اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

التطبيقات على المياه المشتركة بين العراق وجيرانه -3- // د. حسن الجنابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

التطبيقات على المياه المشتركة بين العراق وجيرانه -3-

اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأنهار الدولية لعام 1997

د. حسن الجنابي

خبير في الموارد المائية وسفير العراق لدى منظمة الفاو

 

دولة المصب والحق بتسلم إخطار مسبق

اولا:

الكثير من المعنيين بالقانون الدولي للمياه، لايجدون بالضرورة تعارضا بين المادتين الخامسة، الخاصة بالاستخدام المنصف والمعقول والانتفاع المشترك، والمادة السابعة الداعية للالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن. وهذا الرأي قد يكون نافذا في حال وجود انفتاح سياسي وتعاون اقتصادي واجتماعي بين البلدان المتشاطئة، التي تنعم بانظمة سياسية ديمقراطية ومستقرة، آخذين بالاعتبار حقيقة انه عند القيام بتنفيذ مشاريع كبرى، يكون من الصعب تجنب إحداث اضرارٍ لدى الدول المتشاطئة الاخرى،لذلك فقد ركزت المادة السابعة على الاضرار الخطيرة التي تستحق التعويض.

اما المواد الثامنة والتاسعة والعاشرة فهي تمثل اطارا عاما للالتزام بالتعاون المفترض وتبادل المعلومات وعدم التمييز بين الاستخدامات المتنوعة للمياه، اذ لاتوجد افضلية لأي استخدام على آخر، وفي حالات التعارض يتم الرجوع الى المادتين الخامسة والسابعة من الاتفاقية، مع تأكيد اولوية حصول الانسان على حاجاته الحيوية، وهو امر منسجم مع مبدأ حق الانسان بالحصول على ما يكفيه من المياه كما اقرته الامم المتحدة.

ثانيا:

يضم الباب الثالث من الاتفاقية المواد من (11) الى (19)  وهي تتعلق بآليات الإخطار المسبق الذي تقوم به الدولة التي تنوي تنفيذ مشاريع قد تسبب ضررا ذا شأن في دولة (او دول)المصب، وذلك بغرض تقليل الاضرار، او للاتفاق على آلية وتوقيت مناسبين لتنفيذ الاعمال المزمع تنفيذها، واعطاء مهلة ستة اشهر للدولة المعنية لتقييم الاضرار المحتملة مع امكانية تمديد مدة الرد الى ستة اشهر اخرى.

من المفيد تأكيده ان الاخطار لايمثل فيتو لدولة المنبع على الدول المتشاطئة، في احتكار الاجراءات والاعمال التي تنوي القيام بها، ولا ينظر اليه باعتباره يعفي دولة المنبع من مسؤولياتها، بل باعتباره وسيلة مهمة للشروع بالتعاون والتفاوض، وتأكيد المشاركة، واحتمالات الانتفاع المشترك، او لتقليل الاضرار وغير ذلك. علما ان الإخطار يجب ان يكون مترافقا مع تزويد دولة المصب بكل المعلومات والبيانات المتاحة لدى دولة المنبع، مع الالتزام بعدم تنفيذ التدابير المزمع اتخاذها دون موافقة الدولة (او الدول) التي تم اخطارها.

 

ثالثا:

من المؤسف حقا ان مشاريع الموارد المائية التي نفذتها دول المنبع (تركيا وايران) ودولة الممر (سوريا)، وخاصة في ميدان بناء وتشغيل السدود الكبرى على الفرات والكرخة والكارون، لم تُعِر اية اهمية للمبادئ الواردة في الباب الثالث من الاتفاقية كما ورد باختصار في (ثانيا) اعلاه، بل ضربت بها عرض الحائط.

فلم تقم الجارة الشمالية بإخطار العراق مسبقا عن اي مشروع من مشاريعها الكبرى، كسد كيبان في العام 1975، وسد كرة كايا العام 1987، وسد اتاتورك العام 1990، وسد كركميش العام 1999، وسد بريجيك العام 2000.

وهنا -وللامانة - لا بد من تسجيل ان تركيا، عندما اكملت انشاء سد اتاتورك على الفرات العام 1990، وهو سد يكفي لاستيعاب أكثر من معدل ايرادات نهر الفرات السنوية بالكامل، اعلنت في شباط 1990 انها ستقطع مياه الفرات عن سوريا والعراق قبل شهر واحد من شروعها بملء السد، ويتذكر الجميع وقتها وقع ذلك الامر على البلدين سوريا والعراق، ومن البديهي القول ان ذلك الاجراء لايمت بصلة الى المواد 12 و13 و14 من الاتفاقية، وهو اعلان يستخدم احيانا في المحافل الدولية من قبل تركيا للاعلان عن مدى التزامها بعدم التسبب باضرار لدى جيرانها العرب!.

ينطبق الامر كذلك على اجراءات الجارة الشرقية ايران فيما يخص مشاريعها المائية في المناطق المتاخمة للعراق حتى هذه اللحظة. فلم يُبلّغ العراق عن اي اجراء تنفيذي او تشغيلي يتعلق بانشاء او تشغيل اي من السدود الكبرى التي انشئت في حوضي نهر الكرخة او الكارون، او تلك التي لاتزال في طور التخطيط والتصميم، وبالطبع فان تأثيرات هذا الامر ملموسة في شط العرب وهور الحويزة وبيئتهما الحساسة للتغيرات الهيدرولوجية، ولا يسع المرء الا الترحيب بالتطورات الجديدة الناجمة عن زيارة وزير الخارجية العراقي السيد هوشيار زيباري الى طهران مؤخرا واطلاعه الميداني، اثر عودته، على شط العرب والمناطق المتاخمة بغرض تنفيذ فقرات اتفاقية العام 1975.

اما الشقيقة سوريا، فقد قامت في العام 1976 بملء سد الطبقة باجراء احادي الجانب، وبالتزامن مع ملء تركيا لسد كيبان، فحصلت كارثة جفاف لم يشهد لها العراق مثيلا، حيث جفّ نهر الفرات تماما آنذاك، وارتفعت حدة خلافات العراق مع جارتيه الشماليتين.وبالطبع يجد العراق نفسه عاجزا بكل الاحوال عن القيام باية اجراءات مقابلة، ليس بقصد الاضرار بالجيران بل لتخفيف الاضرارالتي تقع عليه، وهذه من سوء حظ بلدان المصب، خاصة في مناطق تتميز بالاضطرابات والخلافات السياسية.

رابعا:

اجد من الانصاف الاشارة الى ان الضغوطات الدولية التي مارسها الرأي العام العالمي على تركيا، بهدف ايقاف سد اليسو، الذي يجري انشاؤه حاليا على نهر دجلة، او على الاقل جعله منسجما مع المحددات البيئية والشروط الدولية، وعلى وجه التحديد شروط البنك الدولي وشروط الدول الدائنة، المانيا والنمسا وسويسرا، قبل انسحابها من تمويل المشروع،اثمرت عن اجبار تركيا على تزويد العراق بالمخططات التصميمية لسد اليسو، وقد اطلعتُ على نسخة من الوثيقة، واقول دون ان استطيع اثبات، انها نسخة من التصميم الاصلي بدون التحديثات التي قد تكون اجريت على التصميم خلال الاربعين عاما الماضية، بغرض الاستجابة الشكلية لاحد الشروط التي جاوزت (150) شرطا، وضعتها الحكومات المذكورة لكي تمنح تأمينات القروض لسد اليسو التي كان من المفترض ان تقوم بها شركاتها المالية. وفي النهاية لم تستطع تركيا الوفاء بالتزاماتها، وفشلت في الايفاء بتنفيذها، ما ادى بالحكومات الاوروبية للانسحاب من دعم المشروع ماليا، لكن تركيا مستمرة في تنفيذه حاليا بتمويل ذاتي، ويشاع عن وجود دعم من بعض المصارف الناشطة في احدى دول الخليج.

خامسا:

لقد ذكرت سابقا ان الدولتين الجارتين، شمالا وشرقا، لم توقّعا اتفاقية قانون استخدام مجاري الانهار الدولية في الاغراض غير الملاحية لعام 1997، واشرت الى ان عدم التوقيع او عدم المصادقة عليها لايعفي الدولة من التزاماتها بمبادئ القانون الدولي، لان الاخير يستند اساسا على القانون العرفي.

بالوقت نفسه لا بد من القول ان عدم التوقيع على هذه الاتفاقية، لا يشكل مانعا جديا لدول الحوض من التوصل الى اتفاقيات طويلة المدى فيما بينها بما يتناسب مع الخصائص الوطنية والاقليمية، سواء كانت اتفاقيات ثنائية او ثلاثية او رباعية (في حالة دجلة والفرات)، لذلك يجب ان لايشكل عدم توقيع الدولتين الجارتين على اتفاقية الامم المتحدة رادعا لجهود العراق في محاولته التوصل الى قسمة منصفة وعادلة لمياه الرافدين بما يضمن حقوق الجميع.

 

د. حسن الجنابي

خبير في الموارد المائية وسفير العراق لدى منظمة الفاو

 

(يتبع)

 

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال هي اجتهادات شخصية لا تتحمل مسؤوليتها اية جهة اخرى سوى الكاتب.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.