفرصة فاخذت قدور الماء ال الحمام وجعلته بطرشق على رأسي وجسمي..

تعشينا في طارمة البيت،

ونحن نجلس كل يوم نتعشى هنا ، وننام احياناً لأن الحرارة داخل البيت لاتطاق في مثل هذه الساعة: بانتظار الصباح لمراجعة دائرتي في الكرادة ، شركة المقاولات الانشائية العامة، لاستلام شيك بمبلغ المنحة المترتب لي..

في الصباح..

حلقت ذقني ،

عدلت من ياقة القميص الذي ارتديه ،

وخرجت: ياالله

ركبت من كراج سيارات البياع باتجاه الكرادة، حيث تقع الدائرة ، وقد تردد سائق السيارة الكيا في ان يفتشنا ويقلبنا ، وبالذات اغراض النسوة ، لكننا رايناه مرغم على فعل ذلك:

- الحذر يغلب الضرر، اخوان لتزعلون ، بس انتو شايفين الأنفجارات ..

كان يسرنا لوقلبنا تقليباً ، عسى ان يجد القنبلة في جيب الذي ينوي موتنا:

- عمو اخذ راحتك ، والله احنا نكيف..

افزغنا دوي من بعيد،

ثم تصاعد من هناك الدخان الاسود الكثيف كالعادة،

- هاي عبوة.

قال احدهم

- عبوة ، لو مفخخة ؟.

رد الآخر

وكالعادة ،

تصاعد الغبار والدخان،

وكالعادة نستدل على اماكن وقوع هذه الاحداث رغم البعد من الدخان والتراب المتصاعد . .

انسابت بنا الكيا من كراج البياع باتجاه طريق الكرادة . .

كانت وجوه الركاب وبالأخص النسوة كعادتها ، تلهج بالأدعية والآيات القرآنية بصوت خفيض مسموع، ونحن نسأل الله الستر..

- اخي اليوم المدير ماموجود ، تعال باجر.

هكذا اخبرني موظف الحسابات حين دخلت دائرتي السابقة. .

فعدت ادراجي في نفس الطريق الذي جئت منه،

وقد كانت الشمس عمودية على قحفة رأسي نصف المصلع،

وكانت فوضى الشارع كبرير(بريمزنا) الذي يبروبير قبل كل وجبه طعام ، صباحاً ، ومساءاً..

اخذ قميصي يخرج من تحت حزام البنطلون ويتدلى الى الخارج بفعل الكرش المتهدل امامي ، وكان العرق يتصبب من أعلى رأسي الى اسفل جذعي كما تصبب امس ماء حنفيتنا ،

وشعرت ان سيلاً مائياً ينز من أعلى قفاي وينساب نزولاً عبر ساقيه ظهري حتى يرتطم ببعض تضاريس وتعقيدات ظهري ،

وكان منديل القماش بيدي قد اصبح مبتلاً بالعرق الذي يمتصه من وجهي ورقبتي وصدري ،

وقد بدأت نظارتي الطبية كعادتهاتكوي اللحم الطري امام وخلف أذني ، فرفعتها ووضعتها في جيبي المعبأ بقصاصات الورق والهويات وعلبة الدخان والكبريت..

جاءتني سيارة كيا :

-بياع ، بياع..

فاستوقفته، وحشرت نفسي بين الوجوه التي كانت تلهث من الحر:

- راح أفوت بيكم من غير طريق، يقولون البياع بيها اشتباكات..

هكذا صرح السائق،

لم يجبه أحد،

فتحول حديث الركاب الى البياع،

وكيف ان فيها بعض المحلات والأماكن أحرقت ،

وحي العامل التي قال احدهم انهم لم يناموا ليلة أمس من كثرة أصوات الرصاص وتناثره والذي لايعرف أحد مصدره، وقذائف الهاون المتساقطة بعدة اتجاهات . .

وكالعادة حين سمعت هذه الاخبار استبد بي القلق على عائلتي:

- الو ، اكوشي يمكم ؟..

فاجابتني :

- لا انشاء الله ماكو شيء ، دير بالك بالرجعة تعال من طريق آخر..

وبدأت اضع خطة،

أين سأنزل من هذه السيارة ،

وكيف سأصل الى البيت..

نزلت في منتصف الطريق الخارجي للبياع،

ومن هناك تعرجت بعدة فروع جانبية ،

حتى وصلت الى شارعنا ،

وقد وجدت من حسن حظي ان شارعنا بعيد نوعاً ما عن أماكن الأحداث،

ووجدت ولدي متكدس مع شباب وصبية الشارع على الرصيف ، حيث تظلل على المكان سعفات النخلة التي تقف شامخة امام دارنا ، فأصبح ظلها خلال النهار مكان تجمع لهؤلاء الشباب يتبادلون فيه الثرثرة والكلام المستمر، ويحلمون بالعمل والوظائف التي طال انتظارها..

- ها عمو، سمعت آخر الاخبار..

- انشاء الله خير؟

فسردوا عليّ شريطهم الاخباري الذي نقلوه عما تقوله الناس في الشارع وعّما سمعوه من هنا وهناك ، وماتوفر لديهم من نشرات اخبار الاذاعة والتلفزيون ..

شعرت بآخر الدنيا من هذه الاخبار ، وربما هذه ساعة القيامة..

دخلت الى بيتي ،

فأخذت لي زوجتي قدراً من الماء ، من القدور التي لم يسعفنا الحظ ليله أمس باستعمالها في مبردة الهواء ، لأن تيار الكهرباء لم يحضر ويشرفنا بحضوره بعد..

- روح للحمام ، تبرد..

فدخلت بوجهي الى الحمام،

خلعت ملابسي ،

وسكبت قدر الماء على رأسي دفعة واحدة ، بدون ان اغسل وجهي وجسمي بالصابون..

وجلست قبالة احد الابواب التي كان يدلف منها بعض الهواء الذي يكوي الوجه ،

فينشف تعرقنا..

في اليوم الثاني ..

لم يأت السيد المدير الدائرة ايضاً ، لأن الطريق من بيته الى الدائرة كان مقطوعاً..

وفي اليوم الثالث ،

قد حضر السيد المدير الى الدائرة ،

ولكنه كان مشغولاً حسب قول الساعي والسكرتير على الباب والذي منعنا من مواجهته بسبب تراكم بريد اليومين الماضيين عليه، فلم يصل الدور الى معاملتي لتوقيعها..

وكنت أتابع الرواح والمجئء بنفس التفاصيل..

في اليوم الرابع،

وقع السيد المدير معاملتي ،

وقد حولها الى قسم الحسابات لتنظيم شيك بالمبلغ وتسليمه لي..

- وين الاكرامية، المعاملة خلصت ، موهواي لتخاف ، نريد منك كارت موبايل ابو العشرين دولار.

- حاضر..

قالت لموظفة الحسابات التي كانت تحمل معاملتي بيدها،

وخرجت من الدائرة لأجلب كارت موبايل لها من الاسواق القريبة..

حين استلمت شيك المنحة ،

وخرجت من الحسابات ، تلاقفني موظفي الاستعلامات،

وحراس الباب الخارجية للدائرة ،

فوزعت آخر ماتبقى في جيبي عليهم، ولم اكسب رضاهم،

- قليلة . .

هكذا قالوا،

 ولم يتبقى في يدي غير أجرة طريق العودة..

وحين خرجت من الباب الرئيسي للدائرة ، كان الشارع امامي خالياً تماماً،

موحشاً،

فتحسست الشيك،

ووضعته بين عدد من الأوراق في أحد الجيوب الداخلية للبنطلون..

حين تقدمت اكثر في الشارع ،

واكثر ،

رأيت سيارات الاسعاف تحمل المصابين ،

وعدد من العسكر يقطعون الشارع ويحملون الجثث البشرية ،

ونيران الحريق تأكل بعض السيارات وكل المكان ،

وسيارة ممزقة تناثرت اشلاءها ..

الدماء تملأ المكان..

تحطم قلبي ، تمزقت..

جاشت نفسي ، كأن احشائي تخرج من فمي ..

ابتعدت عن المكان بخطى بطيئة..

صرت بعيداً بعض الشيء ،

وأنا لا اتذكر بماذا كنت اهذي مع نفسي ..

عبرت الحواجز الموضوعة في المكان..

الشمس العمودية تشج راسي ،

ورعب المكان،

والأعياء،

فتهالكت الى الرصيف وجلست أجر الهواء من منخري جراً . .

وأمسح بالمنديل العرق المتصبب من عنقي وجبيني..

ملأت رئتي بالهواء،

مرة ، واخرى..

تنبهت الى جلستي هذه ، والمكان الذي مددت فيه رجلي ، هو حافة الرصيف،

وبعض المارة كان يتخطى من فوق رجلي..

الان ،

مع هذه الجلسة ، ماذا لو تلقفتني دراجة احدهم، وجرني من ياقة القميص : جيب الصك، ماذا سافعل ، سيأخذه بدون مقاومة مني ، واذا قاومت فسيتفوق علي مهما كان صغير الحجم، وبأي سلاح يحمله ، حتى او كانت ملعقة الطعام..

ماذا سأفعل ؟..

علي النهوض ومتابعة العودة الى بيتي ، وبالسرعة ،

بنفس مخطط طريق العودة الذي حفظته في الأيام السابقة، اذا لم يحصل شيء جديد عند مدخل محلتنا،

نهضت..

- بياع ، بياع ..

فأستوقفته ،

وحشرتني مع المحشورين في هذه السيارة التي كانت رائحة الحر فيها كرائحة الحمام..

لم يتسنى لي ،

والحالة هذه بأن اتسوق للبيت كما قررت سابقاً ،

فقد استولى عليّ الحر ، والعرق، والتسلل مرعوباً عبر الفروع الجانبية..

دلفت الى بيتنا ،

وأنا احمد الله واشكره حيث نجح ايضاً هذه المرة مخطط طريق العودة الى البيت ..

وبمجرد ان فتحت باب البيت،

سمعت صوت البريمز يبرُويبرُ بررررررررر..

وكانت زوجتي متربعة على الارض بقربه، وتحرك قلاية الأكل فوقه ، حين التفتت صوب الباب لتراني ، لاحظت ان خطا من السخام الأسود قد بدا على صفحة وجهها..

وكان يبر... برررررر.

ولم يتحقق ان اجلب الدرشداشة (نص ردن)

ولا ليفة الحمام،

او،

الصابونة المعطرة الخضراء..

 

برررررررر. . .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.