اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

صناعة الفساد!// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

صناعة الفساد!

د. ادم عربي

 

مَعَ تَزَايُدِ حَالَاتِ الفَسَادِ وَتَنَوُّعِ أَشْكَالِهِ وَمَظَاهِرِهِ الْمُسْتَمِرَّةِ، مِنَ الضَّرُورِيِّ التَّأْكِيدُ عَلَى نُقْطَةٍ مَحْوَرِيَّةٍ فِي الْبَحْثِ وَالتَّحْلِيلِ: الشَّخْصُ الْفَاسِدُ لا يُولَدُ فَاسِدًا، وَإِنَّمَا يُصْبِحُ فَاسِدًا؛ لِذَا، يَجِبُ اسْتِكْشَافُ الْعَوَامِلِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى فَسَادِهِ وَالطُّرُقِ الَّتِي جَعَلَتْ مِنْهُ فَاسِدًا.

 

الْفَسَادُ، الَّذِي لا يُعْلِنُ أَحَدٌ دَعْمَهُ جَهَارًا حَتَّى مِنْ بَيْنِ أَبْرَزِ قَادَتِهِ، يَنْشَأُ عَادَةً مِنْ تَجْمُّعِ الثَّرَوَاتِ وَالسُّلْطَاتِ. فَعِنْدَمَا تَتَمَرْكَزُ الثَّرْوَةُ وَالسُّلْطَةُ بَيْنَ أَيْدِي نُخْبَةٍ مَحْدُودَةٍ، يصْبِحُ الْفَسَادُ ظَاهِرَةً شَائِعَةً وَمُتَفَشِّيَةً.

 

يَجِبُ أَلَّا نَعْزُوَ الْفَسَادَ بِشَكْلٍ كَامِلٍ إِلَى الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، إِلَّا إِذَا كُنَّا نَبْحَثُ عَنْ تَبْرِيرٍ جُزْئِيٍّ لا يُقَدِّمُ فَهْمًا عَمِيقًا لِلْفَسَادِ أَوْ كَيْفِيَّةِ مُوَاجَهَتِهِ. فِي تَفْسِيرِ الْعَالَمِ ننقسمُ إلى قسمين ،قسمٌ يُمْكِنُ لهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْمَبْدَأِ الْوَاقِعِيِّ وقسمٌ يُمكن له الإعتماد على المبدأ النَّفْسِيِّ.  لكن ، مِنَ الضَّرُورِيِّ تَحْدِيدُ أَيِّ الْمَبْدَأَيْنِ يُقَدِّمُ تَفْسِيرًا لِلْآخَرِ، وَمِنَ الْمُسَلَّمِ بِهِ أَنَّ الْمَبْدَأَ الْوَاقِعِيِّ يشْرِحُ النَّفْسِيِّ، حَتَّى لَوِ اعْتَرَضَ الْمُؤْمِنُونَ بِحُكْمِ الْعَقْلِ لِلْعَالَمِ.

 

لَقَدْ بَلَغَ فَهْمُنَا لِلْفَسَادِ مَرْحَلَةَ الْوُضُوحِ، حَيْثُ نَرَاهُ كَنَتِيجَةٍ لا مَفَرَّ مِنْهَا وَطَبِيعِيَّةٍ بِسَبَبِ تَمْرُكُزِ الثَّرْوَةِ وَالسُّلْطَةِ بَيْنَ يَدَيْ قَلَّةٍ مِنَ الْأَفْرَادِ فِي الْمُجْتَمَعِ. هَذَا التَّمْرُكُزُ لا يعْنِي فَقَطْ، بَلْ يُؤَكِّدُ أَنَّ الْفَسَادَ هُوَ نَتَاجٌ مُبَاشِرٌ لِمُجْتَمَعٍ يَسُودُهُ الْفَقْرُ وَالِاسْتِبْدَادُ.

 

الْمُفْسِدُونَ إِنَّمَا يَأْتُونَ مِمَّنْ تَرَكَّزَتْ فِي أَيْدِيهِمُ الثَّرْوَةُ وَالسُّلْطَةُ؛ أَمَّا الْمُفَسَدُونَ فَنَرَاهُمْ يَكْثُرُونَ وَيَتَكَاثَرُونَ حَيْثُ الْمُعَانَاةُ مِنَ الْفَقْرِ وَالِاسْتِبْدَادِ عَلَى أَشَدِّهَا.

 

فِي السَّاحَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَبَيْنَ الْعَامِلِينَ فِيهَا، نَشْهَدُ الْيَوْمَ ظَاهِرَةً بَاتَتْ أَكْثَرَ وُضُوحًا وَانْتِشَارًا مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، حَيْثُ نَادِرًا مَا نَجِدُ شَخْصًا يَشْغَلُ مَنْصِبًا عَالِيًا (كَوَزِيرٍ أَوْ نَائِبٍ) دُونَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَوْفَى شَرْطًا جَدِيدًا لِشُغْلِ هَذَا الْمَنْصِبِ، وَهُوَ تَوْرُّطُهُ  السَّابِقُ فِي قَضَايَا فَسَادٍ مَالِيٍّ أَوْ أَخْلاقِيٍّ. هَذَا التَّوْرُّطُ يُسَهِّلُ عَلَى الْجِهَاتِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي أَوْقَعَتْهُ فِي هَذِهِ الْقَضَايَا، أَوْ سَاعَدَتْهُ عَلَى الْوَقُوعِ فِيهَا، التَّحْكُمَ فِي قَرَارَاتِهِ وَتَوْجِيهَهَا لِخِدْمَةِ مَصَالِحِهِمْ وَأَهْدَافِهِمْ. وَقَدْ شَهِدْنَا مَرَارًا كَشْفَ فَسَادِ وَزِيرٍ أَوْ رَئِيسِ وَزَرَاءَ عَبْرَ الْإِعْلَامِ، مَمَّا يُؤَدِّي إِلَى إِجْبَارِهِ عَلَى الِاسْتِقَالَةِ مِنْ مَنْصِبِهِ، كَأَنَّ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ كَانَتْ مَحْتَفَظَةً بِهَا تِلْكَ الْجِهَاتِ لِاسْتِخْدَامِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ الْقُصْوَى.

