اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

طَاوِلَةُ الشَّيْطَانِ!// مارتن كورش تمرس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مارتن كورش تمرس

 

عرض صفحة الكاتب 

طَاوِلَةُ الشَّيْطَانِ!

مارتن كورش تمرس

محامي وقاص

 

حينما يمارس شخص ما لعبة القمار مع غيره، أمَّا سيربح وَإمَّا سيخسر، لكن الحال ليس كذلك مع المُقامِر نفسه، وهو مقبل على الجلوس حول طاولة القمار وعليها مستلزمات اللعبة، تراه قد وضع نُصْب عينيه الربح وليس غيره! بل كل الذين يجلسون من حولها، يثقون ثقة عمياء بأن كل واحد منهم سيربح! إذَنْ مَن الذي سيخسر؟ لو تيقن الواحِدُ منهم بأنه مِنَ الْمُحْتَمَلِ جدًا أن يخسر، كانت ستتبلور لديه فكرة الإنسحاب قبل أن يدخل لعبة مدمرة، لا تطلق سراحه منها إلأ وهو مدمنٌ عليها! (كَثَّرَ الْعَاثِرِينَ حَتَّى يَسْقُطَ الْوَاحِدُ عَلَى صَاحِبِهِ،)"سفر إرميا٤٦: ١٦"

طاولة غريبة في شأنها وهي تجمع من حولها أصدقاء أو أعداء، قد أصبح القاسم المشترك في ما بينهم هو سلب واحدهم مال الآخر بممارسة عادة سيئة مباح فيها إستخدام كل السبل غير الشرعية من أجل تحقيق الربح. طاولة ذات جاذبية شيطانية تحول كل مَن مِن حولها وحتى الإخوة الأشقاء إلى خصوم والأصدقاء إلى أعداء!

كأنها تقف على ساقي سحَّار يدور بها وهو يُغرق بمن من حولها الواحِدُ تِلْوَ الآخَرِ في قاع الخطيئة. عجيبة في طريقة جمعها لأشخاص مختلفين في مستوياتهم الثقافية، الفكرية، المهنية، الإجتماعية وفي مصادر دخولهم. نجد بينهم كبير السن، شاب يافع، طالب جامعي، مثقف، قَاضٍ، مُحَامٍ، تاجر، طبيب، أُمّيّ لا يقرأ ولا يكتب، عامل غير ماهر، عجوزة أو أرملة. الشيء الغريب إننا نجد مُسْتَجْدٍ يشاركهم الطاولة! بل سارق أو فاسد، غاسل للمال، قاطع طريق، موظف مُرتَشٍ أو  زانية أو... تراهم يرحبون بأي واحدٍ من هؤلاء! لأنه يحمل معه محفظة مملوءة بالأوراق النقدية. قد يكون المكان الذي يمارسون اللعبة فيه، معدًا أيضا لممارسة الدعارة!  

سمع مجموعة من القرَّاء عن رجلٍ يمارس لعبة القمار مع مجموعة من الرجال والنساء منذ سنين وهو يخسر كل دخله الشهري، بل باع معظم حاجات البيت! أصبح أعضاء العائلة يجلسون على الـ(كاع). إتفق هؤلاء القرَّاء مع كاتب هذه المَجْمُوعَةٌ القَصَصِيَّةِ على أن يقوموا بمراقبة سلوك المقامر السيد (بدر)! بعد أن إستلم راتبه الشهري وخرج مسرعًا من المعمل الذي يعمل فيه محاسبًا، إلى بيته. بعد ساعة خرج متجهًا إلى حانة للقمار. كان بقية الرجال في إنتظاره فيها.

دخل وجلس معهم حول طاولة مستديرة. إتفق أولئك القرَّاء مع صاحبها على مراقبةِ (بدر). بدأ أحدهم بتوزيع أوراق اللعبة على المشاركين معه، حمى وطيس اللعبة، بدأت بعد حَوَالَيْ ساعة تظهر على وجه (بدر) علامات الخسارة! اِحمرار الخدين، تصلب الأذنين، رقص أهداب العينين ووقوف شَعَرُ الرَأْسِ. لم يصدق القرَّاء على الذي يحدث مع الذي هو مَوْضِع المراقبةِ، الذي يمكن أن يكون مَوْضوعَ بحثٍ من قبل بعض الدارسين من أجل معالجة هذه الظاهرة التي تُحول الفرد إلى مدمن لا يمكن علاجه إلا في مصح نفسي أو بقوة الله. بدأتْ درجة حرارة اللعبة بالإرتفاع بعد إزدياد كومة المال على الطاولة نتيجة للمزايدات. بدأتْ علامات الغضب تظهر على وجه السيد (بدر)! بدأ بِشَّتْمِ وسَبِّ أوراق اللعبة نفسها، هو يعلم بأنها لا تسمع، ضربها بقوة على الطاولة.ثم بدأ بلعن حظَّه! ثم ثم بدأ بالكفر والتعدي على الخالق! (حَمَاقَةُ الرَّجُلِ تُعَوِّجُ طَرِيقَهُ، وَعَلَى الرَّبِّ يَحْنَقُ قَلْبُهُ.)"سفر الأمثال ١٩: ٣". علما بأن الشيطان هو الذي أتى به وجمعه بأصدقاء السوء في وكر مشبوه. ثم لعن الشخص الذي غَلَبَه ماله. لم يتجرأ أن يردَّه أو إيقافه عما يفعله. لكن شخصٌ آخر من بينهم وقالَ له:

     ليس من الصواب ما تفعله! كلما تخسر تتشاجر مع أحدنا وتتصرف بعنفٍ و…

على الفور إنتفضَ (بدر) ودفع بظهره الكرسي الذي كان يجلسُ عليه وهو يضع كلتي يديه على حافة الطاولة، أخذَ يصرخُ غاضبًا وهو يشتمه عَلَى مَرْأىً وَمَسْمَعٍ مِنَ الحاضرين! تدخل الحاضرون وَأَرْجَعُوا (بدر) ليجلس على مقعده.

إستمرتْ الخسارةُ معه وقد أوشك على فقدان كل ما في محفظته. بدأ بالإستدانة من أحدهم! لم تسعفه الوسيلة في إسترجاع ما هُدِرَ من ماله. بدأ بالتأفف وتدخين سيجارة بعد أخرى، نضبتْ عنده هذه الأخيرة، طلبَ من الرجل الجالس إلى يمينه بإسعافه بواحدة منها! فقد قداحته، شكَّ في أن أحدهم سرقها منه! لجأ إلى حياكة مشكلة! بدأ بمراقبة حركات خصومه حتى نظراتهم، إذا بأحدهم يمسح أنفه بظهر كف يده وهو ينظر إلى السقف وبين شفتيه إبتسامة الرابح. إذا بالسيد (بدر) يقفز من مقعده وقد اِسْتَشَاطَ غَضَبًا! إنقلبتْ عيناه إلى جمرتين، رمى بأوراق اللعبة التي بين يديه إلى الأعلى وهو يتهم ذلك الرجل بإستخدام الخدعة، الحيلة والمكر في اللعب. إذا بذلك الرجل ينهض على الفور ويستديرُ من حولَ الطاولة ليدخل في شجارٍ مع السيد (بدر)! إندهشَ القرَّاء المراقبين للمشهدِ حتى بدى كأنه فصل من فصول مسرحيةٍ أو سيناريو سينِمَائِي قد أُعِدَ مسبقًا. كان ذلك الرجل من أعز أصدقاء السيد (بدر)! طبعًا كان معظم المقامرين يحتسون المسكرات، إندهشوا عندما أخرج السيد (بدر) مسدسًا محشوًّا بالرصاص من تحت إبطِ سترته، أطلق عدة طلقات نحو السقفِ لإخافة ذلك الشخص، بينما تفرق بقية الرجال وإبتعدوا عن الطاولة وعن المتشاجرين، لم يخف ذلك الرجل الذي دخل في الشجار مع السيد (بدر) بل إتجه نحوه ولكمه على خده الأيمن، ما كان بيد السيد (بدر) سوى أن يوجه فوهة مسدسه نحو فَخِذِهِ الْيُمْنَى! سقطَ ذلك الرجل على الأرضِ مصابًا وهو ينزف الدماء. هربَ السيد (بدر). خرجوا القرَّاء المراقبين للمشهدِ خلف أولئك المقامرين وهم يحملون الرجل المصاب إلى مستشفى الطوارئ. علم القرَّاء بعد شهرٍ من مكوث المصاب في المستشفى بأنه قد أُصيبَ بعاهة مستديمة.

أخذتْ قضيتهما تمرُّ برَدهات المحاكم. أدلى القاضي بقرار الحكم فيه أنصفَ المَجْنِيّ عَلَيْهِ ومعاقبة الجاني بالسجن... مع غرامة مالية. نجحَ الرجال الذين شاركوهما لعبة القمار في مساعي المصالحة فيما بينهما، حيث تنازل المَجْنِيّ عَلَيْهِ عن حقه الشخصي. بينما المحامي الذي تم إنتدابه وكيلًا عن الجَانِي قد اِستأنف قرار الحكم. حصل على قرار إيقاف التنفيذ بحقِّ موكله الجاني (بدر). تم إطلاق سراحه. لم ينته المشهد الذي ظل القرَّاءُ مراقبته عن كثبٍ أو عن بُعدٍ.

بدأت مرحلةٌ جديدة، حيث طالبوا الْمُدَّعِي بالتنازل عن الغرامة، مقنعين إياه بأنهم سيعودون إلى سابق عهدهم، حتى يبقى هو المحظوظ الأول من بينهم، الذي سيربح أضعاف مبلغ الغرامة. إقتنع وتنازل عن حقه بل تصالح مع السيد (بدر)!

إجتمع القراَّء الذين قاموا بمهمة المراقبة، قالَ أحدهم للآخرين:

     إعلموا يا أصدقائي أن مساعي الصلح التي قاموا بها الرجال المقامرين لم تكن من أجلِ المتشاجرين، بل لأن مراكزهم في تبادل مستمر ما داموا يجلسون حول طاولة الشيطان. تتحول الطاولة إلى حلقة دائرية تدور بسرعةٍ بمن من حولها كأنها مروحة في أعلى جدارٍ في المرافق الصحيةِ تسحبُ الرائحة النتنة، لا تتأخر عن سحب حتى المحظوظين من بين المقامرين حتى ترمي بهم إلى خارج المكان.

حينئذِ حمل الكاتبُ قلمه وكتب هذه القصة لقرائه الأعزاء.

المحامي والقاص

مارتن كورش تمرس لولو

ملاحظة: هذه القصة مقتطفة من مجموعتي القصصية السَّيِّدُ  آتٍ الصادرة عام٢٠١٧

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.