اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

جريمة الصقور هل هي بدوافع طائفية حقا؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

جريمة الصقور هل هي بدوافع طائفية حقا؟

صائب خليل

6 تموز 2017

 

كتب الدكتور زياد العاني، عن سيطرة الصقور وعن وضع إتاوات ورشاوي لتمرير الشاحنات. وتحدث عن صديق له من "عنه" توجه مع اسرته من الفلوجة حيث مكان عمله، إلى بغداد لقضاء العيد. وبعد الانتظار في طابور طويل عند سيطرة الصقور عرفوا من هويته انه عاني، فأخبروه أنهم لن يسمحوا لهم بدخول بغداد الا بعد تحرير مدينة عانة من الدواعش. وقبل أيام قتل الشاب ضياء هادي العيساوي من الفلوجة بدم بارد بعد أن تجادل مع أحد عناصر السيطرة الذي رفض دخوله مع والدته المريضة وبعد جدال معهم سدد عنصر السيطرة طلقة الى رأسه قتلته على الفور وهرع القاتل الى مركز السيطرة ولا يعرف ماذا عملوا له ان كانوا قد اتخذوا إجراءا بحقه.

يكمل د. زياد: "قبل أيام، قريب لي من محافظة الانبار كان متوجها الى الانبار فمنعوه من العبور وأعلن أحد عناصر السيطرة بأن أهل الانبار لا يمكنهم دخول مدينتهم الا بعد 15 تموز، وبدون إعطاء أي سبب. هذه حالات من عشرات الحوادث التي سمعنا عنها مؤخرا عن سلوك وتصرفات عناصر هذه السيطرات تجاه أهل محافظة الانبار بشكل عام حيث يعامل بعض افراد هذه السيطرة مواطني تلك المدن بإذلال واضح وعنجهية تعكس طائفية مقيتة."

مقابل هذا، كتب عقبة العبيدي، منبهاً إلى سيطرة في داخل الأنبار ذاتها اسمها "سيطرة القصاصة" (الغصاصة). ووصف الوضع بأنه انتظار عشرات الساعات في حر صيف الأنبار للآلاف من العوائل والأطفال والمرضى، وكيف انه رأى بنفسه كيف يهين الضباط الناس ويكفرون وينهالون عليهم بالسب والشتم والألفاظ النابية امام انظار الجميع. ونقل ان مسن مريض توسل بالضابط فأجابه "والله لو يجي ربك ما تطب" (ما تدخل) وامرأة كبيرة تقول لضابط "اعتبرني أمك" فيجيبها أنه ما يعترف حتى بأمه الحقيقية، و"لو تجيبين كتاب من الله ما تطبين، إلا ابنج يسوي قصاصة" والمقصود دفع 25 ألف دينار رشوة تمكن أي شخص من العبور "حتى أبو بكر البغدادي" حسب تعبيره، ويأتيه الإذن اليه في البيت.. ليختتم عقبة بالقول: "كافي نحجي ع الصقور وننسى أبناء جلدتنا وأبناء محافظتنا.. خصم الحجي، إذا كانت الصقور بزيبز جديد فأن سيطرة الرمادي هي معبر رفح ذاته!”.

 

وهو ما يبين، ان ما وراء موضوع "الصقور" شيء آخر، غير "الطائفية البغيضة" التي أشار اليها د. زياد العاني. هذا "الشيء الآخر" يتم تجاهله دائما، لصالح التفسيرات الطائفية، التي يميل الطرفان الشيعي والسني إلى إعادة كل الجرائم إليها، ولأسباب مفهومة.

 

دعونا نعود إلى الأنبار والموصل قبل احتلال داعش، حيث كتبت مقالتين عن معاناة اهل المنطقتين من الفساد غير الطبيعي المنتشر في القوات العسكرية والأمنية فيهما، وقيامها بابتزاز المواطنين وإهانتهم عمدا وبدون سبب، وكأنهم "جنود احتلال" كما وصفهم أحد الأصدقاء في الموصل. ووصف أحد اقاربي اعمال العسكر في المنطقة الغربية بأنها عملية استنزاف مالي منظم تقوم على أساس التهم الكاذبة بالإرهاب والتي لا يتم سدها إلا برشاوي ضخمة للغاية قد تسبب الإفلاس لأصحابها.

وجاء في تقرير اللجنة الأمنية البرلمانية عن احتلال الموصل، أن الفساد للقوات العسكرية بلغ حداً مذهلا، وكانت شاحنات تمويل داعش تمر مقابل اتاوات محددة ومنظمة من قبل النقطة العسكرية التي تسيطر على الطريق (وما زال الحديث عن فترة قبل الاحتلال). وجاء في التقرير أيضا ممارسة منتظمة وواسعة الانتشار للتهم الكيدية الهادفة إلى ابتزاز المواطنين، وتبين من التحقيق أن نسبة التهم الكيدية بلغت 70%. أي أنه (على وجه التقريب) من كل أربعة متهمين، هناك ثلاثة تم اتهامهم من اجل ابتزازهم وسلب أموالهم. وعن هذا الفساد سألت صديقا (سنيا من الموصل) أثق به، إن كان الجيش من الشيعة وإن كان يتصور ان الدافع طائفي، فقال انه لا يدري، وأن من المؤكد ان هناك الكثير من السنة بينهم وأضاف "وماذا يعني السنة؟ السنة ربما أسوأ من الشيعة في هذا"!

 

وجاء في التقرير المذكور، ان تلك الممارسات كانت سببا رئيسيا في تحريض المواطن العادي ضد القوات الأمنية والعسكرية في الموصل، وأن هذا هيأ الجو لداعش لتكون مقبولة أكثر من قبل السكان. وأهم من هذا، كان واضحا من التقرير ان رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة كانت على اطلاع على ما يجري في الموصل وأنها غضت الطرف عنه وتركته يسير إلى نهايته المحتومة دون اتخاذ أي إجراء للتصدي له.

 

وتعود هذه الحقيقة بي إلى سنوات أقدم، حيث كانت ساحات الاعتصام، وبالذات إلى حادثة معينة ليست لها أهمية كبيرة جدا، لكنها قلبت تصوري للأمور، ومازال على نفس تلك "القلبة" حتى الآن.

كان تصوري الأساسي هو أن عملاء أميركا في الجانب السني، يعملون على الضغط على المالكي لتنفيذ خطوات الأجندة الأمريكية، وأهمها إعادة البعثيين السابقين إلى القيادات الأمنية والعسكرية (وهو ما تسنى لها لاحقا وتسبب في كوارث). وأن المالكي، على علاته الكثيرة، كان يدرك أن هذا لن ينتهي على خير بالنسبة له، ويسعى لمقاومة ذلك بما يستطيع. فالمالكي في تصوري رجل براغماتي وليس طائفي بشكل أساسي، إنما يسعى للبقاء على الكرسي وأن هذه الأولوية عنده لا يضاهيها أي دافع آخر. وهو مستعد للكثير من الكذب وتقديم التنازلات الوطنية من اجلها، ولا يهمه إن كان المتضرر شيعيا أو سنيا. وعلى هذا الأساس كان انطباعي ان الرجل يحاول ان يواجه مؤامرة عليه وأن المتآمرين يتوزعون في الجانبين الشيعي والسني، ومهمتهم توجيه الضغط الأمريكي اللازم ضده.

وعلى هذا الأساس، لم اصدق الادعاء السني بأن القوات الحكومية بدأت بإطلاق النار على المعتصمين. فمصلحة المالكي هي في تهدئة الأمر ولن يكسب أي شيء من مثل هذه الحركة، لذلك لا يمكن ان يأمر بها أو يقبلها، لأنها ببساطة، ضده هو.

 

الحادثة البسيطة التي كشفت الكثير، كانت عرض إحدى قنوات التلفزيون العربية لجندي يتقدم ويطلق النار على المعتصمين! وكان الجندي واقفا في العراء، مما يفند الادعاء بأن المعتصمين كانوا يطلقون النار، أو بدأوها.

