اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

هل الوعي هو الذي اخترع اللغة؟// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

هل الوعي هو الذي اخترع اللغة؟

د. ادم عربي

 

من يدّعون المثالية ويرون أن الوعي هو الحاكم الأوتوقراطي الأعلى للعالم، يقولون بسهولة أن اللغة هي من صُنع الوعي. لكن هذه الإجابة المثالية تطرح سؤالاً آخر، وهو: هل كان للوعي (الإنساني) وجود قبل أن يخترع اللغة؟. الجواب هو لا، فلا يمكن أن يكون للوعي وجود بدون لغة.

 

اللغة التي هي شرط لوجود الوعي، هي نتاج العمل الاجتماعي وليس الفردي. فالإنسان منذ ظهوره على الأرض كان جزءاً من جماعة وليس فرداً منعزلاً. إنه كائن اجتماعي بطبيعته.

 

الجماعة البشرية البدائية بدأت بتغيير بيئتها الطبيعية لتلبية احتياجاتها الأساسية من طعام وملابس ومأوى وأمن اي زاولت العمل . وفي البداية استخدمت أدوات طبيعية موجودة في الطبيعة مثل الحجر والعصا وعظام الحيوان. ثم تطور هذا الكائن الاجتماعي، أي الإنسان، إلى صانع أدوات (للعمل).

 

مع صناعة الإنسان لأدوات العمل وتوسعه في تحويل بيئته الطبيعية وإنشائه للبيئة الاصطناعية أو الطبيعة البديلة ، زادت قدرات الإنسان الحسية وتنوعت مصادر المعلومات الحسية التي تأتيه من حواسه المختلفة.

 

في العمل وبه، زادت الحاجة لدى أفراد الجماعة البشرية البدائية إلى وسيلة اتصال، أي لغة. واللغة (المنطوقة أولاً) نشأت من اللغة الحيوانية الأصلية (الأم) التي تعتمد على الصوت (باختلافه وتنوعه). والصوت (على شكل صرخة تنبيه أو استغاثة) كان يستخدم للتحذير من الأخطار (التي كان أهمها الحيوانات المفترسة) التي تهدد أمن الجماعة البشرية البدائية.

من التنوع الصوتي الإنساني، تطورت الكلمات الأولى. وكانت أسماء الأشياء (التي تهم الجماعة البشرية البدائية) هي الجزء الأكبر من تلك الكلمات (المنطوقة).

 

بتوافقهم وتواضعهم، صنعوا (وتزايدت ونمت) مجموعة (من الأسماء الجامدة)، وهي أسماء سُمِّيت بها أشياء مثل رجل، وامرأة، وطفل، ونار، وكلب، ونهر، وشجرة، وقمح. فالعمل الذي أنشأ المجتمع الإنساني، أحدث وزاد الحاجة إلى الاتصال اللغوي (الاتصال بكلمات وأسماء بالنطق، قبل اختراع الكتابة والحروف).

من المهم جداً أن نتتبع التطور التاريخي لمعنى الكلمة الواحدة بالنظر في المعاجم. فلنلاحظ، على سبيل المثال، كلمتي أنف وريح.

 

كلمة أنف تشير أصلاً إلى عضو في الوجه هو الأنف. وعندما رأوا الإنسان المغرور يرفع أنَفَه، صنعوا كلمة أنفه لتعني الكبرياء والشجاعة. وكلمة ريح هي الهواء عندما يتحرك. وكلمة رَوْح تقرب من معناها. وعندما رأوا أن علامة الموت هي عدم دخول وخروج هواء (أو ريح، أو روح) من الرئتين، صنعوا كلمة رَوْح (أو نفس)، وأعطوها معنى يشبه معنى الريح. بدأوا بإنشاء لغتهم (البدائية) بكلمات أساسية، تلفظ بالفم. وكانت أسماء الأشياء (التي تهمهم) هي أهم جزء من تلك الكلمات (المنطوقة).

 

ليس من السهل أن يصنعوا أسماء للأشياء. فالمنطق هو الذي يقودهم إلى التسمية. يجب على أفراد الجماعة البشرية البدائية أن يتواضعوا ويتفقوا على تسمية هذا الشيء شجرة مثلاً بعد أن يبذلوا جهداً عقلياً يُسَمَّى التجريد. فعليهم أولاً أن يتعرفوا على أنواع مختلفة من الشجر (برتقال وتفاح وزيتون…). ثم عليهم أن يلاحظوا المشترك بين صفات وخصائص ومميزات أنواع الشجر التي يعرفون.

 

الحيوان لا يدرك (ولا يستطيع أن يفهم) هذا المشترك. لأنَّ التجريد (العقلي) هو صفة الدماغ البشري ، أيْ صفة الإنسان الذي هو، بالضرورة، جزء من جماعة من نوعه، يحيا معهم وبينهم، ويعمل بالتعاون مع باقي أفرادها، ويعبر عن الأشياء (والأفكار) بكلمات (منطوقة ثم مكتوبة)، أي بلغة.

 

لإثبات أهمية القدرة على التجريد (العقلي) أُجْرِيَت التجربة التالية: أحضروا قرداً، وعلَّموه كيف يستخدم (بمغرفة) ماء من برميل، ليُطْفئ ناراً. وبعد أن تعلَّم القرد، وضعوا له موزة، مُحاطة بنار (فالموزة هي محفز قوي لقرد جائع). وبالقرب من دائرة النار وضعوا له برميل الماء والمغرفة، فبدأ القرد يستخدم ماء من البرميل، ليُطْفئ به النار. فلما أنهى هذه المهمة حصل على الموزة.

 

تم تغيير التجربة أوْ تعديلها . فالقرد وُضِعَ مع الموزة، التي مُحاطة بنار، ومع برميل الماء والمغرفة، على لوح خشب يعوم على سطح بركة. القرد اتجه فقط نحو برميل الماء، وبدأ يغرف منه الماء، ليطفئ النار، ويصل إلى الموزة.

 

لم يتوجه القرد إلى البركة ليستخدم من مياهها. لأن عقله لا يفهم التجريد. وفي مثالنا هذا، لا يعرف القرد الماء العام، أي المشترك بين صفات وخصائص ماء البرميل وماء البركة. وهذا يبين أن اللغة والمنطق شيئان متصلان، متحدان باتحاد لا ينفصم. فلا لغة بدون منطق ، ولا منطق بدون لغة.

 

الإنسان فحسب وبصفة كونه كائناً اجتماعياً خَلَقَه العمل يستطيع وعي وإدراك الخواص المشترَكة ومنها خاصية إطفاء النار بين ماء البرميل والنهر والبئر والبحر....؛ ويستطيع، من ثمَّ، خَلْق الماء العام ، أيْ فكرة أو مفهوم الماء.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.