اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من حدد لنا هذه المعايير؟ -//- ذياب مهدي آل غلآم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

ذياب مهدي آل غلآم

من حدد لنا هذه المعايير؟

استهلال :

رسالة الدين هي الإنسان وليس الله .. كما إن توحيد الله ليس هو إلا توحيد الانسان وتعظيمه .

فالثائر أهم في منطق الله من العابد .. والرافع عثرة من الطريق دون صلاة خير من واضعها بعد خروجه من المسجد ... الموضوع قبل ان يكون معروف ومنكر او حلال وحرام صالح وطالح والحسن والقبيح ، فهو في الاساس مجموعة معايير اخلاقية( قولية كانت ام فعلية) . فاذا رجعنا الى الجذور الاساسية والتي بنيت عليها جميع النظريات الانسانية والفلسفية والدينيه والسياسيه والخ . نجدها بانها معايير اخلاقية . وهذه المعايير الاخلاقية هي نتاج الحالة الاجتماعية التي يعيشها الافراد كجماعة وبما انها نتاج انساني فهي ليست ثابته كما نتصور فهي متغيرة بتغير الزمان والمكان والضروف المحيطة بتلك الجماعة . يستثنى عن ذلك النظريات الدينيه باعتبار ان هذه المعايير هي من صنع الخالق وليس للمخلوق غير العمل بها . وهنا ياتي دور من ينصب دوره كوصي ووارث لهذه القيم والمعايير وحدد لنا ماهو ثابت منها حقا وماهو متغير والباقي معروف لكم ..... السوؤال هو هل ياترى ان الخالق الذي حدد لنا هذه المعايير قد نسي ان يحدد لنا المعايير التي بها نختار من هو كفء للوصاية عليها ؟ ام نحن الجاهلون بماهيتها ؟ ام ان العملية ابسط من ذلك وغير محتاجة للوصاية فالاخلاق هي الاخلاق كالمباديء لاتتجزء ؟؟؟ .

المداخلة :

الأخلاق أم الدين ... السؤال الجدلي الذي لطالما كان سؤالا محوريا في العديد من المناقشات بين اللادينيين والمتدينيين ، فالمتدين يحاول وأد الثقافة اللا دينية إعتمادا على مبدأ ان الدين أساس الأخلاق ، ويدافع اللاديني إعتمادا على ان الإنسان أقدم من الأديان ، ولكن هل هذا صحيح ؟ هل فعلا الدين هو منبع المنظومة الأخلاقية للفرد والمجتمع ؟ و اذا كان ذلك صحيحا فكيف يكون اللاديني أخلاقيا ، وكيف يستطيع اللاديني استنباط ثقافة أخلاقية تجعل من هذا خطأ وهذا صوابا ؟ وكان هذا السؤال هو الذي جعلني أفكر في مثل هذه المسألة ، و لأني لست فيلسوفا ولا عالما من علماء علم الإجتماع والمنطق فلم أعرف كيفية الرد بل جاهدت في محاولة لإثبات وجهه نظري القائلة بان الأديان تتغير فيها المنظومات الأخلاقية تبعا لاهواء الآلهة ولكن هذا ليس بجواب يكفي لإقناع الشخص البسيط بأن اللاديني قد يمتلك الثقافة الأخلاقية ، ولهذا قمت بهذه المداخلة التي  قد تساعد البعض منا في محاولة لفهم ماهية المنظومات الأخلاقية و علاقتها بالأديان ومن كان أولا ، الأخلاق أم الدين ؟؟ .

بالإستماع الى رجال الدين المختلفين ستجد أن كل ما يقال يدور حول أن الإنسان يحتاج الى التعاليم الدينية التي تنظم أخلاقياته و إلا سيكون بدون أخلاق ، وهذا بالطبع معتمد على ان الإله أتى اولا ثم أتت تشريعاته للبشرية و عن طريق هذه التشريعات إستطاعت البشرية الإرتقاء والتقدم ! ولكن لا يوجد أي دليل صريح و واضح يؤكد هذه الخرافات ، فالخرافة الدينية المتعلقة بالإله نفسها تم إيجادها واستنساخها مرارا و تكرارا من قبل البشر ، فمختلف الديانات تتحدث عن سلوكيات معينة و مختلفة يتسم بها الأشخاص الذين وضعوا أسس هذه الديانات وتم إختيارهم للتواصل مع قوى الغير طبيعية كمثال للإحتذاء به ، وبالرجوع لمعنى المنظومات الأخلاقية التي تتبناها الأديان نجد أنها مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كمبادئ العدل و الحرية و المساواة و الحق في الحياة الكريمة ، بحيث تجتمع تلك المبادئ وتكون الطريق الأساسي للمجتمعات ، أي أن الأخلاق في حد ذاتها تعتبر هدفا وليس وسيلة تسعى إليها المجتمعات لتحقيق المبادئ الدينية ، و هذا يمكن شرحه من خلال قواعد المنظومات الأخلاقية ، فعن طريقها يتم وضع معايير معينة للسلوك الإنساني يضعها الانسان لنفسه او يعتبرها إلتزامات و واجبات مفروضة عليه من قبل الإله يجب ان تتم بداخلها جميع أعماله للوصول للهدف العام للمجتمع و هو تحقيق كل مبادئ المنظومة الأخلاقية .

