اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مؤتمر الرياض و"إخصاء" الإنسان// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

مؤتمر الرياض و"إخصاء" الإنسان

صائب خليل

25 مايس 2017

 

عليك عموماً، ان تمتلك قدراً من الوقاحة، يوازي حجم الكذبة التي تريد ترويجها. وحينما يكون المشروع بحجم مؤتمر الرياض يكون الكذب من الحجم بحيث تصبح أية محاولة لإخفائه مثيرة للسخرية. وفي مثل هذه الحالات لا يبقى امام أصحاب المشروع إلا محاولة "إخصاء" المتلقي وفرض الكذب عليه وإجباره على قبوله والسكوت! أي كما يقولون باللهجة العراقية "يخش بعينه". إن الأكاذيب الصريحة، تمثل تحديا نفسياً وإحساساً بالضياع والشك بالقدرة على الرؤية، لذلك فهي تثير القلق وتبدو كاعتداء وقح على عقل الإنسان. وعدم القدرة على الرد تشبه في تأثيرها، تأثير العجز عن رد الإهانة، وما تسببه من شعور بالخوف والإذلال، الذي يشبه شعور الرجل حين يفقد رجولته، كما يفقدها المخصيون.

وقد يتصور المرء ان السعوديين هم من الذين يخصون الآخرين هنا ويفرضون عليهم الكذبة، لكن الحقيقة هي ان الأمريكان والإسرائيليين هم اللاعبين الوحيدين، أما السعوديون فهم أول المخصيين وهذا هو الانطباع الذي يتركه النظر إلى ذلك الطاعن في السن، يكاد يقتله القلق وهو يتلفت حائراً إن كان قد أرضى سيده أم لا.. ومثله بدا بقية زعماء الخليج وهم يفرغون جيوبهم أمامه.

قبل تحليل تلك المشاعر، والذي هو موضوع هذه المقالة، لنلق نظرة أولا على تلك "الأكاذيب" و "التحديات الأخلاقية" للمؤتمر. مؤتمر الرياض في خطه العام "صلافة" كبيرة موجهة كصفعة لكل البشر وإن كان موجهاً للعرب بشكل خاص حين فرض على الجميع ان يصمتوا عن كذبة "أميركا تحارب الإرهاب".

 

وقد صحب ذلك المؤتمر أكاذيب تعمدت الصلافة مثل ان يعهد إلى السعودية، الممول الأكبر للإرهاب والعدوان الأمريكي في المنطقة وخارجها، بـ "تجفيف مصادر تمويل الإرهاب"! وكان منظمي المؤتمر قد تعمدوا السخرية من الناس، إذلالاً لهم. ولنتذكر أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تستعمل فيها هذه الصلافة، فهذا السيناريو تكرر في مهزلة سابقة حين حصلت السعودية على منصب أممي لتطوير وضع المرأة في العالم! وفي مؤتمر الرياض، أشادت إيفانكا "بجهود المملكة في تعزيز دور المرأة والنهوض بواقعها"! بعد حصولها على 100 مليون دولار من السعودية والإمارات لدعم سيدات الأعمال الجدد!

وتكتسب هذه الصلافة بعداً إضافيا من حقيقة أن ترمب كان قد هاجم كلنتون لقبولها مساعدات مادية من “هكذا بلدان لا تحترم حقوق الإنسان، وتعامل النساء كالعبيد وتقتل الشواذ جنسيا”. عدا تناقضاته ونفاقه الفاضح حين يعبر عن "تقديره العظيم لروعة السعودية وشعبها" وهو الذي كان قد صرح قبل مدة بان السعوديين "جبناء وأبواق يدفعون الاموال لداعش" وانهم يجب ان يمنحوه النفط مجانا لعشرة سنوات قادمة وتبنيه محاربة المسلمين في حملته الانتخابية!

 

لماذا تسبب لنا مواجهة هذه التناقضات والأكاذيب الصلفة الشعور بالمهانة؟

علينا أولاً أن نعود إلى تفسير "الأخلاق". فحين واجه المجتمع الإنساني مشكلة عويصة هي التناقض بين وعي الفرد لمصالحه الشخصية وضرورة التضحية بها أحيانا لصالح المجتمع. والمجتمع الإنساني قد يكون المجتمع الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة، حيث ان مجتمعات النمل والنحل على سبيل المثال، لا تعرف المصلحة الشخصية ويتصرف الأفراد فيها كخلايا من أجل مجتمعهم بدون الحاجة إلى اية أدوات مراقبة او ضبط.

ولأجل ان يحل المجتمع الإنساني مشكلته، اخترع "الأخلاق". وهي مجموعة قواعد إجتماعية تحمي الصالح العام وتحد من أنانية الفرد ورغباته، وتصبح هي المقياس للاحترام أو النبذ. ودون ان نشعر بها بشكل محدد، فأننا ندرك أهمية الاخلاق لبقاء مجتمعنا على قيد الحياة، وأنه بدون حد أدنى منها، سيكون مهدداً بالخطر وبالتالي نكون نحن كأشخاص أيضا مهددين بالخطر.

 

ولقد تعودنا ان بعض الكذب البسيط المتخفي وراء حجج ما، رغم ضرره، لا يهدد كيان المجتمع. فهو يبقى "كذب خائف" يحرص على ايجاد غطاء يختفي تحته. أما الكذب الصريح أو ذي الحجج المكشوفة، فيبدو جريئا وقويا ومهدداً، يتحدى المجتمع وكل فرد فيه ويفرض نفسه على الساحة معلناً هزيمة منظومة الاخلاق امامه. وهنا يختلط الشعور بالخوف من هذا الحال، مع الشعور بالمهانة من الاضطرار إلى الصمت والنكوص عن أداء المرء لدوره في الوقوف بوجهه، كإنسان ناضج في المجتمع.

 

ويبدو أن من يدير السياسة الأمريكية من وراء الكواليس قد خطط لهذا الأمر بدقة وبالتفاصيل حين دفع بالرئيس ترمب إلى منصبه في الانتخابات الأخيرة. فالرجل، ومن خلال حجمه الضخم وتدريبه الجيد على اصطناع البلاهة، والسمعة السيئة التي تعمد تنميتها بشكل خاص قبل الانتخابات، تجعل منه خير من يمكن ان يقوم بدور "الشلاتي" الذي "يخش بالعين" في كذبه، ولا يستثير من المقاومة إلا أقلها.

 

في السابق، اعتمدت القوى المتسلطة غالباً على التخفي في هجومها. ويعبر عن ذلك البروفسور جومسكي بقوله بأننا يجب ان لا نتوقع ان نرى هجوماً قويا صريحا على الحقوق المدنية والديمقراطية يثير الخوف ويستدعي رد الفعل عند المواطن الاعتيادي، بل ستتحرك السلطة بهدوء بخطوات صغيرة لا تثير القلق لتأكل حقوقه تدريجيا دون ان يشعر. وقد كانت هذه هي الحال السائدة بالفعل على الساحة الدولية، خاصة بوجود الاتحاد السوفيتي. ثم انهار هذا النظام تدريجيا حتى جاء ترمب ليدشن مرحلة تتميز بالتحدي المباشر وتعتمد على الرعب في المقابل والإحساس بالعجز.

 

وفي الوقت الذي يفشل فيه الكذب المستتر حين يتم كشفه وتعريته، يتميز الكذب الصفيق بكونه تقنية منيعة بوجه "كشف الحقائق". فالمرء يقف امامها مذهولاً وعاجزاً لا يتمكن من القيام برد فعل مضاد. وفي هذه الحالة، لا تعمل "الفضيحة" كما هو معتاد، بل كلما كانت الفضيحة أكبر، وتمكنت من الإفلات، كلما كانت الطريقة أشد مفعولا وتطبع الناس على الرضوخ وسهل قبوله الصلافات القادمة بدون مقاومة.

 

لو نظرنا إلى طريقة تصرف الحكومة السعودية مع ترمب لما وجدنا شبها فيه لتصرف دولة مع صديق، إنما هو نسخة طبق الأصل لتصرف مدينة محاصرة تقرر الاستسلام دون قتال للفاتح فتستقبله بهيبة مفرطة وترسل كبار قومها وكهنتها للترحيب به وإبداء الخضوع وتقديم الهدايا التي تشمل كل ما تملك تقريبا.

ولو لاحظنا طريقة تصرف ترمب مع السعودية وأيضا مع العراق والدول الصغيرة بشكل عام، لوجدناها نسخة طبق الأصل من أساليب المافيا التي كانت تفرض الإتاوة على أصحاب المحلات بحجة حمايتهم. ويشرح أحد الأفلام مثالا عن طريقة عمل المافيا في بداية القرن العشرين، فهي لم تكن تهدد بل تعرض "الحماية"، حيث ترسل مندوبا يعرض على صاحب المخزن حماية مخزنه من الحريق. وحين يرفض هذا، يقوم المندوب بإشعال الحريق في المخزن، ثم يعود ليقدم عرضه ثانية، فيفهم صاحب المخزن ويخضع. وترمب أيضا تحدث عن "حماية" السعودية، ووجوب أن "يدفعوا لنا"، وكأنه يمثل في فلم مافيا بالضبط. وسبق له ان تحدث أيضا بذات الطريقة عن "اخذ" نفط العراق، مبررا ذلك بأن العراق لا يملك جيشا قوياً، وكأنه فرد في عصابة يشرح لرفاقه فرصة للنهب.

يقال ان المافيا حين اشتد الضغط عليها في اميركا، تحول رؤساؤها إلى العمل القانوني كأصحاب شركات، فالنظام الرأسمالي يتيح مافيا مقنونة، ويبدو اننا نشهد عودة هؤلاء أو أبنائهم، وهم يحملون شوقهم إلى تراث اسلافهم وتقاليدهم.

 

 

لكن "الإخصاء" المافيوي في السياسة ليس بلا مخاطرة. وحين يفشل، فهو يسبب إحراجا كبيراً وتآكلا للصلافة يحولها إلى سخرية. وقد كان رد معظم الدول من هذا النوع، والذي ابتدأه الرئيس المكسيكي وحكومة كوريا الشمالية إضافة إلى الإهمال الذي ردت به العديد من الدول ومن ضمنها إيران. وقد اقتصر نجاح هذه الطريقة حتى الآن كما يبدو على اليابان ودول الخليج العربي، ونحن، ككل شعوب العالم، كما افترض، في الترقب كيف سيكون الأمر مع زعمائنا.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.