اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

تّراثُنا الغِنائيّ الفلسطينيّ إلى أين؟! (3)// سيمون عيلوطي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سيمون عيلوطي

 

عرض صفحة الكاتب 

تّراثُنا الغِنائيّ الفلسطينيّ إلى أين؟! (3)

سيمون عيلوطي

(الحلقة الثالثة)

 

الإغراق بالمحليَّة أقصر الطُّرْق للوصول إلى العالميَّة:

قال أحد الأدباء: إذا أردت أن تعرف شعبًا من الشُّعوب، فاذهب إلى فنونه،  لذلك نرى أنَّ الأديب الروسي العظيم، تولستوي، لم يكتب إلا عن روسيا، ومثله الأديب الفرنسي الكبير، بلزاك، فإنه لم يكتب إلا عن فرنسا، وهذا ينطبق أيضًا على الروائيّ المصريّ، نجيب محفوظ، فهو لم يُعنى في أعماله الأدبيَّة في الكتابة إلا عن مصر، ومثله فعل الأديب السوريّ، حنا مينه الذي أبدع في الكتابة عن بلده سوريا، أمّا في الأدب الفلسطينيَّ، ففي مجال الشِّعر أجد أنَّ أجمل من تغنَّى  بفلسطين، وعبَّر عن هموم شعبه، هو: محمود درويش، والأمثلة كثيرة. 

 من هنا يمكنني أن أقول: إنَّ أقصر الطُّرق للوصول إلى العالميَّة، هو الإغراق بالمحليَّة، ولا أدل على ذلك أكثر من الأمثلة التي أوردتها أعلاه.

 

التصاق الغناء بالمحليَّة أكسبه انتشارًا واسعًا:

الغناء أيضًا لم يبتعد عن هذا المنطلق، فإذا استنعنا إلى المطرب اللبنانيّ، وديع الصَّافي، نجده من أكثر المطربين الذين تغنُّوا في وطنه، لبنان، "رجعت عَ الأوطان عَ بلادي"، "خضرا يا بلادي خضرا"، "سيَّجنا لبنان"، "لبنان يا قطعة سما"، "جنَّات عا مدِّ النَّظر"، "يا ابني بلادك"، بالإضافة إلى الكثير من أغاني التُّراث: مثل "العتابا"، و "الميجانا" و "المُعنِّى"، و "الزُّلف"، و"الشَّروقي"، و "القرَّادي، و "المُخمَّس مقلوب"، جميعها أسماء لأوزان شعريَّة بالعاميَّة، نظم عليها الشُّعراء الكثير من القصائد والأغاني، جسَّدت روح لبنان وتراثه العظيم، وقد أبدع في غنائها المطرب الكبير، وديع الصافي. 

أمَّا المطرب السوريّ صباح فخري، فقد أختار "القدود الحلبيَّة" التي تمثَّل التُّراث السوريّ، خير تمثيل. وفي العراق نجد أنَّ المطرب ناظم الغزالي قدَّم الكثير من أغاني التُّراث العراقيّ الذي تجلَّى عنده في "طالعة من بيت أبوها"، "فوق النَّخل"، "حيَّاك بابا حيَّاك"، على سبيل المثال، لا الحصر.

لم يجد أصحاب تلك الأغاني مادَّة أصدق من التُّراث للتَّغنِّي ببلادهم، لأنه الأكثر التصاقًا بحياة الشَّعب، والأقدر على البوح عن عاداته وتقاليده، ورسم سيكولوجيته، وتفاعله مع كل ما يدور من حوله، لذلك لم يترك الشَّعب مجالًا إلا وطرقه غناءً، فرأينا أنَّ أغنياته تتوزَّع على الصَّيد والزَّرع، الحرب والسِّلم، الأفراح والأتراح، الصيف والشتاء، الحب والغزل، إلخ... إلخ...

