اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

تسعة شهداء من عائلة واحدة وصمة عار في جبين صدام والبعث المجرم// كمال يلدو

 

عرض صفحة الكاتب

تسعة شهداء من عائلة واحدة وصمة عار في جبين صدام والبعث المجرم

كمال يلدو

 

كلما تأملنا سني حكم البعث وما قام به، تتكشف امامنا حجم الجرائم المهولة التي اوجدها في جسد هذا الشعب، إن كان بالارهاب والقتل والتغييب والتعذيب والحروب العبثية والدمار، ملفات يصعب على اي انسان منصف ان يمر من امامها دون أن تحرّك فيه السؤال: لماذا ؟

تستوقفني بعض ردود الافعال عن الغاية من فتح ملفات مضى عليها ثلاثون عاما او أكثر وجوابي: يجب ان نبقى نبحث بها ونكشفها ونطالب بتقديم الجناة للمحاكم ونطالب بانصاف الشهداء هذا اولاً، وثانيا لتجنيب العراق حقبة دموية ودكتاتورية جديدة، إن كان اليوم اوغدا. فمازال العراق بحاجة الى قانون عادل للحريات المدنية، وقانون ينظم عمل الاحزاب ومصادر تمويلها، وقانون عادل للانتخابات ولجنة مستقلة مشرفة عليها، وقضاء نزيه ومستقل، ودستور علماني خال من دين الدولة ومن الطائفية والعنصرية، ودونها سيبقى جرح العراق نازفاً ونبقى نقدم القرابين، مالم تتحرك القوى المدنية والمخلصة وتمسك بزمام المبادرة وتستعيد العراق من الحكام السراق والطائفيين والعملاء.

 

وقفتنا اليوم مع الشهيد النصير هرمز خوشابا هرمز (أبو نصير) وزوجته النصيرة الشهيدة جوليت داود خوشابا، وأبنائهم الشهداء السبعة.

وبغية تسليط الاضواء على هذه المأساة وضحاياها كان لي فرصة اللقاء بالاستاذ سليمان ختي، الذي يحمل بين ثنايا قلبه ذكريات كثيرة وبدأها:

تعود معرفتي بالشهيد (هرمز) الى اواسط الستينات، حينما التحق بصفوف الانصار في قاطع بهدينان عام ١٩٦٥، ويومها ترجاه القائد الانصاري الراحل (ابو جوزيف) ان يعود للقرية وذلك لصغر سنه، لكنه اصر على البقاء، وفعلاً هذا ما تم حتى نهاية العمل المسلح في كردستان العراق مع توقيع صدام والشاه اتفاقية الجزائر يوم ١٧ آذار عام ١٩٧٥.

ولد الشهيد هرمز خوشابا هرمز (ابو نصير) في قرية (عين بقرِ) التابعة لناحية القوش عام ١٩٥١، وهو ينحدر من عائلة فلاحية متواضعة كانت تمارس الفلاحة، وبعد رحيل والده المبكر تحمل مسؤولية العائلة، مما حرمه من أي تحصيل علمي يذكر. كان اسم والدته (جمكي) اما اخوته إيشايا وجورج فقد كانا من ضمن الانصار، وله شقيقة واحدة هي (منى). تزوج الراحل من النصيرة الشهيدة جوليت داود خوشابا، والتي تنحدر من ذات القرية في تموز عام ١٩٧٣، بحفل بهيج  وكان للقائد ابو جوزيف ورفاقه الانصار حضور بهي في تلك الليلة.

 

انطلق للعمل السياسي بعد انهيار الكفاح المسلح، ورغم وجود (الجبهة الوطنية) بين حزب البعث والحزب الشيوعي لكن ذلك لم يشفع له كثرة الملاحقات والمضايقات والتحقيقات معه والاعتقالات الكيفية من قبل رجال الامن ومرتزقة البعث مما دفعه لمغادرة القرية صوب بغداد، والعمل فيها لتوفير لقمة العيش لعائلته وكذلك الالتحاق بصفوف الحزب هناك بعيدا عن أعين الامن، وحتى تلك الرحلة لم تدم طويلاً حيث انكشف أمره فعاد الى قريته وأنصرف للعمل الزراعي في حقله. وحدث ذات يوم وهو يعمل في الحقل أن رصد تقدم لقوة من الامن والمرتزقة قادمين من صوب مدينة القوش القريبة جدا، بإتجاه قريته، وساورته الشكوك بأنه هو المستهدف هذه المرة حيث طوقوا القرية إلا انهم لم يتجرأوا على الاقتراب منه كثيرا لمعرفتهم بشجاعته واستحالة ان يسلم نفسه لهم، وفي تلك اللحظات الحرجة كان عليه ان يتخذ قراراً شجاعاً وجريئاً، فتوجه الى بيته وامتطى عدته الحربية كاملة وطلب من شريكه في المزرعة ان يُحضر التراكتور الزراعي، وركبه امامهم وغادر شمالاً بإتجاه قرية (بيرو زافا) متخذاً موقفاً دفاعياً وهجومياً في آن واحد امام ذهولهم وفشلهم في القبض عليه.

بعد هذه الحادثة توجه للالتحاق برفاقه الانصار عام ١٩٨٢، ونتيجة لخبرته القتالية فقد أصبح آمرا للسرية الرابعة/ انصار الفوج الأول، وقد اثبت شجاعة واقدام كبيرين في عمله النضالي والعسكري، علماً  إن ما عرف عنه من قرب بأنه قليل الكلام، ورزن ومسامح ويحمل براءة كبيرة وإخلاص لا متناهي لمبادئ الحزب.

وأما ما يتعلق بي (يكمل) الاستاذ سليمان ختي: فقد امتدت علاقتنا وتنامت عائليا وصداقيا ورفاقياً وأنصاريا، ليس معه فقط بل مع كل افراد عائلته الذين أكن لهم كل المحبة والاحترام. وطالما نحن نتكلم عن خصال الرفيق (ابو نصير) سأروي هذه الحادثة عنه: في العام ١٩٦٧ وبعد تشكيل المقر الثاني والذي كان يقوده  النصير إيشايا سرسنكي، قامت مجموعة من ثلاثة انصار برحلة استكشافية في المنطقة بضمنهم الشهيد هرمز وذلك في منطقة (دفري ـ دشت نهلة ـ التابعة لناحية دينارتا ومنطقة زيبار ـ والعائدة لقضاء عقرة) حيث تعرضوا الى اطلاقات نارية اثناء تجوالهم من قبل الجحوش التابعين لمنطقة الزيبار. استمرت المعركة بين الطرفين لبعض الوقت وتمكن الرفاق من دحر ربيئتين اثنتين من الجحوش وبقيت واحدة عصية عليهم، وقرروا مواصلة الهجوم على الربيئة الاخيرة مستخدمين سلاحهم البسيط (رشاشات كلاشنكوف ودكتوريوف) ، وفي هذا الاثناء اصيب أحد الرفاق بكتفه مما حرمه القتال، وواصل الرفيقان الهجوم، وعند اقترابهم اكثر وأمام كثافة الاطلاقات النارية، اصيب الرفيق الثاني ولم يبق إلا الرفيق هرمز، الذي واصل القتال حتى تمكن من الربيئة الاخيرة واسكت نيرانها.

 

ويسترسل الاستاذ سليمان ختي بكلامه: تمضي الايام، وتستمر الانظمة الرجعية بسياستها المدمرة للعراق، والتي ترافقت مع تصاعد المقاومة بكل انواعها إن كانت المسلحة او السلمية والتي تعني ايضا المزيد من الشهداء والمزيد من الضحايا.  حدث في يوم ٢٣ تموز عام ١٩٨٧ ان جرت معركة مع الجحوش والمرتزقة وذلك في (مجمع شيخكا ـ جنوب القوش) ، حيث كان الشهيد هرمز آمر احدى السرايا من الفوج الأول، وأثناء محاولته سحب جثة رفيقه الشهيد ( خليل اوراها ـ روبرت) فقد تمكنت منه الرصاصات الغادرة ووقع شهيدا في تلك الواقعة.

 

أما لزوجة الشهيد، النصيرة الشهيدة جوليت داود خوشابا، حكايات وعذابات وتضحيات اخرى. فقد كانت نشطة في العمل النسوي والحزبي، وكانت العون له في المراسلات وايصال البريد الحزبي، وعقب التحاق الشهيد بحركة الانصار ثانية عام ١٩٨٢، فقد بقيت في القرية مع اولادها، لكن ذلك لم يدم طويلا حيث قامت قوات الامن والمرتزقة بأعتقالها وذلك عقابا لعوائل الشيوعيين وعوائل الانصار، واودعت سجن الموصل وكانت حينها حاملاً، وانجبت وليدها في السجن وأسمته (زوزك ـ تيمناً بمقر الانصار)، وبعد اشهر من الاعتقال جرى اطلاق سراحها مع اولادها وأصغرهم كان رضيعاً، ولم يكن خافياً بأن الاوضاع كانت تسير من سئ الى أسوء في القرية ومحيطها، فقد قام زوجها الشهيد بالطلب اليها للالتحاق بالانصار والذي تم في (قاطع بهدينان ـ مقر مه راني ـ في منطقة كَارا) ، وبقيت هناك مع العشرات من عوائل الانصار والشيوعيين حتى حدثت الكارثة الكبرى (يوم الانفال) وانتهاء العمل المسلح في المنطقة وقيام الحكومة العراقية بإصدار (عفو عام)، فما كان من منفذ امام هذه العوائل فيما حدود العراق كلها مقفلة والحركة المسلحة مشتتة، لم يبق امامهم سوى التسليم لقوات الجيش والسلطة، وحدث ذلك في مفرق (ناحية زاويتة ـ طريق مانكيش/ سرسنك)، ثم جرى نقلهم الى قلعة (بروشكا) في محافظة دهوك، وبعدها بيومان جرى ترحيلهم الى (تجمع بحريكي ـ منطقة عنكاوا) ومن هناك الى كركوك ومقر المجرم ـ علي حسن المجيد ـ في (طاسلوجا ـ بين كركوك والسليمانية) ، حيث كانت القلعة متكونة من طابقين، العلوي على هيئة سجن للموقوفين، والسفلي كان مخصصا للتعذيب والتصفيات الجسدية وأحواض التيزاب.

ومنذ ان وصلت العائلة مع اولادها اختفت اخبارهم ولليوم، ولا يعرف إن كانوا احياءاً ام اموات، أو أين دفنوا، وكان هذا للاسف مصير (٢٨٦) شخص من الاطفال والنساء وكبار السن، علما بأن الحكومة كانت قد اصدرت ما يسمى ب (العفو العام) وهؤلاء سلموا انفسهم وفقاً لذلك، لكن كيف يمكن الائتمان للحكومة وصدام وحسن المجيد والبعث؟

 

أما تسلسل اىسماء الشهداء (الضحايا) فكان كلآتي :

١ـ الشهيد النصير هرمز خوشابا هرمز (أبو نصير)

٢ـ الشهيدة  جوليت داود خوشابا ـ زوجة الشهيد

٣ـ الشهيد نصير هرمز خوشابا ـ الابن الاكبر

٤ـ الشهيد فيديل هرمز خوشابا

٥ـ الشهيد ماجد هرمز خوشابا

٦ـ الشهيدة ماجدة هرمز خوشابا

٧ـ الشهيد فؤاد هرمز خوشابا

٨ـ الشهيد زوزك هرمز خوشابا

٩ـ الشهيد انصار هرمز خوشابا

 

يبقى السؤال الذي بحاجة لجواب شاف: لماذا كان على العراقيين دفع كل هذه الاثمان والتضحيات والدماء والعذابات؟ وماذا لو أن الانظمة التي حكمت (وما زالت تحكم لليوم) قامت بما تمليه عليها مسؤولياتها في تحقيق الديمقراطية والعدالة وترخيص العمل الحزبي وحرية الصحافة والاعلام والانتخابات ودستور دائم وقضاء عادل ....فمن كان سيعلن التمرد ويقاوم النظام؟

*) الشكر الجزيل لشقيقة الشهيدة جوليت السيدة هناء داود خوشابا وزوجها السيد وليد بيقوندا لتزويدهم بالمعلومات والصور

*) الشكر لرفاق منظمة الحزب الشيوعي العراقي في القوش لتزويدهم بصور الشهيد

 

**** المجد والخلود لذكرى الشهداء هرمز وجوليت وأبنائهم السبعة

**** المواساة لأهاليهم وأحبتهم وكل من عرفهم وعمل معهم في سبيل الوطن

**** العار يلاحق البعث وأزلامه وكل من شارك بذبح هذا الشعب خدمة للمخابرات الاجنبية

 

كمال يلدو

آيار ٢٠١٩

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.