اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

وداعا ميلس// باسل شامايا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

وداعا ميلس

باسل شامايا

 

•     ها قد مرت أربعون يوما وليلة على انطفاء شمعة ميلس .. ذلك الشاب الغيور المحب الذي تواً انطلق فرحا متفائلا بمشواره مع حياة الدنيا ، لكنّ أقدارها لم تشأ ان يكمل المشوار حتى نهاية المطاف ، فتوقف قلبه عن الخفقان الى الابد وتوقفت معه طموحاته وامنياته .. وبرحيله المفاجئ عصفت فاجعة كبرى بعائلته وبلدته واهله ومحبيه الكثر ، أدمت قلوب الصغار والكبار .. وها هو اليوم يُذكر ويرثى له وفي كل ليلة يُحزن ويُبكى عليه .. خصوصا أشقاءه  الذين كانوا يحبونه كثيرا  ، ووالده الطاعن في الحزن الأبدي .. وأصدقاءه الذين أبوا أن يرتدوا الا الاسود حزنا عليه .. وامه المفجوعة التي تنتحب منذ لحظات فراقه الاولى ، حتى بات النحيب مواسيا لجراحها وصبرا لها  على ما حلّ بأسرتها من مصاب جلل .. امه التي لم تصدق ما جرى خلال فترة زمنية قصيرة ، أهكذا يغادرها ولدها البكر بمجرد مرض يهاجمه دون ان  يمهله الا اياما معدودات  .. كيف لها ان تؤمن بهذا الواقع الجديد الذي يجب ان تعتاد عليه بفقدان ابنها الذي رحل عنها رحيلا ابديا ..فالقريب والبعيد ، وكل من سمع بفاجعتها الأليمة يتالم على حالها ومصيبتها .. انها تأبى ان يغمض لها جفن لأنها ما زالت تنتظر عودة ميلس الى احضانها والى بيتها الذي بات بدونه جراح وظلام دامس .. تنتظر عودته كما كان يفعل في كل يوم بعد امضائه وقته الممتع والجميل مع اصدقائه .. لكن انتظارها اليوم سيطول لأن من تنتظره رحل الى دون عودة .. فتخرج لتلقي نظرة لعلها تتفاجىء بقدومه .. فتنتظر وتنتظر، وبينما تنتظر اذا بصوت ميلس  الممزوج بالحزن والأسى .. قادم من مرقد الآباء والأجداد قائلا لها : عودي يا اماه وكفاك انتظارا لأنني لم أعد ثانية فقد رحلت عنكم بعيدا بعيدا الى موطني الجديد .. هيا كفكفي الدمع وامنحي لأخوتي الاحبة ذلك الحب الذي سقيتيني منه الحنان عشرون عاما واحرصي على راحة ابي المفجوع ...! كما كنت تفعلين حينما كنت تفرشين مساحات من الحب والحنان وتمنحين السعادة لجميعنا .. فتجيبه بعيون باكية وتقول : لا يا ولدي سأبقى انتظر قدومك مهما طالت الايام والسنين .. فعد لأنني لم اعد احتمل قساوة الانتظار ، انه يقتلني ويمزق كياني في كل يوم وكل لحظة تمر .. عد الى دارك الذي كُنت فيه أملا ترتوي منه اسرتك سعادة وهناء .. اتعلم يا بني ان حضورك كان يملأ البيت بسمة ومحبة ورجاء ...؟ فلقد مضى على اشراقة شمس مولدك عشرون عاما .. لم تفارقني فيه ابدا . فما بالك تقسو على والدتك بالحرمان .. هيا ايها القدراللعين وأعد اليّ  نور عيني الذي خطفته من بين محبيه الى مكان لا يمكن ان يصله انسان . ابكي ايتها الأم واطلقي العنان لعينيك كي تنزف دما بدل الدمع ، على فراق من كان يكحل عيناك .. ابكي واذرفي الدمع مدرارا لأن ميلس الموغل بحب الناس قد مضى تاركا في القلب جرحا لا يندمل . كم كانت قاسية لحظات الفراق الاخيرة ، الجميع كان ينتظر المعجزة لعلها تتحقق رأفة بأبيه الذي راح يبكي بصمت في تلك الاماكن التي كان ولده يجلسها .. واشفاقا بأمه التي حملته بين أحشائها وحناياها وسقته من دواخلها وسهرت من اجله لياليها السقام ، وتحملت الويلات حتى ترعرع ونما بين احضانها وبات عودا طريا، شابا يافعا بعمر الورد ومن اجل اخوته الذين كانوا يقتدون به . كانت هذه ديباجتي قرائنا الكرام قبل ان الج في الحديث عن هذا الشاب الذي فارقنا قبل أوانه وأرتأيت أن اكتب عنه بمناسبة اربعينيته ما يختلج صدري ، واصفا تلك الفترة الزمنية القصيرة التي هاجمه المرض الحقير ، فالتقيت بمجموعة من أصدقائه المقربين ليحدثوني عنه ما كنت بحاجة الى معرفته عن فقيدنا  العزيز ، كي اتطرق عنه في رثائي هذا ، فكتبت في ذكرى اربعينيته هذه الاسطر القليلة ، متأملا ان اكون قد جسدت فيها جزءا يسيرا عن حياته ، وبذلك اكون قد اوفيت العطاء لوالديه واصدقاءه بكلماتي عن ذكرى اربعينيته .

