اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• حـكايـات مــن ذاكــرة الريــف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ســعـديه العبــود

حـكايـات مــن  ذاكــرة  الريــف

 

كان ذلك في بداية حياتها العملية عندما تم تعينها في احد المؤسسات التي  تتبنى موضوع تثقيف الفلاحين.حيث كانت مهمتها شرح وتوضيح  اي موضوع  زراعي مطلوب  ومحدد بموجب منهاج ينظم بالتنسيق مع الجمعيات الفلاحية أو الخطة الزراعية .كانت محطتها هذه المرة قرية صغيرة تقع  على احد الجداول المتفرعة من نهر الفرات,والمؤدية الى الهور  .قرية لايكاد يسمع بها او  يعرفها الا أبناؤها وبعض المحيطين بها ..كانت الرحلة متعبة لا لبعد المسافة بل لوعورة الطريق .لذا اضطرت للذهاب الى المحافظة المجاورة كي تختصر الطريق الوعر المؤدي الى تلك القرية سارت المركبة  بحدود الستة كيلومترات في ذلك الطريق الغير معبد حتى .بانت لها أسوار لبيوت من اللبن او البردي ,يكاد ارتفاعها لايتجاوز المترين.  كانت العجلة تتهادى في سيرها مخلفة ورائها هالة من الغبار تبان من بعيد وتحجب الرؤية لمن يتبعها . أطلت بعض النسوة من وراء الأسوار الطينية لتلك البيوت تستطلع لمعرفة من   القادم .وتجمهر الصبية حول السيارة عند وصولهم لاستكشاف من هذا الغريب فقد أضحى هذا الأمر حدث مهم في القرية .

لدى وصولها لم تجد من يستقبلها من الفلاحات المعنيات بالتدريب كالعادة المألوفة , بل كانت هناك امرأة عجوز تترصدها في مضيف رئيس الجمعية ,وبهيئتها المتجلدة اوحت بأنها  تمسك بيدها  زمام الأمور في هذه القرية , وتريد إن تعرف ما المطلوب من هذ التجمع كي تستطيع  تقييم الحالة ,خاصة وأن القادمة امرأة, قد تطلب امراً معين خارج الحدود المسموحة في القرية  سألتها قبل الترحيب قائلة :ماذا تريدين هل تأخذين الفتيات الى المدينة لغرض التظاهر والمناداة جمهريه -جمهورية؟,إجابتها بالنفي مستدركة بأنها القادمة إليهم.وهم الأكثر عددا  والاقوى ,ولهم الخيار في الاستماع لما  تقوله  من عدمه .

عندما بدأت بذكر موضوعها عن دور المرأة في المجتمع ودورها كفلاحة  في الحركة التعاونية وبحضور بعض النسوة ,واسترسلت بالموضوع تبين أهداف الجمعية التعاونية  ,وتأسيسها  .هنا قاطعتها إحدى النساء وسألتها هل اكتمل حل مشاكلنا ولم يبق الا هذا الموضوع؟ ,لدينا الكثير من المشاكل البيئية والخدمية نحتاج لعرضها و لم تلتفت اليها الدولة  أو إي مسئول ,وتطلبون منا أن نستوعب موضوع لا يغني ولا يسمن ؟, نظرت إليها باستغراب وهمست مع نفسها : هل ان  الموضوع  الذي أتحدث عنه تافه لهذه الدرجة, لذا استفسرت ما المطلوب؟ ,هنا استعرضت تلك المرأة الريفية مشاكلها ومطالبيها وبلغتها البسيطة استطردت  قائلة:

:يذهب الأطفال يوميا الى المدرسة  العائدة للقرية المجاورة  مشيا على الأقدام والتي تبعد عن قريتنا أربعة كيلو مترات ,بما فيها الأيام الممطرة والباردة وسط الأوحال لعدم تعبيد الطريق وكما رأيتِ عند قدومك ,.

, لايوجد مركز صحي او زيارات ميدانية للفرق الطبية الجوالة  وقد سبق ان تعرضت امرأة حامل الى عارض مفاجئ تم نقلها الى المركز الصحي  بواسطة احد البغال مما أدى الى وفاتها في الطريق.

, الجدول ملئ بالحيوانات  النافقة ومع ذلك نستخدمه للشر ب لعدم وجود من يقوم بمتابعة  تنظيفه وكريه ولا يوجد مياه صالحة  للشرب أصلا.

 ,لا يوجد أصلا أية إنارة أو  كهرباء في المنطقة .ولم نتشرف بزيارة اي مسئول طيلة حياتنا . 

واستمرت في سرد مشاكل القرية واحتياجاتها وكأن القادم إليهم اكبر مسئول في الدولة ---رددت مع نفسها على الرغم من وضعها المزري إلا  إنها تستطيع تشخيص مشاكلها وتحتاج الوسائل التي نساعدها بها كي تتمكن من ممارسة دورها بشكل أفضل ,لذا يجب عليها  التفكير بكيفية مساعدتها على ذلك, كنوع من رد الاعتبار, وإظهار حجم  مركزها الوظيفي .

