اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الشعب يريد... الإنتقام!// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الشعب يريد... الإنتقام!

صائب خليل

14 نيسان 2016

 

لو سألنا عراقياً عن امنيته، سواء كان مشاركا بفعالية في التظاهرات أو لم يكن، لقال بأنه يتمنى الحصول على حكومة جيدة أمينة ونظام حكم ديمقراطي فعال وسليم يأخذ البلاد إلى بر الأمان ويستخدم ثروات البلاد لخدمة الشعب وإيصاله الى الرفاه ليلحق ببقية الشعوب. لكن المؤشرات تقول إنه “الإنتقام".. والانتقام وحده لا شريك له، ولا أثر لهدف "بناء البلد" في ذهن العراقي! دعونا ننظر عن قرب...

 

ليس من السهل دائما ان نحزر ما يريد المرء وما هي دوافعه، بل ليس سهلا أن نعرف على وجه الدقة، ما نريد احياناً. سبب الصعوبة بسيط جداً، فنحن نحاول أن نعطي عن أنفسنا أفضل صورة ممكنة، حتى امام أنفسنا، لذلك نختار لها أنبل الدوافع الممكنة التي تبرر ما نريد، حتى لو لم تكن هي الدوافع الحقيقية لنا. فكثيرا ما نصرخ دفاعا عن "العدالة"، ونتصور أننا نفعل ذلك من اجلها فعلا، لكننا ننساها بمجرد أن نحصل على ما طالبنا به من مكاسب، باسمها.

 

لكي نعرف مشاعر الناس الحقيقية، دعونا ننظر أي الدعوات تثير اهتمامهم وأي الشعارات تثير حماسهم.

 

إن أكثر الدعوات التي كسبت الشعبية هي شعارات "القضاء على الفساد" و "إنهاء المحاصصة" و "حكومة التكنوقراط". وقد يبدو في هذه الدعوات نظرة إلى المستقبل ومحاولة بناء شيء، لكن التمعن فيها يكشف زيف ذلك. فالقضاء على الفساد لم يحدد طريقة للقضاء على الفساد، كما ينتظر منه، ولم يتحدث أحد عن تلك الطريقة. فالدعوة في حقيقتها دعوة لـ "القضاء على الفاسدين"، وفي هذا روح انتقام وعقاب وليس بناء مستقبل. وأنا لا أقصد هنا ان القضاء على الفاسدين لا يساعد في بناء المستقبل، بل على العكس، إنما قصدت أن التوجه دائما هو نحو ضرب "الشخوص" وليس العلل.

 

والحقيقة أن هذه الدعوة ليست حقيقية حتى بالنسبة للقضاء على الشخوص الفاسدين، ببساطة لأنه لم يحدد ولا فاسد واحد يجب القضاء عليه او التخلص منه، رغم وفرة الأمثلة المتاحة! بدلا من ذلك تركت العبارة عامة هلامية مائعة. ويمكننا أن نرى تلك الحقيقة في ظاهرة اشتراك جميع الفاسدين في الدعوة للقضاء على الفاسدين! فأما ان الدعوة كانت أجبن من ان تحدد أي فاسد، أو أنها مقصودة الضياع والتضليل. فأنا من خلال متابعتي لهذا الملف، لم أر شخصاً ثبتت عليه التهمة من فاسدي الحاضر بقدر وزير الدفاع الحالي، ورغم ذلك فإننا لا نكاد نجد احداً يتحدث عنه أو يضعه نصب عينه عندما يتحدث عن "القضاء على الفساد".

