اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الهروب الى الخلود!// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

              تعقيب على مقال

الهروب الى الخلود!

يوسف أبو الفوز

 

من خلال متابعتي لما يكتبه بعض الزملاء والأصدقاء ، تصادفني احيانا حالات ـ مقصودة او غير مقصودة  ـ  في استخدامها لمفاهيم وعبارات توصيفية ، تحمل عدم الدقة، فتساهم بشكل ما ، بتضليل القراء او توجيهم بأتجاه خاطيء ، وكتبت عن هذا الامر اكثر من مرة ، وان كنت احيانا اتجنب ذكر اسماء الكتاب مبتعدا عن شخصنة الحالة المذكورة ، لان ما يهمني هو  تسليط الضوء على الحالة قبل الكاتب المعني بها .

فالكلمة والمفهوم ، وبكل لغات العالم ، تحمل طاقة خاصة بها ولها دلالة مباشرة ، ولا يمكن استخدام ذلك جزافا، وكما هو معروف ان المفهوم كتصور ذهني ومجرد عن اشياء الواقع مرتبط بمشكلات المعنى والدلالة والإحالة ، فالاصرار على استخدام كلمة وتكرارها يعني ان مستخدمها يحمل موقفا يشير اليه هذا المفهوم او الكلمة . أجد كثيراً من هذه المفاهيم تمر في الصحافة العراقية ، ومواقع الانترنيت ، التي انتشرت بحيث لم يعد يكفي الوقت للحاق لمتابعة كل ما ينشر فيها ، لكني استغرب جدا اذا ارى ان بعض من هذه المفاهيم ، تتسرب ـ بقصد او دون قصد ـ الى المواقع الصديقة ، واجد بعض من كتاب "طريق الشعب" التي اتعجب اكثر كيف تمر على هيئة التحرير دون التوقف عندها ؟

أتابع بأستمرار وبمحبة، ما يكتبه الزميل ريسان الخزعلي  في عموده الدوري "بالعراقي " في الصفحة الاخيرة من "طريق الشعب"، وتلفت انتباهي سعة ذاكرته وحيوية متابعاته لموضوعات مختلفة ، وفي العدد 69 السنة 79 الثلاثاء 19 تشرين الثاني‏ 2013 كتب عن مجموعة شعرية صدرت في عام 1974 تحت عنوان "قصايد للوطن والناس "، ضمت ثلاثاً وثلاثين قصيدة شعر شعبي لشعراء شيوعيين وآخرين من اصدقاء الحزب ، ويستعرض الزميل ريسان الخزعلي اسماء الشعراء المساهمين ويكتب عن مصائرهم ، فيخبرنا عن الشهداء والراحلين و يضيف ايضا ( اما من تبقى من شعراء المجموعة، فكانوا على حالتين، حالة من هرب واستوطن المنافي، وحالة من بقى منفيا داخل وطنه وآثر الصمت احتراما لتكوينه وقناعاته الحياتية والابداعية، حتى وان ضمتهم السجون والمعتقلات "عريان السيد خلف ، اسماعيل محمد اسماعيل الذي هرب لاحقا، كاظم غيلان، ريسان الخزعلي" ). ـ التشديد من يوسف ابو الفوز ـ

لا اجد هنا ان استخدام  تعبير "هرب" وتكراره، موفقا في التعبير عما جرى في واقع الحال ، ولا اجده يعبر بشكل صحيح عن تأريخ ومواقف مشرفة لجمهرة معروفة من خيرة مثقفي العراق ، ـ ومعهم نشطاء وقادة سياسيون معروفون ـ  الذين رفضوا سياسة التبعيث والانتماء القسري لصفوف الحزب العفلقي ، وكان لهم موقف مشرف بالرفض والمواجهة ، فكان مصير كثير منهم الاعتقال والترهيب والمطاردة ، وبالتالي دفعهم كل ذلك مضطرين لمغادرة الوطن وترك كل شيء ، وطنهم ووظائفهم وعوائلهم مرتضين مرارة المنفى وقسوته ، وعابرين الحدود بمخاطرات ومغامرات كادت تؤدي بحياة البعض منهم . هل نذكر كمثال قصة "هروب" الفقيد الشاعر مهدي محمد علي والشاعر عبد الكريم كاصد ، عبر الصحراء بأتجاه الكويت  ثم اليمن وسوريا ؟

هناك فارق كبير بين من يهرب تاركا ساحة النضال منهزما متخليا عن سلاحه ، وبين من يضطر للانسحاب لتجميع قواه لمعاودة النضال والنشاط على ارض الوطن بطرق مختلفة . قبل عبورهم الحدود ، عاش العشرات من المثقفين والنشطاء السياسين حياة التخفي والمطاردات ، كانت فيها ضباع البعث تلاحقهم من شارع لشارع، مستهدفة حياتهم ، ودفعت عوائلهم واصدقائهم الثمن غاليا لمجرد مساعدتهم والتستر عليهم ، فكان لابد من المغادرة والانسحاب او التعفن في زنزانة والموت جسديا او فكريا . بعد عملية "الهروب" الذي شارك فيه المئات من المثقفين والسياسيين الديمقراطيين واليساريين ، عاد عشرات المثقفين العراقيين ، ومنهم اسماعيل محمد اسماعيل وكوكب حمزة وعواد ناصر وهاشم كوجاني ورفيق صابر ودلزار وقاسم الساعدي ـ والقائمة لا تنتهي فعذرا لاختياري عينة عشوائية ـ ، عادوا الى ارض الوطن ، الى مناطق كردستان  العراق ـ التي يصر البعض على تسميتها الشمال ـ وحملوا السلاح في صفوف قوات الانصار لمقاتلة النظام الديكتاتوري البغيض  رغم ادراكهم ان الكفاح المسلح لا يمكنه اسقاط الديكتاتورية  ، ولكنه يساهم وبشكل كبير في اضعاف وضعضعة نظامها الشوفيني .

ما يدفعني للكتابة هو الرغبة ، في ان تكون كتاباتنا دقيقة في توصيف وانصاف مواقف مثقفينا ، ممن اجبرتهم ضباع البعث على مغادرة الوطن حين لم تترك امامهم اي خيار اخر . لم "يهرب" مثقفونا بحثا عن النعيم ، بل انتقلوا الى خط مواجهة اخر ، وعليه اجد من الضرورة ان تحرص كتاباتنا على استخدام تعابير ومفاهيم تحفظ لاصحاب الموقف موقفهم وتشيد به ، فالعديد ممن اضطروا لمغادرة الوطن وعادوا الى ارضه ، في مناطق كردستان، تحملوا ظروفا نضالية قاسية، واستشهد العديد منهم في مواجهات مباشرة مع اجهزة النظام الديكتاتوري ، وقائمة الشهداء هنا طويلة ، من فنانين وشعراء وسينمائيين ، ـ وعينة عشوائية مرة اخرى  ـ منهم الرسام النصير الشهيد النصير ابو زهرة (الشهيد معتصم عبد الكريم) ، المخرج النصير ابو يحيى ( الشهيد شهيد عبد الرضا) ، الممثل المسرحي النصير روبرت ( الشهيد خليل ابراهيم اوراها )، الشاعر النصير ياسين ( الشهيد جماهير امين الخيون )،  النحات والتشكيلي النصير أبو آيار ( الشهيد فؤاد يلدا سلمان ) وغيرهم كثيرين ! ، فهولاء وغيرهم ، كلهم "هربوا" الى الخلود !

سماوة القطب  20/11/2013

 

*   طريق الشعب العدد 109 ليوم الخميس 23 كانون الثاني‏ 2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.