 

تراثنا الفلسطينيّ الأصيل، وضرورة التَّوثيق:

 لن أضيف جديدًا إذا قلتُ إنَّ تراث الشَّعب الفلسطينيّ يحتوي على نفس العناصر والأمور المذكورة أعلاه، شأنه في ذلك شأن غيره من تراث الشُّعوب، لكن معظمه لم يُدوَّن، بسبب غياب المؤسسات الثقافيَّة الفلسطينيَّة، من ناحية، وندرة الباحثين والمهتمِّين في هذا المجال من ناحية أخرى. وللأسف الشديد: فإنَّ  هذا الحال لم يتغيَّر كثيرًا بعد تشكيل المؤسسات المدنيَّة-الثقافيَّة في المجتمع الفلسطينيَّ، فإنَّها، فيما أرى، لم تقم كما يجب بتوثيق تراث شعبها، وعليه: فإنَّ الفنَّانة الدُّكتورة سناء موسى، عندما اختارت أن تسجِّل بصمتها في مجال الغناء، لم تجد أجدر من طرق الموروث الغنائيّ الفلسطينيّ لبلورة هويَّتها، وتشكيل طابعها الخاص بها، فاختارت أن تنتشل من التُّراث لبرامجها بعض الأغاني غير المألوفة، أو كادت تنطوي في غياهب النِّسيان، بهدف إعادة إحيائها، وإنعاش الذاكرة عبرها، بصفتها جزء لا يتجزَّأ من مشروعنا الثَّقافيّ-الفنيَّ، والمحافظة عليه: واجب إنساني، أخلاقي، ووطني.

إنَّ التَّواصل الإيجابيّ الذي تحقَّق بين سناء وبين الجُّمهور عند تقديمها لهذا النَّوع من الغناء التُّراثيّ الأصيل، شجَّعها على مواصلة مشوارها في هذا الشَّأن، فراحت في العام 2005، تقوم بجولات ميدانيَّة تبحث فيها بمنهجيَّة علميَّة عن المزيد من تلك الأغاني غير المألوفة، وتنتشلها من الذَّاكرة الفرديَّة والجمعيَّة في المخيمَّات، والقرى، والمدن الفلسطينيَّة، والشَّتات.

 

انطلاقة سناء موسى المثمرة نحو الذَّات:

أستطيع أن أقول: إنَّ اطلاقة سناء في البحث عن الموروث الغنائي الذي لم يزل عالقًا في ذاكرة الذين قابلتهم، كان بمثابة اللبنة الأولى لأنشاء مشروعها الفنيَّ-الموسيقي الذي ثَبَّتَ خطواتها على طريق الغناء، وكوَّنَ أمامها رصيدًا غنائيًا يُمَكَّنُها من العمل عليه لصقله وتطويره من ناحيتي الكلمات واللحن، بحيث تضعه بقوالب عصريَّة يحاكي عند عرضه ذائقة الجُّمهور في هذه الأيام، وهي في هذا الجانب تذكِّرني بالأديب اللبنانيّ الكبير، مارون عبُّود حين قال في كتابه عن الشِّعر العاميّ ما معناه: علينا عند تعاملنا مع التراث أن نختار  الأجمل، وأن لا نتناوله هكذا، بعفشه ونفشه، غير أنَّ سناء ذهبت في مشروعها إلى أبعد من ذلك، فهذَّبته، وألبسته حلَّة جديدة تساير روح العصر ، وتتماثل مع ثقافته، ما يفسِّر سرّ نجاح عروضها وتفاعل المتلقي معها، وفي العام 2011، توَّجت نشاطها في الأبحاث الميدانيَّة، وإعادة صياغة ما جمعته من أغنيات، بأسطوانة، عنوانها: "إشراق"، ضمت مجموعة من الأغاني، ثمَّ في العام  2016، أعقبتها بأسطوانة أخرى، بعنوان: "هاجس" ، وقد أنجِزَت بالتَّعاون مع كل من الفنانين: بشاره الخل، ومحمد موسى، ومجموعة من الموسيقيين المعروفين على الصعيدين المحلِّي والعالمي.

 

(يتبع)

 

https://www.youtube.com/watch?v=4Z1bioM0cJY&list=PL85E23BEAE59199E5

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.