اخر الاخبار:
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مسار الأدب والسياسة في ليلة الهدهد// صباح كنجي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

مسار الأدب والسياسة في ليلة الهدهد

صباح كنجي

14/11/2015

 

ليلة الهدهد.. هي الجزء الأول من ثلاثية وعدَ بها الكاتب إبراهيم أحمد قراءه بانجازها .. تتناول جانباً من الصراعات الاجتماعية المحتدمة في المجتمع العراقي عبر مسارات السياسة وتعرجاتها .. من خلال 127 فصلاً .. تشكل نسيج الرواية على امتداد 650 صفحة.

تسردُ تاريخاً ماضياً للعراق يتوقف في محطاته الكاتب .. ليختار منها مادة روايته التي تستردُ جانباً من تكوين مملكة العراق ونشوء الحزب الشيوعي العراقي الذي أصبحت شعاراته ومنظماته جزء مهماً من حركة جماهيرية تتحكم بالمجتمع و منعطفاته عبر ممثليه الذين يقودون المظاهرات وينحدرون من أوساط شعبية وطبقية متباينة.. يخوضون صراعاً محتدماً مع السلطة بحكم مواجهتهم لعنف الدولة وقسوة الحكومة من جهة.. وصراعاً داخلياً بين أقطابه وكوادره الذين يختلفون في رؤية وقراءة الأحداث التي تواجههم ويتخذون مواقف متباينة ومتناقضة تؤدي بهم مع الأيام للتركيز على الصراعات الداخلية التي تبرز وتنمو لأسباب متباينة لتجعلهم كتلا ومجاميع تترصد بعضها وتتبارى لتعميق الطعن بالآخر وتقبيحه وتسفيهه وتشويه صورته، بصيغ لا تمتد للعلاقات الكفاحية والنضالية التي تجمعهم في بودقة تنظيم وضع نصب أهدافه مهمة خلق البديل الأفضل تجسده جملة شعارات أصبحت عنواناً يحمل مشروع أمل للتغيير يتعرض للتصدع والاختراق بسبب هشاشة من يقود المسيرة التي وضعت الجماهير ثقتها بهم.

 الشخصيات التي استوحتها الرواية من هذا التاريخ تبدأ بأسماء صريحة معروفة للقارئ وتسميات فيها تورية تقترب من شخصيات حقيقية حاول أن يستخف بها الكاتب فألبسها كنية جديدة لا تخلو من مقاصد فيها الكثير من إسقاطات الكاتب نفسه.. الذي تتداخل شخصيته مع الشخصية الرئيسية في العمل الروائي يونس ـ ولن يصعب عليك إلا أنْ تحضر بدلاً منه اسم ثابت حبيب العاني.. الذي تتطابق تفاصيل ما يرويه على سيرته السياسية بالضبط وهو وان كان قد تعرض إلى تهمة التعامل والتعاون مع أجهزة النظام واستبعد من العمل القيادي وتم الحجز عليه وعزله في قلقة اربيل.. إلاَ انه في ذات الوقت.. هو في بقية الصفحات الكاتب إبراهيم احمد الذي يدخل في مسارات ومحطات ثابت حبيب العاني وسيرته الحزبية والفكرية وتحولاته ليديرها كما يرى هو الأحداث من خلال تجربته السياسية في ذات الحزب الذي انسلخ عنه الكاتب وقرر تصفية الحساب مع ماضيه الذي يشكل ثيمة النص الروائي خلف السطور.

هذه التجربة التي تتداخل مع مشاهدات وتطلعات ثابت حبيب وما حلّ به لحد بات فيه الكاتب يتقمص دوره ليعبر عنه في الكثير من صفحات الرواية كراوي يردد صدى مواقف الكاتب بعد أن قرر إخفاء أو إهمال جزء من تاريخه الذي لوحق بسببه من قبل رفاقه في قيادة الحزب وحولوه إلى متهم وخائن يستحق العزل والتشنيع لكنه لا يستسلم لهذا المطب ويقرر فتح جبهة صراع مع من يتحمل هذه المسؤولية ويشحذ همته للتصدي لمن قرر نحره داخل حزبه.. يختار السكرتير الأول للحزب وعضو المكتب السياسي الذي يعاضده من بين القيادة التي ينهال عليهما صفحة بعد أخرى بالمزيد من الضربات القاسية والدامية.

