كـتـاب ألموقع

القصةُ الصوريةُ// علي الجاف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علي الجاف

 

عرض صفحة الكاتب 

القصةُ الصوريةُ

التنموي الاستاذ علي الجاف

 

    يحدثني كثيراً عندما نلتقى معاً عن الابداعِ ، عند ينبوعِ الحياةِ ، مازلتُ صبياً لاطلعَ على تفاصيلٍ جديدةٍ وعصريةٍ في حياتي.  كوني طالباً ، في مقتبلِ حياتيِ التربويةِ الأولى.  لم أعهدُ هكذا أقاويلٍ وحكمٍ عند الامكنةِ العامةِ علناً!

 

     أعتدتُ - منذُ صباي أسرياً - على مجالسةِ الفضلاءُ والعقلاءُ من عامة القوم دوماً، وأستلهمُ العبرَ منهم ، والخبرةَ المنقولةَ عنهم، وأحاولُ جاهداً تطبيقها في مشواريَ اليوميَ مستنيراً ومستعيناً في ذاكرتيِ النشطةِ ، كونيِ تلميذاً مميزاً في الدراسةِ!

 

    هناك، في مكانٍ بعيدٍ وجميلٍ، أجدُ ظالتي : هي نفسِ وحيداً ، أتابعُ الناس وهم ينشغلونَ في التبضعِ والتسوقِ والحديثِ ؛ ولكني بعيداً أسيراً في حيرتيِ.  أسمي "علي" ، كُنيتيِ هي وطني ، بل هو هويتيِ التي أعتزُ بها دوماً ، لنعود ثانياً ، وهو يطالعُ المكانَ خلسةً وشوقً وخوفً ؛ ولكنَ الجميلَ في المكانِ هو: "الأملُ" ! حيث الخضار واسعاً يبسطُ ذراعيهِ طويلاً ، والماءُ بهديرهِ ولونهِ البديعُ معلناً : الأمل هو حصتيِ ، والحركةُ هي مصدريِ... آه ...، كم أشتاقُ أيامَ مكتبتيِ ، هي مصدرُ ألهاميِ وتفوقيِ، نداءُ من بعيدٍ يطرق مسامعيِ ، من يكونُ ذلكَ الصبيُ الحزينُ في وسطِ الركامِ يجالسُ الكبار ، وهو فتى ... ليعودَ عن أحلامهِ ، ويحاولُ مراراً التواصل معهم ، "من هم؟ يا ربّ  أعني ، عبدكَ وحيداً ، ألتمسُ عطفكَ ولطفكَ ، ساعدنيِ مكنيِ ، لأقواى على الاوهامِ المزيفةِ شاهراً سيفيِ : أنها لحظةُ التسامي ، لستُ أقوى على النزالِ صبياً ... بعباراتٍ مألوفةٍ لجيليِ ، يبدو الحديثُ معهم عقيماً ومتطفلاً .  لنجربَ ثانياً في جملاً منمقمةً وغريبةِ الاطوارِ ، ... كم هي الحياةُ صَعبةٌ : الشوقُ أرحمُ من الكتبِ ... ليتني أعودُ لايامٍ خلت!

 

     يا لها من لوحةٍ فنيةٍ رائعةٍ ، الريامُ "شوق" ثبتَ أسمهُ عليها بخطهِ ، تتوسط المكانَ لتضيفَ لهُ رونقاً وجمالاً ، ويتلهفُ المارة والزائرينَ لأخذِ لقطةٍ عفويةٍ بقربهِ ، لا بل يتمتعونَ في تفاصيلَ كثيرةٍ عن الرسمِ والفنِ والاريادةِ : أنهُ الابداعَ نصيبُ والجمالَ واضحاً ، "كم أنتَ مميزُ ومثابرُ ؟" يستدركُ قواهُ العقليةِ ثانياً، وبصوتِ الجرسِ  معلناً أنتهاءِ الحصةُ الأولى ، شاهراً عن ذراعيهِ ، معلناً الانتفاضةِ على نفسهِ. علي! أنتَ في مقتبلِ حياتكَ الحقيقيةِ ؛ كن مميزاً في الريمِ كما أطلعت - الاجيالِ - على أعمالِ "بيكاسو" و "محمد غني" ، وأخرون ...، لا...، لا تهويني الفكرةُ حافزاً ، ولا يعنيني الرسمُ شوقاً .  إذن ، "ماذا؟" سؤالاً بسيطاً ، هي القصةُ القصيرةُ : النوع المهمُ  منها هو: نصُ نثريُ أدبيُ فيهِ حبكةٍ مشوقةٍ عن صراعٍ ، لغتها البساطةِ والمتعةِ ، واختصارُها يبدء تاريخهُ في القرنِ السادسِ عشر كعنوانٍ ، لهُ لونهُ الفريدِ وذوقهُ الممتعِ...

"هل هذا شائعاً في وقتنا ؟" : يسأل "علي" نفسهُ، ويأتي الجواب مسرعاً : ربما أننا إدركنا مجالهُ في بداية القرنِ التاسعِ عشرَ وصفاً لاشخاصٍ في رحلةٍ ، ويأتيهِ المعلمُ مسرعاً من بعيدِ قائلاً : "علي" كيفَ  نعرفُ القصةَ القصيرةَ الصوريةَ التي ظهرت في بدايةِ القرنَ التاسعَ عشر؟"

 

     ينتابهُ الخوفَ والاربكاكَ والحيرةَ بوضوحٍ معلناً عبر قطراتِ التعرقِ التي ملات جبهتهُ ، وانكماشِ الجسدِ على المقعدِ ، وتذهبُ نظراتهِ صوب زميلة الدراسةِ "هوس" ، فتحرك بِرأسها صوبَ الأرضِ ، معلنةً الرفضَ والتخليَ عنهُ وقتَ الشدةِ ، يا لها من زميلٍ غريبٍ ، وإذا بهِ يعودَ بنظراتهِ الحائرةِ صوب الاستاذ "شوق" موضحاً:

   "التركيزُ على اللحظةِ الآنيةِ ، هي من مميزاتِ تلكَ القصصِ ، والنشرُ في المجلاتِ والصحفِ بات سائداً في عصرنا، جاعلةً الجميع - القارئ والجمهور - يتخيلونَ الاحداثَ بإنفسهم ، والاختصارُ هو ميزةٌ شائعةٌ أيضاً ... "شيكوف" : هو رائداً فيها .."

     "من هو "شيكوف"؟ : يستعلمُ المدرب همساً .

    يردُ الجوابَ من التلميذِ "علي" قائلاً : الكاتبُ القاصُ ، روسي الهوية ، ...

    ويتركهُ الاستاذ ليعيد أنفاسهُ فرحٍ ومسرورٍ ؛ ولكن نظراتهُ يشوبها الغضبُ والعتبُ على زميلِ الدراسةِ لما بدرَ منهُ علناً ...