  لقد كان الراحل العزيز ميلس من مواليد القوش 14/12/1994 شقيقٌ أكبر لثلاثة أشقاء ، يحبهم كثيرا خصوصا اصغرهم سنا  ( ماثيو ) ..كان شغوفا محبا أمينا مخلصا لأسرته واقربائه وأصدقائه ، كان شعوره بالمسؤولية أكبر من عمره ، تكتنفه السعادة حينما كان يعمل ويحصل على اجر حتى وان كان زهيدا ، ليساعد به والده في كسب لقمة العيش ، لذلك كنا نجده يعمل في اكثر من مكان ، دون ان يثنيه التعب والارهاق عن مواصلة العمل ، يقف دوما الى جانب ابيه في تحمل تلك المسؤولية الملقاة على عاتقه ، خصوصا في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها بلدنا ، لقد كانت البسمة  لا تفارق وجهه ولا يجد للسعادة طعما الا برضى اهله واقربائه، وكانت الغيرة الالقوشية تتجسد بتصرفاته واخلاقه والتزاماته وحبه الشديد لبلدته القوش ، وكانت الفرحة تغمره حينما كان اللقاء يجمع شمله باصدقائه المفضلين (( سدير ، حبيب ، راندي ، يوسف ، سبهان وشقيقه مارسيل )) سواء كان ذلك داخل القوش أو خارجها ، يشاركهم في السفرات والحفلات والمناسبات الاجتماعية والنشاطات التي كانت تقام في البلدة .. ويقضي معهم وبينهم اجمل أوقاته ، وحينما كانوا يزورونه في البيت لا يقبل منهم أي اعذار بمغادرة البيت الا بعد مشاركته وجبة الغداء . ومن هواياته كان لاعبا بكرة القدم في نادي القوش الرياضي يشارك في البطولات المقامة في القوش .. يطلقون عليه صاحب اقوى ضربة فينعتونه ب ( يزدين ) .. كما كان عضوا نشيطا في اخوية مريم يشارك زملاءه في معظم النشاطات ، ومن صفاته ايضا انه كان لا يرفض طلبا او مساعدة لأحد ولا يبخل بوقته لقضائها . وكانت طيبة قلبه ودماثة اخلاقه واحترامه للكبيروتواضعه اهم المزايا التي جعلته قريبا من الناس . شهم ذو مروءة ونخوة شفاف القلب ورهيف الاحساس . لقد بات املا لوالديه وراحا يخططان ليحقق امنيتهما التي يهفوان اليها حينما يجدانه مرتديا بدلة عرسه وواقفا بطلعته البهية وسط عائلته ومحبيه وهو يحقق وينشر الفرح الحقيقي لعائلته ومحبيه .. وعليه كان قد  قرر والده باسم بناء الطابق الثاني في داره ليشرع بتهيئة مستقبل ولده الاجتماعي باختياره ابنة الحلال لبناء اسرته السعيدة وبذلك يكون قد اكمل واجبه الابوي .. لكنّ المرض اللعين حال دون تحقيق تلك الامنيات والآمال العراض ، وبعد مراجعات وفحوصات عدة اجريت له عملية الجيوب الأنفية بعد تشخيص الطبيب ونصيحته باجراء هذه العملية .. ولكن لم يجد ذلك نفعا بل ساءت حالته الصحية اكثر سوؤا. وبعد مراجعات اخرى تم تشخيص علته و اتضح انه كان مصابا في رئته ولم يخبر حتى اقرب الناس اليه  .. وكان احد الاطباء قد اخبر اهله في ذات مراجعة في اربيل ان شفائه مستحيل وكذلك في الشيخان وبعد اطلاع الطبيب على تقارير الاطباء طلب منه ومن صديقه حبيب بالخروج للانفراد بأبيه ، حينها أمسك ميلس بيد صديقه وقال حزينا : لقد اقتربت نهايتي يا صديقي فانه شعور في داخلي اتحسسه لا يمكن ان يكون كذبا ،  وقد تجسد ذلك حينما طلب مني الطبيب الخروج .. وحاول اهله محاولات كثيرة لانتشاله من هذا الكابوس المرعب لكنّ صحته المتدهورة باتت حديث الناس في البلدة ، وراح المعارف والاصدقاء واهالي القوش  يتوافدون الى الدار لزيارة العائلة والاطمئنان على صحة المريض الذي اعتكف في غرفته حزينا مهموما لا شيء يفكر به الا بقدره الذي اختاره للرحيل عن هذه الدنيا .. وقد اخبر والدته في ذات مرة وهي تساعده في ارتداء ثيابه قائلا :  لا تحزني يا امي لأنني سأغادرك الى ذلك العالم الذي رحل اليه الكثير من الناس قبلي ، فهذا هو قدري الذي رسم لي هذا المصير .. فالمرض يا امي قد غزى كل شبر في جسدي فلا سبيل الا الرضوخ لهذا القدر .. كانت تلك الكلمات اشبه بالسكاكين التي تتقطع بها اوصال امه الثكلى لكنها لم تظهر له ما يخيفه من المقسوم بل كانت تشجعه على تحمل المرض وانها مجرد وعكة صحية وتزول .

