اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أيها العقلاء.. اتحدوا واجتهدوا// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

أيها العقلاء.. اتحدوا واجتهدوا

عادل نعمان

مصر

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

يظل فى خاطرى أول لقاء جمعنى بالشيخ عمر عبد الرحمن فى بيته بضاحية من ضواحى بروكلين، فى نيويورك منتصف تسعينات القرن الماضى. ولقد جمعنا لهذا اللقاء صديق جمعتنا صداقته أنا والشيخ، وهو زميل دراسة بجامعة القاهرة، وكان هذا اللقاء حسب طلب الشيخ للتعارف، وطلب بعض تلاميذه لمناقشته حول عدم جواز بيع «المعدوم» كما يسمونه، لأن النبى قد نهى عن بيع (المعدوم) كبيع الزرع حتى يشتد، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها واستواؤها، وأن العلماء قد اتفقوا على بطلان هذا البيع لأنه بيع «غير الموجود»، وهذا لعلة فقد تصيبه، جائحة من حر، أو جانحة من برد، أو ريح عاتية تنتزعه، أو جحافل من الجراد تهلكه، أو سيول جارفة تقتلعه، أو جيوش من الغزاة تجتاحه، فلا يكتمل نموه ولا يؤتى أكله، كل هذه الكوارث والمصائب والنوائب تحول دون اكتماله أو صلاحه. وسحب بعض الفقهاء هذا الحكم على حرمة بيع أى منتج قبل إتمامه، فمثلاً لا يجوز بيع شقة فى مبنى لم يكتمل بناؤها، ومن الفقهاء من توسّع فأجاز البيع فى مرحلة متقدمة، ومنهم من ضيّق فأجاز البيع فى مرحلة متأخرة حتى يكون المنتج كاملاً وصالحاً للاستخدام. كنا بصدد إقامة عمل على هذا النحو واعترض عليه البعض، وقد كانت قوة تأثير الشيخ عليهم كبيرة وطلبوا منى مناقشة الشيخ فى هذا الأمر للموافقة. وكان اللقاء مثيراً. هو يحدثنى بالنقل وأنا أحدثه بالعقل، يعطينى أمثلة تاريخية وأنا أعطيه أمثلة واقعية. هو مستغرق فى التراث وأنا معجون فى الواقع وتعقيداته ومدارسه. هو واقع فى أسْر حسابات الحلال والحرام فقط وأنا واقع بين حسابات الربح والخسارة، مهموم بتوسعة نشاط المشروع، مهتم بتشغيل أعداد أكبر ممن يبحثون عن لقمة العيش. هو أسير الشبهات يرضى بالقليل وبالأحوط، وأنا أحتاط بالعلم وبدراسات الجدوى الاقتصادية المتخصصة التى تفترض الخسارة وتتجنبها بالطرق الحديثة، شارحاً له كيف تبنى الأمم، وكيف تتطور بالاستخدام الأمثل للمال وتوظيفه توظيفاً نشطاً يتيح استخدامه اليوم لحساب الغد، واستخدام غده لحساب اليوم، وكيف أن الاقتصاد يتخطى فى تعاملاته الأرصدة الحالية من الأموال، ويعبرها ويتجاوزها لاستثمار المقبل منها فى المستقبل والمتوقع منها لتوسعة حركة البيع والشراء والإنتاج، وهو الاستخدام الأوسع والأعرض والأرحب للمال، فإذا تخلفنا عن ركب العلم نكون قد وقفنا عند استخدام الخيل كقوة عسكرية كما جاءت نصاً فى القرآن، وأصبحت الهزائم بمعناها الأشمل من نصيبنا، هزيمة اقتصادية وعلمية وحضارية وعسكرية أيضاً. فإذا وقفنا عند الخيل كقوة نُرهب بها العدو، نقف عند بيع المعدوم كقوة مالية للنمو، وإذا تخطينا الخيل إلى قوة أعظم وأحدث، تخطينا بيع المعدوم إلى الاستثمار الأوسع والأحدث، هذه كتلك!. واختتمت حديثى بأن النبى لم يكن فى هذا يشرع بل كان موافقاً على حرص مجتمع مغلق فى فكره، راضٍ بنظرية الأمان فى تعاملاته، ولو كان النبى فى عصرنا الحالى مع التقدم العلمى لكان نصحه أكثر انفتاحاً وسعة. وكانت المناظرة من نصيبى، ليس هذا مقصدى من المقال، لكن مقصدى كان فى حالة الخنوع والخضوع والامتثال من تلاميذ الشيخ ومريديه وموافقتهم دون جدال أو نقاش، والإذعان والاستسلام دون تردد، والانقياد والرضوخ لما يقال دون شك، بل تأييد ورضاً دون تفكير، وموافقة وقبول ممزوج بالخنوع والضعة والصغار. الأغرب أن ما قاله الشيخ فى اللقاء قد استمعوا له من قبل مرات كثيرة، ويُظهرون له الاستجابة، ويمدحون ما يقوله وكأنهم يسمعونه لأول مرة، ومنهم من يدرس الاقتصاد والهندسة والطب والعلوم الحديثة المختلفة فى الجامعات الأمريكية. وكان هذا الأمر شاغلى، فمن أين لهؤلاء المشايخ قوة يسوقون بها عقول الشباب دون بحث أو فحص. وكيف يقبل طالب الدكتوراه فى مجتمع ليبرالى متحرر هذا الانغلاق الفكرى، ويقبل الانقياد والسكون وهو واقف على باب الحداثة، ولا يُخضع ما يسمعه للعلم الذى يدرسه؟

 

فى ندوة لأحد شيوخ السلفية رأيت جموعاً من الشباب تسمع ما يناقض العقل والمنطق كصحة عقد نكاح الرضيعة، وجواز مضاجعتها عند التاسعة أو قبلها إذا طاقت. فكيف لا يقبل على ابنته هذا الأذى إذا نظر إليها، ويرضى ويقبل لغيره الاستمتاع بمفاخذة رضيعة الغير؟ أو يسمع عن كفر الآخر وتحقيره ورفضه وهو يعيش فى كنفه، ويتلقى العلم على يديه ويأكل ويشرب من خيرات بلاده؟ وكيف يسمع ويرضى ويقبل بغزو بلاد الغير وسبى نسائهم وبيع أسراهم فى سوق النخاسة وتحصيل هذه الأموال فى تربية أولاده وإسعادهم، ويرى أن حياته على موت غيره حق، وأن شبعه على حرمان غيره واجب، وأن سعادته على شقاء غيره حلال، وهو على هذا العقل والعلم والحكمة؟

 

ما رأيته وسمعته فى كل هؤلاء مثير للانتباه والتفكير. على قدر علمهم ورشدهم يسحبهم النقل إلى كهوف الجهل، يقبلون على الناس ما يستنكرونه ويستقبحونه على أولادهم. ويرضون الظلم والجور للغير ويستفظعونه ويستبشعونه على أهليهم. يقبلون عن الإمام النووى ما يقوله عن الشيوخ: (الشيوخ فى العلم آباء فى الدين) ولا يرفضون منه قوله إنهم (وصلة بينهم وبين رب العالمين) والأخيرة الإجابة عن السؤال. أيها العقلاء، ليس بينكم وبين الله سوى عقولكم فهى منحة منه للحكم والتكليف.

 

 

"الوطن" المصرية

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.