كـتـاب ألموقع
في وداع عباس رَش// عبد الرضا المادح
- المجموعة: عبد الرضا المادح
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 02 آب/أغسطس 2023 10:44
- كتب بواسطة: عبد الرضا المادح
- الزيارات: 1162
عبد الرضا المادح
في وداع عباس رَش
عبد الرضا المادح
في منتصف السبعينات تعرفت على الرفيق علي عبد الكريم جاسم الكنعان وهو من مواليد 1949، حيث كان يعمل مصوراً ولديه ستوديو (ذكريات) في البصرة القديمة منطقة السيمر الشعبية، كان الستوديو بجانب محل الجامچي رفيقي وصديقي صالح، كنت أتردد يومياً على محل الجامچي وهناك تعرفت على (علي المصور)، كان علي شابا اسمرا في منتصف العشرينات من عمره رسمت الحياة قساوتها على جسده النحيف، دمث الأخلاق حذر في كلامه،
مشغول في عمل الصور الجميلة لزبائنه، لم تدم الفرصة طويلاً لأتعرف عليه بشكل أكبر، فهجمة النظام البعثي على الشيوعيين والديمقراطيين والتي بدأت في البصرة عام 1978 أجبرتنا على الأختفاء، والتشتت في ربوع الوطن وبلاد الغربة، ولم ألتقيه بعدها إلا في موسكو عام 1989 وهو قادم من الحركة الأنصارية لغرض العلاج، وقد حدثني عن معاناته وآلامه من الأصابة البالغة في رجله، بواسطة شضية أثناء قصف طائرات النظام الصدامي بالقنابل الكيمياوية يوم 5-6-1987 ، لمقر قوات الحزب الشيوعي في وادي زيوة قرب العمادية، (عباس رَش) وهي كنيته في حركة الأنصار، غادر شمال العراق ـ كردستان مع أفواج الناس الزاحفة نحو الأراضي الإيرانية، هرباً من حملة الأنفال للنظام لأبادة مقاتلي المعارضة والمدنيين من أبناء القرى والمدن الذين لجؤوا للجبال، كم كانت معاناته عظيمه وهو يسير في الجبال لأيام متواصلة على ساق تمزقت فيها عضلة كبيرة لم تشفى تماما بعد وبقي طول حياته يعاني منها.
إنتقلت أنا من موسكو إلى السويد في أيلول عام 1990 بعد أن أنهيت دراستي الجامعية، وعلِمت بعد سنين أن (عباس رَش) أيضاً إنتقل إلى السويد ويعيش في مدينة صغيرة في الشمال، ولم أحصل على عنوانه أو تلفونه لأنه هو أيضاً فضل الأنزواء بعيداً عن هموم السياسة التي طحنت زهرة شبابنا، بعد عام 2000 وفي مدينة ستوكهولم، تفاجأت به يطل علينا من شاشة التلفزيون، حيث أجرت معه فضائية الشرقية لقاء للحديث عن نجاحه في العمل، وكان يُدير مطعماً للبيزا في أصقاع الغربة والثلوج والظلام.
بعد سقوط النظام عام 2003 بثلاثة أشهر، سافرتُ للوطن وزرت معظم الأماكن التي زرعت في قلبي ذكريات، ومنها (ستوديو ذكريات) وسألت عنه عسى أنه جاء لزيارة الأهل، وتعرفت على إبن أخيه وقال أنه في السويد، وهكذا لم يتحقق اللقاء حتى في سفراتي السنوية للبصرة، إلى أن فاجأني أبن أخيه بأتصال من البصرة وأنا في ستوكهولم ليخبرني بالحدث الأليم قائلاً (عمي علي المصور توفى اليوم الخميس 27تموز2023 في السويد)، تألمت كثيراً لفقدان إنسان مناضل مقاتل شجاع خلوق لم تنصفه الحياة، ولم يُكرم في حياته بل عانى الإجحاف والنسيان ورَفض حتى أستلام التقاعد، فتجسدت مقولتي" الفقير يبقى فقير حتى في الحزب الشيوعي" ؟!
كما خبرني بأن عمه زار البصرة بشكل سري عام 1982 قادماً من الشمال، وكذلك عام 2003 بعد سقوط النظام، ويبدو الصدفة غدرت بنا فلم نكون بنفس الفترة في البصرة، كما خبرني بأن عمه علي تزوج من أمرأة من كازاخستان وأنجبت لهما ولد وثلاث بنات.
ومفاجأة أخرى صادمة، طلبت من ابن أخيه صور له والأفضل تكون مأخوذه في الستوديو، فبعث مشكوراً صورة جميلة واحدة وقال أنهم لا يملكون غيرها، فكم كان زاهداً في الحياة، مصوّر ستوديو ذكريات لايملك سوى صورة واحدة !!، ولكن علاوي العزيز ستبقى صورتك النقية زاهية في قلوب محبيك، نم قرين العين (عباس رَش) ـ أبو سلام، لن ننساك ولن تنساك الجبال والأزهار والقرى !
عبد الرضا المادح
01ـ08ـ2023
المتواجون الان
526 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع