اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• نحن واليونسكو ..

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 محمد السهلي

مقالات اخرى للكاتب

نحن واليونسكو ..

 

تأكد الفلسطينيون أن «بعبع» التهديدات الأميركية والإسرائيلية يكون أكثر رهبة عندما يختزل العمل الوطني بمفاوض حائر ومتردد

قال نتنياهو إن العطاءات الاستيطانية التي أقرت مؤخرا في القدس إنما تأتي في سياق تطبيق الرؤية الإسرائيلية تجاه هذه المدينة، على اعتبار أنها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، ونفى بأن تكون هذه العطاءات في سياق معاقبة الفلسطينيين الذين «تجرأوا» على مواصلة الانفتاح على المجتمع الدولي ونجحوا في الحصول على عضوية دولة فلسطين الكاملة في «اليونسكو».

القسم الأول من حديث نتنياهو صحيح تماما فيما يتعلق بمدينة القدس، ولكن بما يخص العقوبات نتساءل فيما إذا كان هناك عقاب يمكن أن يلحق الأذى بالفلسطينيين وقضيتهم مثلما يفعل الاستيطان الذي كان، ولا يزال، الآلية العملية التي نفذ من خلالها المشروع الصهيوني وأدى إلى تشريد الشعب الفلسطيني وسرقة بلاده وممتلكاته؟

ومع ذلك، لم يستطع أي من أركان الحكومة الإسرائيلية و«معارضيها» إخفاء «صدمته» من قرار قبول دولة فلسطين عضوا كاملا في اليونسكو، وهو ما زاد من نكهة فرحة الفلسطينيين واحتفالاتهم بهذا الحدث بعد سنوات عجاف لم يشهدوا فيها إلا «الزهو» الإسرائيلي على أنقاض خيبات الفلسطينيين ومآسيهم.

لا يمكن أن نفصل بين نجاح الفلسطينيين في اليونسكو عن السياسة التي أسست لهذا الإنجاز وانطلق بمقتضاها المسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

كما لا يمكن أن نفصل هذه السياسة عن الاستخلاص الذي تم التوصل إليه أخيرا ـ وبعد تأخير ـ حول عبثية المفاوضات التي استغرقت من الوقت الفلسطيني الحرج أكثر من عشرين عاماً وفق أسس وقواعد جزأت القضية الفلسطينية وألحقت الأذى بالمشروع الوطني التحرري وأطلقت يد الاستيطان الإسرائيلي في أنحاء الضفة الفلسطينية وخاصة في القدس.

وقبل «إنجاز اليونسكو»، تأكد الفلسطينيون بجوارحهم وعقولهم من صحة توجههم نحو المجتمع الدولي من خلال الترحيب الدولي الواسع الذي قوبل فيه الخطاب السياسي الذي قدم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي والذي عكس الرؤية الفلسطينية الموحدة التي بلورتها الهيئات الائتلافية في منظمة التحرير، وتم فيه تعرية السياسات التوسعية الإسرائيلية وأثبت استحالة التوصل إلى سلام شامل ومتوازن للصراع في ظل إصرار تل أبيب على هذه السياسة، وبين استحالة قيام مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بدون أسس تضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية ومن بينها قيام دولة مستقلة نظيفة من الاستيطان وعاصمتها القدس.

كما تأكد الفلسطينيون في سياق هذا كله أن «بعبع» العقوبات الأميركية والتهديدات الإسرائيلية يكون أكثر رهبة عندما يختزل الجهد الوطني الفلسطيني بمفاوض حائر ومتردّد تحت الضغط ويقف في زاوية حلبة تفاوض عاريا من كل أسلحته في مواجهة خصم مدجج بكل عناصر التفوق، التي تزداد فتكا، مع إقصاء المجتمع الدولي عن رقابة المفاوضات وإعطاء الرقابة الحصرية عليها لطرف أثبت دائما عدم صلاحيته كوسيط نزيه.

ومع التقدم في رحلة الانعتاق من الأسر الأميركي ـ الإسرائيلي، ازدادت قدرة الفلسطينيين على قراءة الواقع المحيط بهم ـ وإن مازالوا مقصرين بما يخصهم ـ وعرفوا أن سيل العقوبات التي يشهر سيفها عليهم لن يصيبهم وحدهم بل سيكون لتل أبيب وواشنطن ذاتها نصيب لا ترغب أي منهما في تلقيه كاستحقاقات على الأرض في حال أوغلوا في تنفيذ هذه التهديدات.

