اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• من موسكو..إلى رام الله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

مقالات اخرى للكاتب

      من موسكو..إلى رام الله

 

لا تشبه زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف للأراضي الفلسطينية المحتلة غيرها من الزيارات التي تشهدها رام الله التي كانت محطة قائمة بحد ذاتها ولم تشكل «ترانزيت» سياسي كما هو الحال في الزيارات المكوكية الأميركية وغيرها التي اشتغلت على خط تل أبيب ـ رام الله وبالعكس في سياق البحث عن مخرج التفافي للتسوية السياسية المأزومة.

دلالات سياسية هامة حملتها الزيارة وما جرى خلالها من تجديد الاعتراف الروسي باستقلال الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية وخاصة أن هذا التجديد أعلن من فوق أراض محتلة ينهشها الاستيطان وحملات التهويد وفي ظل التصريحات الإسرائيلية المتكررة التي تشدد على أن القدس ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل.

وكان من الطبيعي أن تعبر الأوساط السياسية والحزبية الصهيونية في إسرائيل عن عدم ارتياحها لهذه الزيارة وما أعلن خلالها من تصريحات داعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية.

تأتي هذه الزيارة في سياق انسداد أفق التسوية السياسية بسبب الإصرار الأميركي ـ الإسرائيلي على إطلاق المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خارج أية أسس تتعلق بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، كما تأتي في سياق الضغوط المتواصلة من أجل «اقناع» الجانب الفلسطيني بالعودة إلى سكة المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود للأسباب التي ذكرناها.

وربما تفتح هذه الزيارة على إعادة الحديث عن أهمية الدور الروسي المطلوب في المنطقة عموما وعلى الصعيد الفلسطيني على نحو خاص، فروسيا تتمتع بعلاقات تاريخية عميقة مع معظم دول المنطقة. ولا يعني انهيار الاتحاد السوفييتي أن جذور المصالح المتبادلة قد اقتلعت، فنحن نتحدث عن دولة عظمى لا تزال تمتلك فضاء واسعا من المصالح والاهتمامات تمتد إلى معظم مناطق العالم.

ومع أن الدور الروسي قد تراجع كثيرا في المنطقة في عقد التسعينيات جراء ما عانته تلك البلاد من انهيارات اقتصادية طاولت مكانتها الكبرى عندما كانت في إطار الاتحاد السوفييتي، إلا أن عملية تلمس الذات التي انطلقت على أبواب القرن الحادي والعشرين بدأت تعطي ثمارها في إنعاش الدور السياسي الروسي على المستويين الإقليمي والدولي. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا الدور استطاع إلى الآن على الأقل تجاوز حالة الاستفراد الأميركي التي تنعمت بها واشنطن منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، وقد انعكس ذلك بشكل سلبي على قضايا مختلفة في العالم ومن بينها بالتأكيد القضية الفلسطينية التي كانت تجد بالاتحاد السوفييتي نصيرا مبدئيا.

ومنذ سنوات ترتفع المطالبات بتعزيز الدور الروسي في ملف الصراع الفلسطيني / العربي  ـ الإسرائيلي من زاوية فك الاحتكار الحصري الذي تمارسه واشنطن. ومع تشكيل اللجنة الرباعية الدولية بشأن الشرق الأوسط كان من الطبيعي أن تكون روسيا بمكانتها ودورها المستعاد عنوانا لرهانات سياسية من أجل إخراج هذه اللجنة من تحت سقف السياسة الأميركية والانعتاق منها باتجاه قرارات المجتمع الدولي ذات الصلة بالصراع.

ومع ملاحظتنا على تمايز الدور الروسي في إطار هذه اللجنة إلى أن ذلك لم ينعكس كما هو مفترض في تفعيل دور الرباعية ولم ينعكس هذا التمايز على الدور السياسي لهذه اللجنة الدولية وبقيت أفضل النتائج محصورة بعدد من البنود التي تضمنتها بياناتها وخاصة البيان الصادر في 19/3/2009 بما يتعلق بمطالبة الجانب الإسرائيلي تجميد الاستيطان ووقف هدم المنازل الفلسطينية. إلا أن التواطؤ الأميركي الإسرائيلي وضع مضمون هذا البيان على الرف وكل ما جرى على الأرض كان ينطلق أولا وأخيرا من محصلة التفاهمات بين واشنطن وتل أبيب.

ومع تقديرنا لشبكة المصالح الواسعة التي تربط موسكو بعواصم كثيرة في العالم ومن بينها واشنطن إلا أننا نعتقد أن زيادة التحرك السياسي الروسي باتجاه المنطقة العربية يأتي في خدمة هذه المصالح ولا يتناقض معها فهي منطقة موضع اهتمام من معظم الدول الكبرى لما تتمتع به من ثروات وأهمية استراتيجية، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن خدمة المصالح العربية ـ الروسية المشتركة تنطلق من الدخول على الملفات السياسية الكبرى التي تتجاذبها التكتلات الدولية. ومن شأن أي تحرك سياسي روسي أن يشجع دورا مماثلا للاتحاد الأوروبي والذي تتمتع معظم مكوناته بعلاقات تاريخية مع دول المنطقة ومن مصلحتها تعزيز هذه العلاقات وتثميرها بما يخدم المصالح المشتركة.

وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن دور سياسي أوسع لروسيا في المنطقة، ينبغي أن لا نقفز عن حقيقة ما هو مطلوب أيضا من دول المنطقة ومنا نحن كفلسطينيين على المستويين السياسي والشعبي. فعندما نطالب الآخرين بدور أرقى نصرة لقضايانا الوطنية والقومية ينبغي أن نكون نحن أولا في المكان الصحيح في الموقف العملي من هذه القضايا. ولكي نستعين بالقوى الدولية كي نتجاوز الشروط الإسرائيلية ـ الأميركية في موضوعة التسوية ينبغي أولا أن نقطع نحن مع هذه الشروط والفتح على بدائل سياسية سبق أن جرى الحديث عنها باتجاه إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري، وعندها يستقيم الحديث عن طلب المساعدة ويتكامل الدوران بدءا من الدور الوطني الخاص. وحتى تستقيم العلاقات العربية ـ الروسية على قاعدة تحقيق المصالح المشتركة يفترض أن يعتمد هذا المبدأ في التعامل مع جميع القوى والتكتلات الدولية وخاصة الولايات المتحدة بمقايضة مصالحها في المنطقة مع النزول الأميركي عند حقوق شعوب هذه المنطقة ودولها وبذلك تستوي المعادلة وفق قواعدها السليمة.

ومن الطبيعي أن ينطلق التمييز ما بين روسيا والاتحاد الأوروبي من جهة، وما بين واشنطن وحلفائها من جهة أخرى، من زاوية التمايز القائم في العلاقة ما بين هذه الأطراف وبين الاحتلال الإسرائيلي وسياساته التوسعية وعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني. وقد أثبتت التجربة المديدة الماضية أن التحالف الاستراتيجي يتعزز ما بين واشنطن وتل أبيب ويزداد قوة تحت عناوين ما يسمى بالأخطار المشتركة وهذا ما يجب أن يدفعنا إلى الانفتاح السياسي على كافة القوى التي يمكن أن تمد لنا يد المساعدة وفق قاعدة تبادل المصالح وليس استلاب مصلحة لصالح الطرف الأقوى كما يحصل بالعلاقات العربية / الفلسطينية ـ الأميركية.

هذا كله برسم الحالتين العربية والفلسطينية وتحتاج الإجابة عليه إرادة سياسية حاسمة...

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.