 

أما القضاء على المحاصصة فهو ليس سوى نكتة بائسة، ناقشتها في مقالة سابقة، ولا تملك أي محتوى يمكن الإمساك به. فالمحاصصة والمشاركة تختلطان ببعضهما بشكل لا فكاك منه، وكل من يدعي القدرة على التمييز بينهما أما محتال أو لا يفقه شيئا مما يقول. لذلك لا يمكن التخلص من المحاصصة إلا بالتخلص من المشاركة، وهذا يعني أن الطريقة الوحيدة هي أن يعطى كل شيء لجهة واحدة! وليس هذا غير معقول فقط، وإنما هو غير مفيد حتى لو تحقق، ولا يضمن التخلص من الفساد إطلاقا، بل هو مرشح لزيادته بشكل كبير! ما يجب الهدف اليه هو التخلص من اللصوصية، بالمراقبة الشعبية وتثبيت القانون، لكن المراقبة الشعبية هي آخر ما يفكر به الشعب الغاضب هذا اليوم. إنه يريد شيء لا يدوخ فيه.. شيء يحسمه بضربة واحدة.. شيء خيالي لا وجود له. إن "محاربة المحاصصة" ليست سوى سراب لا يمكن الإمساك به، تماما كـ "الحرب على الإرهاب".

 

الغضب الثالث توجه إلى "الكتل السياسية" و "الأحزاب السياسية" وكل الحب اعطي لـ "التكنوقراط" وكلها مطالب مستحيلة وسخيفة في أفضل احوالها وكل من يهتف بها لا يعلم عم يتحدث، فلا يوجد بلد يحكم ديمقراطيا بلا كتل وأحزاب سياسية. ولا يوجد شيء حقيقي اسمه التكنوقراط، بل هو مصطلح أقرب إلى الأدب منه الى السياسة، فلا معنى سياسي له، وليست المشكلة التي لدينا هي قرار تكنولوجي إن كنا نريد نقل الطاقة بشكل ثري فيس أو دي سي لنبحث عن التكنوقراط الذي يحلها لنا، كما ان الكثير من وزراءنا كانوا بشهادات عليها، أي "تكنوقراط" (إن كان للكلمة معنى) وهم بالصدفة اشد من يحتج الشعب عليه اليوم ويلومه على مشاكله!

هكذا يريد العراقيون اليوم ان يبتدعوا نظاماً خيالياً يحل لهم مشاكلهم بضربة واحدة، ضربة يائسة لا تنظر من تضرب ولا ماهي الخطوة التالية بعدها، وهذه علامات الغاضب العاصف المنتقم، ولكن ليس من يشغله البناء أكثر من الإنتقام.

 

دعونا ايضاً ننظر إلى ردود فعل الناس، لو ان احداً بين أن بعض الساسة أبرياء وشرفاء. إذا كان الناس مهتمون بالبناء بعد الفورة، فسوف يسعدهم ذلك، بل سيحاولون ان يجدون الحجة لتصديق هذا. لأنهم يعلمون ان البناء من الصفر صعب جداً, وأن كل شريف في البرلمان هو مكسب كبير يزيد فرص النجاح. أما من لا يهتم إلا بالانتقام فسوف يقف موقفا معاكساً. سوف يشعر بالغضب الشديد من أي شخص يحاول تبيان براءة سياسي. وكلنا نعلم أن ما ينتشر اليوم هو النوع الثاني وبوضوح تام. فيمكنك ان تسب من تشاء من الساسة دون مشكلة، أما إن حاولت ان تقول: مهلا، فلان بريء، فسوف تواجه بغضب شديد من الناس التي تريد أن تضرب!

 

 

 

دعونا ننظر إلى ما يثير الناس من الشعارات. إن أشهر الشعارات شعبية اليوم هو شعار "شلع قلع" الذي أطلقه مقتدى الصدر، وانتشر بشكل كبير ليس فقط بين المتظاهرين، وإنما على صفحات الفيسبوك وغيرها، ورسمت عنه الكاريكاتيرات. ولنلاحظ ان "الشلع قلع" هذا لا يتحدث عن "الزرع" بعد الشلع. فما يهمه هنا هو "شلع" الأعشاب الضارة وليس ما يحدث بعدها. والحقيقة أنه ليس مستعد حتى لتمييز الأعشاب الضارة عن غيرها، وسوف ينزعج إن وجد البعض غير فاسد لأنه سيكون عليه ان يبحث ويميز، وهذا سيفقد جمال "الضربة" الشاملة التي يعبر عنها شعار "شلع قلع".

