اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قاب قوسين أو أدنى من حافة الموت ..!// أمير أمين

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

قاب قوسين أو أدنى من حافة الموت ..!

أمير أمين

 

لم يمضي على خدمتي العسكرية أكثر من ستة شهور حتى وصلت معلومات أمن محافظتنا الى وحدتي العسكرية ومعها ملف عن العائلة وإنتمائها السياسي للحزب الشيوعي العراقي...كنت حينها أتدرب على ناقلة ب م ب 1 الروسية في صنف الدروع حيث تم إختياري كرامي فيها بالإضافة لوجود السائق والمخابر وعدد من المشاة المرافقين لها في رحلات قتالية في معسكر منصورية الجبل بمحافظة ديالى كانت الدورة في أواخر ايامها وكنّا متحلقين برئيس العرفاء جبار وهو من أهالي مدينة الناصرية كان يشرح لنا أهمية الناقلة ويؤكد على فاعليتها القتالية ويعيد على مسامعنا تفصيلات تخص أجزاء جسمها الداخلي وما تحتويه وخاصة عدد من صواريخ مالوتكا التي حالما تنطلق نقوم بتوجيهها عبر جهاز صغير نتحكم فيه بأيدينا بدقة متناهية من خلال شبكة أمام أبصارنا لرؤية طيرانه بعد بضعة أمتار ونقوم بتسييره لضرب الهدف... الخ, قطع مواصلتي لسماع بقية حديث مسؤول الدورة رئيس العرفاء جبار, أحد الجنود العاملين بما يسمى حضيرة الأمن وهو أيضاً كان جندي مكلف طالباً من رئيس العرفاء الإذن بإصطحابي معه الى ضابط أستخبارات الكتيبة لغرض ما..! وكان يسمى بضابط التوجيه السياسي .بدأت علامات الامتعاظ على وجه رئيس العرفاء وأعتقد انه عرف الغرض من إستدعائي لكنه قال.. فلان روح معه..! عند غرفة الضابط وهو برتبة نقيب سبقني اليها هذا الجندي بعد أن قام بتأدية التحية بقوة قائلاً له.. سيدي هذا هو فلان الذي طلبته..! دخلت بعده مباشرة وصرت أمام الضابط وأديت له التحية قالاً.. نعم سيدي. أمر الجندي بالانصراف وكان يلوح بملف في يده قائلا لي وبتركيز في كلماته.. هذا هو ملف عائلتكم.. أنكم جميعاً شيوعيين وكذلك أنت حسب ما مذكور هنا..! ثم واصل كلامه أن هذا الملف مكتوب فيه كل شيء وبه معلومات واضحة لا يستطيع أحد إنكارها.. كان الضابط منتشياً وكأنه قد قبض على مجرم أو على عميل خطر يعمل لحساب إسرائيل وليس على شاب شيوعي ينتمي لحزب وطني عريق ومشهود له بالوطنية والإخلاص للشعب.. لم أتكلم بشيء وكنت أنتظر أسئلته المتوقعة بينما كان الإعدام بحقي قد حسبت له الف حساب وطلبت من نفسي الصمود وعدم الانهيار وتحمل تبعات ما كتب بالملف عني وعن عائلتي.. كان ذلك في الأيام الأولى من شهر نيسان عام 1978 وكانت الحكومة العراقية تبحث عن الشيوعيين في الجيش لغرض تخييرهم بين الإعدام أو تقديم البراءة من حزبهم والانخراط في حزب البعث للتمهيد بحل الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين لاحقاً لكني لم أكن أعرف أنهم ينوون القيام بذلك بل كنت أتوقع تنظيف الجيش من الشيوعيين فقط وبأية وسيلة بما فيها الإعدام وحينها كانت الجبهة لا زالت موجودة والحزب الشيوعي العراقي لم يكن قد تم ضربه