كـتـاب ألموقع
شيوعي من طراز خاص! -//- يوسف ابو الفوز
شيوعي من طراز خاص!
يوسف ابو الفوز
حين بدأت أنشوطة الارهاب السياسي لنظام صدام حسين تضيق حول رقبة الوطن ، في اواخر سبعينات القرن الماضي ، ورفض الالاف من ابناء العراق من مثقفين وناشطين سياسين من القوى الديمقراطية الامتثال لسياسة تبعيث الوطن ، اضطروا ، وبطرق مختلفة ، الى ترك البلاد غير مخيرين ، بحثا عن اي سقف امن يحفظ لهم كرامتهم وحياتهم . صيف 1979 وبعد عام من التخفي والمطارادات ، اضطررت شخصيا لترك البلاد ، عبر الصحراء ، مشيا على الاقدام لاصل دولة الكويت ، وحسب العنوان والعلامات الخاصة ، قادني صاحب الدكان العراقي الطيب الى الاخ "ابو علي " لأجد أنه المناضل عبد الحسين كريم كحوش ، المعروف جيدا بين ابناء مدينة السماوة باسم "ابو كفاح " . في سبعينات القرن الماضي ، لمن لا يعرف ابو كفاح جيدا ، لا يظن ان هذا الرجل المتواضع ، البسيط المظهر، القليل الكلام والطيب المعشر، هو السكرتير الثاني لمحلية الحزب الشيوعي العراقي لمحافظة المثنى ، فقد عرف عنه خلال عمله الحزبي ابتعاده عن الاضواء ، وظل على الدوام يكره الظهور العلني في النشاطات العامة . ومثل ذلك عرف عنه صلابته وذكاؤه ، وفي ايام دراسته الجامعية في معهد التكنولوجيا في بغداد، قسم الرسم الهندسي ، دوخ وبمعنى الكلمة المجرم السفاح ناظم كزار بقدراته ودهائه في العمل السري . في الكويت سكنا معا في بيت واحد ، في منطقة شعبية ، وكان ابو كفاح خير صديق ومعلم في امور متعددة . لازمته الشهيرة كانت :
ــ الدنيا بخير !
ويوما ، وكنا نقرأ في بيانات ورسائل قادمة من داخل الوطن، تحوي اخبارا محزنة عن اعتقال مناضلين ، بينهم اسماء معروفة لنا ، شط بي الغضب حين قال لازمته اياها ، وأحتججت :
ـ اي خير ونحن نعيش اجواء كارثية ؟
نظر لي بوجه يحمل نظرة عميقة ، سمحة ، وعيونه الذكية تومض ببريق خاص :
ـ كارثة نعم ، ولكن انظر كان الجلادون يعتقدون انهم سيقتلعون حزبنا من ارض العراق ، ولن يكون له صوت. تمعن في قوائم اسماء المعتقلين ، واعمارهم والتهم الموجهة اليهم ، رجال ونساء بمختلف الاعمار ، بينهم الكثير من الشباب ، يبادرون بأنفسهم ليعيدوا تنظيم انفسهم ، ويرتكبون اخطاء بعضها قاتل فيقعون بيد السطات الديكتاتورية ، ماذا يعني هذا ؟ استمرار المسيرة . سياتي بعدهم آخرون ، يرتكبون اخطاء اقل ، فينهض التنظيم وسيكون لحزبنا صوت للابد في النضال من اجل المستقبل الذي نحلم به . ان الحزب بخير يا رفيقي !
لم يعش الرفيق ابو كفاح ليشهد اليوم الذي حلم به ، يوم سقوط القتلة ، حيث عثر ، بعد سقوط النظام الديكتاتوري على رفاته في المقابرالجماعية في سجن أبو غريب .
في خريف عام 1982 وصل الى كردستان ، الى مناطق عمل انصار الفوج التاسع للحزب الشيوعي العراقي في ريف منطقة السليمانية ، وفي شباط 1983 كان الفوج التاسع للانصار بحاجة الى كادر حزبي متمرس كمستشار سياسي ، فحاولت الى جانب رفاق اخرين اقناعه باستلام المهمة ، فاعتذر ببساطة :
ـ لا أصلح للعمل العسكري !
كان يخفي الجواب الحقيقي ، الذي صار معروفا فيما بعد . لقد جاء ابو كفاح الى كردستان لمهمة محددة : التوجه والعمل في عمق الوطن !
لم يفقد يوما تفاؤله ، رغم كل الظروف المحيطة والصعوبات التي مر بها الحزب ونضال الحركة الوطنية. كان واسع الاحلام ، لكن احلامه كانت واقعية ، يرى في استمرار النضال واكتشاف طرق جديدة للعمل وسط الجماهير ضمانة للتمسك بالامل وتحقيق الاحلام . في صيف 1983 أختفى تحت ستار السفر للعلاج خارج كردستان . لم يكن يعلم ابو كفاح ، ان ثمة مندسا خائنا ، كان له بالمرصاد ، وتبين فيما بعد انه مسؤول عن اعتقال مجموعة من كوادر الحزب في منطقة الفرات الاوسط ، وكان دليل الاجهزة القمعية لاعتقال ابو كفاح . لم يعتقلوه فورا ، تركوه لفترة لمحاولة رصد اتصالاته وتحركاته ، وحين فشلوا في كشف شيء القوا القبض عليه . تعرض الى تعذيب وحشي ، فرفض اعطائهم اي معلومة ، لم يقر حتى بأسمه الصريح وتمسك بالاسم الذي حمله في الاوراق المزورة التي كان يحملها . التقى به المجرم المقبور علي حسن المجيد مرتين ، ليساومه على حياته فقط ليقر لهم ببراءته من حزبه الشيوعي . وامام اصراره وصموده الاسطوري ساقوه في فجر من اواخر اذار عام 1985 الى حبل المشنقة وذراعه معلقة الى رقبته بقطعة قماش عادية . روى سجناء في ابو غريب ان ابو كفاح في طريقه الى حبل المشنقة راح يهدر بصوت مترع بالاصرار بالهتاف لشعبه وحزبه ، ورد عليه بعض السجناء هتافاته ، وصلى له البعض صلاة الشهادة ، ومضى مضاء الجبين في طريق الشمس واثقا ان حزبه سيكون بخير !
* مساهمة في ملف الذكرى 79 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي / عن طريق الشعب العدد 154 الخميس 28 أذار 2013
المتواجون الان
545 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع