اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• قراءة قديمة لديوان قديم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. هاشم عبود الموسوي

 

 

 للذهاب الى صفحة الكاتب

قراءة قديمة لديوان قديم

في ذكرى ميلاد الشاعر بُلند الحيدري

 

يُعتبر بُلند الحيدري المولود في 26 أيلول 1926 رُكناً مهماً من أركان الحداثة الشعرية في الوطن العربي، رغم كونه من أصلٍ كُردي، ومن أبوين كُرديين عاشا في شمال العراق ما بين إربيل وسلسلة جبال السليمانية.

في بداية حياته تنقل بلند بين المدن الكردية ؛ السليمانية وأربيل وكركوك بحكم عمل والده كضابط في الجيش. في العام 1940 انفصل الوالدان. ولما توفيت والدته التي كان متعلقا بها كثيرا في العام 1942 انتقلت العائلة إلى بيت جدتهم والدة أبيه. لم ينسجم بلند في محيطه الجديد وقوانينها الصارمة فحاول الانتحار وترك دراسته قبل أن يكمل المتوسطة في ثانوية التفيض، وخرج من البيت مبتدءاً تشرده في سن المراهقة المبكر وهو في السادسة عشرة من عمره.

توفي والده في عام 1945 ولم يُسمح لبلند ان يسير في جنازته. نام بلند تحت جسور بغداد لعدة ليال، وقام بأعمال مختلفة منها كتابة العرائض (العرضحالجي) أمام وزارة العدل حيث كان خاله داوود الحيدري وزيرا للعدل وذلك تحدي للعائلة. بالرغم من تشرده كان بلند حريصا على تثقيف نفسه فكان يذهب إلى المكتبة العامة لسنين ليبقى فيها حتى ساعات متأخرة من الليل إذ كوّن صداقة مع حارس المكتبة الذي كان يسمح له بالبقاء بعد إقفال المكتبة. كانت ثقافته انتقائية، فدرس الأدب العربي والنقد والتراث وعلم النفس وكان معجب بفرويد وقرأ الفلسفة وتبنى الوجودية لفترة ثم الماركسية والديمقراطية، علاوة على قراءته للأدب العربي من خلال الترجمات.

 

ولعلّ أبرز ما تتسم به شهرته في البلاد العربية، أنّه أحد أعلام الاتجاه التقدمي في حركة الشعر الحديث، وواحد من كبار الشعراء المحدثين  في الوطن العربي ، كبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي و صلاح عبد الصبور وسواهم، وهؤلاء جميعاً،  تتمثل التقدمية في شعرهم بارتكاز المضمون على تجارب اجتماعية رافقتها  تحولات أحداث تاريخية جسيمة ومصيرية، إرتبطت برؤيا إيجابية للتاريخ، وبمواقف أكدت على وجهي التناقض في حركة الحياة، والتزام جانب النمو والتطور في هذه الحركة وذلك التناقض، بالإضافة طبعاً إلى تجسيد قيم إنسانية جديدة منبثقة عن هذا الاتجاه وأيديولوجيته التاريخية في النظرة العامة إلى الإنسان والمجتمع والكون. أما الخصائص الجمالية الحديثة التي إتصف بها الاتجاه التقدمي في الشعر التجديدي، فهي نفسها خصائص الأسلوب الشعري الحديث إجمالاً من حيث الاعتماد على الرمز، والصورة، وسائر ضروب الإيحاء في التعبير.

للشاعر بُلند الحيدري 7 دواوين وكتاب على شكل مقالات

·         خفقة الطين- شعر- بغداد 1946.

·         أغاني المدينة الميتة- شعر- بغداد 1951.

·         جئتم مع الفجر- شعر- بغداد 1961.

·         خطوات في الغربة- شعر- بيروت 1965.

·         رحلة الحروف الصفر- شعر- بيروت 1968.

·         أغاني الحارس المتعب- شعر- بيروت 1971.

·         حوار عبر الأبعاد الثلاثة- شعر- بيروت 1972.

·         زمن لكل الأزمنة- مقالات- بيروت 1981.

 

وكان  أبرز ما قرأته له سابقا هو مجموعته "خطوات في الغربة" الذي صدر عام 1965 في بيروت وتناوله العديد من النقاد بالنقد والتقييم . والتقييم. و إختلف الدارسون  آنذاك بالمرتبة التي ينبغي أن يحتلها الشاعر بين طليعة الشعراء المعاصرين بصورةٍ عامة، وإجزم بأن هذه الديوان كان يمثل إنتقالة نوعية كبيرة في الذائقة الشعرية لديه جعل قارئيه يستسيغون طريقته في تجسيد معاناته والأبعاد المتصلة بها... ولكن الديوان الذي أثار شهيتي للكتابة عنه ،في أول محاولاتي النقدية كان ذاك، عندما وصلني وأنا في ألمانيا ديوان "رحلة الحروف الصفر" المطبوع ببيروت سنة 1968 والذي أصدره الشاعر خلال إقامته في لبنان وبعد نكسة الخامس من حزيران 1967 وكا قد عبر لي بأنه يحمل تجارباً وأسلوباً فنياً  جديدا اتخذه الشاعر شكلاً لمضمون تلك التجارب.

