كـتـاب ألموقع
هَرَمُ نظامنا التعليمي!// د. ادم عربي
- المجموعة: ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 13 كانون2/يناير 2024 19:44
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 1204
د. ادم عربي
هَرَمُ نظامنا التعليمي!
د. ادم عربي
مِنْ مَنْظُورٍ تَعْلِيمِيٍّ ، يَدْخُلُ الطَّالِبُ إِلَى قَاعَةِ الاِخْتِبَارِ وَهُوَ يُعَانِي مِنْ صُدَاعٍ شَدِيدٍ بِسَبَبِ كَمِيَّةِ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي اضْطُرَّ إِلَى حِفْظِهَا، وَأَنَّ قِسْمًا كَبِيرًا مِنْ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ ؛ وَمِنْ ثُمَّ وَجَبَ تَرْكُهَا حَيْثُ هِيَ فِي بُطُونِ الْكُتُبِ، إِذَا مَا أُرِيدَ لِمَلَكَاتِ الْعَقْلِ الْأَكْثَرِ أَهَمِّيَّةٍ أَنْ تَظْهَرَ إِلَى الْوُجُودِ فِي أَجْوِبَةِ الطَّالِبِ، وَطَرِيقَتِهِ فِي الْتَّفْكِيرِ، إِذَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ قُدْرَاتِهِ الْعَقْلِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي إِجَابَاتِهِ، وَكَيْفِيَّةَ تَفْكِيرِهِ. فَفِي الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينِ، لَا يَحْتَاجُ الْعَقْلُ إِلَى الْكَثِيرِ مِنْ الذَّاكِرَةِ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْكَثِيرِ مِنْ الْخَيَالِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ نِظَامَنَا الْتَعْلِيمِيَّ مَا زَالَ يُفَضِّلُ الذَّاكِرَةَ عَلَى الْخَيَالِ ، وَالْحِفْظَ عَلَى الْفَهْمِ.
مِنْ مَنْظُورٍ تَرْبَوِيٍّ ، يَدْخُلُ الطَّالِبُ إِلَى قَاعَةِ الِامْتِحَانِ وَهُوَ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقُوَّةِ النَّفْسِيَّةِ اللَّازِمَةِ لِإِظْهَارِ ثِمَارِ جُهْدِهِ الدِّرَاسِيِّ الْجَهِيدِ. فَهُوَ يُعَانِي مِنْ نَفْسٍ مَلِيئَةٍ بِالْعَوَائِقِ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنْ إِبْرَازِ مَا لَدَيْهِ مِنْ قُدْرَاتٍ عِلْمِيَّةٍ ،فَبِنَفْسٍ أُمَّارَةٍ بِكُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِظْهَارِ مَا يَمْلِكُ مِنْ قُدْرَاتٍ عِلْمِيَّةٍ يَذْهَبُ إِلَى الِامْتِحَانِ.
وَالطَّالِبُ يَكْفِي أَنْ يَمْلِكَ طَرِيقَةً جَيِّدَةً فِي التَّفْكِيرِ حَتَّى يَفْشَلَ فِي إِجَابَةِ كَثِيرٍ مِنَ الأَسْئِلَةِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَةَ السَّيِّئَةَ فِي التَّفْكِيرِ هِيَ الَّتِي أَنْجَبَتْهَا وَحَضَّتْ عَلَيْهَا أي الأَسْئِلَة.
وَأَعْتَقِدُ أَنَّ إِصْلَاحَ نِظَامِنَا التَّعْلِيمِيِّ يَتَطْلَبُ، فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ، إِصْلَاحَ السُّؤَالِ نَفْسِهِ، أَيُّ سُؤَالِ الِامْتِحَانِ، لِأَنَّ اخْتِبَارَ الْفَهْمِ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْهَدَفَ الْأَسَاسِيَّ لِسُؤَالِ الِامْتِحَانِ وَالْفَهْمُ، الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ وَيَتَأَكَّدَ إِلَّا إِذَا انْخَفَضَ مُسْتَوَى الْحِفْظِ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ، يَحْتَاجُ إِلَى سُؤَالٍ، إِجَابَتُهُ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ فِي صَفْحَاتِ الْكِتَابِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرُورِيًّا ، فَيَجِبُ أَلَّا يُسْمَحَ لِهَذِهِ الْإِجَابَةِ بِالظُّهُورِ فِي وَرَقَةِ الْامْتِحَانِ بِنَفْسِ الْكَلِمَاتِ وَالْعِبَارَاتِ. لِأَنَّ الْفَهْمَ، الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ وَأَدْوَمُ مِنَ الْحِفْظِ ، أَوْ مِنَ الْحِفْظِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، لَا يَتَأَكَّدُ إِلَّا بِتَغْيِيرِ اللِّبَاسِ اللُّغَوِيِّ لِلْفِكْرَةِ نَفْسِهَا، أَوْ الْمَعْنَى نَفْسِهِ ، إِلَى لِبَاسٍ لُغَوِيٍّ مُخْتَلِفٍ.