هذا الجندي، حسب تقديري، كان يطلق النار على حكم المالكي ذاته أكثر مما يطلق النار على المعتصمين، بالإساءة اليه والعمل بشكل مباشر ضد مصلحته. وبما ان المالكي تهمه مصلحته وبقاء سلطته، فلا شك أنه سيلقي القبض على هذا الجندي ويعاقبه بشده، وسيتخلص من جهة الضغط ويظهر نفسه كحاكم عادل وحازم امام الجميع.

 

كتبت وكتبت.. ولكن المالكي لم يظهر، ولم يحرك ساكنا، ولم يعرف أحد حتى اليوم من كان ذلك الجندي الذي كان يطلق النار على حكم المالكي! وهنا أدركت أن المالكي محدود السلطات تماما، وانه يفهم بشكل ضمني او صريح، ان هناك جهات واشخاص عليه ان لا يتحرش بها ابدا إن أراد البقاء في الحكم، وأن الجهة التي تمسك بالسلطة (ليس هناك غير الامريكان وربما الإسرائيليين بشكل غير معلن) قد ابلغته أن ينسى موضوع هذا الجندي!! فالجندي هذا كان اقوى من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة!

 

وجود هذه الجهة هي التفسير أيضا لكل ما قدم المالكي والعبادي بعده من تنازلات غير مفهومة ولجهات عديدة تسببت له في إحراج مخجل بشكل واضح، والكثير من الخسائر والإحراجات التي يبدو قبولها بدون تفسير معقول، ولن استرسل في هذا لكيلا نخرج عن الموضوع.

 

الآن، ومنذ أيام والعراق يفور حول جريمة قتل الشاب في معبر الصقور. ويستطيع العبادي ان يقدم خدمة إعلامية عظمية لنفسه بإظهار انه قائد للقوات المسلحة، له رايه وموقفه، ويبادر بتوقيف القاتل وإعلانه على الناس وأنه سيتخذ بحقه كل الاجراءات ويقدمه للقضاء لينال جزاءه العادل! لكنه، لسبب لا يعلمه إلا الله والراسخون في الحكومات العميقة، فضل أن يضحي بسمعته مرة أخرى، ولا يظهر في الساحة وتجنب الاصطدام بهذه الواقعة! فمثلما كان المالكي يستطيع بكل سهولة التعرف على من أطلق النار على حكمه، ويعتقله ويعاقبه بشدة، من اجل حكمه لا من اجل الناس، ولم يفعل، فان العبادي كان يستطيع بكل سهولة معرفة القاتل واعتقاله، من اجل نفسه لا من اجل الناس!

 

لم يفعل ذلك أي منهما! وليس بينهما من لديه شيء أعز من كرسيه والبقاء في الحكم! لا طائفية ولا وطنية ولا دين ولا مذهب ولا مبادئ ولا علاقات شخصية. ورغم ذلك يبتلعان البصقة في وجهيهما من جندي بسيط، ويتحملان بصمت، فما السبب الممكن لهذا؟

لا شك ان هناك سلطة تعلما ان يسمعانها تأمر فيطيعان بلا مناقشة أو مقاومة او احتجاج! يتحول رئيس الوزراء أمامها إلى فأر صغير يسمع كل شيء ويعطي كل شيء. إنها لا تكتفي بالأوامر الستراتيجية الكبيرة، كما فعلت مع الأول حين كان يقدم الدعم النفطي للأردن التي كانت تجاهر باحتقاره، وحين أمرت الثاني أن يطور هذا الدعم ويعفي من الكمارك، الواردات الأردنية دون غيرها، في وقت يعاني فيه العراق الأمرين اقتصادياً، والاحتقار مستمر! لكنها تتدخل في التفاصيل وفي تعيينات القيادات المناسبة وطرد الأخرى.

ولا يشمل تأثيرها المباشر رئيس الوزراء وحده كما يبدو، بل يمتد إلى بقية ذيوله من الوزراء. فالجندي الذي خدع وزير الدفاع بقصة كليته المسروقة، وجعله مسخرة أمام شاشات التلفزيون، وحاول تمريغ سمعة وزارة الصحة بالوحل، لم يحاسب، لا من وزير الدفاع ولا من وزارة الصحة ولم يجرؤ أن يشتكي عليه أحد، وهو معلن الاسم والعنوان! إن من خدم العسكرية يعلم كم يكلف خداع الجندي حتى لنائب ضابط، أما خدعة ضابط صغير وعلى الملأ، فسيرى منها الويل والثبور! فكيف تجرأ هذا على أن يخدع وزير الدفاع الذي استقبله في وزارته واحتضنه وأجزل له الوعود؟ من الذي طمأن هذا الجندي ليتجرأ على فعل ذلك، ومن الذي يمنع وزير الدفاع ان ينتقم لكرامته؟ (لا تقل لي ان لا كرامة له، أنا أعلم ذلك، لكن هؤلاء يكونون في العادة، هم الأكثر قسوة). ولنلاحظ ايضاً رد الفعل الباهر لوزير الدفاع والإعلام على قصة كذاب الكلية، واختفاؤه هو والقائد العام للقوات المسلحة (حتى كتابة هذه الاسطر) عن قصة جريمة الجندي في الصقور!

 

لا شيء يمكن ان يمنع هذه الكائنات الذليلة، من الانتقام لسمعتها، غير ما هو أقوى منها. وهذا الأقوى هو الذي اجبر المالكي على دفع الجزية للأردن كما أجبرت صدام قبله، واجبرته على الصمت على الجندي الذي أطلق النار على منصة الاعتصام، وأجبرت وزير الدفاع أن يخرس ويطأطئ رأسه ذليلا أمام الناس، وهي التي تجبر العبادي ألا يظهر رأسه اليوم ليقبض على قاتل معبر الصقور ويسلمه للقضاء، مفضلا الاعتراف بكونه طرطور في دولة ذليلة ضائعة.

وتلك القوة هي التي تأمر رئيس الوزراء وتقود هؤلاء القتلة للتشويش وإثارة الحقد الطائفي، كما تفعل مع جيوش الإعلاميين الذين ينتشرون كالذباب الداعي الى الطائفية والتقسيم والكراهية وتحقير الشعب وتاريخه وقيمه ودينه.

 

تلك القوة هي المسؤولة عن كل هذا، وليس الطائفية أو أية أسطورة أخرى.. فالطائفية لا تستطيع ان تقدم الحماية لجندي يعتدي على وزير دفاع او القائد العام للقوات المسلحة، ولا تفرض على أحد منهم أن يبلع مذلته، ولا ان يبذخ رئيس حكومة شيعي لحكومة دولة أخرى سنية هي الأكثر احتقارا لطائفته وعدوانا على وطنه! والطائفية لا تجعل السني يبتز السني في الموصل أو معبر "القصاصة"، ولا تجعل داعش تغتال من السنة أكثر مما تفعل مع الشيعة ولا تفجر جوامع السنة وترسل الانتحاريات لقتل المدنيين من السنة الذين تقول انها جاءت لإنقاذهم ودون ان يقاتلوها، ولا ترسل انتحاريين يفجرون أنفسهم في طلبة يقفون امام جامعة بغداد ولا يعرفون لا طائفتهم ولا أي شيء عنهم، دع عنك أن ترسل الانتحاريين لتفجير النازحين السنة ذاتهم! 

بعد هذا يجب ان أقول إنه حتى الجنون لم يعد يسمح لنا ان نتخيل ان وراء تلك الجرائم، مشاعر "طائفية"، لا من جهة السنة ولا من جهة الشيعة. لذلك فهي ليست "الطائفية المقيتة" يا دكتور زياد..  هناك شيء آخر لا علاقة له بالطائفية، فدعونا لا نسهم في التشويش الذي يعم البلد. ...  إنها ليست الطائفية.. تذكروا ذلك!

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.