   كان آخر رقاد له في مستشفى آزادي بدهوك بتاريخ ( حيث اصدقاؤه المقربون لم يتركوه لحظة واحدة بل كانوا ليلا ونهارا يقومون بخدمته ويتناوبون فيما بينهم لتلبية احتياجاته فانه كان يجد الراحة والطمانينة وهم بقربه .. وقد قام بزيارته اغلب الناس ومن عدة مناطق للاطمئنان عليه .. وفي ايامه الاخيرة ملّ تلك الاجهزة التي كانت تحيط بجسمه وهي التي تحول بينه وبين الموت ، لم يتمالك اعصابه فغضب من وجودها ، فسحبها عن جسمه ليتقرب رويدا رويدا من النافذة وكان يرغب ان يستنشق من ذلك الهواء العليل المنعش الذي يأتيه من خارج النافذة .                           لقد كانت وصيته الاخير لاصدقائه في القوش كأمانة قالها للاصدقاء الذين مكثوا معه حتى لحظاته الاخيرة وطلب منهم ايصالها الى الشباب فقال: )) اطلب وبالحاح من احبتي شباب القوش الاعزاء ان يمتنعوا عن التدخين (سيكارة ونركيلة) حفظا على سلامتهم من هذا الوحش الذي داهمني وأودى بحياتي )) وفي ثلاثة ايام اخيرة من حياته امتنع عن الكلام بسبب التعب الذي كان قد انهك قواه .وفي صباح يوم السبت الموافق 24/2/2015 قرعت اجراس الرحيل وتوقف قلبه الذي كان يخفق بالحب وكان اصدقاءه ( سدير وآندي وسان ) اول العالمين بذلك .. حينما نظروا من فتحة الباب في الغرفة التي كان يرقد فيها ميلس ، ووجدوا اجهزة الانعاش قد رفعت عن جسمه .. فنزل ذلك المنظر الذي شاهدوه من تلك الفتحة كالصاعقة فأخذ كل واحد منهم ينظر الى الآخر والدموع تفيض عيونهم .. وهكذا وصل خبر وفاته الى القوش ليخيم الاسى والحزن على اهاليها بسقوط ثمرة طرية من شجرتها الباسقة .. فحملوه الى القوش التي اكتظت شوارعها بالناس من مختلف الفئات العمرية اناثا وذكورا وتدفق مئات المشيعين وسط اجواء الحزن الذي اكتنف تلك الوجوه التي اعتصرها الالم ، وهرعت تلك الجموع  الى حيث ينتظرون وصول جثمان ميلس الذي كانت تحمله اكف اصدقائه المتشحون بالسواد وادخلوه الى بيته الذي كانت تنظره والدته المفجوعة .. وما ان وقع ناظرها على نعشه حتى اطلقت العنان لحنجرتها بالهلاهل والزغاريد وكانها تستقبل ميلس في يوم زفافه ، وصمم اصدقاؤه ان يلبسوه اجمل بدلة له ، كان يرغب بارتدائها حين ذهابه الى الحفلات .. ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا الحنة بيديه وكانهم سيحتفلون بيوم حنته .. وقرع الناقوس مؤذنا بتشييع ميلس فهبّ الناس من كافة احياء القوش للمشاركة في وداع هذا الشاب الى مثواه الاخير ، وسار المئات من المشيعين بصمت مطبق في موكب فخم وعلى طقوس الصلاة التي كان الجمع يتلوها والاسى يلفهم ن حتى اوصلوا النعش الى مسكنه الابدي فووري الثرىالى جانب اجداده وسط حزن جاثم وعيون باكية .. وداعا ايها الغصن البديع .. لقد شاءت اقدارك ان تغادرنا الى عالم البقاء وانت بعز شبابك .. وداعا وثرى بلدة آباؤك واجدادك تحتضنك ... وداعا وسلاما وانت تغادرنا الى دار البقاء في فردوس الجنان .. ارقد بسلام ايها العزيز سيبقى احبتك واصدقاءك والقوش يستذكرونك دائما وابدا .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.