اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أغنيات للجنود، العرفاء، الضباط والخ!// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

أغنيات للجنود، العرفاء، الضباط والخ!*

يوسف أبو الفوز

 

 " العزيز أنت ... يا شمعتنا وأملنا "

طوال عمره وهو يكره مدرسي اللغة العربية، ونحوهم وإعرابهم وفاعلهم وصفاتهم والمجرور بهم، ولا يحب أن يتمنطق مثلهم، و ... لكنه هاهو، وفجأة عّن له أن يقلدهم ويتفاصح مثلهم، فكل نياشينه وأوسمته وطلعته البهية، وصف الحراس الواقفين حوله، والجنود المنشدين أليه، جعلته يلوح بقبضته بحماس ويستطرد بثقة عالية:

ـــ إن قضية حب الوطن هي الأولى، وقضية حب السيد الرئيس هي الأَخرا!!

 

" أحنه مشينه للحرب ! "

وقع في الأسر بملابس الرياضة. جاءوا بهم ليلا ، قالوا لهم:

ــ غدا تلعبون مع منتخب الفيلق، وعليكم أن تخسروا المباراة أمامهم.

عند الصباح وجدوا أنفسهم في الطوق الإيراني. رغم الخوف من المجهول، ومرارة لا يعرف لها قرار، إلا أن في داخله كان ثمة شئ يخشى الإفصاح عنه لأقرب زملائه. في داخله شئ من فرح طفولي، بأنه لم يكن مضطرا ليلعب ويخسر عامدا أمام فريق منافس وفقط لأن العميد شاء ذلك.

 

"جنة ..جنة .. جنة       جنة يا وطنه "

توفي والده بالسكتة القلبية . لم يبك !

ورد اسم أخيه في قوائم المفقودين . لم يبك !

 فقد ذراعه الأيمن شرق البصرة . لم يبك !

فسخت ابنة خالته خطوبتها معه . لم يبك !

جن صديق طفولته . لم يبك !

اعدم أستاذ التاريخ في كليتهم . لم يبك !

البارحة، على شاشة التلفزيون، في لقاء مع صحفي أجنبي، روى السيد الرئيس ـــ حفظه الله ـــ  نكتة، ضحك لها كل مرافقي الرئيس من حرسه الخاص والوزراء وأعضاء مجلس قيادة الثورة وقادة فرق الجيش وممثلي مجلس الشعب الوطني ومسؤولي منظمات الطلبة والشباب والنساء ورؤساء تحرير الصحف ورؤساء العشائر، و... شبعوا ضحكا!

وجد نفسه يبكي، يبكي، يبكي، يبكي بحرقة!

 

حارق ... خارق  !

ركب مخزن ذخيرة جديد، كل رصاصاته حارق... خارق، وضع البندقية على حالة الرمي رشا، استند إلى جدار الخندق، غرس كعب البندقية في الأرض، وضع الفوهة في فمه، وضغط الزناد!

لم يفهم الكثيرون لماذا ؟

 كان قد قال لأحد الجنود قبل يومين:

ــ لم اعد أطيق ذلك، لم اعد احتمل اكثر، كل يوم، ليل ونهار، ما أن أغفو قليلا، حتى يأتيني السيد الرئيس المهيب، يكشف عجيزتي و...

 

عناكب

في زاوية الملجأ الرطب ولأكثر من ساعة، جلس القرفصاء، صامتا وثمة رغبة عارمة الى التدخين،  لكن سجائرهم نفدت. أمامه يجلس صاحبه، شارد اللب، صامتا مثله، محدقا الى سقف الملجأ ببلاهة. قبل أسبوع همس إليه:

ــ ثمة عنكبوت يدب هنا !!

ونقر على صدغه بأصابعه المسودة . البارحة عاد وقال له:

ــ انه ينسج له بيتا بنشاط !

ومنذ أسبوع وهو يستعيد معلوماته عن العناكب، ويتخيل أشكالها، وألوانها و... لكن اليوم، ومع بدء القصف المدفعي من الجانب الأخر، أحس ثمة شيئا، ناعما، صغيرا، يدب داخل تلافيف رأسه!      

***

منذ أيام وثمة عنكبوت يبني له عشا داخل رأسه. يحس به وهو يدب بنعومة، ويتخيله كيف يعمل بنشاط. البارحة اكمل العنكبوت بناء عشه، تماما مع بدء نوبة حراسته الليلية. كان الجو باردا، الريح تصفر في المنطقة الحرام. مد رأسه في الملجأ، كان أصحابه ينامون بوداعة الأطفال، ملتمين على أنفسهم، يلتصقون ببعض طلبا للدفء، فشعر بالشفقة تجتاحه، ومشاعر من المحبة تطغي على كل كيانه، وكان العنكبوت يتحرك بنشاط، بنشاط مثير ولم ينتظر طويلا، كانت مشاعر الشفقة تجعله يرتجف من الحب، وبهدوء وحتى لا يزعج النائمين سكب كل ما بداخل زجاجات النفط على الأشياء القابلة للاشتعال، ثم نثر بعضه على بطانيات النائمين، وأشعل النار!!

 

الركن الهادئ

بعد إحالته على التقاعد اصبح "الركن الهادئ" مشربه المفضل. تبدل الندل ومالكي المشرب مرات، لكنه لم يستبدل زاويته القريبة من الشارع، عند واجهة المشرب الزجاجية . نهاية كل أسبوع، ومع كأسه يغوص في عوالم داخليه، يسافر في الذاكرة، مستعيدا تلك الأيام العذبه من شبابه، وجوه أصحابه الذين رحلوا، طلابه الذين صاروا رجالا وتبعثروا يراقب حياة الناس ويعود إلى بيته ممتلئا بقناعة أن الحياة تسير بشكلها الرتيب، ولم تتبدل!

في الأيام الخوالي، كان يستمتع بالاسترخاء في كرسيه، يمد رجليه على طولهما ويخفض بصره بحيث لا يرى من المارة سوى سيقانهم، ويمارس لعبة ابتكرها لنفسه، لعبة غريبة، لن يفهمها أحد، أوحى بها له حديث روتيني مع جارهم الإسكافي، يراقب أحذية المارة ويحاول تخمين شيئا عن شخصية ومزاج لابسي الأحذية، وهكذا يمر أمامه الناس:

 حذاء رجالي مهترئ الكعب، حذاء رجالي مصبوغ بعناية، حذاء نسائي أنيق بكعب عال، حذاء رجالي مترب عادي، حذاء نسائي عادي بدون كعب، حذاء رياضي، حذاء رجالي فاخر، حذاء نسائي فاخر، حذاء نسائي عادي، حذاء رياضي، حذاء رجالي، حذاء رجالي، حذاء رجالي، حذاء...!

هذه الأيام افتقد تلك المتعة، السيقان تمر أمامه ويسجل:

حذاء نسائي عادي، بسطال، بسطال، حذاء نسائي، بسطال، بسطال، عكاز، حذاء نسائي، عكاز، بسطال، حذاء رجالي، بسطال، بسطال، عكاز، حذاء نسائي، بسطال، ...!  

أيار ـ  تموز 1992

موسكو

 

*  من مخطوط قصصي ينتظر النشر

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.