إذن الأخلاق ماهي إلا مجموعة معينة من المعتقدات و المثاليات الموجهة و التي تتخلل الفرد او مجموعة من الناس في مجتمع معين ، وعند إلقاء نظرة سريعة على الدين نجد ان الدين لا يوجد له تعريف ثابت ، فهناك العديد من التعاريف المختلفة الناتجة من محاولة تفسير معتنقي الديانات المختلفة لكلمة الدين ، وكل هذه التعاريف تتصارع في محاولة للوصول الى تعريف أدق و في ذات الوقت يضم أكثر قدر من المعايير الأخلاقية الفاضلة ، ولكن بدمج جميع هذه التعريفات المختلفة و محاولة إستخلاص تعريف شامل لها نجد ان الدين في الأساس يكون مجموعة من الأفكار والمعتقدات المستندة الى قواعد أخلاقية متغيرة بتغير الأديان والتي توضح بحسب من يعتنقونها أرتباط الوعي والإدراك بالإله المقدس ، وهو إحساس داخلي يصل الى المتدين يجعله يعتقد ان العالم بل و الوجود بأسره تم إيجاده بشكل غير طبيعي عن طريق ذات غير بشرية بل تتمتع بقوى و إمكانيات تتعدى إمكانيات البشر بمراحل وتريد هذه القوى الغير بشرية تحقيق السمو الأخلاقي عن طريق وضع العديد من المقومات الخلقية التي يجب على أتباع هذه الديانات تنفيذها ، وهنا نجد ان المنظومات الأخلاقية يستند إليها الدين بل و يحاول تقويم البعض من السلوكيات الفاعلة في هذه المنظومات نتيجة إختلاف الثقافات والحضارات البشرية .

واذا ما إعتبرنا بشكل ما ان الأديان صحيحة فيكون عمر أقدم الأديان لا يتعدى 15000 عام ، وبنظرة عامة على ما تم إكتشافه من أحافير ومستحاثات تم عن طريقها إثبات وجود الإنسان قبل هذا بكثير ( منذ ما يقرب من 500 الف عام على الأقل ) نجد ان الانسان بطبعه كائن إجتماعي ، يستخدم الهياكل الاجتماعية و يعتمد عليها كليا و الدليل على هذا تكوينه للأسر و العشائر والمجتمعات مما يتيح الإندماج في هذه الهياكل الإجتماعية والتأثر بمنظومتها الأخلاقية و التأثير فيها ، وبالرجوع لأصل الانسان نجد أن اجدادنا إستخدموا مثل هذه الوسائل قديما ، وهناك بعض الموروثات من هذه المنظومات القديمة يتم تداولها حاليا كنوع من النشاط الاجتماعي للأفراد بداخل أي نوع من أنواع الهياكل الاجتماعية او كما تعرف بالعادات و التقاليد ، فمثل هذه العادات والتقاليد لم تظهر بين يوم وليلة ، بل أخذت العديد من السنوات لكي تثبت و تستقر .

إذن من هذا نستنتج ان الأخلاق لا ترتبط بالمقدس بل يأتي المقدس لتصحيح مسار الأخلاق و لذلك يمكن مناقشتها وتغييرها بحكم الخبرة في الحياة ، فتكون المعايير الأخلاقية نتيجة العقل والتجربة ويحسب حساب العاقبة المباشرة للفعل او الحافز المؤدي لذلك الفعل من الضمير او المجتمع ، فالمنظومات الأخلاقية خاضعة لقانون التغير بحكم الزمان والمكان ، وهنا نجد ان كل ما هو أخلاقي يرتبط إرتباطا وثيقا بالثقافات المتعددة للمجتمعات ويحسب حسابها فيُكون منظومة من القيم داخل تلك الثقافات ويعيد أنتاجها بعد تعديل مع كل جيل جديد ، فقد كانت اخلاق اليونان مرتبطة بأساطيرهم وحكايات هوميروس ، لكن هذا لم يمنع فلاسفتهم من انتاج قيم أخلاقية قائمة على أساس عقلي بحت ، فبينما عبر افلاطون في فلسفته المثالية عن الفضيلة والكمال ، عبر عنها آرسطو بفعل الخير والبحث عن السعادة من خلال الطريق الوسطي ، فالشجاعة هي طريق وسط بين الجبن والتهور ، إذن فموضوع الأخلاق عند فلاسفة اليونان يدور حول حب الخير والعدل و الجمال ، أما اليهودية والمسيحية كديانات توحيدية ترتبط بالوحي فقد عبرت عن الأخلاق من خلال وصايا الإله في تنفيذ ما جاء في تشريعات العهدين الجديد والقديم ، اما الاسلام فقد قال : محمد بن عبد الله " إنما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق " . ما اريد ان اصل أليه هو ان التصور الأخلاقي أشمل و اوسع من التصور الديني بل يمكننا القول ان التصور الأخلاقي يمكن إعتباره قاعدة اساسية يرتكز عليها الدين ، أي قاعدة للتشريعات العملية لسلوك الانسان وانتاج حلال وحرام معاصر تستند اليه القيم الأساسية لهذا الدين ، ليس فقط هذا بل انتاج الكثير من القيم التي يرجع الإنسان بعقله وتجربته في تحديد صحتها من بطلانها لا ان تملى عليه من المؤسسة الدينية مثل الحرية و حقوق الانسان و الحفاظ على البيئة وغيرها الكثير  ....

قد تتبدل الاعراف والتقاليد و الاحكام من مجتمع لمجتمع ومن زمن لآخر ، ولكن تظل الحرية والفعل الإرادي الحر الطوعي غاية يصبو اليها الانسان ، وهي تتناقض بلا شك مع الاعتداء او القهر او الاستعباد . وأعتقد ان هذه المفاهيم العامة قادرة جدا على تبيان الصواب من الخطأ بلا لبس ، لأني لا ارى تفاوتا فلسفيا بين ان يكون الانسان حرا وبين ان يعتدي على ممتلك شخص او فرد آخر . في النهاية من أن الاخلاق بالتأكيد موجودة في الإنسان قبل نشأة الأديان . فإن كون الأديان تملك الحقيقة المطلقة ، وأن الاخلاق تقتصر فقط على الأديان هي خرافات عفى عليها الزمن وشرب ...

مسك الخاتمة :

ينبغي عدم الخلط بين الاعتقاد في الله والإيمان به . الاعتقاد في الله يقوم على اعتبار أي رأي حقيقة ، حتى من دون تأكيد التجربة أو البرهان العقلاني . فالاعتقاد هو إذن الدرجة الدنيا من اليقين .الإيمان بالله يُعرّف بالتجربة ، التي تؤكد نفسها في لقائها بمخاطب غير قابل للفهم ...علم البيولوجيا حل محل الفيزياء الفلكية في القرنين الماضيين ، كنموذج تحتذي به جميع العلوم . وهي من ألفها إلى يائها تنفي وجود الآلهة . وهذه شهادة أحد علمائها : " ج . د . فانسان : بفضل البيولوجيا أصبحت ملحداً " : " بإمكان فيزيائي فلكي ، أن يسمح لنفسه بإنفجارات صوفية . أما بالنسبة للبيولوجيست ، فإن وجود كائن لا مادي لا أساس له من الصحة . في شبابي انتقلت من الكاثوليكية إلى البروتستانتية ، التي هي أكثر منطقية ، التعالى فيها فكري أكثر مما هو ديني . كنت سأصبح قساً . البيولوجيا أعادتني من السماء إلى الأرض ، إلى المادة ، إلى الجسد واللحم عدت مجدداً إلى التعالي الفكري . أصلي ولكن كملحد " . ما قاله هذا البيولوجيست الملحد ليس جديدا ً. استشهدت به بما هو: " يصلي ولكن كملحد " ، لإعلام القارئ أن الآراء والمعتقدات الدينية والإلحادية ، لم تعد كما في الماضي باقة ورد ، تُأخذ كلها أو تترك كلها ؛ بل أصبحت كقائمة الطعام في مطعم ، بإمكانك أن تختار ما تشاء وتدع ما تشاء ، بلا أدنى حرج . وهذا ما لم يستوعبه التدين القديم ، المرصوص كعلبة السردين !.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.