اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الحزب الثوري : أسسه – مبادئه - سمات برنامجه - حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي كنموذج

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد الحنفي

 

 

الحزب الثوري : أسسه – مبادئه - سمات برنامجه - حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي كنموذج

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

تقديم :

 

في البداية لابد من الإشارة إلى ضرورة مناقشة مجموعة من المفاهيم التي لازال ينقصنا ضبطها و سبر غورها، و استيعابها حتى نوظفها توظيفا علميا صحيحا. لأنه بدون استيعابها سيكون توظيفها خاطئا أو مشوها. و من هذه المفاهيم : الحزب الثوري، هذا المفهوم الذي تداوله الفكر الاشتراكي العلمي منذ بداية القرن العشرين، و الذي لازالت مناقشته واردة إلى ما لا نهاية بحكم التطور الذي تعرفه البشرية، و بحكم علاقات الإنتاج، و تطور وسائل الإنتاج، مما يضطر المنظرين إلى إعادة النظر فيه اعتمادا على ما يستجد في مختلف المجالات.

 

مفهوم الحزب :

 

و قبل الدخول في مفهوم الحزب الثوري، لابد من الوقوف أولا على مفهوم الحزب الذي كثيرا ما اصبح متداولا بكثرة في عصرنا هذا اكثر من أي عصر آخر. فمفهوم الحزب يفيد معنى التنظيم، و لكن أي تنظيم ؟ فنحن نواكب في المجتمع مجموعة من التنظيمات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و لكن هذه التنظيمات محددة الهدف تضم قطاعا معينا أو فئة معينة. و بذلك لا يصدق عليها اسم حزب أو أحزاب. لأن أهدافها محددة جزئية، و لا تسعى أبدا إلى تحقيق ما هو اشمل من تلك الأهداف، و إلا وضعتها السلطة القائمة خارج القانون. و لذلك فالحزب هو التنظيم السياسي الذي يهدف إلى الوصول إلى السلطة. و هو بأيديولوجيته و طريقة تنظيمه، و ببرنامجه السياسي يمثل طبقة من الطبقات الاجتماعية التي تجمعها نفس المصالح. فالطبقة الاجتماعية لها حزبها أو أحزابها، و للبورجوازية الصغيرة لها أحزابها، و للطبقة العاملة أحزابها. و السبب في هذا التعدد الحزبي هو تعدد طبقات المجتمع، وتفرع الأيديولوجيات أو تداخلها داخل كل طبقة، و انغراس الممارسة اليمينية أو اليسارية الانتهازيين، داخل حزب أو أحزاب الطبقة العاملة.

 

و يبقى السؤال الملح الذي لازال يبحث له عن جواب منذ الثورة الاشتراكية العظمى في الاتحاد السوفياتي سابقا، و مرورا بمختلف الثورات في الصين و كوريا، و الفيتنام، و كوبا و غيرها من بلدان آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية، و إلى يومنا هذا هو : ما هو الحزب الثوري ؟ هل هو الحزب الذي يعمل في ظل الشرعية في إطار نظام إقطاعي، أو بورجوازي، أو تبعي ؟ هل هو الحزب الذي يختار السرية ؟ هل هو الحزب الذي يستمد قوته من جهات و تجارب خارجية ؟ هل هو الذي ينفرز عن  حركة تحريرية وطنية تاريخية منغلقة على نفسها ؟ هل هو الذي ينفرز عن حركة تحرر وطنية منفتحة على مختلف الحركات التحررية، و متفاعلة معها؟ إن إشكالية الحزب الثوري هي إشكالية لازالت قائمة و ستبقى قائمة، و على الفكر الاشتراكي العلمي أن لا يقف عند المسلمات أو المقولات الجاهزة، بل عليه أن يعمق البحث في هذا الموضوع، و أن يستفيد من مختلف التجارب الثورية في التاريخ، و في الساحة العالمية قديما و حديثا قصد صياغة مفهوم معمق يهدف إلى وضع الأسس العلمية الصحيحة لبناء حركة ثورية صحيحة تستطيع مواجهة هذه التحولات السريعة المعقدة على المستوى المحلي و القومي والعالمي، و إلا فإن حركة التحرر الوطنية ستضل الطريق.

