اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

كمسلم علماني.. كيف يقبلني الطرفان المتطرفان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كمسلم علماني.. كيف يقبلني الطرفان المتطرفان

 د. هاشم عبود الموسوي 

بعد كل هذه الهزات والتغيرات النفسية والاجتماعية والثقافية التي مرّت على مجتمعنا وأصبحتُ أرى أنّه لابد للإنسان من أن يتخطّى كل راكد وميت، وأنّ التطوّر المستمر، والتجاوز هو سُنّة من سُنن الحياة،

 

وعلينا ألا نُعادي سُنن الحياة قبل أن نفهمها.. وبما يخص التراث الفكري، فأنا أُشبّه البعض كمن وجد المائدة حافلة بالطعام، وانقضّ على ما فيها، دون اهتمام بالقدرة على الهضم.. في حين أن هذا التوجّه في الثقافة والفكر والمعتقدات يُعتبر مدمراً.. ربما بكتابتي لهذا المقال سيُعاديني البعض، ويتّهمني البعض الآخر باتهامات باطلة ومتضاربة. لكنني أنا الذي كُنتُ قد حملتُ الجرّة بمفردي، وعليّ أن أُنزلها بمفردي أيضاً.. ولابد لي أن أقول كلمتي.

 

تعجّ المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية في البلدان العربية والإسلامية بسجالات لم تصل بكتابها وقراءها إلى ضفّة آمنة يُقال عنها أنها هي المستقر الأخير في موضوع العلمانية وحتمية مواجهتها مع الإسلام أو الأديان الأخرى، ولا تزال العناوين الساخنة تخدش سمعنا ومشاعرنا، وعلى سبيل المثال: الصراع بين الإسلام والعلمانية – عظمة الإسلام وتهافت العلمانية – العلمانية في ديار الإسلام، ونحو ذلك، لا يستفزني لمواصلة المطالعة أو متابعة الجدل في قاعات المحاضرات، لأن وضع العلمانية في مواجهة الإسلام، واعتبارها بمثابة دين جديد أو مذهب مضلل هدفه تقويض الإسلام، يُعدّ خطأ جوهرياً ينسف الحوار من أساسه. فالطرح الموضوعي لأي حوار حول أي مذهب فكري أو فلسفي ينطلق من العرض التاريخي لإرهاصات ظهور هذا الفكر وتطوره، مع بيان كافة الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية أوان  ظهوره، وإسهامات أهم المفكرين في بلورته، وصولاً إلى مرحلة نضجه وترسّخه، من دون أي مُسبّقات فكرية مضادة أو عدائية تنحرف بالطرح عن منهج الموضوعية والنزاهة.

 

 

ولكني أريد هنا أن أشير الى نقطة مهمة وهي:

 

( عندما نقول أن الحضارة الغربية التي نشهدها اليوم هي حاصل ما بذل من جهد و وقت خلال القرون الخمسة الماضية من أجل سيطرة الأنسان على الطبيعة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المتعة والسعادة للانسان . الا ان الغرب حين ثار على الكنيسة  ورمى برجالاتها في غياهب النسيان، اتخذ من الفلاسفة والمخترعين و السياسيين كهنة بدلاء لحضارته المادية الخاصة، والناظر في مقالات روادهم و كهنتهم الجدد يجد أنها  تتمحور حول النمو و المنفعة والتقدم المادي البحت).

 

وعندما يبدأ أي باحث أو محاضر في حديثه عن العلمانية أو أي منهج فكري من نقطة اختلافه عن الدين، وتعمّد تشويهه بذكر مثالبه وعيبوه، وتحميله وزر كافة الشرور والمفاسد الأخلاقية التي تطرأ على المجتمعات البشرية، فهذا يعني تحيّز هذا الباحث وعدم التزامه باشتراطات البحث العلمي المنهجي الموضوعي، وبطبيعة الحال ما دامت المقدمات خاطئة فالنتائج لن تخرج عن النتيجة النهائية التي قرّرها الباحث أو المحاضر مسبقاً.

 

ولكن رغم قلة الحماس التي أشرتُ إليها في البداية، ونزولاً عند رغبة صديق ألحّ عليّ حضوري، تابعتُ محاضرة عنوانها: (العلمانية في محيط إسلامي)، وكما توقّعتُ لم يُقارب المحاضر العلمانية إلا في نشأتها كردّ فعلٍ ثوري فكري عقلاني نقدي على سلطة الكنيسة في نهاية القرن السابع عشر، أثمرت هذه الثورة الفكرية عن القطيعة بين السلطة الدينية الكنسية والدنيا، وبين التاريخ والأسطورة، فالثورة الفكرية فيما سمي في أوروبا وتحديداً في فرنسا بعصر الأنوار، كشفت الدوافع الدنيوية الكامنة وراء سلوك الكنيسة، والتحالف بين رجال الدين الكنسي المسيحي والأباطرة في عملية تبادل للمصالح الدنيوية باستغلال الدين.

