اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• قراءة في كتاب " لا أعبد ما تعبدون " لأبي الخير الناصري

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عبد الرزاق اسطيطو

مساهمات اخرى للكاتب

قراءة في كتاب " لا أعبد ما تعبدون "

 لأبي الخير الناصري

 

    يعد كتاب " لا أعبد ما تعبدون"  (1) من الكتب القيمة التي تدفعك دفعا إلى محاورتها واستنطاقها، بغية الوصول إلى سرها ومكامن سحرها.

    ذلك أن الناقد الجيد هو الذي يمتلك العدة المعرفية، التي تمكنه من ملء العلامات، والفراغات داخل النصوص المقروءة، تساعده موهبته النقدية وخبرته وحدسه، على تأويل العبارات التي تبقى دلالاتها عائمة في العمق؛ وأبو الخير الناصري من هذه الفئة، فئة النقاد الذين أهلتهم خبرتهم النقدية للارتقاء بالدرس النقدي، من نقد المتون إلى نقد النقد الذي يتناول المتون بالدرس والتحليل.  يقول هذا الناقد في مقالة من مقالات كتابه "لا أعبد ما تعبدون"  المعنونة ب  " النضال في شعر علال الفاسي" : " وأظن أن الباحث وقع تحت طائل المصادر والمراجع المختلفة، فلم يدقق فيما ينقله عنها، فإذا به يأتي بكلام مرتبك وعبارات تعوزها الدقة المطلوبة في لغة البحوث والدراسات العلمية " ( ص99).

    إن " لا أعبد ما تعبدون " من الكتب النقدية التي تجد نفسك تعيد قراءتها، لما يزخر به الكتاب من وعي نظري، وثراء معرفي نقدي، وهو الإصدار الثالث للكاتب، بعد مؤلفيه " تصويبات لغوية في الفصحى والعامية  "و" في صحبة سيدي محمد الناصري "، ويضم الكتاب ثلاث عشرة مقالة نقدية، تتمحور حول قضايا وأعمال إبداعية وفنية، تنتمي إلى أجناس تعبيرية متعددة.

    لكي نفهم دواعي اختيار المؤلف لشكل المظهر الخارجي لكتابه هذا، والعناصر المؤثثة له، من عنوان، وبيان، وصورة، واسم المؤلف، وكذا الألوان التي لونت الغلاف، لابد من قراءة المقالات النقدية باستحضار المقروء الشخصي.

 

أولا :  قراءة في غلاف الكتاب

 

    تتشكل دلالة غلاف أي كتاب، بالإضافة إلى اسم صاحبه، من عنصرين أساسيين هما العنوان ولوحة الغلاف. وذلك بغية التأثير على القارئ، وهي عناصر تشكل مجتمعة المظهر الخارجي للكتاب.

    وكتاب " لا أعبد ما تعبدون"  جاءت عناصر دلالة غلافه على غير المألوف، تؤشر على أبعاد دلالية لمقصدية المؤلف، وتثير بصورة جزئية الأفكارَ، والقضايا المتعلقة بالتيمة الدلالية الكبرى التي يعالجها الكتاب ككل؛ وعنوان الكتاب وكذا عنوان البيان المبثوث على ظهر الكتاب، تمت كتابتهما بلون الدم، بمعنى أن الكاتب مقبل على معركة، ومستعد عبر مقالاته، للتضحية من أجلها، والدافع أملته رغبة المؤلف وإيمانه العميق بضرورة تحطيم الأوثان ـ المتمثلة في الدروس والمقالات والكتابات النقدية التي تنشر حاليا ـ أي ما ينبغي أن يكون عليه الدرس النقدي لا ما هو عليه الآن.

    إن اقتباس آية " لا أعبد ما تعبدون "  من سورة {الكافرون} عنوانا للكتاب، يعكس افتتان الناقد بالنص القرآني، ويكشف تصوره وفهمه في الوقت نفسه، بما يعني أن النص القرآني هو نموذج يحتذى به عند الكتابة والخلق الإبداعي، ويفي بالحاجة عند الاستشهاد به من أجل تعضيد الخطاب. أما إرفاق المؤلف لصورته على وجه الغلاف بدلا من اللوحة فيدل على شجاعة المؤلف، كما لو أنه يريد القول إن صاحب هذا المؤلف هو أنا صاحب هذه الصورة؛ وصاحب هذا البيان، ولا أخشى لومة لائم عند قول الحقيقة.

