اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الإرهاب الفكرى أقسى من السجون المغلقة// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الإرهاب الفكرى أقسى من السجون المغلقة

عادل نعمان

مصر

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

الأفكار لا تحبسها أسوار السجون، بل يحبسها الإرهاب الفكرى تحت دعاوى الحسبة والازدراء والتكفير. الفكر لا يموت من ضيق الصدور التى فى السجون، بل يموت الفكر من الأسوار التى حول العقول، فهو يعرف الطريق إلى الحرية وسط ظلام السجن، فيرى السجين ما لا يراه السجان، ويسمع ما لا يسمعه وهو منه قريب. فليس ضيق السجون هو المساحة التى يتحرك فيها المفكرون. بل أجواء الحرية التى تنعم بها عقولهم، والفضاء الرحب الذى تجول فيه خواطرهم، والمؤكد أن الوطن على اتساعه يكون قيداً على حركة المفكرين والمبدعين إذا كانت سيوف التكفير تحيط بعقولهم، تخيفهم وتقيدهم، والمؤكد أيضاً أن الوطن على قدر ضيق مساحته يكون عوناً على انطلاق الفكر والإبداع إذا وضعنا القلم محل السيف، والحوار محل التكفير. لكن عقولنا مهما سجنوها ستخرج خلف الأسوار تدور حول الأباطيل تكشف المستور منها، وترفع غطاء الحقيقة عنها، وتعرّى الكذب الذى يلبس تارة لباس التقوى، وأخرى لباس الخرافة والدجل. لقد آن الأوان أن تتخطى عقولنا حدود الخوف والرعب بحثاً عن الحقيقة المجردة دون إكراه وبالتى هى أحسن. لا يمكن أن نقبل أن يظل هذا التراث حاكم عقولنا لا يكبر ولا يهرم ولا يشيخ، وتظل خرافاته تلوى عنق الحقيقة، نضيق له السبيل حتى لا يتسع لغيره، ونفسح له الطريق حتى يمر بمفرده دون مزاحم أو مشاكس، ونقصى عنه العقول بالسجن بعيداً عنه حتى يمر بسلام، ويصعد إلى الحلبة بمفرده دون منافس، ونحبس عنه خلف الأسوار خصمه وغريمه، ثم نعلن على العالم فوزه بالضربة القاضية.

 

 

لقد كانت خرافات وأساطير هذا التراث فى يوم من الأيام تُشبع حاجات الأجداد، وتريح خاطر الحيارى منهم، وتسر هوس المهاويس منهم. فإذا ما انكشف عنها غطاؤها وفسر العلم ظواهرها، وفك طلاسمها ورأيناها بالعينين ولمسناها باليدين، وجب علينا أن نخفيها من حياتنا ونسترها عن حاضرنا وأبنائنا حتى لا يتهمونا بالسفه والحماقة. لا يمكن أن يقبل حكام فى القرون الوسطى حرية الفكر والاجتهاد والنقاش والحوار مع المخالفين فى الرأى طمعاً فى المعرفة، حتى تجرأ على الله منهم من تجرأ، ورفض الأنبياء منهم من رفض، وظهرت كتب الإلحاد فى الأسواق وتداولها الناس، ولم ينقص هذا من دين الله شيئاً، ولم يُحبسوا ولم يُنكّل بهم، ثم يُحبس المثقفون فى عصر الحريات والعلم وكشف المستور. لا يمكن أن يقبل المأمون الخليفة العباسى فى ديوان حكمه أحد الأقباط المخالفين له فى الرأى وهو الفيلسوف عبدالمسيح بن إسحاق الكندى الذى كان ينتقد شعائر المسلمين وعباداتهم وطقوس حججهم، وكان يحاوره الخليفة المأمون ويناقشه، ويأتى له بالعلماء لحلبات الجدل والنقاش لمعرفة الحقيقة، ولم يحبسه أو يضيق صدر الناس به، ثم يُحبس المثقفون فى بلادنا فى عصر التنوير والحداثة.

 

السجون فى التاريخ العربى والإسلامى لم تمنع أصحاب الفكر والرأى من كسر السلاسل والقيود، فلم تمنع الحلاج من الشطط، ولم تمنع المعتزلة من إخضاع كل التراث للعقل حتى النصوص، ورفض معجزات التراث المنقول، ولم تمنع تساؤل وحيرة بشار بن برد أو ابن المقفع وابن الراوندى وأبوبكر الرازى والفارابى، ولم تمنع تهم الزندقة التى حاصرتهم فى السجون وقطعت أوصال بعضهم أمام أعينهم أو صُلبوا على الصليب من إعمال العقل أو الشطط فى كثير من الأحيان، فأصبحوا ضحية الفكر وخلّدهم التاريخ. ولو كان من حبسوهم أو من قتلوهم تركوهم لأفكارهم دون سجن أو قتل، لخلّدهم التاريخ قبلهم وشرّفهم التاريخ قبل تشريفهم. لقد خلّد التاريخ المأمون الخليفة العباسى مؤسس دار الحكمة فى بغداد، وراعى الفكر والمفكرين، فازدهرت فى عصره العلوم والترجمات، وكسب الإسلام به أكثر مما كسب من أخيه المتوكل الذى طارد أصحاب الفكر والمفكرين، فانحدرت العلوم فى عصره، وتلاشت المعرفة وحلّ محلها الخرافة والدجل وخسر الإسلام الكثير. آه لو عرف مناهضو الفكر ماذا سيقول التاريخ عنهم وماذا سيقول عمن ظلموهم، لتركوهم يقولون ما شاء لهم القول، ويعارضون ما شاء لهم أن يعارضوا، ويتشككون قدر طاقتهم على الشك. التاريخ يضع فرج فودة ضحية حرية الفكر فى صفوف العظماء ويضع قاتله فى حظيرة البهائم، التاريخ لا ينسى نصر حامد أبوزيد وينسى من أصدر حكم التفريق بينه وبين زوجه، التاريخ يتذكر الشيخ على عبدالرازق وينسى من ظلمه، ويفخر بوكيل النائب العام فى قضية طه حسين الذى خذل فيه من أرهبوه وأخافوه (إن العبارات التى يقول فيها المبلغون أن طه حسين طعن فيها على الدين الإسلامى، إنما جاءت فى سياق الكلام متعلقة بالغرض الذى أُلّف من أجله الكتاب، ومن أجل الفصل فى هذه الشكوى لا يجوز انتزاع تلك العبارات من موضوعها والنظر إليها منفصلة، ولكن الواجب تقديرها ومناقشتها فى السياق الذى وردت فيه).

 

وكان قرار وكيل النائب العام محمد نور الذى سجله التاريخ: «ومما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين، بل إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائى غير متوفر، فلذلك تُحفظ الأوراق إدارياً»، كان هذا أوائل القرن الماضى!! أتلاحظون ما خسرناه فى قرن؟ خسرنا حرية الفكر. الفكر يا سادة بالفكر، والقلم بالقلم، والسيف بالسيف (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ)، وليس بالحبس أو التكفير، هذا إن كنتم تعلمون.

 

 

"الوطن" المصرية

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.