 

 

هذا التوضيح لم يُشر إليه المحاضر إلا لماماً، أما بقية حديثه فكان نقداً عنيفاً لبعض المفكرين العرب، الذين لا يرفعون جهراً شعارات العلمانية، وإن كانت بعض كتاباتهم تبطن النقد الحاد للفكر الديني الإسلامي، ولكنهم إجمالاً ليسوا من دعاة العلمانية ورموزها، ثم تبيان مفصل للسياسة في الإسلام ومرجعية القرآن الكريم التي لا ينبغي للشعوب الإسلامية أن تحيد عنها لأن "الإسلام هو الحل"، ولا يختلف اثنان على ذلك، في وقتٍ سقطت فيه أكثر مفاهيم العرف والتقاليد الموجِّهة للمجتمع، ولكن ثمة إشكاليات في الطريق نحو التطبيق لابد من مواجهتها، فالاختلاف في زاوية النظر إلى شكل الدولة ونظام الحكم تعتبر نقطة خلاف أساسية بين التيارات الإسلامية السائدة الآن، وهو خلاف خرج من آلية الجدل والحوار إلى ميادين الصراع وتبادل الاتهامات بالزيغ والظلال وحتى المروق والكفر، وحيث أنّ مرجعية كل الفرق الإسلامية عبر التاريخ كانت هي من القرآن الكريم والسنة ورغم ذلك وُجد الاختلاف منذ صفين حتى طالبان، لأن كل فرقة لها تأويلها وتفسيرها للقرآن والسنة بما يُناسب منهجها الفكري، وخطها السياسي.

 

كل هذه الإشكاليات بحاجة إلى الحوار والبحث بعيداً عن التعصّب والتحيّز، والعلمانية في بلاد الإسلام ليست وفق ما يذهب إليه بعض المفكرين، هي فصل الدين عن الدولة، لأن ذلك غير ممكن أصلاً، فالإسلام ليس سلطة ذات مؤسسة كهنوتية كما هو الحال أيام كنيسة القرون الوسطى في أوروبا، وبالتالي لا يُمكن استعارة ما جرى في أوروبا في عصر الأنوار وزرعه في البيئة العربية الإسلامية، لانتفاء الشرط التاريخي للنشأة.

 

يُمكن القول أن العلمانية، بعد أن أصبحت مصطلحاً سيء السمعة يعني الكفر والإلحاد، وإلغاء دور الدين في المجتمعات، كما هو الحال الآن في الأوساط الفكرية العربية، هي المرادف أو المعادل للتحديث، والاستعاضة عنها بهذا المصطلح ربما ينهي هذا الجدل غير المثمر حولها.

 

فالعلمانية ليست مذهباً فكرياً محدد الملامح يُعادي الدين الإسلامي، ولكنها مجموعة من القواعد الفكرية المضادة للاستبداد والقمع السياسي سواء كان تحت قناع الدين، أو أي أقنعة أيديولوجية ترى أنها الحق وما عداها باطل. وركيزة هذه القواعد هي العقل والقانون، والهدف ليس إقصاء الدين من المجال العام أو المجتمع أو حتى الدولة، بل ابتكار حلول علمية للمشكلات السياسية والاقتصادية المستعصية.

 

ومن هنا نحن بحاجة إلى حوار عقلاني هادئ حول ركائز التحديث التي تأخذ بأسباب العلم وتستفيد من تجارب الآخرين لنتأهل للدخول إلى عصور الحداثة ولنُدرك أن العلمانية ليست كفراً، ولا تناقض بينها وبين الإسلام، ولا يُمكن إعادة ما جرى في عصر الأنوار الأوروبي، لأن الدخول إلى عصور الحداثة ينبع من حاجة المجتمعات الداخلية، ولا يُمكن استيراده من الخارج، وهذا الحوار هو نقطة الانطلاق الحقيقية لتبيان عدم التناقض بين العلمانية والإسلام، وأن المؤمن بالعلمانية كمجموعة من القواعد الفكرية ليس بالضرورة كافراً أو ملحداً، بل قد يكون هو إنسان مؤمن بالدين وضرورته وأهميته الروحية والمادية، ولكنه لا يقبل القمع السياسي ومصادرة الفكر المختلف باسم الدين. إن علمانية البلدان العربية الإسلامية في هذه المرحلة التاريخية ليست سوى صرخة المفكر عبد الرحمن الكواكبي التي أعلنها في كتابه (طبائع الاستبداد)، لا أكثر ولا أقل.

 

وبعد هذه المقدمة الموجزة، أتمنى ألا تصلني سهام المتعصبين من كلا الطرفين، فأنا بعد المخاضات الطويلة التي مررتُ بها أُعلن بأنّ المُسلم يمكن  أن يكون علمانيا)..و(والعلماني ليس لديه سببا لأن يكون معاديا للأديان) .

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.