وتصفيته بعد. كان السؤال الأول من قبل النقيب غازي.. هل أنت فعلاً شيوعي كما هو مثبت هنا.. قلت له نعم..! قال هل تعلم بأن الشيوعيين يتم إعدامهم في الجيش لأن المؤسسة العسكرية لا تقبل أي إنتماء سوى للحزب والثورة.. قلت له اعرف ذلك وواصلت كلامي بهدوء ومسؤولية.. سيدي حينما تم توقيع ميثاق الجبهة بين الرئيس البكر وعزيز محمد رئيس الحزب الشيوعي جرى التطرق لهذه النقطة وتم الاتفاق على تجميد الشيوعيين المكلفين لعملهم الحزبي لحظة دخولهم للجيش وأنا ملتزم بذلك..! تفاجأ النقيب غازي من هذا الكلام وكأي بعثي لم يعرف بماذا يسألني وخلال هذا الكلام والشروحات عن الاتفاقيات بين قيادة الحزب الشيوعي مع البعثيين دخل أحد الضباط وهو برتبة رائد وسمع جزءً من الحديث فقام بتنبيهي لخطورة كلامي عن الجبهة والاتفاقيات المبرمة ووضع عصاه على رأسي وبضربات خفيفة جداً قال لي دير بالك إنهم والله سيعدموك! وكان هو لا يتمنى ذلك, أكدت له بأن الإعدام يتم بوجود نشاط حزبي داخل الجيش ونحن قمنا بتجميد أنفسنا لحين إنتهاء فترة الخدمة الاجبارية ثم أضفت له عن وجود الوف الخريجين الشيوعيين يؤدون الخدمة الإلزامية فهل سيتم إعدامهم.. نظر النقيب الى الرائد وقال له أريد ان أستكمل أسألتي الأخرى معه وكان النقيب هو المسؤول الحزبي الأول في الكتيبة وهو أيضاً مسؤول الرائد الذي إنصرف مودعاً النقيب الذي بقيت معه داخل الغرفة التي خلت من وجود أي إنسان آخر وفي هذه اللحظة كنت أفكر بسهولة الإعدام قياساً للصعوبة البالغة لتقديم صك البراءة له وإستندت الى حججي المنطقية في إجاباتي عن أسئلته التي كانت ربما قد مهد لها ولجميع من يلتقيهم بحيث أنه سألني.. ألا تعجبك الثورة والحزب...! ويقصد حزب البعث, لماذا لم تنتمي اليه بالوقت الذي صرت وعائلتك كلكم شيوعيين.. ثم واصل كلامه وأنا صامت هل لديك معرفة بأهداف الحزب.. وأضاف ان حزب البعث يريد بناء الاشتراكية وأنتم تريدون بناء الاشتراكية والفرق البعث يبنيها إشتراكية عربية وأنتم إشتراكية روسية..! قلت له بناء الاشتراكية هدف سيتم تحقيقه بجهود الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين.. قال لي إذن إنتمي للحزب إذا أنت غير حاقد عليه وتحبه..! وهنا قلت له لا يمكن الجمع بين عضويتين فأنت لاحظت بالملف إنتمائي السابق حينما كنت مدنياً للحزب الشيوعي فكيف أصبح الآن بعثياً وهنا تغيرت سحنات وجهه ولكنه حاول الهدوء قائلاً.. فلان هذا الكلام يثبت أنك الآن شيوعي. فقلت له فوراً وانا الآن حسب إتفاق الجبهة مجمد كل نشاطاتي السياسية ولن أتفوه بكلمة واحدة تخص الحزب الشيوعي طالما أنا لا زلت بالخدمة!! كان ينظر لي أحياناً بشفقة لو أنه وضعني بخانة الإعدام وهو يستطيع ذلك بسهولة وأحياناً أخرى كان يتفاعل مع كلامي وأنا شاب صغير السن لكني متمسك بمباديء حزبي وأحترم إتفاقياتنا, فيبتسم لي ويتعجب من عدم خوفي منه وكأنه أخي الأكبر أتجاوب مع أسئلته باعصاب هادئة وإجابات مختصرة يراها هو معقولة بعض الشيء.. نظر الى وجهي برهة ثم قال... شوف انا راح أسألك آخر سؤال ثم تنصرف إذا أنهيت الخدمة العسكرية فهل تعود لمزاولة عملك في تنظيمات الحزب الشيوعي.؟ فقلت له حالاً.. طبعاً سأواصل عملي في محافظتي مثلما كنت أما هنا وفي أية وحدة عسكرية فسوف لن تبدر مني أية حركة تخص الجانب السياسي وهذا ما ستراه وسيراه كل من يتواجد معي في الدورة العسكرية او داخل الكتيبة فأنا أحترم الاتفاق وهذه مسألة ملتزم بها على طول!.. فقال لي تفضل أخرج.. ثم اردف كلامه بأن الثورة تحميكم وترعاكم فلا تسيئون لها.. أديت له التحية العسكرية وعدت الى جماعتي لكني وجدتهم قد أنهوا الحصة ولديهم فترة استراحة وكانوا يتناولون البرتقال.. ولم يكلمني أحد ويبدوا أن الجميع كانوا يعرفون التحقيق لأسباب سياسية وفي اليوم الثاني تم فصلي من الدورة التي أحببتها وكم تمنيت أن انهيها وأن أبقى مع أصدقائي الجنود المكلفون وكانوا من مدن الجنوب في الغالب ومنطقة بغداد والفرات الأوسط وجرى نقلي مؤقتاً الى منطقة تسمى الصدور مع إثنين من الشيوعيين ثم نقلت الى جلولاء.. وأود الإشارة هنا الى انه بعد لقائي مع النقيب ضابط التوجيه السياسي بحوالي أربعين يوماً وفي 17 و 18 أيار تم تنفيذ حكم الإعدام بحق عدد من الجنود المكلفين ومن المنتمين لسلك الشرطة بذرائع واهية للضغط على الحزب الشيوعي واتهامه بالعمل لقلب نظام الحكم من خلال انقلاب عسكري مزعوم والبعثيين قبل غيرهم يدركون بتفاهة هذه التهم المفبركة لازهاق أرواح الناس الأبرياء عاملين بعجالة بتقريب يوم الخلاص من الجبهة ومن الشيوعيين الذين اعتبروها الحلقة المركزية في نضالهم الوطني تلك الفترة بينما استقوى البعثيين من خلالها بالكتلة الاشتراكية ودعمها لنظامهم وبتماسك الجبهة الداخلية التي أصبحت الضامن لديمومة نضامهم ونفاذ حاجتهم للشيوعيين فيما بعد فقاموا باختلاق الحجج السخيفة ووضع حد للاتفاق مع الشيوعيين وهدر دمائهم وهذا ما حصل بعد اشهر قليلة من اعدام هذه الكوكبة الشابة من الرفاق والأصدقاء وجرى الانهيار للبنيان أواخر عام 1978 واوائل عام 1979 والاعوام التالية . ودخلت البلاد والعباد في فترة حالكة وشديدة القسوة والمرارة. ملاحظة.. في عام 1984 كنت في مدينة القامشلي السورية في احد البيوت أشاهد التلفزيون العراقي وفجأت أعلن عن توزيع ما يسمى أنواط الشجاعة لعدد من ضباط الجيش وكان احد القادة يصيح إسم الضابط فيتقدم أمام صدام حسين ليضع هذا النوط على صدره بعد أن يحييه ويشيد بشجاعته في الحرب ضد إيران.. وإذا بالقائد يصرخ باسم مقدم الدروع غازي فلان.. صرخت.. أعرفه..! وتقدم بلحمه وشحمه أمام صدام ووضع على صدره نوط الشجاعة وهو الذي حقق معي قبل حوالي ستة سنوات وكان برتبة نقيب وأنقذ حياتي وبشكل أكيد ولم يرسلني مع الذين كان مخطط لإعدامهم وإكتفى بطردي من الدورة ونقلي بعيداً عنه. بعد أن كنت مشروع معدوم كالآخرين الذين تم تنفيذ الحكم الجائر بحقهم للأسف....

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.