اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

حالمة حد الاشتعال// يوسف أبو الفوز

 

الموقع الفرعي للكاتب

حالمة حد الاشتعال

يوسف أبو الفوز

 

كان دجلة شاهدا حين عرفت ان تلك الغادة التي يتناثر الليل على كتفيها اسمها (عميدة عذبي الخميسي)، وكانت بنادق الانصار شاهدا وهي تلمح قامتها الرهيفة تخطر بين نساء قرى منطقة (روستي) تنثر المحبة وشموسا صغيرة، وعبر تضاريس الايام ضلت تلك الغادة حالمة حد الاشتعال، راحلة ابدا في شموس الاماني، في تويج الروح، في شرايين الفرح،...

كان ليل عدن الساحر يلمنا في شرفة مقمرة. زوجها يسترخي قريبا منا، "ناظم حكمت" واشعاره، وحبيبته منوّر، يشاركونا جلستنا،التفتت "عميدة" الى زوجها، وفي عينيها بريق أخاذ :

ـــ اذا صار لدينا طفلة سنسميها "منوّر"!

هل لي ان اتبارك من عيني "منوّر"؟ ان اجدل شرائطها، وارتب لها حقيبتها المدرسية؟ ان اسهر لاجل عينيها مرة، ليلة واحدة اسأل فيها النجمة التي اري، ليلة اسهر، ارسم لها الاماني عصفورا لجنحيه شواطئ دجلة والفرات؟

الحمى تحرق جسدي، وامي بعيدة ... بعيدة، وحزن المنفى له ملمس الحجر، حين افقت، كانت امي تجلس عند سريري ساهرة والليل يتناثر على كتفيها!

كل ليلة تراني النجمة ساهرا مع بندقيتي، اوقد هواجسي شموعا و(حلومه) المتألقة على خافي الوميض تتقد شموسا، وذات يوم سأزهر عند مفرق شعرها ورد رازقي له عطر الاماني وسيكون " ناظم حكمت" ضيفنا!

الايدي الاثمة الغادرة، كانت تستهين بامرأة تحمل بندقية يشتبك زنادها احيانا بالضفائر، لكنهم في "بشت آشان" عرفوا ان أمراة  كـ" احلام" يمكنها بسهولة ان تترك خلفها امشاطها ومرآتها وان تتفجر بعنفوان الفرات، وان يكون لاصابعها قوة الصخر وهي تضغط الزناد دفاعا عن شرف المبادئ!

للقلب شكل القنبلة.

وللرصاص هجس الأصابع،

لم يعرفوا ــ ولن يعرفوا ــ أن المبادئ وقوفا عن موقعها تدافع !

في معارك الانصار، حين ينحني الرصاص متكسرا عند الصخور، ويهوم صداه في الوديان وحنايا الروح، اراك يا "عميدة"، على خط التسديد، عند كتفي "الفرضة"، تسندين ذراعيك وتبتسمين.

  لرصاصي سيكون استدارة شفتيك، وبريق بسمتك. ومنور ستأتي، وسأضع صورتك وخصلة من شعرك في حقيبتها المدرسية!

احلام ...

قد نلتقي وأضع بين كفيك الرصاصة التي ستحولني الى "سر الليل"، وقد انتظر لأجدل ضفائر "منور"، واهمس لها عن امراة يتناثر الليل على كتفيها، حالمة حد الاشتعال، ظلت الشموس تتناثر من بين اصابعها حتى اخر لحظة من حياتها!

6/ 3 / 1988

كردستان/ مراني .. مقر انصار الفوج الاول

 * النص من كتاب "تضاريس الايام في دفاتر نصير" . دار المدى. دمشق 2002

 ** الشهيدة احلام: "عميدة عذبي الخميسي" . مواليد بغداد 1956. طالبة في كلية الزراعة. قطعت دراستها وغادرت العراق عام 1978 أبان الحملة الارهابية للاجهزة الامنية للنظام البعثي الديكتاتوري المقبور. عادت مع زوجها الى الوطن، الى كردستان العراق، والتحقت بصفوف الأنصار الشيوعيين في 28- 5 -1982. أستشهدت في الأول من أيار 1983، على يد مسلحي الاتحاد الوطني الكردستاني، في مجزرة " بشت آشان" الأولى!

*** روستي: منطقة تابعة الى محافظة اربيل، كان فيها مقر لسرية من الأنصار، عملت الشهيدة أحلام هناك لفترة، وقدمت خدمات مشهودة في التوعية والتمريض لنساء قرى المنطقة.

 **** دأب الأنصار عادة على اختيار أسماء الشهداء ككلمات لسر الليل

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.