 

يُجْبَرُونَ الشَّخْصَ عَلَى الْعَيْشِ فِي ظُرُوفٍ تَدْفَعُهُ لِلِانْخِرَاطِ فِي الْفَسَادِ، وَمِنْ ثُمَّ يَقُومُونَ بِتَوْثِيقِ أَعْمَالِهِ الْفَاسِدَةِ بِالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ، وَيَجْمَعُونَ الْأَدِلَّةَ وَالشَّهَادَاتِ الْكَافِيَةَ لِإِدَانَتِهِ. بَعْدَ ذَلِكَ، يُحْفَظُ مَلَفُّهُ فِي صُنْدُوقٍ سِرِّيٍّ مُغْلَقٍ بِإِحْكَامٍ. يُسْمَحُ لَهُ بِالتَّقَدُّمِ فِي الْمَنَاصِبِ الْعَامَّةِ، مُزِيلِينَ الْعَقَبَاتِ مِنْ طَرِيقِهِ، لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ التَّحَرُّكَ بَعِيدًا عَنْ إِرَادَتِهِمْ. فَمَا التَّفْسِيرُ لِقَرَارِهِمْ الْآنَ بِالْكَشْفِ عَنِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي بِحَوْزَتِهِمْ عَلَى فَسَادِهِ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا يَخْفُونَهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ وَتَوْجِيهِ تَصَرُّفَاتِهِ؟

 

تِلْكَ الْهَيْئَاتُ وَالْمُؤَسَّسَاتُ وَالْجَمَاعَاتُ الْمُنَظَّمَةُ، تُدِيرُ لُعْبَةً مُعَقَّدَةً تَشْبِهُ الْبُنُوكَ الَّتِي لا تُقَدِّمُ قُرُوضًا كَبِيرَةً دُونَ ضَمَانَاتٍ كَافِيَةٍ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، تُعْتَبَرُ الضَّمَانَاتُ هِيَ تَوْرُّطُ الشَّخْصِ فِي قَضَايَا فَسَادٍ مُثْبَتَةٍ، مِثْلَ السَّرِقَةِ، الِاخْتِلاسِ، الرِّشْوَةِ، انْتِهَاكِ الْقَانُونِ، وَالسُّلُوكِ الْجِنْسِيِّ غَيْرِ الْأَخْلاقِيِّ. يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَوَرِّطِ، وَالَّذِي قَدْ يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَنَاصِبِ الْعَامَّةِ الرَّفِيعَةِ، أَنْ يَلْعَبَ اللُّعْبَةَ وَفْقًا لِقَوَاعِدِهِمْ لِيَحْمِيَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَصْبِحَ هَدَفًا لَهُمْ، فَهُمْ يَمْتَلِكُونَ الْوَسَائِلَ لِإِقْنَاعِهِ وَإِجْبَارِهِ، بَيْنَ الْإِغْرَاءِ وَالتَّهْدِيدِ. إِذَا خَضَعَ وَأَذْعَنَ، يَنْجُو وَيَكْسِبُ؛ وَإِنْ رَفَضَ وَتَكَبَّرَ، فَلا خِيَارَ لَهُ سِوَى التَّعَرُّضِ لِلْفَضِيحَةِ وَالْكَشْفِ الْكَامِلِ عَنْ فَسَادِهِ، أَوْ مُوَاجَهَةَ تَهْدِيدٍ جَدِّيٍّ يُجْبِرُهُ عَلَى الْخُضُوعِ.

 

إِذَا خَضَعَ لِإِرَادَتِهِمْ وَأَذْعَنَ، فَسَيَتَصَرَّفُ وَفْقًا لِمَصَالِحِهِمْ الْمُتَنَاقِضَةِ، حَيْثُ تَتَحَدُّ مَصْلَحَتُهُمْ فِي التَّحْكُمِ بِهِ وَاسْتِغْلَالِهِ مَعَ رَغْبَتِهِمْ فِي أَنْ يَظَلَّ ظَاهِرِيًّا بَعِيدًا عَنِ الشُّبُهَاتِ. يَجِبُ أَنْ يَخْتَلِفَ الظَّاهِرُ عَنِ الْبَاطِنِ لِتَنْفِيذِ الْمَهَمَّةِ بِنَجَاحٍ.

 

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْأَشْخَاصِ الْمُسَيْطَرِ عَلَيْهِمْ لا يَنْمُو إِلَّا فِي بِيئَةِ السُّلْطَةِ الْبِيُورُقْرَاطِيَّةِ، حَيْثُ يَمْتَلِكُ الْفَرْدُ سُلْطَاتٍ وَاسِعَةً، وَتَقِلُّ أَهَمِّيَةُ الْمَرْجِعِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَسْتَشِيرَهَا، وَكَذَلِكَ تَقِلُّ أَهَمِّيَةُ الْهَيْئَاتِ الْمَسْؤُولَةِ عَنِ الرَّقَابَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.