اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عندما يتنازل الكبار عن كبريائهم! هل يعيد التاريخ استنساخ ذاته؟ -//- يوسف زرا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرا ايضا للكاتب

يوسف زرا

ـ  القوش/ العراق

عندما يتنازل الكبار عن كبريائهم!

هل يعيد التاريخ استنساخ ذاته؟

كان ذلك يوماً مشؤوماً في تأريخ البشرية من عام 1961، حيث انذرت الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد السوفياتي بعدم السماح بوصول أسطوله البحري والحامل للصواريخ العابرة للقارات، والمتجه نحو كوبا الجزيرة التي لا تبعد عن سواحل ميامي سوى عدة عشر كيلومترات. وان تتوقف في عرض المحيط وإلا حالة الحرب النووية لا محال ستندلع بين الطرفين.

هاجت وسائل الاعلام في العالم واضطربت غرف العمليات العسكرية في جميع القارات وفي مقدمتها أوربا. وخرجت الصحف النهارية والمسائية في كل مكان ومنها بغداد العراق بالذات لتنقل الخبر المشؤوم وتقول بالحرف الواحد: أيها الانسان أينما كنت، عش اللحظات الأخيرة في هذه الدنيا بمشاهدة أي عرض سينمائي أو مشهد مسرحي، وتمتع بباقي الساعات الأخيرة من الحياة دون هدف ما. لأن الحرب الكونية الثالثة ستشتعل بين العملاقين. الأول الاتحاد السوفياتي الذي قرر نصب تلك الصواريخ على مقربة من العملاق الثاني -أمريكا- بغية حماية الدولة الصغيرة والحليفة له -كوبا- من العدوان عليها واسقاط نظامها السياسي الجديد وقيادته الثورية المتمثلة بشخصية كاسترو وغيفارا ورفاقهما.

في هذه اللحظات توقفت عقارب الساعة من الدوران. وشلت حركة الزمن، وزؤرت الشمس في عليائها، وترقبت الشعوب النبأ بقلوب خافقة.

نعم كان ذلك في يوم من عام 1961 والذي سمي فيما بعد (بأزمة الصواريخ السوفياتية إلى كوبا). حينما قررت القيادة السوفيتية عبر زعيمها نيكيتاخروشوف التحدي لجبروت أمريكا ونظامها الرأسمالي.

بعد أن أيقنت القيادة المذكورة أن الحلف الأطلسي في أوربا الغربية وبقيادة أمريكا، أصبح الخطر المباشر على الدولة السوفياتية والمنظومة الاشتراكية ككل، ولابد من التحرك لحمايته ومن ضمنه الدول الصغيرة ككوبا وغيرها. ودفاعاً عن السلم العالمي.

وكلا العملاقين يعلمان وبكل تأكيد أنهما الخاسران المباشر في هذه الحرب وثم البشرية إن اندلعت ولا يمكن لأي كان أن يوقفها. ولا مبرر عقلي أو أخلاقي لهذا التصرف إن وقع.

فما كان من القيادة السوفياتية إلا أن تعجل بمبادرة إنسانية وتطالب أمريكا أن تتعهد بعدم غزوها لكوبا. وان لا تتدخل في شؤونها الداخلية ولا تحاول اسقاط نظامها وقيادته مقابل أن يتوقف الأسطول السوفياتي أو السفينة الحاملة للصواريخ في عرض البحر وثم الانسحاب إلى قواعدها في حالة موافقتها وبشكل صريح على ذلك، دفاعاً عن نظامها الاشتراكي وكوبا واحتراماً للبشرية.

وفعلاً أعلنت أمريكا الموافقة على الشروط المذكورة. فسكتت أبواق الحرب في أوربا. وتنفست البشرية الهواء الطلق وركن خفقان القلوب لجميع شعوب الأرض. وكان أول هبوط لهيبة أمريكا ومسٌ بكبريائها. ولا يمكن اهمال موافقة الاتحاد السوفياتي لوقف سفينة الصواريخ في عرض البحر وهو أيضاً تنازل لهيبته ولكن حفظاً للسلام العالمي بالدرجة الأولى. وثم نعود لنقول ... ما أشبه اليوم بالبارحة؟

فها هي أمريكا ثانية وبعد أن أصبحت القطب الواحد في هذا العالم، تصول وتجول عبر العقود الثلاثة من بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي. ولم تتوقف غطرستها ولا سكن جبروتها وبرم عظلاتها بوجه الشعوب الصغيرة والكبيرة ولأي سبب كان، وبحجة الدفاع عن حقوق الانسان المكفولة بلائحة دولية. ولابد من تعميم ديمقراطيتها اللبرالية الجديدة على الجميع.

وها هي سوريا النموذج لدولة صغيرة، كادت تصبح غير مرغوب بها من قبل أمريكا وحلفائها الأوربيين وبعض الدول العربية الخليجية. وتحاول بشتى السبل اسقاط نظامها العروبي القومي، والذي قيل ظاهرياً المتحدي لا لأمريكا. بل لدولة اسرائيل والتي هي في حالة الحرب معها منذ عام 1948.     وبحجة أن نظامها دكتاتوري فردي وممول لحركة حماس الفلسطينية في غزة وحزب الله في لبنان ضدها. وواقعياً لا يمكن لأية دولة عربية في الوقت الراهن المحاذية لاسرائيل من مقارعتها.

فالقطب العملاق -أمريكا- الذي بدأ يفقدتوازنه في الآونة الأخيرة في الساحة الدولية وسبب ذلك سمو كبريائه حد الجنون ولابد أن يبقى حسب حساباته الخاصة يسمو ويسمو ما زال لا يوجد من يقف في مواجهته كقطب آخر. فكانت روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي السابق. ولابد أن تأخذ بالثأر التاريخي. وتضع حداً لعقلية القطب الواحد وتقول له كفى وقف في موضعك كما وقفت السفن السوفياتية في عرض المحيط عام 1961 ولأجل السلام العالمي سابقاً ولاحقاً. وعلى أمريكا أن تتنازل عن كبريائها ولابد من حماية أمن البشرية وعدم الانجرار وراء العنجهية والعقلية العسكرية للدولة الكبرى وأي كانت.

وأخيراً ولابد أن نقول في بيتين من الشعر وهي:

ما شاخَ جبلٌ بعلوهِ وتكبّر                حتى هوى بكبريائه وتكسّر

وما ضاق العاقلُ بفطنتهِ وتجبر           حتى فطن وركن عقلهُ وتحرر

ــــــــــــ

يوسف زرا

 

13/9/2013

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.