عادت إدراجها تفكر في الكيفية التي  تحاول بها إنقاذ الموقف الحرج . قررت   ان  تبحث اولا عن تبعية هذه المنطقة لأي وحدة إدارية, كي تلفت  انتباههم إلى متابعة وحل بعض مشاكلهم قدر المستطاع, وبنفس اليوم وبعد الاستفسار من الوحدات الإدارية  المحيطة  ,توصلت بعد جهد  إلى المركز الصحي الذي تتبع له تلك القرية .وكان وقت وصولها الى المركز الصحي  بعد انتهاء الدوام الرسمي . واهتدت إلى دار الطبيب المقيم .وبعد توضيح الموقف, تم الاتفاق مع الطبيب المقيم في المركز الصحي   على تنظيم زيارة وحدد الموعد في اليوم التالي, على ان تقوم بجلب  كتاب  رسمي من رئاسة الصحة بعدم الممانعة , كي يتم إدراجها ضمن  برنامجهم  المقبل  في الخطة .

وفي صباح اليوم التالي  تم عرض الموضوع أمام أنظار مسؤولها و تم مفاتحة رئاسة  الصحة وتم تزويدها  بكتاب الموافقة.

وعادت لترشد الفريق الصحي الى المكان ,وجدتهم قد تركوا لها خبر في المقهى الريفي   الموجود على الطريق المؤدي الى القرية  يخبروها  بأنهم سبقوها الى هناك .. ولدى وصولها وجدتهم قد باشروا بأجراء الفحوصات للمرضى وتوزيع الأدوية لمستحقيها بشكل مرضي .

 عندما ابتدأت محاضرتها ,بانت علامات الرضي على المستمعات ووجدت استجابة وثقة من الحاضرات من الفلاحات  واللائي تزايد عددهن , لان موقفها اقترن بشئ ملموس لديهم .بدأت بالحوار وتبادل الرأي مع الحاضرات ودونت أسمائهم .كجزء من مستلزمات العمل لتثبيت أعداد المشاركات .

.حضرت في اليوم التالي لكنها لم تجد فاطمة وهي احد المشاركات , سألت عنها واعلموها بأن فاطمة اليوم  لاتستطيع الرؤية , بسبب البكاء على أطفالها , ولما استعلمت عرفت بأن فاطمة مهجورة من قبل زوجها منذ سنتين وقد اغتصب أطفالها  وطردها ,وعندما تتذكرهم وتشتاق إليهم ,تصبح على  هذا الحال .

فاطمة امرأة في أواسط العشرينات من العمر إلا إنها تبدو اكبر من عمرها بكثير بسبب الهموم والألم والحالة البائسة التي فيها  ,كان ذلك الوقت شهر آذار من عام 1978 وقد صدر في حينه و في شهر  شباط  تحديدا ,تعديل لقانون الأحوال الشخصية ,رأت صاحبتنا ان من الأجدر بها أن  تفسر للمشاركات , القانون وتعديلاته, وتدعو فاطمة للاستماع كي تعي حقوقها وتستوعب ما يتوجب عليها ان تعمله . في اليوم التالي وجدت ابو فاطمة وشقيقها بانتظارها ,استكبرت الموقف وأحست بأنهم ينظرون إليها كأنها سفينة النجاة , وضحت لهم بهدوء  مايجب عليهم  عمله وكيفية الالتجاء الى القضاء,وتسجيل دعوة بهذا الموضوع , وأوصت احد معارفها  من العاملين في مركز الشرطة  ان يعاونهم ويسهل إجراءاتهم.مر الأسبوع وانتهت مهمتها في تلك القرية , وعادت لتذهب الى منطقة اخرى .

كان من ضمن برنامجها ان تعاود الاتصال مع المتدربات في زيارات دورية للحفاظ على العلاقة و مد روابط معهم  كجزء من مهمة التغيير . لذلك عاودت بعد  شهر لزيارة تلك القرية,وبمجرد ان بانت مركبتها من بعيد ,رأت امرأة هاشة وباشة  تعدو باتجاهها ويتمسك بأطراف  عباءتها ثلاث أطفال وبدون مقدمات ,انهالت عليها بالقبل والشم ,معربة عن شوقها ولهفتها للقادمة ,مقترنة  بترديد عبارات الشكر والامتنان كانت تلك المرأة  فاطمة فقد كسبت دعواها, حيث تم إيداع زوجها في التوقيف في مركز شرطة  الناحية القريبة منهم ,وتسليمها اطفالها مع تكبيده دفع مبلغ النفقة عن مدة الهجر كاملة.

عندها أحست بالارتياح لأنها تمكنت من تمكين امرأة بائسة للدفاع عن نفسها  ومنحتها قوة المواجهة والمطالبة بحقها قانونا.

استمرت زيارتها الى باقي المناطق لتواجه قضايا أخرى بحاجة الى توعية وأرشاد.

الآن تستذكر الحالة وتقارن مع العاملين في هكذا مجال وتقول بصوت مسموع : هل هم بمستوى الاندفاع والإخلاص الذي يمكنهم من إنجاح مهمتهم.

طوبى لكل العاملين الذين يحترمون عملهم ويؤدونه  بصدق وأمانة .

طوبى لذلك الطبيب الشاب المبدع الذي أدرج تلك القرية في جولاته النصف شهرية  وأعطى لعمله حقه الإنساني الذي نذر نفسه لأجله .دون أن يضع في  حساباته مكاسبه المادية .

طوبى للمرأة التي تعي ما تريد وتعبر عنه وتدافع عنه  حتى ولو بأسلوبها البسيط ولا تجامل على حساب حقوقها .

 سعديه العبود

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.