حمه سور  وكمتار بيس ليسوا إلا عزيز محمد وفخري كريم وكناية فخري كريم في الرواية مقصودة ولقبه بالـ  كمتار بيس.. أي الضبع الوسخ في اللغة الكردية و الفارسية.. لم يكن صدفة بقدر ما هو خيار واعي لتوجيه المزيد من الطعنات القاتلة لهذه الشخصية التي كادت أن تشبع الكاتب وشخصية روايته الرئيسية يونس / ثابت حبيب موتاً وقهراً كما يقول المثل العراقي ، والتشبيه الساخر الحامل للتورية المعرفية من خلال تثبيت صفة كمتار بيس في اكثر من صفحة ورد فيها اسمه مع ذكر الأحداث والوقائع التي تتوارى في الرواية .

هكذا الحال بالنسبة لشخصية مكرم الطالباني التي يفرد لها حيزاً كبيراً ونائب الضابط حميد الكادر الحزبي والعميل المندس الذي يغتصب المراسل الحزبي ليلا بعد تخديره ليفرض عليه الخنوع والذل وإجباره على تنفيذ أوامره وما تبتغيه دوائر الأمن التي تستلمُ البريد الحزبي والمعلومات منه .. ما هو إلاّ  شخص العميل المعروف أبو طالب.

بينما احتفظت الأسماء الاخرى بجزء من لقبها الحقيقي كما هو الحال مع المحامي أمين طه الذي هو المحامي خالد عيسى طه .. أما أم جنان فهي بلا شك العميلة النشطة أم عرفان .. والبستاني هو عبد القادر البستاني وسامر عبد الحميد ما هو إلا عامر عبدالله .. وتقي صبري هو عاصم فليح .. آمين الجوال هو حسين الرحال ورقية هي شقيقته أمينة الرحال . بالإضافة إلى رشدي البغدادي وعبد السلام الناصري وراضي سعيد وهوشيار والجواهري وذنون أيوب والملك فيصل الأول والوزير السعدون الذي انتحر والعشرات من الشهداء والأسماء التي يفرد لها حيزاً وفصولا في الرواية لتكشف كل منها جانباً من إرهاصات سياسية في ذلك التاريخ و منعطفاته مروراً بالمفاهيم والشعارات والمبادئ التي تمحورت حولها الاتجاهات المتصارعة وخاضت معارك وانتفاضات ومظاهرات قدمت الكثير من الضحايا/ الشهداء الذين ينهضون من قبورهم في لحظة ساخرة، تبدأ بإلاعلان عن نية الحزب الشيوعي العراقي بفتح مقبرة للشهداء في اربيل يفتتحها السكرتير الجديد حميد مجيد موسى المكلف بقص الشريط .. وما حدث حينها من انتفاضة احتجاج لمجموعة هياكل عظمية.. هي بقايا شهداء الحزب في المقبرة التي قررت بقايا الشهداء فيها احتجازها القادة وتقديمهم للمحاكمة.

هنا تبدأ رحلة إبراهيم احمد المعقدة و الشاقة في الجزء الأول من روايته في ليلة الهدد.. للتمهيد لمجرى الحدث وتأولاته و استذكاراته .. التي تتوالى بين السخرية والمراجعة النقدية وصولاً إلى البحث والتنقيب عن الحقائق الدامية والأسباب التي أدت إلى استشهاد هذه المجاميع الكبيرة من الشهداء لقاء أهداف ملتبسة.. تشكِكُ الرواية بها.. تطعن بعقلانيتها و واقعيتها.. عِبْرَ شخصيتين مهمتين في الرواية هما..

ثابت حبيب العاني القيادي الذي يحمل أراء وأفكار تختلف عن بقية الطاقم القيادي ويتعرض في مجرى الصراع إلى تهم بالتخابر والعمل مع السلطة فيعزل في بيت داخل قلعة اربيل .. لا يتردد عليه إلا القليل من المكلفين بنقل الأخبار إليه .. هذه الشخصية التي تُراجِعْ من خلال تأملاتها ذاكرتها التي تحمل الكثير من المعلومات الدقيقة عن البدايات، والتاريخ الذي وثق وجسد جانباً مهماً من حالة الصراع المتشضي واتجاهاته.

الثاني الروائي ذنون أيوب الذي أصبح قيادياً وعضوا في اللجنة المركزية مع فهد لكنّ قناعاته اصطدمت بأفكار وتوجهات الحزب وقيادة فهد .. فترك التنظيم وتفرغ للأدب و المعرفة .. جعله الكاتب إبراهيم أحمد الراوي الموثوق والشاهد الحي على الأوضاع التي مرت بالشيوعيين آنذاك.. وأدت بهم (فهد ورفاقه الشهداء) رغم تضحياتهم البطولية ودفاعهم عن مبادئهم وحقوق الكادحين وصمودهم بوجه الجلادين والقتلة.. إلى متهمين مطلوبين للمحاكمة ثانية .. أمام محكمة تشكلت من رفات شهداء الحزب وهياكلهم العظمية الذين عادوا للحياة من جديد ، وانتفضوا بوجه حميد مجيد موسى ومن معه وحجزوا عدداً منهم ليبدؤا بالتحقيق معهم، قبل تقديمهم للمحاكمة التي تقترب من بعض حيثياتها الرواية بحذر في بقية الفصول.. 

التي تباينت واختلفت اللغة فيها بين سرد ممتع راقي في صفحات منها، وأسلوب تقريري صحفي لا يرتقي إلى مصاف لغة الرواية في صفحات أخرى.. مع وجود المئات من الأخطاء اللغوية والمطبعية في النص الذي اعتمدته من الطبعة  الالكترونية في موقع مجلة الكلمة.. كان من الضروري تلافيها من قبل الكاتب إبراهيم احمد ومراجعتها قبل الطبع والنشر ..

يبقى الأهم في موضوع الرواية السؤال عن الهدف منها كرواية تناولت الحزب الشيوعي العراقي وتجربته!.. التي كانَ الكاتب جزء منها لسنوات غير قليلة، قبل أن يقرر التوقف عن العمل في صفوف التنظيم ويتحول إلى فاحص وناقد يدقق في تفاصيل التجربة السياسية و يدعو لمراجعة شاملة تشمل الفكر والأهداف والوسائل.. ومعارضاً لمحتوى الفكر المؤدلج.. الذي يتحمل قسطاً من المسؤولية عن النتائج التي وصل إليها المجتمع المفكك .. الذي يعاني من أزمات عميقة وجروح تسبب بها مسار الصراعات الدامية.. التي كان الشيوعيون قطباً من أقطابها..

فكرّسَ الكاتب من خلال روايته هجومه اللاذع عليهم .. انتقد وسخر من تاريخهم بأسلوب تجاوز لغة الأدب الروائي إلى الاستهزاء والتشفي مما يجعلنا نتوقف لنتساءل.. ماذا أراد أن يقول الكاتب إبراهيم أحمد في روايته.. ليلة الهدهد هذه! ..

هل تمكن من استخلاص الدروس و العبر؟ ونقلنا إلى استكشاف معرفي يزيد من إدراكنا للتاريخ وأخطائه ويساعدنا على تجاوز الحال التي بتنا فيها ؟..

أم انه من خلال روايته أوقع  نفسه مع قراءه في دهاليز العتمة التي لا ينتشر فيها إلا الظلام المعيق للبصر؟ ..

هَلْ حقا إن أخطاء الشيوعيين وحدهم هي المسبب في كل هذا الخراب ؟!!..

أم إن الاستبداد والقمع في دولة العشيرة والإقطاع ومن بعدها الدكتاتورية البعثية التي سحقت ومحقت مفهوم المواطنة وسلمت البلد إلى الجيوش التي دخلت بغداد واستحوذت على الوطن دون قتال .. كما كان يزعق ليل نهار الإعلام المبتذل ويعلن أنهم سيواجهون الغزاة بجيوش جرارة لكنهم تخاذلوا واختفوا في لمحة بصر أمام ثلاثة دبابات وقفت في قلب بغداد معلنة أفول دولة العروبة وزوال النظام البعثي المنهار.

أمام هذا التاريخ المكشوف للداني والقاصي تستوقفك فصول الرواية ومحتواها في مراجعة غير موفقة بالتركيز على أخطاء الشيوعيين والصراعات الجانبية والشخصية بينهم كأنها هي الأساس .

هذه الصراعات التي تضخمها الرواية وتجعلها المحور الرئيسي المشكل للتاريخ الدامي الذي يبدأ بالصراعات بين الشيوعيين المتآمرين على بعضهم ويصبحون عملاء تارة لموسكو وتارة لأجهزة السلطة القمعية فلا يستحقون لقب الوطنيين.

هكذا الحال بالنسبة للجواهري الشاعر الذي يطعن في أصوله ويجعل منه مجرد داعية دموية يمارس من خلال شعره الذي يستعذب العنف والدم مشاركاً وداعية لنشر الموت.. يبتذل القول ولا يرتقي فيما يكتبه إلى مصافي الشعراء.. كأن في هذا الربط بين استهداف الجواهري والحزب الشيوعي والطعن في وطنيتهم قد خلا الجو وصفا لمن؟؟ .. لرؤية جديدة! .

هي رؤية وطنية لا يمكن التشكيك بها وتستحق الثناء ، الملك الذي لم يمت بحادث اصطدام بل قتل من قبل الانكليز لأنه كان يحمل مشروعاً وطنيا حقيقياً بالرغم من انه جاء بإرادة المستعمرين ووضع حاكماً على العراق.. والثاني عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء الذي انتحر وسبب انتحاره الضغط الذي مورس عليه من قبل الاستعمار من جهة والشعب العراقي الذي يحركه الشيوعيون في انتفاضاتهم واحتجاجاتهم ومظاهراتهم الذين يطالبون بالمعجزات .. فلم يجد وسيلة لتثبيت وطنيته إلا الإنتحار .. انتحاره هو الدليل على وطنيته كما تؤكد الرواية. بالتالي فأن الشيوعيين والجماهير الغاضبة المطالبة بحقوقها من يتحمل مسؤولية انتحار هذه الشخصية الوطنية التي خسرها الوطن !!

بينما الشهداء الشيوعيين ما هم إلا ضحايا الأفكار المستوردة، أغبياء يدافعون عن أوهام و أباطيل!! يقودهم سماسرة و نصابين! .. هم سذج  لا يستحقون إلا السخرية و الهزء!! تسببوا في خلق المتاعب للناس وأوهموهم بشعارات وأكاذيب ساهمت في تعطيل مسيرة البلد وعاقت تقدمه..

 

بين هذه النماذج التي احتوتها الرواية يستوقفك الكاتب بين الحين والآخر في فصول روايته ليصدمك بحالة التحول التي مر بها الكاتب نفسه، بتجاربه المتناقضة.. مسارات حياته.. تعرجاتها الفكرية والسياسية ، إذ شهد سقوط بغداد وساهم بنشاط وفاعلية في اعقابها وكان له حضور سياسي وثقافي فاعل في المجتمع الذي استحوذت عليه  قوى جديدة لم تعد ترى في هذا الوطن إلا شريحة واحدة لها الحق في التفكير والتملك والاستحواذ على الدولة..  هذه الشريحة التي تتوارث العنف وإمتلكت القدرة على سفك الدماء منذ أن تشكلت الدولة العراقية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وأصبحت حكراً على ذات النموذج الذي تناسل القمع والاستبداد من مرحلة ما قبل الميلاد لغاية سقوط بغداد.

في ليلة الهدهد، سقط من جديد المناضلون و الضحايا، سال الدم من الشهداء تكسرت عظامهم، وبقي الجلادون المستبدون يرفعون راية الوطن المستباح فاختلط علينا الحابل بالنابل كما يقول المثل.

إلا ّأننا من حسن حضنا بتنا نملك عيونا وإحساساً بالرؤيا نستطيع استخدامها للتفريق بين ما أخفته الأسطر التي حاولت تمويهنا وتهويمنا في خديعة استبدلت مسارات السياسة.. تعرجاتها.. ألاعيبها.. خداعها.. للتغلغل في طيات رواية ليلة الهدهد على امتداد صفحاتها الطويلة التي كان بالإمكان اختصارها واختزالها ..

سننتظر لكي نستكمل الرؤيا .. بقية أجزاء الثلاثية الموعودة .. لكي نفصح المزيد من الرأي عنها. لكن قبل أن نختمُ نعيد بكم إلى ما كتبه إبراهيم أحمد .. بعنوان ( إنهاء ثقافة العنف.. أم إعادة إنتاجها؟) ناقداً ومحتجاً على ما وردَ في كتاب سلام عبود (ثقافة العنف في العراق) .. منشورات الجمل 2002 ..

كثيراً ما تحدثت أدبيات .. أن العنف و الطغيان والقسوة هي مزاج عراقي.. لم ينحصر في قصور الحكام .. وسجونهم المليئة بالسيافين والكلاب المفترسة بل .. في قصائد الشعراء .. والأساطير، وإن هؤلاء استمدوه من طبيعة الشخصية العراقية .. إلا أن إلصاق هذا النزف الروحي  المدمر بنفسية الإنسان العراقي عموماً كانت تقف خلفه غالباً القوى الحاكمة أو الغازية التي تريد أن تحصل على مبرر لطغيانها واستبدادها وأساليبها الوحشية في التعامل مع الناس المحرومين من حقهم في المعارضة أو حتى التعبير عما في نفوسهم من خلجات مشروعة!... على مر التاريخ العراقي كان هناك دوماً أمل مشروع في توقف عنف السلطة ليسود السلام بين الناس.. لا وطن يشيد بالجماجم والدم! وكان الذي يحدث للأسف أن سلطة تطيح بأخرى، وسيف يطيح بسف، وموجة دم تزيح أخرى ويبقي الهواء مشبعاً برائحة الموت والخوف..!

وقد انعكس عنف السلطة وطغيانها في الثقافة العراقية بشكل عنيف، !وظل المثقفون العراقيون .. يتوقفون باحثين في حالة تمزيق السلطة لثقافتهم وتدميرها ( بصفتها الحصن الأخير بعد تدمير الإنسان نفسه مع أرضه .. أن تجديد ثقافتنا .. لا يتحقق فقط بإزاحة النظام.. وتصفية مؤسساته القمعية الفكرية .. بل بالتأسيس لمفاهيم جديدة .. وكان يمكن لكتاب سلام .. أن يكون محاولة مفيدة.. لو أنه اعتمد.. تحليل ونقد ومراجعة غير تلك التي أنتجت ثقافة العنف .. أن مسار الثقافة والحضارة العراقية .. كثيراً ما عبر على أخاديد وخنادق كانت في يوم ما مجار للدماء والأحزان! وسيظل يخب بين الأعاصير والحرائق باتجاه حياة جديدة ..، لكن حمل نبل الهدف أمر رائع ويستحق العناء! ..

لكن كتاب سلام عبود يضعها أمامنا للأسف مشوهة وممسوخة تماماً، حتى ليجد المرء أن من الأفضل إهمال هذه الصفحات الكثيرة التي سودها بمزاج متوتر مأزوم سيئ القصد .. هو غير مزاج الإبداع على أي حال

.. يمضي في موضع آخر ليفضل رجال السلطة وجرأتهم على المثقفين  المضطهدين .. و.. يساوي بين المثقف ورجل السلطة، مما لا يجعل من الممكن مجاراته في  ضغينته وتحامله على شعراء وكتاب هم مهما اختلفنا معهم لا ينبغي محاكمتهم أو محاورتهم بمعزل عن ظروفهم القاسية القاهرة، متوخين الموضوعية والعدالة والابتعاد عن الضغائن والأحقاد !

لكن الناقد .. يزج  الكتاب والشعراء في قالبه النقدي الضيق الجامد.. ولذته الكبرى أن يهرس رؤوسهم  .. يعيب على الحزب الشيوعي تحجره الأيدلوجي .. لكنه يمضى لاهثاً على مدى 300 صفحة محاكما المبدعين والفنانين بمفاهيم جدانوفية وأيدلوجية ضيقة تذكر بقيم ستالين الرهيبة التي تحاول عبثاً أن تأخذ شرعيتها من بشاعة قيم هتلر !..

ماذا يريد هذا النمط من البحث في ثقافة العنف غير إنتاج عنف آخر يريد من خلاله تشويه سمعة كاتب معارض من إنه كان متواطئاً مع السلطة ضد حزبه آنذاك؟ أي ضمير هذا الذي يتحمل إطلاق هكذا أحكام ثقيلة على زملاء له يتحملون آلام المنافي لربع قرن فقط لكي لا يهادنوا سلطة جائرة!

.. من يقرأ الكتاب.. لا يجد على صفحاته سوى محرقة يلقي فيها عبود الأسماء المبدعة .. لقد قدم  للأسف هولوكوست كلامي معتقداً أنه ينجز شيئاً ثقافياً  ..

.. إن تمرير هكذا خطاب وإشاعته هو ليس فقط إشاعة لثقافة العنف، بل تأسيس لها من جديد على أسس مغايرة أكثر خطورة !

 إن الكتب التي لا تريد أن تبحث عن العبر والدروس المفيدة من الماضي وتحاول تثبيت الأحقاد والضغائن، ووشم الكتاب وجدع آذانهم ووشم جباههم هي كتب عنف، لا كتب مضادة للعنف !..

 و الواقع إن المرء يخضع لعملية تعذيب حين يجد نفسه مجبراً على قراءة هكذا كتاب حيث يجد بين كلمة وأخرى كلمة ضالة جامحة لوخز الضمير، ترى ما الذي دفع سلام عبود لكتابة هذه الصفحات المريرة ؟ أهو إحباط خاص و يأس..

  نتساءل..

إلا ترى انك قد أعدت ما انتقدت به سلام عبود وكررته بعد أن استبدلت كلمة المبدع والمثقف بالسياسي من خلال تركيزك النار على الشخصيات الشيوعية في ليلة الهدد وحملتهم كامل المسؤولية عن ذنوب وجرائم أحاطت بهم وأدنت سلوكهم وسخفت أفكارهم وجعلتهم عملاء واستهزأت بتضحياتهم مستغلا أخطائهم للضغط على جراحهم وعصرها بغية إدامة المزيد من نزيف الدم .. الم تكرر ما نهيت سلام عنه؟!! ..

ألاّ ينطبق نقدك القاسي له على روايتك وأنت تحاول عبثاً الجمع بين مسارات السياسة والإبداع في ليلية الهدد ؟!!..

ـــــــــــــــــــ

ـ اعتمدت في قراءة الرواية على النص الموجود في موقع مجلة الكلمة

ـ يمكن العودة لمقال إبراهيم احمد عن كتاب سلام عبود ثقافة العنف في العراق من خلال البحث في الكوكل

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.