    في الإهداء نقرأ " إلى الشريف الفاضل محمد العربي العسري إنسانا نبيلا في الكتابة والحياة" . ويبقى الإهداء مدخلا يعبر من خلاله الكاتب عن إحساسه وإعجابه في الوقت نفسه بمن يهدي إليه الكتاب، وإزاء المؤلف نفسه، والإهداء هنا علامة ناقصة، نحتاج لملئها إلى قراءة المقالة المعنونة ب " قراءة في أقلام وأعلام من القصر الكبير"  لنتبين أن الأمانة واحترام الذات والقارئ وغيرها من القيم النبيلة، التي توفرت في نموذج الأستاذ محمد العربي العسري، هي التي دفعت المؤلف إلى إهداء مؤلفه له.

 

ثانيا : قراءة في المقدمة

 

    يعد التقديم مكونا بنائيا يقيم مع مقالات الكتاب علاقة جدلية، يؤثر فيها ويتأثر بها، كما يعمل على تشويق القارئ لموضوع الكتاب وتوجيهه في الآن ذاته؛ وشهادتا كل من القاص الناقد محمد سعيد الريحاني والقاص عبد السلام الجباري، في نهاية الكتاب، تدلان على ذلك، ولأن القضية مهمة بالنسبة للمؤلف فقد جاءت الإضاءة والمقدمة في شكل بيان، احتج من خلاله الناقد على المسخ والتشويه الذي طال المقالات النقدية في الوقت الراهن.

    فما هي العوامل التي أدت إلى إفساد الدرس النقدي وانحطاطه؟ هذا ما تجيب عنه المقالات النقدية لكتاب   " لا أعبد ما تعبدون ".

    ومن الأسباب التي دفعتني إلى الكتابة عن هذا المؤلف، في محاولة لإضاءته وتقريبه من القارئ؛ ثراؤه المعرفي والأدبي والفني، ورصانة مقالاته النقدية، بحيث يغيب عنها، على غير عادة باقي المقالات النقدية التي قرأتها، الاستعراضُ المعرفي بالمناهج، والتعالي ـ النرجسي ـ أثناء تناولها للموضوعات نقديا؛ كما يغيب عنها الدافع البراغماتي عند اختيار المتن / موضوع الكتابة. وهذه الإستراتيجية تنم عن وعي عميق، بضرورة تحرير المتون من هذا الإسقاط الجائر للمناهج، والاستنتاجات المتسرعة، والأحكام الجاهزة المتعسفة، التي يغلب عليها الذوق الانطباعي الذي يفتقر للثراء المعرفي النقدي، وللخبرة، والموهبة، والحدس النقدي، وهي مقالات تبطن في عمقها صرخة احتجاج كما قال المؤلف في بيانه على الوضع الراهن للنقد. يقول الباحث الأكاديمي محمد مشبال : " وأما المناهج فهي أدوات تنظم التفكير وتسعف في البناء ولكنها لا تفتي في قيمة عمل أدبي ولا تملك الحلول السحرية " (2).

    ومؤلف الكتاب ليس الأول ولا الأخير الذي انتبه للأمر وفطن إليه، وقاربه معرفيا ونقديا، فراهن النقد وإشكالاته المرتبطة به، ككيفية تناول ومقاربة النصوص والمتون نقديا، وإشكال قصور المناهج بنوعيها النسقية والسياقية، والنقاش الدائر حول المنهج المتكامل، وعلاقة المنهج بالنصوص وغيرها، هي في الحقيقة من الإشكالات التي تم تداولها، ومازالت محط نقاش واسع لحد الآن، وعقدت من أجل تدارسها ندوات ولقاءات أفرزت دراسات ومقالات عديدة تم نشرها وطنيا وعربيا ودوليا، ورقيا وإلكترونيا.

    فتربة النقد، بتعبير المؤلف، " على مشارف الفناء "، ولا بد من تنقيتها من الطفيليات، والحشرات، وتخصيبها بعد حرثها، والعناية بها في المستقبل بعد زرع بذور معرفية منتقاة بعناية.

    ومن مقالات المؤلف " وظيفة التشبيه في رواد المجهول " /  " الجنس بوصفه انتقاما " /  " الشامل في تراجم الشعراء والأدباء والنقاد "  /  " مقاصد السيرة عند الشيخ عبد الله التليدي، تأملات في سيرته الذاتية " /            " شخصية الكاتب من خلال كتابه "...

    فما الدافع إلى كتابة هاته المقالات؟ لقد كان الدافع إلى كتابة هاته المقالات برأي الكاتب هو سحر وثراء وصدق مواضيعها؛ وفيها إشارة من الناقد، مؤداها أن الناقد الجيد هو الناقد الذي يجمع ما بين الثراء المعرفي والخبرة والموهبة؛ ومن مقالات الكتاب كذلك مقالة " النضال في شعر علال الفاسي" التي يقول المؤلف في إحدى فقراتها : " ولقد بقي السؤال يتردد في خاطري ورغبت رغبة شديدة في أن تطبع مؤسسة علال الفاسي الأبحاث الفائزة لأطلع عليها، وأفيد منها في تعرف شعر علال الفاسي في موضوع النضال " (ص93).