ولنفترض جدلاً أن الكل كانت "أعشاباً ضارة"، وأنه تم "شلعها" كلها بضربة مدوية واحدة،.... ثم ماذا؟.....  ثم ليحدث ما يحدث! وطبعا من يهتم بوطنه، سيود "شلع" الأعشاب، لكنه سيهتم ايضاً بما سيزرع مكانها! فشلع الأعشاب لا يؤدي وحده إلى "زرع" الورود في الحديقة. ويجب على من يهتم بحديقته اختيار طريقة "الشلع" بحيث تعطيه أكبر فرصة لـ "زرع" جيد بعدها. فمن الممكن تماماً ان تسبب طريقة "الشلع" تدمير الأرض فلا تصلح للزرع بعد ذلك. يمكننا ان "نشلع" الأعشاب بمواد سامة تقضي عليها تماماً وبسرعة، لكنها تترك لنا وطنا خرباً (بلا دستور مثلا)، لا يمكن ان نزرع فيه شيئا.

 

 

أرجو أن تلاحظوا أني لا أدعو هنا إلى مسامحة أحد، ولا حتى إلى رفض الإنتقام من هؤلاء السفلة، بل أن الإنتقام هدف ضروري لتثبيت القانون وردع الفساد المستقبلي، وأي تساهل فيه أمر خطير. إنما ما افتقده هو أن تصحب هذه الرغبة بالانتقام، رغبة في البناء. رغبة أقوى من الأولى واهم وان تكون لها الأولوية في القرارات. فعندما نفكر في إقالة الوزارة، يجب ألا نكتفي بسعادتنا ونحن نتخيلهم مهانين مذلين كما اهانونا وأذلونا، وإنما أيضا، وقبل كل شيء ان نتساءل: من سنأتي مكانها، وكيف سنختاره؟ وأهم من ذلك: ما سيكون أثر تلك الإقالة على البلد بعدها؟ هل تحطم الدستور إن قمنا بها بهذه الطريقة؟ هل سيمكننا ان نعيد بناء احترامه، ام ستكون سابقة تسهل على كل مغامر جديد أن يتجاوزه؟ هل ليس هناك طريقة نقيل بها الوزارة والرئاسة دون تدمير الدستور؟ فالحياة لن تنتهي بعد إزاحة الرئيس والوزراء، بل سنجد أنفسنا مطالبين بأن نخطو الخطوة التالية، وعلينا ان نفكر بها منذ الآن.

 

لكن هذا الكلام "ما يصرف" لاندفاع "الشلع قلع".. ولا يثير اهتمام أحد! إن مقالتي السابقة "إعادة الانتخابات هو الحل الوحيد والباقي مسرحيات" تشرح بوضوح أن الشيء الوحيد المفيد الممكن تحقيقه من هذه الهبة، هو بالضبط ما يتم الابتعاد عنه وتجنبه، وهو حل البرلمان وإعادة الانتخابات ليأخذ الشعب فرصة جديدة لاختيار ممثليه.(1) وأن يقرر هذه المرة أن يهتم بواجبه في المراقبة وأن يكون حاسماً فلا يقبل تصويتا سريا في البرلمان ولا ان يسمح بأن تدافع كتلة ما عن فاسد دون معاقبتها، مهما كانت طائفتها او قوميتها، ولا يترك الناخب من انتخبهم دون ان يواجههم بوعودهم الانتخابية ولا يتردد في معاقبتهم إن لم يفوا بوعودهم، وشيئا فشيء سيتعلم الساسة أن هناك شعباً حاكما يجب عليهم ان يخشونه (أكثر مما يخشون السفارة) وأن يحسبوا له حساباً وليس حساب مصالحهم فقط.

 

ليس الأمر سهلا ولا سريعاً. فسيعود الكثير من الفاسدين القدماء في البرلمان الجديد، وسوف تنشط السفارة أكثر لحماية مصالحها، وستبقى لنا نفس مفوضية الانتخابات التامة الفساد وحاسباتها التي تسيطر عليها السفارة وتعمل ببرنامج لا يعلم أحد من كتبه، أي ان التزوير سيكون موجوداً. لكن من ناحية أخرى فأن الوعي والضغط يمكن ان يقلل التزوير إلى أدنى حد ممكن. ولو تمكنا من الغاء الحاسبات في عد الأصوات فإن هذا وحده سيكون انتصارا مذهلا، كما سيكون منع التصويت السري في البرلمان.

كذلك يجب التنبيه إلى ان ليس كل شيء سيء. فقانون الانتخابات والدستور ايضاً ليس سيئا بالدرجة التي يصور فيها، ولا يختلف كثيرا عن غيره من الدول المتقدمة، ويمكن بالتأكيد البناء عليه كبداية. وكذلك فأن مشكلة الكتل السياسية والمحاصصة ليست كارثة بحد ذاتها إنما اللصوصية والفساد التي تجعلها كذلك. يجب ان نفهم أنه لا مفر لنا من ان نتحمل الكثير مما لا نحب، وأنه سيبقى الكثير من الفاسدين في مواقع السلطة، مثلما في الكثير من الدول حتى الممتازة منها، وأن إزاحتهم وحل المشاكل لا تكون إلا بالصراع والبناء. إن تصوير الأمر بشكل أسود لا يشبه بقية العالم، هي محاولة تهدف إلى بث روح الياس أو إثارة الغضب المنفلت لدى الشعب، وتتركه في النهاية في الحالتين لينقاد لمن يقوده.

 

إذن فكرة هذه المقالة وتلك، هي أنه يجب ألا ننسى العقل في لحظة الغضب، وأن يكون بناء الوطن هو الهدف الأول وليس لذة الإنتقام فهما لا تتطابقان دائما. لكن تلك المقالة لم تحظ إلا بثلث القراء والمشاركات التي تحظى بها معدل مقالاتي، وأتوقع ان حظ هذه لن يكون أفضل. فالقراء مثل غيرهم من أبناء الشعب، ليسوا مهتمين بانتخاب ممثلين جدد ولا حكومة جديدة. الشعب يريد أحداً يقوم له بذلك، وكل ما يريده هو أن يتمتع بحفلة "الشلع والقلع" وسوف يفقد اهتمامه بالأمر بمجرد انتهاء هذه الحفلة الصاخبة.

 

وطبيعي فأن هناك جهات سوف يسعدها ملئ الفراغ وتقديم تلك الخدمة واختيار ما يناسبها من الساسة والقادة ليحكموا هذا الشعب، وأول هذه الجهات وأكثرها تأثيرا هي السفارة القابعة في الخضراء، والتي تتمتع اليوم بمراقبة ما يجري بهدوء في انتظار ان تستوي الطبخة ويشبع الناس رغبتهم في الضرب والانتقام حتى يتعبوا، ثم يغادروا لبيوتهم ويتركوا لها الساحة “المشلوعة المقلوعة”، لتزرعها بما تشتهي. وبعد مرحلة انحدار جديد للعراق، تأخذ بضعة سنوات من عمر الشعب والكثير من الفرص وعشرات المليارات من الدولارات الأخرى، سيشعر الشعب بالخيبة، وربما سيهتف البعض مرة أخرى: "شلع قلع"... لكن اليأس سيكون قد سيطر على الأرواح ويكون الشعب قد قرر أن يترك البلاد للسفارة لتديرها بفاسديها بلا اعتراض.

 

(1) صائب خليل - إعادة الانتخابات هو الحل الوحيد والباقي مسرحيات

 https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1071891556201246

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.