وفي المعارك السياسية الكبرى التي تدور في الميادين الرحبة، تجري تفاعلات لا تحدث في الغرف المغلقة التي تم إدمان الإقامة فيها سنوات طويلة، وهي تفاعلات تنتجها رحلة السعي الدؤوب على جبهة النشاط السياسي والدبلوماسي تجاه أطراف المجتمع الدولي بكافة مكوناته وتكتلاته الإقليمية والدولية، ويفرض هذا السعي على الخصوم أيضا توزيع ضغوطهم على إطار أوسع تشمل جبهة المواقف الدولية، مما يخفف من تركيز الضغط على الجانب الفلسطيني الذي اختزل في مراحل عدة بفريق مفاوض لا «يمون» على حالة شعبية أو سياسية يمكن أن تشكل ضغطا مساندا بعكس ما نشهده الآن في الحالة الفلسطينية.

والأهم من كل ما سبق، يكشف النشاط السياسي والدبلوماسي الدؤوب والوصول بالجهد الفلسطيني إلى مآلاته المرسومة حقيقة مواقف الأطراف المختلفة على الأرض بعيدا عن التصريحات والمواقف اللفظية التي يسهل إعلانها في إطار «جبر» الخواطر واللعب على التناقضات وتمرير المناورات، ولنا في باراك أوباما مثالا ينبغي ألا يتكرر.

ورسمت عملية التصويت على عضوية دولة فلسطين في اليونسكو دائرة مواقف ينبغي دراستها من قبل القائمين على العمل الوطني الفلسطيني وخاصة في منظمة التحرير ومؤسساتها ذات الصلة، وينبغي أولا عدم الاسترخاء عند وقوف 107 دول معنا بشكل تام في مواجهة الضغوط الأميركية، فالعلاقات معها يجب أن تكون بذات المثابرة قبل التصويت على العضوية، وفي هذا المجال ينبغي أن ننظر باهتمام إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي شملتها هذه المواقف.

وامتناع 52 دولة عن التصويت ينبغي ـ برأينا ـ أن يُقرأ بهدوء وبتفصيل وأن لا يؤخذ بالجملة من حيث المبدأ، حيث لا نعتقد أن جميع هذه الدول تقف على عتبة واحدة وإن اجتمعت على وجهة التصويت، ويسجل لهذه الدول أولا أنها لم تأخذ بالضغط الأميركي بشكل كامل، وهذا برأينا هو النصف الملآن من الكوب كما يقولون. ومن المهم هنا دراسة هذا الموقف المتردد من موقع بحث السبل من أجل تطويره منطلقين جميعاً من أننا ندافع عن قضية ذات منشأ دولي بالأساس ويجب أن يساعد هذا المنشأ بكافة مكوناته على إيجاد حل ينصف الشعب الفلسطيني بتأمين حقوقه الوطنية.

وتتزعم الولايات المتحدة كتلة صغيرة من المواقف (14 دولة) صوتت ضد عضوية دولة فلسطين باليونسكو. ويمكن التعامل معها على مسربين متوازيين، الأساسي هو مواصلة الجهود والنشاط السياسي والدبلوماسي والتحركات الشعبية الفلسطينية والعربية والصديقة من أجل توثيق التضامن والدعم المتبادل مع الدول والأطراف التي وقفت مع دولة فلسطين، ومعهم جميعا ومن خلال التحركات ذاتها من أجل التأثير على المواقف المترددة، وأيضاً من أجل التأثير على الكتلة التي تتزعمها واشنطن وإشعارها قدر المستطاع، بأنها «تغرّد» خارج سرب المجتمع الدولي بغالبيته.

إذا كنا قد تحدثنا عما يمكن أن نقوم به تجاه خريطة المواقف، الدولية والإقليمية المعلنة فإن هذا كله يدخل في باب مواصلة الجهد الوطني لإنجاح المسعى الفلسطيني، ونعتقد بأن محطة اليونسكو كانت مشجعة وتدعو للتفاؤل الواقعي.

وإذا كنا أيضا قد تحدثنا عن تحسن في مستوى قراءة الجانب الفلسطيني للواقع المحيط، فينبغي أن نسلط الضوء على «ضعف نظر» وإرادة سياسية فيما يخص الوضع الفلسطيني الداخلي، فلا يمكن برأينا أن ننجح تماما في انفتاحنا على المجتمع الدولي في ظل هذا الانغلاق الذي يمارس في إطار العلاقات الوطنية الداخلية، حيث لا يزال الانقسام ما ثلا في واقع الفلسطينيين ولم يعد للحديث عن «اتفاق المصالحة» ذلك التأثير الذي أعقب عند توقيعه.

العالم من حولنا يتغير وبسرعة، وقدرتنا على مراكمة الإنجاز تحتاج إلى مواصلة سعينا نحو المجتمع الدولي.. ولكن النجاح التام في ذلك لا يمكن أن يتوج إلا بالعبور من تحت قوس الوحدة الوطنية الناجزة ... ليس إلا.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.