اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

• مام جبو / جبلي شابو والمسيرة الصعبة .. رحل عنا

سعيد الياس شابو

مام جبو / جبلي شابو

والمسيرة الصعبة ..

رحل عنا

 

سعيد الياس شابو / كامران

 

الحديث ذو شجون عندما يتناول المرء قصص العراقيين خلال العقود الماضية وهنا وبكل بساطة من لم يعيش تلك المصائب ويعاصرها أو بالأحرى لم يعيش أحداثها بالتفاصيل وقد لا يؤثر الا القليل القليل !

 

ولكن الحقيقة منسية لدى الكثيريين ممن عاشوا تلك الأيام الصعبة المنسية تارة وعدم اعارة أية أهمية لتلك الأيام التي لا يمكن نسيانها أبدا , لا وبل يجب سردها والحديث عنها لكي تصبح مادة تأريخية وواقعية لا تقبل التأويل !!

 

قاعدة كوستا , أو مقر كوسته التأريخي والذي يقع بين الشريط الحدودي , محاذات الحدود العراقية التركية والقريب من الحدود الايرانية نسبيا , والمنطقة جغرافيا تابعة الى منطقة برادوست والتابعة الى

 

ناحية سيدكان / محافظة أربيل / هه ولير . ولكون المنطقة عاصية وذو تضاريس صعبة المنال عسكريا وتتوسط حدود كوردستان المنقسمة جغرافيا الى ثلاث مناطق أي كوردستان العراق , ايران وتركيا , وكون المنطقة متظامنة مع الحركات الكوردية وعلى مر العصور لذا ترى فيها آثار للمقرات السابقة , لذا ترى من الصعوبة تقدم قوات تلك الدول لمحاربة البيشمركة في نهاية السبعينييات وبداية الثمانينييات من القرن المنصرم , وقد استغلت المناطق العاصية لتصبح بيوت أمنة أحيانا للقرويين ولقوات البيشمركة .

 

وعند بدأ الحرب العراقية الايرانية في 22 أيلول 1980.وبعد أشهر سمعت من أن هناك عائلة مسيحية بكامل أفرادها  قد التحقت بصفوف الثورة الكوردية في منطقة ومقر * كتينة * كه تينه , والمقر يقع بين جبلين عاصيين وكأنه خلق للآيام الصعبة , وفي كل مرة نلتقي بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني فيدلوا بحديثهم هناك عائلة مسيحية والحق يقال كانوا يفتخرون بالعائلة الملتحقة ويمجدونها ويدعوننا لزيارتها .

 

وبعد أشهر لم يكن بوسعنا أن نزور العائلة الكريمة عائلة مام جبو , جبلي شابو وهي تبتعد عن مقراتنا في كوستة حوالي ثلاث ساعات وربما أكثربقليل, العائلة الكريمة كانت من سكنة هاوديان الواقعة بين ميركه سور وديانة أي قضاء سوران الحالي وتقع قرية هاوديان في القسم السفلي من جبل برادوست ويشاركون في القرية مسيحيين ومسلمين أي أشوريين وكورد , وبدون أن تكون لهم مشكلة دين أو قوم أو تعصب ومنذ عشرات السنين , لا وبل المئات من السنين هم اخوة وتربطهم علاقات حميمية وهم شركاء في السراء والضراء.

 

وفي أواخر كانون الأول وبداية كانون الثاني من عام 1981-1982 . وكان الشتاء قاسيا لا يطاق حيث كثافة سقوط الثلوج في منطقة المثلث العراقي التركي الأيراني لا يوصف بحيث في بعض المناطق يسقط الثلج بأمتار وبمساحات كبيرة , حيث تغلق الطرق الحدودية بين القرى ومن الصعوبة اجتياز الحدود الا في الحالات النادرة والقليلة جدا وخاصة في فصل الشتاء , والحديث عن

الأيام الصعبة يجب أن لا ينسى من قبل من يهمهم الأمر !

 

مام جبو ( العم جبو )

 

مع بعض أفراد عائلته وبالذات ماموستا جان كانوا قد سلكوا الطريق الصعب من منطقة الحدود التركية بأتجاه الحدود الايرانية مشيا وسيرا على الأقدام ولمدة أيام !!! وعليك بتحمل الصعاب والبرد والجوع والعاصفة وخطر الجندرمة التركية في الحالات العصيبة وتغير الجو وقظايا أخرى قد تصادفك في الطريق , وقد سلكت هذا الطريق مع مفرزة قوامها 15 نصير . بيشمركة في بداية أيار 1980 وفي ضروف صعبة للغاية , ولأجل عدم الذهاب أبعد ليكون موضوعنا حصريا , حول عائلة جبلي شابو,

 

وفي الطريق وعند الممر الصعب بأتجاه الحدود قد صادف مام جبو وجان جبلي , مفرزة من الآنصار الشيوعيين بقيادة ملازم خضر وبعض الأنصار والذين كانوا متوجهين وسالكين الطريق نفسه ( أي مثلث فرمودا )! القاتل , ولو لا مساعدة المفرزة لكانت الكارثة قد حصلت مع مام جبو!

 

لم أكن مع المفرزة في ذلك الوقت العصيب وانما روي لي ونقل عن المفرزة بعد عودتها الى مقر كوستا بعد أن كانت قد قصدت مقر القيادة في ناوزنك .

 

وبعد ثلاثة أشهر من ذلك الوقت وفي شهر آذار من عام 1981 . واذا بالقسم الثاني من عائلة مام جبو وهم شادين الرحال لتكملة المشوار وهم قاصدين نفس الطريق للالتحاق بالوالد الكبير مام جبو , وهنا أنا واقف في الطريق ولم أكن أعرف أو أتعارف على العائلة الموقرة والمناضلة والتي تحملت الصعاب أكثر من طاقتها في سبيل عدم الأنصياع للحكم الذي يصنع الحروب التدميرية !

 

وهنا بدأ الحديث مع أفراد العائلة وهم عجوزة وامرأة حامل وصغار وشباب والمنظر يشبه أحد مناظر الأنفال مع الفرق ! وقسم يقودون البغل والقسم الآخر يسير وراء البغال محملين حاجاتهم البسيطة ومتوجهين نحو الحدود الأيرانية وبالذات قاصدين مجمع زيوة الحدودي . وبدأ الحديث بيننا لمدة دقائق ومن ثم أستمروا الرحال والمسيرة الشاقة !

 

وذهبت الأيام وجاءت الأيام وأنطبعت الصورة في ذهني , فكيف بالعائلة يمكن أن تتجاوز  في آذار ذلك الطريق الصعب ونحن في صعوبة تجاوزناه في أيار ؟.. روح الله أكبر من السلطان . وفي الشدائد الصعدة تصبح نزلة !!

 

وفي الصيف من عام 1981 , وفي حينها كنت أقوم بمهام عديدة في مقر كوستة منها الأدارة والمخابرة بين قواعدنا المتعددة واستقبال المفارز المتنوعة والترجمة والعلاقات بين المقرات مع الرفاق الآخرين وخاصة مع الرفيق النصير مام خضر روسي والرفاق الآخرين , وكانت تقربنا أو بالأحرى نقربهم لكونهم قد سبقونا في المنطقة كل من المناضلين وقادة البيشمركة حميد أفندي و عريف أحمد وأحمد برنو والرفاق البيشمركة الآخرين من الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( البارتي ) بعد أن كانت التسمية في البداية القيادة الموقتة .

 

ولكل سطر قصص وأحاديث وغايتي ليست سرد القصص وذكرى الأيام الصعبة وانما الراحل مام جبو.

 

وفي الصيف من تلك السنة أي 1981 وفي عصرية حارة جدا بينما كنت نازلا من غرفة المخابرة وأنا أغني بصوت عالي أغنية بالسورث ومنشع بعض الشيء لكون مقرنا يقرب من حدود الجارة تركيا , وأنا نازل الى القاعة الرئيسية واذ بشابين يجلسان على سطح المخزن الذي يحتوي الذخيرة وهم بأنتظار الطبيب أي طبيب الأسنان , وبعد الترحاب بهم والأستقبال بالود والمحبة وليس معهم فقط وانما مع كل القادمين الينا من مشارق الأرض ومغاربها من البيشمركة والقرويين , وبعد التعارف والجلوس بجانب الأخوة الأعزاء البيشمركة الشباب أنور وهاول جبلي والحديث حول وضع البيشمركة ووضعهم فبدا الاثنان حول شرح وضع العائلة في زيوة وسبب مجيئهم للمقر لحاجتهم الى طبيب الأسنان .

 

ومن ثم استفسارهم حول كم لغة أتكلم بعد أن سمعا الأغنية بالسورث ودخلنا الموضوع وأصبحنا قريبين بعد أن سردت لهم وضع مام جبو عند عبورهم الحدود ولقاء مع الرتل الصغير عندما كنت واقفا في الطريق , وتركا الأخوة عنوان مسكن العائلة في زيوة ومن ثم غادرا في اليوم الثاني اذا لم أكن مخطءا , أي بعد مبيت ليلة كضيوف أعزاء .

 

فأما المصادفة الحلوة التي خدمت العائلة الكريمة في زيوة , أي في نفس الصيف من عام 1981 .صادفت أن نذهب ومشيا على الأقدام وليس بتكسي !! الى زيوة القرية الحدودية بعد قرية كجلة الحدودية وأعتقد كان الحدث أو سبب الذهاب هو مرافقة المفرزة والتي جرح فيها أحمد ملا سوار بعد معركة مع قوات النظام المقبور في منطقة قريبة من ميركه سور . وكانت قد  أكبدت المفرزة أي مفرزة البارتي خسائر كبيرة في قوات العدو . ورافقنا المفرزة المذكورة مع طبيب نصير ولمدة يومين حاملين الجريح المصاب بشظايا ورصاصات عديدة وفي أماكن خطرة , ولو لا الطبيب الشيوعي الساهر والذي بذل واستخدم كل الوسائل والأدوية الطبية المتوفرة في تلك الرحلة الشاقة ... الجريح محمول في سدية مصنوعة من العيدان الاعتيادية والجريح يون ويون ويون ليل نهار من شدة الجروح والآلام التي لا تطاق !, والطريق الذي سلكناه مع مفرزة البارتي وحاملين الجريح أحمد ملا سوار , لايكفي أحيانا لمرور شخص واحد , لكون الطريق الذي يمر عبر كلي ره ش , الكلي الأسود.فكيف بحمل السدية وفيها جريح ضخم !!

 

المهم ... في اليوم الثاني وصلنا الى كجلة الحدودية وكان في استقبال المفرزة سيارات وبيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ,حيث أستلام الجريح من قبل المختصين , ونحن ذهبنا أو بالأحرى ركبنا السيارات بأتجاه رازان , ومن ثم دعانا الرئيس بارزاني بعد أن سمع عن كيفية تقديم الخدمات من قبل الطبيب البيشمركة العربي الجنسية وأقصد كنيته عراقي عربي . فلبى الطبيب الدعوة وأنا رفضت لكون ملابسي الوسخة لا تسمح لمثل هذه الزيارة .

 

وبعد دقائق من ذهاب الدكتور الى مقر الرئيس مسعود البارزاني والحديث حول انقاذ الجريح من المحنة التي كان فيها وشاكرا الرئيس بارزاني موقفنا على ما قدمناه من امكانيات متاحة الى المفرزة والجريح , واذ بالراحل القائد المتواضع كاكه ادريس بارزاني جاء بهدوء نحو المكان الذي كنت جالسا ويبتعد عن المقر عشرات الأمتار , وجاء ليصافحني مستفسرا عن أوضاعنا وسلامة الوصول وحول احتياجاتنا وأمور أخرى ودام الوقوف حوالي نصف ساعة , كان التواضع والكبرياء والأهتمام كبير من الشخصية الفذة من القائد الراحل ادريس البارزاني رحمه الله .

 

كلما أريد وأود أن أبتعد عن سرد الواقع ولكن يبدوا ليس سهلا أبدا وأبدا , وبعد مغادرة راشان , أو رازان.... والكلمة هي ليست رازان , وانما حرف الزاء بثلاثة نقاط .

 

فبعد وصولنا زيوا ثم سألت عن بيت مام جبو في زيوة  ,ادلوني بالبيت .... واذ النساء واقفات أمام القاعة بعد سماعهم خبر بأن ولدين من الثلاثة واقعين في الكمين , أي أدور وأنور وهاويل ,وهم في طريقهم الى هاوديان في مهمة . وكانت الصورة عندي مؤلمة جدا وكأنهم متأكدين مما حدث !!!

 

وبعد السلام والاستفسار عن أحوالهم .. ولماذا البكاء ؟, وسردوا القصة التي سمعوها من القادمين حول وقوع أولادهم في الكمين قبل فترة لقائي مع الأخوة أنور جبلي وهاول جبلي . وسرعان ما ضحكت ناسيا هموم العائلة والبكاء , وسردت كيف التقيت الشباب في مقرنا في كوستا ووصفت الشابين البيشمركة والجمداني الأحمر الذي يستخدمونها الاخوة البيشمركة البرزانيين , ومن ثم غيرت الأحوال بعد تكذيب الخبر , أي أولادهما بسلام ولم يصيبا بأي مكروه ولا كمين ولا هم يحزنون والحمد لله.

 

وأصبحنا عملة صعبة أحترام زائد وخدمة نستاهلها وأصبحت منذ تلك اللحظة ابن لهذا البيت الكبير والمحترم , وتعرفت على كافة أفراد العائلة الكريمة وخاصة مام جبو, والمشهور بــ  جبلي .

 

والذي أريد أن أقوله كحق بخصوص هذه العائلة المضحية  وطيلة سنوات وعقود والذي سمعته من المرحوم مام جبو بأن شاهد أربع مرات قرية هاوديان تحترق وتدمر ومن ثم يعود بنائها على أيادي أهلها !!!!

 

وثمة حقيقة يجب أن تذكر للتأريخ ... ألا وهي :- بيت مام جبو أوى الجميع ومن كل الألوان وتحملت هذه العائلة الكريمة المزيد من الصعوبات وكافحت وناضلت وفي أجواء قاسية في زيوة , ولي ذكريات كثيرة مع الراحل عنا مام جبو . والميزات التي تمتع بها مام جبو , الجرئة والصراحة وتحمل المزيد من الصعوبات والتضحية والكبرياء مع عائلته وأولاده وبناته .

 

كنت أتمنى أن التقيك يا أيها العم جبلي قبل رحيلك وكنت أتمنى أن أحضر التعزية واشارك هموم العائلة الموقرة الكريمة ولكن ما باليد حيلة ونحن في الغربة القاتلة .

 

مام جبو ترك وراءه باقة ورود من البنين والبنات ... جان , أنور , أدور , هاول , قايل , ماريا , مرتا , سوزان وريتا ,وأم حنونة بنوش / بشو .

 

ومام جبو ترك وراءه تأريخ مليء وحافل بالتضحيات والسمعة الطيبة والحميمية عند الأخرين, وفعل أسم على مسمى ... جبلي .....وأكثر من جبلي , غير بخيل وقنوع ويستقبل الضيوف وكأنه يمتلك الدنيا ماديا ومعنويا, أحبه من لاقاه ومن تعامل معه , كان له وعي سياسي ناضج وذو تحليلات عملية وواقعية .

 

اليك الجنة وذكرك الطيب في القلوب لمن عرفوك عن قرب

 

الصبر والسلوان لكافة أفراد العائلة المحترمين كبارا وصغارا

 

ونشارككم أحزانكم أيها الأخوة الأعزاء وليس أنتم فقط وانما معارفكم جميعا ونطلب من الباري تعالى أن تكون خاتمة أحزانكم رحيل مام جبو عنكم وعنا .

 

أخوكم / سعيد الياس شابو / كامران

 

والعائلة

 

السويد 20100512

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.