وقد قرأتُ الديوان أكثر من مرة، وحاولت أن أتوصل إلى حصر أبعاده الفكرية في موقف كلي يختصر نوعيتها، ويحددها في هوية نظرية يُمكن أن ينعكس فيها جانب من جوانب توجهه الماركسي ومفهومه العام للإنسان والتاريخ. جلّ ما استطعت العثور عليه في هذا الصدد إني وجدت فيه مناخات متفرقة، وأجواءا إيجابية لمواقف تبدو أحياناً متكاملة فيما بينها، لكنها لا تنهض في بناءٍ كامل موحّد، ولمست على كل حال بأنها  تكشف عن شمولية واضحة عبرالشاعر من خلالها عن تجربته كفنان مُزوّد بخلفية ثقافية فلسفية. من هنا، في نظري، نشأ الإحساس لدي بأنّي أمام انفعالات شعرية، أمام طرائف صغيرة راقت لي وحملتني على التأثر،  لكني لم أجد نفسي أمام مدرسة جديدة مكتنزة كنت أنتظرها منه ، بعد إطلاعي على نتاجاته السابقة وإنتفاضاته التجديدية

على أنّ في قصائد الحيدري، وهي ضمن هذا الإطار من المنمنمات، تجسيداً فذّاً ولكته جسد بشكل فذ  لمناخاته الشعورية وأجوائه النفسية. وميزها بوتره الذي ظل يضرب عليه  متجاوبا بذلك مع أصداء العصر، ويتناغم مع اهتمامات الفنان الطليعي ببيئته وخارجها. كما تميز بالتزامه بالخط الإيجابي في اصطراع القوى والتناقضات، مع كل ما كان ينتاب هذا الخط من إبتهاح  وفرح غامر بإنتصارات مؤقت حيناً، ومن يأس وضياع وألم وخيبة أحياناً،ومع كل ما ينساق فيه هذا الخط من أمل وثقة ورجاء في الغالب. ولا غرو فطريق بنلد الحيدري كان طريق التوق نحو  التقدم والتطور لشعبه وللإنسانية. ولم يكن هذا الطريق محفوفا بالورود الخالية من الأشواك .

 

وكان في غربته يتحرق بشوق للعودة ويرسم حلمه السرمدي ومهما تناءت به دروب الغربة عن وطنه، فهو يذكر في إحدى قصائد هذا الديوان :

"أحلم يا مدينتي بالرجوع

لدارنا المطفأة الشموع

أحلم أن أعود

فأوقظ المصباح

وأفتح الشباك للرياح

واترك المفتاح خلف البابِ

للصوص

للزوارِ

للوعود..."

لكل في قلبك المقروح من دموعْ"

لم أستطع أن ألتقي بهذا الشاعر الفذ في بيروت التي كنت أزوها في الستينات من القرن الماضي  ، وكان مقيما فيها  وقد حاولت بمساعدة الشاعر الكبير مظفر النواب ، الذي كان يلتقيه دائما هناك ، ولكن دون جدوى  ، فلم تحالفني الفرصة  الا حينما دعي الأستاذ الحيدري الى الجامعة التكنولوجية في سبعينات القرن الماضي، لإلقاء محاضرة عن صلة الشعر بالعمارة  ، فإغتنمت الفرصة لأتحدث له  عن النص النقدي  الذي كتبته عنه  ونشرته في إحدى الصحف البيروتيه وأضعته ، "  و الذي لم أعد أتذكر منه عدا ما أوردته أعلاه ". وقد ذكر لي بأنه  على علم بهذا النقد وقد سبق و أن قرأه ، ففرحت لذلك .

 

لقد وجدتُ بأن اللغة الشعرية  ذات الإيقاع الموسيقي  في تلك المجموعة قد بلغت في رأيي، ذروة من العافية، ومبلغاً من الرواء والإيحاء جعلها بالنسبة لي أنموذجاً رفيعاً للغة الشعر الحر في تلك المرحلة الراهنة من تطوره، وجعل صاحبها في مكانةٍ عالية من صانعي هذا الشعر ومبدعيه.

وقد أصدر الشاعر بعد ذلك ديوانين على التوالي:

- أغاني الحارس المُتعب – شعر – بيروت – 1971.

- حوار عبر الأبعاد الثلاثة – شعر – بيروت – 1972.

وللظرف المضطرب الذي كُنتُ أعيشه، والتنقّل والترحال لم أستطع أن أقرأ هذين الديوانين إضافةً لكتابه الذي وُصف بالقيّم، وهو يحتوي على مقالات صدرت له في بيروت أيضاً بعنوان "زمن لكل الأزمنة" في عام 1981.

توفي رحمه الله في إحدى المستشفيات بنيويورك عام 1981.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.