اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

صلاح أخلاقنا.. ننزعه بالقانون وليس بالدعاء// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

الموقع الفرعي للكاتب

صلاح أخلاقنا.. ننزعه بالقانون وليس بالدعاء

عادل نعمان

مصر

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

يتصور القائمون على حملة أخلاقنا من رجال الدين أن النصائح التى نسمعها من مئات السنين على منابر المساجد والكنائس حول الأخلاق والقيم الدينية، وحكايات تراثنا العامر عن الفضائل والمكارم ومحاسن الأخلاق، كل هذا كفيل بأن يعيد أخلاقنا التى فقدناها إلى صوابها، ويعتقد رجال الاجتماع منهم أن مجرد تسليط الضوء على الجوانب العظيمة فى شخصيتنا المصرية التى كانت كفيل بأن يعيدها من سطور تاريخنا الزاهر العامر إلى تاريخنا الحالى المقفر الخرب، وأن الشهامة التى كانت نبتة طيبة فى أرضنا زرعناها من سنين وحرمناها الماء وذبلت، فإن طالتها نمت وشبت وترعرعت. وأن الرحمة التى كانت مرسومة على بيوتنا قد اعتلاها الصدأ، وقليل من جليها يعيدها لبريقها ولمعانها، وأن المروءة التى فقدتها ذاكرتنا من صدمة الفقر والعوز، قليل من الصدمات يعيدها لأنفسنا، فنشفى ونبرأ من الداء ومن المرض، كمن فقد الإبصار بلكمة، فأعاده الطبيب بلطمة.فإذا كانت الأديان حاضرة وواصلة فى حياتنا، نصلى من الصباح حتى العشاء ونختم بالدعاء، ونصوم رمضان ونقيم الليل، ونحج البيت ونعتمر تقرباً إلى الله، ولا يغيب عنا ذكر الله، ويحيط بنا من كل جانب، إلا أننا لم نحفظ أخلاقنا حين غاب القانون وعادت الدولة إلى حالة الفوضى والبداوة. هل غاب الدين عنا أيام السلب والنهب والسرقة والقتل؟ صلينا وسرقنا وارتشينا. هل غاب التدين عن كل دولنا الإسلامية حين غابت الدولة والقانون وتحولت دولنا إلى فوضى وقتل واغتصاب؟ اعتمرنا وعكفنا ومالت كفة الميزان على خلق الله.. إذا غاب القانون غاب سلطان الحق.. هكذا ترجمها الخليفة عثمان «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، أو قل ينزع الحاكم الحق من الباطل نزعاً، ويصلح الأمر بسلطان الردع، ما لا ينزعه الأئمة والخطباء على منابر المساجد أو الكنائس. فى مقدمة ابن خلدون يوضح أن الدين ليس هو أصل الدولة، فالأديان جاءت بعد خلق الإنسان وخلق الدولة، والأصل الحقيقى فى نشأة الدولة هو طبيعة اجتماعية، واحتياج الناس لكيان يحمى الأفراد ويتطور وفقاً لتزايد احتياجاته وطموحاته، وما يستلزمه من تطور فى طبيعة العلاقات الاجتماعية يستتبع معها تطوير التشريعات بما يضمن توازن المصالح وحماية حق الغير، إما بالرضا بين الأطراف أو بنزع الحق انتزاعاً، ولكون الإنسان مطبوعاً على نوازع الشر، فهو يحتاج إلى وازع السلطان والقانون ليحفظ حقوقه وواجباته ويحفظ للغير حقوقه وواجباته أيضاً، والدليل على ذلك أن الذين لا يملكون ديناً سماوياً أو بشرياً استطاعوا تشييد دول دون احتياج لأديان ترشدهم وتلزمهم بتشريعاتها، لأن القانون الوضعى هو الذى طور حياتهم وفقاً لاحتياجاتهم، والتزموا به، فأسعدهم وضمن المجتمع هدوءاً واستقراراً وأمناً لم يتحقق فى دول كثيرة التزمت بأشكال التدين، لكنها لم تحقق أمنها أو انضباطها. الأديان لها دور فى غرس القيم والوعى وهذا ما يسميه ابن خلدون (بالوازع الداخلى) لكن هذا الوازع لا يكفى لبناء أمة أو يضمن تقدمها أو التزامها وانضباطها وحماية أفرادها دون (الوازع الخارجى)، وهو القانون الذى وافق الجميع على احترامه والخضوع إليه وذلك انضباطاً بالعقاب لمن يخطئ، وهذا واضح فى دولنا حين غابت سلطة القانون (الرادع الخارجى) لم يحل محله (الرادع الداخلى) لحماية المجتمع.

 

إن الانضباط للدولة المدنية الحديثة، يسبق الانضباط القائم على الدعوات الدينية. وذلك أولاً: لتنفيذ العقوبة الفورية للقانون، وثانياً: لديناميكية التغيير لتلبية احتياجات الناس، وتحقيق رغباتهم، ونقل ما حرمته الأديان من علاقات، إلى قبولها والسماح بها، وذلك بعد تهذيبها وتنقيحها، ومسايرتها لفكرة العدل والمنفعة، وهما عصب أى فكر دينى، فمثلاً قضية الاقتراض بشكلها البسيط فى القدم والظلم الاجتماعى الصارخ، الذى صاحبها فى بداياتها، كأى نظرية اجتماعية ناشئة تميل مع صاحبها لتحقيق أكبر مكسب ممكن باستغلال حاجة المدين حتى ظهر فى شكله الربوى الذى حرمته الأديان، إلا أن تطور المجتمع ورفضه هذا الظلم الإنسانى قد هذّب ونقّح هذا الإقراض الظالم، حتى صار إقراضاً بالرضا يحقق مصالح الدائن والمدين، فاختفت مظاهر تحريم الربا فى شكله المرفوض إلى إقراض قائم على تحقيق مصلحة متوازنة للأطراف جميعها، ولم يعد لشكله الربوى الظالم مظهراً إلا فى فكر رجال الدين، يسحبون الحكم إلى العلاقة الإقراضية العادلة الجديدة. أليس هذا بتطور أخلاقى مجتمعى مدنى بعيد عن الأديان؟ ظاهرة الرق الذى ما زالت أحكامه معمولاً بها حتى الآن، قد تم إلغاؤه مع الثورات التحررية للعبيد لإقامة العدل والرحمة، لم تحرمه الأديان فى حينه، وهو ظاهرة اجتماعية تتعارض معه. أليس هذا بتطور أخلاقى مجتمعى بعيد عن الأديان؟ بالقانون أيها السادة يعود للمجتمع نضارته وعدله والمفقود من أخلاقه، وليس بالدعاء على منابر المساجد أو الكنائس أو الحديث عن تاريخنا العامر.

 

"الوطن" المصرية

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.