اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثراء الروح العراقية// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

ثراء الروح العراقية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

أفاجأُ بإبداع أجيال عراقية جديدة طَبَختها أهوال الحصار والغزو، فأتذكَّر قول «يوحنا المعمدان»، مبشراً بالسيد المسيح، «يأتي بعدي من هو أقوى مني، من لستُ أهلاً لأن أحلّ سُيورَ حِذائه». وما غير ذلك يمكن قوله عن الروائي والشاعر والكاتب السياسي والمترجم والسينمائي والأكاديمي سنان أنطون. عندما كان جورج بوش يهدد «من ليس معنا فهو مع صدام حسين»، كتب أنطون في مجلة «ذي نيشين» الأميركية، يسخر بمرارة من إعلان الأكاديمي العراقي «كنعان مكيه»، في لقاء عام مع بوش في البيت الأبيض، بأن «أصوات الصواريخ وهي تدكُّ بغداد ستكون أجمل موسيقى أسمعها في حياتي».

والمفارقة أن مكية من أغلبية مسلمة في العراق، وأنطون من أقلية مسيحية، أبوه عراقي وأمه أميركية، عاش في العراق حتى أكمل دراسة الأدب العربي في جامعة بغداد، ونال فيه شهادة الدكتوراه من جامعة هارفرد، ويُدرّسه حالياً في جامعة نيويورك.. وجرأته في مناهضة النظام السابق، والاحتلال الأميركي على حد سواء، جرأة العاشق المجنون بالعراق. روايته الجديدة «فهرس»، وهي الرابعة من رواياته، وكُلها تُرجمتْ إلى لغات عدة، تتكون من ذكريات، وحوارات، ومقتبسات تتقاطع وتتهامس، كلوحات ملصقات الفنانين السرياليين. وثراء «فهرس» ثراء الروح العراقية، من الشاعر الشعبي عبود الكرخي إلى جلجامش، مقاطع تفصل بينها أحياناً نجومٌ غُفلٌ أو سطور مستقلة لا تعرف ما جاء بها ولماذا، مثل: «هذه ذاكرتي بكل كنوزها، وبكل الخراب الذي فيها، أمامك فخذ ما تشاء»، أو «أعود إلى الماضي وأنام على السكة التي يسير عليها الزمن كي أجبره على التوقف وتغيير وجهته»، أو «اصْهَرْ أحزانك كلّها، واصنع منها رمحاً، وابحث عن ساعد قوي، لتصوبه إلى قلبك».

ويتفاجأ القارئ بعبارات قرآنية في رواية «فهرس»، ليست مقتبسات، بل جزء من ذخيرة الذاكرة العراقية، تأتي طوعاً في محلها من النص، كما في «منطق السدرة» التي يبغون جرفها: «عند سدرة المنتهى، عندها جنّة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى». إنه جيشان الروح في لحظات النزع الأخيرة لشجرة تروي جحيم حياتها التي انتهت بسعير الحرب. وهو كمعظم المقاطع التي تحمل عنوان «منطق»، صرخات أشياء وكائنات عذّبها وقتلها غزو العراق، «منطق الطير»، و«منطق الجدار»، و«منطق العود»، و«منطق الشريط».

وإذا كان فن الكتابة يقوم على الحذف، حسب همنجواي، فإبداع أنطون يقوم على الإضافة. خاتمة روايته «فهرس» يستدركها بإضافة، بل إضافات. و«علينا أن نعترف بأن النهايات التي نتخيلها ونتمناها محض مقترحات، أحياناً تتبناها الحياة عندما تحنو علينا، وهو أمر نادر». ويتجاوز أنطون نقاشات طويلة لأجيال روائيين عراقيين حول استخدام العامية، فيستخدمها، ليس في الحوار فقط، كما فعل «فؤاد التكرلي» في روايته «الرجع البعيد»، بل حتى في النص. «كنا نُخرج قفص الطير ونضعه في الطارمة في العصرونيات». وكلمة «عصرونية» تستحضر فترة العصر البغدادية بكل شذاها وحميميتها.

وتفترش العامية أحياناً صفحات عدة، كما في «منطق الشريط» حيث يردد أهزوجة أطفال عراقية معروفة «حجنجلي بجنجلي، صِعَدِت فوك الجبلِ، لكيت كبه كبتين، صحت يا عمي يا حسين». وهذه ليست محض ظرافة فلكلورية، بل «صرخة شريط مسجل لطفل قُتل في القصف، واحترق الشريط».

وعشق «أنطون» للعراق هوس متسلط مثل «الفوبيا»، يستغيث منه بكلمات لا وجود لها في المعاجم، كقوله: «أضعف الإيمان هو أن أتضامن مع الأشياء وأصارخها»، ويستدرك: «نعم أصارخها والنقطة ليست زائدة»، ويوضح: «كلما صرخ بي شيء أو كائن كنت أحاول أن أهدئ من روعه فأنجح أحياناً، وأفشل كثيراً فأضم صراخي إلى صراخ الشيء، أصرخ به ويصرخ بي حتى أهلك من التعب».  

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.