اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• البلم والعبَارة ..

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صباح كنجي

البلم والعبَارة ..

دفعني الطقس الجميل للخروج بعد منتصف النهار للتنزه في حدائق ( الإشتاد بارك) الشهيرة في مدينة هامبورغ .. صادف اليوم الأخير من حزيران عطلة نهاية الاسبوع .. مع الجو البديع وسطوع الشمس يقتنصُ الالمان الفرصة الثمينة فيمضون اوقاتهم في التمتع بالدفء والحرارة .. بعضهم يأتي مصطحباً اطفاله وأصدقائه لتناول وجبة طعامه التي لا تخلو من اللحوم المشوية وأنواع البيرة .. البعض الآخر يستغل المسابح والقنوات المائية للقيام بجولة في زورقه الخاص أو المستأجر .. وهناك من يمارس السباحة والغطس وسط البحيرات المائية المسطحة التي لا يفصل بينها سوى مجموعة خطوط وتأشيرات كأسلاك عائمة بادية للعين يراقبها مختصون جاهزون لتقديم المساعدة والإنقاذ في كل لحظة مهمتهم متابعة حركة السباحين ..

مررت من المدخل الرئيسي .. مشيت بين الاشجار الباسقة المحيطة لملاعب كرة القدم لأكثر من كيلومترين ، قبل أن أصل للساحة الكبيرة التي تمتد على شكل مستطيل أخضر مترامي الأطراف يتوسطه الآلاف من الذين وصلوا قبلي وهم يفترشون الأرض وسط المئات من مناقل الفحم ، التي ترسل رائحة الشواء الى الفضاء الرحب لتختلط برائحة وعبق الورود .. تمتزج بها .. فتنسيك همومك وتشغلك عما يجول في ذهنك ..

مع حركة الاجساد عبر مختلف الالعاب تلتقط عينيك اجمل الوجوه لتمسحها بنظرة سريعة قبل ان تتوقف امام مفاتن جسد عار يستقبل شعاع الشمس .. ها هي الأجساد العارية تمتد في الأرض مفترشة المساحة كأنها لوحات فنية تعرض جمال الكون المسكون في ثنايا المرأة .. المرأة وحدها سيدة هذا الجمال اللامتناهي المبهر .. ما عليك إلا أن تقتنص منه ما ترغب وتود عبر جولة لا تكلفك شيئاً إلا تدقيق النظر والنفس الطرية التي تشتهي عينات من الذي يُعرض امامك على امتداد الافق الرحب في المكان المزدحم المنتج للفرح والبهجة ..

لم أنتبه للوقت ولبقية المشهد .. كنت قد ذبتُ في دجى الأحلام وأنا أجول في أرجاء الموقع متنقلا من ضفة لأخرى في خط دائري يحيط بالبحيرة المائية التي يغطس فيها الآلاف من النساء والرجال والأطفال .. لا بل ثمة كلاب تمارس السباحة والعوم بالقرب من الجرف المحيط بالماء وانكساراته وتعرجاته ..

الذكريات وحدها كانت قد ملأت بطيفها لتطغي على ذاكرتي وتسبح في فضاء امام عيني تحجب الرؤيا .. أية رؤيا في حدود الأفق المنظور .. لتعود بسهامها الى الخلف وتنبش ثنايا شرخ الروح الذي اصابني قبل عقدين من الزمن .. الشرخ الذي يمتدُ بين معبر الفيشخابور في المثلث العراقي التركي السوري وحدائق الأشتاد بارك في مدينة هامبورغ الالمانية .. رغم المسافة الشاسعة بين الموقعين .. رغم البعد .. رغم اختلاف الزمان .. ها انك تربط من خلال روحك بين الموقعين .. تربط بين حدثين .. حدثين مختلفين لا علاقة بينهما .. الأول حزين .. مؤلم .. مرير .. من الماضي .. مجرد ذكرى في حلكة ليل اختفى فيها الضياء وغاب القمر .. والثاني هو لا شيء مجرد مشهد في حديقة عامة يمارس فيها الناس طقوس الفرح والبهجة تحت شعاع الشمس .. وأنت في ذات الوقت مع اختلاف الزمان والمكان في الموقعين.. كيف حدث هذا ؟!..

لا جواب لك .. اعرف ان لا جواب لي .. لا أذكر المدة التي بقيت فيها مشدوهاً وأنا ادقق في ملامح الشاب والشابة اللذان خرجا تواً من جولتهم المائية يصطحبون معهم البلم المطاطي نحو الجرف .. كان الفتى يرفعه بيده ويصعد مبتعداً عن الضفة الى حيث شجرة باسقة مترامية الاطراف اتخذاها موضعاً لبقية حاجياتهم وتمسكنوا في ظلها ..

ما أن وصلوا اليها حتى بدأ الشاب بفك فتحة البلم الذي كان يبحر به قبل دقائق مع صديقته او زوجته الحسناء هذا ليس مهماً ، بدأ الهواء يخرج للجو .. في لحظات تحول البلم الى قطعة شفافة بدأ ببرمها ولفها فأصبحت بحجم حقيبة يدوية متوسطة وزنها لا يتجاوز الستة كيلوغرامات .. في الركن الآخر شاهدت المنفاخ العادي الذي استخدم في نفخ البلم ..

كنت أحدق في المشهد بشيء من الذهول .. عادت بي الذاكرة الى ذلك الليل وتلك الحكاية المؤلمة التي قفزت الى ذهني في اللحظات التي اتجول فيها بين الناس الفرحين .. لا اعرف بالضبط المدة التي وقفت فيها متسمراً ادقق النظر في المشهد الذي استلب روحي وجعلني مغيباً عن الوعي لأعود بالذاكرة الى ليل فيشخابور وتفاصيل الكمين المروع لمفرزة الطريق التي كانت تستقل وسيلة بدائية لعبور دجلة مكونة من اطارات للسيارات تربط ببعض ويستغرق اعدادها ساعات لكي تعبر مجموعة الانصار الى الضفة الثانية وتجتاز الربايا والمواقع العسكرية ..

حينها في ذلك اليوم كان الجيش بالمرصاد لهم .. ترافقت الكارثة بإطلاق النار الشديد نحوهم .. إذ لم ينجو من كان يهمُ بالعبور مستخدماً العبارة البدائية التي استنزفت طاقتهم وشلت قدرة الانصار على المقاومة وجعلتهم طعماً لنيران كمين قاتل إلا واحداً منهم مازالت قصة نجاته لغزاُ لحد اليوم .. رغم ادراكي ومعرفتي لهوية المجرمين من افراد وعناصر الكمين القاتل في ذلك الليل الحزين .. بدأت اشك بوجود علاقة لآخرين يتحملون مسؤولية هذه الجريمة ..

هل تعرفونهم ؟!..

ارجوكم لا تفصحوا عنهم .. فقط أهمسوا سأسمعكم.. ليبقى الأمر سراً بيننا ..

لا تنسوا .. الأعداء بيننا !..

ـــــــــــــــــــــــــ

صباح كنجي


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.