إِنَّ الْقُدُرَاتِ مِثْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفَهْمِ وَالِاسْتِنْتَاجِ وَالِاسْتِدْلَالِ … هِيَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُخْتَبَرَ فِي الطَّالِبِ مِنْ خِلَالِ سُؤَالِ الْامْتِحَانِ .
وَهَذَا لَا يَعْنِي، وَيَجِبُ أَلَّا يَعْنِي، أَنْ يَسْعَى صَانِعُ السُّؤَالِ إِلَى الْتَعَقِّيدِ، لِتَلْبِيَةِ حَاجَةٍ نَفْسِيَّةٍ لَا نَجِدُهَا إِلَّا عِنْدَ الَّذِينَ لَدَيْهِمْ آفَاقٌ ضَيِّقَةٌ ، الَّذِينَ يَتَنَافَسُونَ فِي جَعْلِ الْإِجَابَةِ صَعْبَةً عَلَى الطُّلَابِ، مُتَجَاهِلِينَ الْفَرْقَ الْأَسَاسِيَّ بَيْنَ الذَّكِيِّ وَالْغَبِيِّ ، فَالذَّكِيُّ هُوَ الَّذِي يُبَسِّطُ الْمُعَقَّدَ، أَوْ يَكْتَشِفُ الْبَسِيطَ فِي الْمُعَقَّدِ مِنَ الْأُمُورِ ؛ أَمَّا الْغَبِيُّ فَهُوَ الَّذِي يُعَقِّدُ الْبَسِيطَ مِنْهَا.
إِنَّ الطَّالِبَ، وَالْإِنْسَانَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، لَا يَمْلِكُ، وَلَيْسَ بِوُسْعِهِ أَنْ يَمْلِكَ ، قُدُرَاتٍ عِلْمِيَّةً مُطْلَقَةً ، فَالِاخْتِبَارُ الْعِلْمِيُّ وَالْمَوْضُوعِيُّ لِقُدُرَاتِ الطَّالِبِ الْعِلْمِيَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى عَلَامَةٍ شَبِهِ كَامِلَةٍ لِطَالِبٍ مَا فِي جَمِيعِ الْمَوَادِ الدِّرَاسِيَّةِ ، فَالطَّالِبُ الَّذِي يَحْصُلُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْعَلَامَةِ فِي الْفِيزِيَاءِ وَالرِّيَاضِيَاتِ وَاللُّغَةِ وَالتَّارِيخِ وَالدِّينِ … إِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى نُقْصِ الْاخْتِبَارِ فِي مَعَايِيرِهِ الْحَقِيقِيَّةِ.
وَالطَّالِبُ لَهُ الْحَقُّ فِي أَنْ يَخْضَعَ لِلْاخْتِبَارِ الْأَكْبَرِ فِي مَادَّةٍ دِرَاسِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ ؛ فَهُوَ يَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ وَيُؤَكِّدَ قُدْرَتَهُ الْعلْمِيَّةَ فِي مَجَالٍ عِلْمِيٍّ مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيءٍ.
والطالبُ لهُ الحقُّ أيضًا في استِردادِ معلِّمِهِ الماهِرِ الصّادِقِ الذي يَبْذُلُ جُهْدًا كافيًا في الفَصْلِ لِيُوَفِّرَ على طُلّابِهِ شَرَّ الدُّروسِ الخصوصِيَّةِ، التي أَصْبَحَتْ مَظْهَرًا لِلْفَسادِ في نِظامِنا التَعْليمِيِّ؛ فَالْمُعَلِّمُ لا يُعْطِي مِنْ جُهْدِهِ التَعْليمِيِّ الحَقِيقِيِّ داخِلَ الفَصْلِ إِلّا ما يَزِيدُ مِنْ الْحاجَةِ لدى الْكَثِيرِ مِنَ الطُّلّابِ إِلَى دُروسِهِ الخصوصِيَّةِ ، التي لا تَخْضَعُ لِأَيِّ قانُونٍ سِوَى قانُونِ الْعَرْضِ وَالطَّلَبِ.
لَقَدْ حانَ الْوَقْتُ لِتَغْيِيرِ نِظامِنا التَعْليمِيِّ وَالتَرْبَوِيِّ بِما يَتِيحُ لَهُ أَنْ يصْبحَ قُوَّةً لِتَغْيِيرِ إِنْسانِنا وَمُجْتَمَعِنا.
المتواجون الان
645 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع