اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• العجل ..

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صباح كنجي

العجل ..

كنت أسير بمعية سعيد الدوغاتي بجولة ليس لها هدف إلا قضاء بعض الوقت خارج منزلنا بشقة حي المعلمين بعد أن غادر عدد من الأنصار القامشلي وسوريا الى جهات متعددة .. سعيد لا يقتربُ من السكائر و الخمر بالتالي كانت مشاكله المالية اقل منا نحن المدخنين المعاقرين للخمر ، لكنه يحب اللحم والأكل الدسم ..

قبل أن يحل المساء اثناء اقترابنا من محل قصاب اقترح ان نشتري كيلوغرام من لحم خروف .. سألني : كم معك من نقود ؟ .. قلت : 50 ليرة فقط .. جيد ومعي ستون .. هتف فرحاً : بالضبط سعر كيلو لحم خروف .. عند القصاب او كما يسميه السوريون اللحام فوجئنا بارتفاع سعر الكيلو الى 130 ليرة .. توقفنا نفكر بين ان نأخذ نصف كيلو أم نغير رأينا !..

كأي صدمة تواجهني استخف بها ، وقفت اضحك ساخراً مما حلّ بنا ، كان سعيد يتأمل وجبة لحم .. ها نحن عاجزون عن شراء كيلو منه .. قلت بسخرية : يحسبوها علينا مهجراً ويصفونا بالذين يعيشون في الخارج .. يا له من خارج! .. الافظع من هذا هل حقاً وصلت بنا الحال اثنان من البيشمركة لا يستطيعان شراء كيلو لحم! .. في الحال كعادتي في تجاوز الصعوبات حسمت الأمر لتحقيق امنيته قائلاً ..

ـ سعيد .. لن نشتري .. اقل من كيلو لحم لا يكفينا .. لنعد .. هات ما عندك من نقود سأشتري بها بطل عرق ميماس بسعر 55 ليرة مع علبة سكائر .. مع عهدٍ لك أن اجلب لك بدل هذا الكيلو من اللحم الذي لا نستطيع ان نوفر ثمنه الآن عجلا تتغذى به من الغد شهراً كاملا ..

اعتقد سعيد اني اسخر منه .. قال : انت تريد ان تشرب .. خذها .. لا تعدني بشيء تصور اني امزح معه ..

قبيل التاسعة ليلا .. تركتُ مؤقتاً كأس الخمر .. قلت لسعيد سوف اذهب لأجلب ثمن العجل .. سأعود بعد اقل من نصف ساعة ..

حملق بغضب ... نظراته عكست ردٍ تجاوز حدود السخرية من حديثي .. ودار وجهه عني كأني اهزأ به ..

بعد نصف ساعة عدت معي 5000 ليرة سورية وضعتها أمامه استفسر باستخفاف ما هذا .. لمن هذه النقود ؟ .. قلت : سأشتري لك عجلا بدل كيلو اللحم .. هذا ثمن العجل إستدنته من ابو امجد .. لم يصدق .. بقينا نسهر حتى فرغتُ من ما في القنينة .. عند الصباح نهضت لأستحم .. قبيل مغادرتي .. ناديته ان كان يرغب في النهوض ليأتي معي لشراء عجل .. اخذ يتأفف وينتقدني مدعياً اني ازعجه .. لا ادعه يشبع نوماً .. تركته بعد ان احكمت غلق الباب ..

توقفت عند سائق طرطيرة * ... اتفقت معه لأخذي لسوق الغنم والعودة ، حدد أجرته وطلب 75 ليرة .. حال وصولنا اطراف القامشلي على طريق تربة سبي وجدنا المئات من الناس يتجولون في ساحة شاسعة تجمع بين الباعة والمشترين .. توقفت عند رجل يقود عجلاً طلبَ ثمناً له 4500 ليرة .. لم اناقشه بعد ان حسبتها سيبقى معي 325 ليرة من المبلغ .. هذا يكفي لبقية الايام المتبقية من الشهر ..

عدت بالطرطيرة محملة بالعجل .. سعيد يغط في نوم عميق .. عند طرقي للباب نهض مستنكراً تواصل الازعاجات .. قلت له : هيا استلم العجل .. قال : أي عجل أي مسخرة ؟.. ألا يكفي انك تنصب علي من يوم أمس .. سحبته نحو الباب .. هيا انظر .. كانت الطرطيرة المتوقفة حاملة لعجل أصفر اللون .. قال : ما هذا لا اصدق !.. ماذا يحدث ؟.. قلت : وعدك .. العجل امامك .. ما زلت لا تصدق ، بعد ساعات ستأكل من لحمة وأنت لا تصدق .. من حقك ان لا تصدق.

ادخلنا العجل الى الشقة .. مررنا به من صالة الضيوف الى البالكون خلف المطبخ .. هناك تمت بقية فصول الحكاية مع العجل الذي وزع نصف لحمه على الانصار بمن فيهم ابو امجد وعائلته .. ضمنها بذلك نصف الثمن ، وأبقينا في ثلاجتنا كمية منه حارَ بها سعيد الذي لم يكن مصدقاً وعدي له ..

في نهاية الشهر حينما طالب ابو امجد ببقية المبلغ الذي المستدان منه .. قلت له : اقطع من مخصصات كل منا انا وسعيد مبلغ 350 ليرة لحين استكمال بقية المبلغ في الاشهر القادمة ..

في الشهر التالي مع مطلع آذار 1991 توجهنا انا وسعيد الى كردستان عبر معبر الفيشخابور في أول مجموعة انصار للدخول الى الوطن قبيل الانتفاضة .. حينها قرر المشرفون على القامشلي بالاتفاق مع ابو امجد اعفائنا من تسديد بقية المبلغ الذي في ذمتنا .. وبدأ فصل جديد رافقني فيه سعيد في حكايا اخرى اثناء وبعد الانتفاضة ..

ـــــــــــــــــــــــــــ

صباح كنجي

ـ الطرطيرة هيكل عربة نقل صغيرة يركب على الدراجة لتصبح وسيلة نقل شائعة في سوريا

ـ مقتطف من حكايا الأنصار و الجبل

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.