    فالقلق، والإصرار، والرغبة في المعرفة، هي حالات نفسية يعيشها الناقد المبدع فقط، كما أن تنوع المواضيع داخل هذا المؤلف يحيل على الثراء المعرفي، والحس النقدي لصاحبه، تقودهما عمق بصيرته نحو الدلالات العميقة للمواضيع المتناولة.

    ولا أعني بقولي هذا أن مقالات " لا أعبد ما تعبدون " هي النموذج الأمثل للكتابة النقدية الذي ينبغي الإحتذاء به، أو هي ثورة امبريقية في مجال النقد، أي فتحا جديدا يؤسس لتصور مخالف وحديث في مجال الدرس النقدي، فمثل هذا القول سيدل لا محالة على قصور نظري وفقر معرفي لصاحبه، فيما يخص تاريخ النقد وتطوره، ومناهجه وآليات اشتغاله في علاقته بالمتون، ذلك أن النص / المتن هو في الأصل إبداع / خلق، والإبداع ثورة وتنوع وتباين في المستويات من إبداع لإبداع، الأمر الذي يفرض أساليب نقدية {مقارباتية} متنوعة ومن زوايا مختلفة. تقول الناقدة يمنى العيد في حوار معها : " صحيح أن الممارسة النقدية تعتمد أيضا على الأدوات ـ المفاهيم، لكن بعد تملكها بحيث تصبح هذه الأدوات، المفاهيم، طيعة، مرنة، لا تتحكم بالناقد، بل هو يتحكم بها، ويستخدمها لتساعده لا على كشف قول النص وحسب، بل أيضا على مناقشة هذا القول " (3).

    ومن مقالات كتاب "لا أعبد ما تعبدون"  "أبو الخير الناصري مثقف عضوي في زمن الثقافة النقدية " للكاتب القاص والباحث محمد سعيد الريحاني؛ وحقيقة يعد أبو الخير الناصري مثقفا عضويا بتعريف أنطونيو غرامشي في كتابه " كراسات السجن"، وهو أديب ملتزم بوصف جون بول سارتر في كتابه " ما الأدب "، فنوعية كتاباته واهتماماته، تدل على ذلك وتؤكده بما لا يقبل الشك، وهو يعد من القراء النموذجيين، المعياريين، الذين لهم القدرة على محاورة النص ومساءلته، واستفزازه بغية الوصول إلى درره، فله من الثراء المعرفي والذوق ما يمكنه من خرق حدود المواضيع، وتجاوز إشاراتها الحرفية، باعتباره ناقدا جيدا، تؤهله تجربته لمضاعفة المعاني، بمعنى تلك القراءة الإنزياحية التي تتخذ من الملفوظ والعبارة والبياض والنقط ممرات لها خارج النص ـ لتقول ما لم يقله الكاتب، وما أراد قوله، وما لمح إليه. يقول بول ريكور: " أن تقرأ يعني أكثر عمومية أن تنتج خطابا جديدا وأن تربطه بالنص المقروء " (4)، وهو ما أكد عليه  رولان بارت بقوله : " النص لا يقدم معلوماته أو معارفه جاهزة بل متنكرة في شفرات وعلامات لغوية، ولكشفها يجب فك تلك الشفرات والوقوف على مد لولاتها الخفية " (5)، ومقالات أبو الخير الناصري تعمل بهذا الفهم وتؤسس له وتدافع عنه حد التضحية.

إن ما يدفع المؤلف لمقاربة نصوصه ومواضيعه هو العشق ـ عشق ما يقرأه ويتماهى معه ـ أو التصدي لأنصاف المواهب، الذين يدعون امتلاكهم ناصية الثقافة النقدية وذائقتها، الذين معهم تحول النقد إلى مطية ذلول- بتعبير الناقد عبدالعزيز المقالح- موصلة إلى جنان النقاد وكتاباتهم، وهي الكتابات التي وصفها المؤلف بأنها " تملأ الساحة ولكنها لا تملأ الوجدان".

 

الهوامش:

 

 (1) " لا أعبد ما تعبدون "، مطبعة الأمنية، الرباط، 2011م.

(2) " الهوى المصري في المخيلة المغربية"  ص 27.

(3) من حوار منشور لها في كتاب " في مفاهيم النقد وحركة الثقافة العربية"  ص 149.

)4) مجلة العرب والفكر العالمي"  نحو مفهوم جديد للتأويل " عدد 3  ص 47.

(5) " النقد والحقيقة"  ص 78.

                                   

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.