كـتـاب ألموقع
نصب الحرية المظلم// د. ناهدة محمد علي
- المجموعة: ناهدة محمد علي
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 30 آذار/مارس 2018 22:15
- كتب بواسطة: د. ناهدة محمد علي
- الزيارات: 2657
نصب الحرية المظلم
الدكتورة / ناهدة محمد علي
قبل سنوات قادتني قدماي وأنا أُعاني الإغتراب في داخل وطني إلى نصب الحرية المضاء دائماً أو هكذا رسخ في خيالي. كان الوقت مساء والسماء وردية إمتلأت بالشهب ولا أدري هل هي ساقطة من السماء أم من الأرض. أقتربت من صندوق ذكرياتي وإقتربت رويداً رويداً، تمعنت في وجه كل فرد من أعضاء نصب الحرية، كان الكل بعين واحدة وبالكاد إلتقطت تقاطيع وجوههم ، كانت الوجوه مظلمة رغم الإنارة التي من حولها، لكن الشارع كان معتماً وخاوياً كبيت مهجور، تسمع فيه نبض قلبك تختلط بأصوات الصراصير الصيفية.
كان تحت النصب قطة تموء تنفش ركام المزبلة. كنت أظن هذا الشارع لن تتجول فيه الكلاب بعكس شوارع بغداد المظلمة إلا أني سمعت من بعيد عواءهم. فتحت كامرتي لكن العواء إشتد فأقفلتها ورحت أعدو سريعاً نحو السيارة. كان عليّ العودة لوحدي، لم يرافقني أحد والكل إعتقد بأني متهورة منذ سنوات، ومع أني عشت الغربة كاملة أخرج لوحدي وآكل وحدي وألعن من أرسلني إلى هنا، أرتجف برداً وحدي، إلا أنني ما زلت أتذكر شمس العراق الدافئة والتي كنت أتمنى أن تسقط يوماً فوق غرفتي. كنت ودودة مسالمة إلا أني كنت أجمع في داخلي كماً من الغضب يكفي لأن يحرق بلداً، كان من حولي الكثير من الوحوش الكواسر، ولم أكن أملك غير مفتاح غرفني، وحينما قررت العودة لكي أشم رائحة الطيب العراقي لم أستطع تمييز الرائحة بين روائح الحرائق والمزابل، وعدت وكأني أخطأت العنوان، وقد أنزلتني الطائرة في كوكب آخر لا أعرف فيه أحد. كان الغبار يُعتم الوجوه ولم أستطع أن أرى من أحبه ولا ما أحبه، وكل ما رأيته كرهته لأنه لا يشبه ما كان ولا ما تمنيت. كنت أود أن أودع النصب الذي طالما بهرني وأخشعني إلا أنني لم أجده، لم يتبق سوى الأعمدة الحديدية ولا يُسمع من حوله سوى صوت صدى الهتافات من شارع قديم يسكنه المهمشون، كنت أعتقد وأنا صغيرة بأن وجوه النصب هي من الذهب الخالص من شدة لمعانها، تمتمت مع نفسي بكلمات أحرقت أحشائي.
من أي زاوية أنظر إليك
هل أنت وحي ومضى
أو سحاب الغيث في شعر المتنبي
من أي زاوية أهرب
ربما منك إليك
إن روحي تكره الظلمة دوماً
لذا قررت النزوح
كان يوماً ثلجياً لا حب فيه
كان دمعاً قاتماً من عين أمي
كان دمعاً لا يجف
ظل عقوداً وعقود
حتى إمتلأت منه مدينة السلام
وأغرق وادي السلام ورُفاة الميتين
ذلك الدمع لم يجف
قالوا إنه نضح السماء
لكنه كان دمعاً لا يجف فوق أشلاء المدينة
كان يوماً آخراً ثلجياً
يوم قررت التلاشي نحو بيت في جبل
فهنا غربة تقتلني
وهناك بيتي في جبل صنعت منه وطن
المتواجون الان
717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع