اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

وطن لا أم له// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

وطن لا أم له

صائب خليل

29 ك2 2020

 

يحكى ان امرأتان اختصمتا عند قاض على طفل رضيع، كل منهما تدعي أنها هي أمه. وبعد السؤال والتقصي والمحاولات المختلفة لم يجد القاضي أية طريقة لمعرفة الحقيقة، فقال لهما: لم نستطع ان نعرف أي منكما هي أمه، لذلك قررنا قسمته بينكما!

 

جاء الشرطة بالرضيع وعروه من ملابسه وربطوه على الطاولة، ورسموا على بطنه خطاً يحدد الوسط، ثم نادى القاضي جزاراً فتقدم من الطفل يحمل سكينا طويلة، وهو يحدها بمبرد، ووقف ينتظر أمر القاضي.

 

قال القاضي: استعد! فاستعد الجزار ووضع سكينه على حافة الخط المرسوم! .. قال القاضي: عندما أحسب حتى ثلاثة، تقطع الطفل في الوسط تماما.. إياك أن تميل سكينك نحو اليمين أو اليسار! فأجابه الجزار بحركة من رأسه وقال: امرك سيدي القاضي.... واحد! أثنين!...

اعتقد انكم جميعاً تعرفون القصة، وأن إحدى المرأتان صرخت: قفوا! لا تذبحوه.. أني اتنازل!! أعطه لها يا سيدي القاضي! فعرف أنها هي أمه، لأنها لم تستطع ان تراه يذبح، وأعطى الطفل لها، وسجن الثانية.

...

في العراق، "خلاف" مشابه، ولكن على "الوطن" وبين الحكومة والمتظاهرين.. إلا ان المسرحية الدموية في حالة العراق لم تنته كما انتهت مسرحية القاضي، فلا يبدو أن أي من الطرفين معني حقاً بمصير الإبن! فمد الجزار يده ليبدأ ذبح الوطن.. يقتل أبناءه .. ويخسر اطفاله دراستهم، وتحرق مؤسساته.. وتقطع طرقه ويخيم على سمائه الدخان وعلى اهله الخوف من المستقبل ويتعرض اطفاله لمشاهد الرعب..

 

لكن الخسائر الأكبر والاخطار الأكبر مازالت معلقة لم نرها بعد. ولا أتصور ان هناك حتى في أعتى المتحمسين للتظاهرات وأشدهم تفاؤلا، من لا يستطيع ان يتخيل ان تذهب الأمور بالبلد باتجاه لا يستطيع حتى المتظاهرون الخيرون ان يسيطروا عليه، وإن افلتت تلك الأمور فسوف يمكن استغلالها لتحرير الدواعش من سجن الحوت مثلا، ومن غير المستحيل ان يتجه البلد الى السيناريو السوري، حتى لو كان غالبية المتظاهرين حسني النية. لنقل أن هذا الاحتمال لا يتجاوز الـ 10%، أو حتى 5%، رغم أن ما جرى من احداث وما توفر من مؤشرات، وما حدث في بلدان عربية أخرى، كلها تؤكد أن ذلك الاحتمال اكبر بكثير. (لا شك ان هناك من سيقفز مستنكرا وساخرا من هذا الاحتمال، كما سخر الذين من قبلهم من وجود المندسين، مؤكدين ان الدنيا ربيع والجو بديع في التظاهرات السلمية، حتى صاروا يتمسكون بهذه الفرضية لإنقاذ سمعة بقية المتظاهرين). لنقل إذن ان لدينا مخاطرة 5% بتدمير العراق وشعبه، والطرفان: الحكومة والمتظاهرون مستعدان لتحميل العراق تلك المخاطرة. والسؤال هو: من أجل ماذا بالضبط؟

 

ما اسأل عنه ليس أهدافا باهتة مثل ان يكون القادم مستقلا، أو مضحكة مستحيلة مثل الغاء الأحزاب، وليس قائمة بالنواقص التي يعاني العراق منها، ولا العبارات الغامضة مثل "اريد وطن" أو "الإصلاح" أو "محاربة الفساد" أو "الغاء المحاصصة". فهذه الأشياء قد تصلح لأناشيد التحشيد لكنها ليست أهدافاً لتظاهرات، لأنها أشياء غير ملموسة، لا يمكن قياسها ولا التفاوض حولها ولا إيقاف او استمرار التظاهرات حسبها. ما الذي تأملون تحقيقه بالضبط؟

 

من الجهة الأخرى نسأل الحكومة الفاسدة بكل مكوناتها لا نستثني احداً من السؤال: لماذا تصر هي أيضا على تركها الأمور تسير كما هي الآن؟ ما هو الشيء الثمين الذي تحرص عليه وترفض التنازل عنه وتترك البلد يذبح من اجل الحفاظ عليه؟

 

سمعت أمس ان جهة ما من التظاهرات قد أرسلت وفدا من شيوخ العشائر للتفاوض نيابة عنها مع الحكومة، فعلى ماذا سيتفاوض الجانبان؟ لست أدرى ولا أستطيع ان اتخيل أي شيء مهم لهذه الدرجة، ولا كيف ستنتهي. الشيء الوحيد الذي اثبتته هذه الاحداث الدموية أن ليس للعراق أم تشعر بالألم عليه وتصرخ بحرقة: قفوا .. لا تذبحوه!

 

() وطن لا أم له ــــــــ صائب خليل - Saieb Khalil - articles

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2884386998285017

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.