 

إن البحث وتعميق النقاش حول مفهوم الحزب الثوري مهمة المثقفين. لكن من هم المثقفون الذين توكل إليهم هذه المهمة ؟ إننا نعرف أن المثقفين يتفاعلون مع مختلف الأيديولوجيات : الإقطاعية، و البورجوازية و الاشتراكية العلمية، بل قد ينتجون أيديولوجية تلفيقية انتهازية إصلاحية تضليلية لتغطية الطبيعة المتذبذبة للشريحة الاجتماعية التي ينتمون إليها، و لكن قد ينفرز في صفوف المثقفين من يتصدى للتنظير في إطار أيديولوجية معينة إما عن قناعة، أو مقابل هبات أو رشاوى يتلقاها المثقف من هذه الجهة أو تلك فيتحول إلى مثقف الإقطاع، أو البورجوازية، أو مروجا للأيديولوجيات التلفيقية، و تبقى عينة واحدة هي التي يمكن أن تتصدى للبحث في مفهوم الحزب الثوري. هذه الفئة التي سماها لينين بالمثقفين الثوريين و سماها غرامشي بالمثقفين العضويين الذين اختاروا الانحياز إلى الطبقة العاملة و الذوبان فيها، أو افرزتهم الطبقة العاملة من بين صفوفها للتعبير عن فكرها و إيديولوجيتها. فالمثقف الثوري أو العضوي هو المثقف الذي يختار الانحياز إلى الحزب الثوري، ينتمي إليه، و يعمل على تنظيمه، و يصوغ برامجه الاستراتيجية و المحلية، و يعمل باستمرار على تفعيله في صفوف الجماهير التي يتم تفعيل الحزب في صفوفها ؟

 

إن كلمة الجماهير فضفاضة غير محددة المعالم، فهي تضم كل طبقات المجتمع، و الهلامية، السائد منها و المسود، المستغل منها والعامل. لذلك يطرح علينا أولا و أخيرا تحديد نوعية الجماهير التي يعمل المثقف الثوري أو العضوي على تفعيل الحزب الثوري في صفوفها، فنحن في مجتمع كالمجتمع المغربي محكوم بنظام رأسمالي و تبعي، تحكمه طبقة بورجوازية تبعية، و وجود الطبقة البورجوازية التبعية يوحي بوجود طبقة عاملة نقيضة، و طبقات كادحة محرومة، وطبقة تتوسط ما بين البورجوازية و ما سواها من الكادحين، و من طبيعة الطبقة البورجوازية التابعة أن استغلالها ابشع من استغلال البورجوازية الأوربية على سبيل المثال، هدفها تحقيق الربح السريع عن طريق الاستحواذ على معظم فائض القيمة الذي لا يكفيها حتى في استهلاكها الفاحش نظرا لطبيعتها اللاوطنية و اللاديمقراطية. وطبقة كهذه لا شك أن معظم الكادحين سيعانون الأمرين منها ، وهؤلاء الكادحون هم المستهدفون بكلمة الجماهير في مواجهة البورجوازية التابعة ومن يسبح في فلكها . إن الجماهير المستهدفة بتفعيل الحزب الثوري في صفوفها هي الطبقة العاملة، و الفلاحون الفقراء، و المعدمون، و العاطلون، و أشباه العاطلين و التلاميذ و الطلبة، و الشرائح المتضررة من البورجوازية الصغرى و المتوسطة التي أصبحت مهددة بالبلترة. فهذه الجماهير هي وحدها التي لها المصلحة في تحطيم الهياكل القائمة، و إقامة هياكل نقيضة عن طريق القضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالية، و إقامة علاقات الإنتاج الاشتراكية مكانها. و يبقى التساؤل : من يقود الجماهير الكادحة نحو الهدف الاستراتيجي ؟

 

إن الطبقات الكادحة تختلف حسب مواقعها في علاقات الإنتاج السائدة، و الطبقة التي تحتل المواقع المتقدمة في علاقات الإنتاج هي الطبقة العاملة، فهي وحدها التي تدير العملية برمتها لأنها هي العنصر الأساسي في قوى الإنتاج. و هي بذلك تنتج فائض القيمة، و لكنها في نفس الوقت لا تأخذ من خيرات إنتاجها إلا جزءا يسيرا لا يتناسب أبدا و متطلبات العيش الكريم. و لذلك فهي الأكثر تضررا، و الأكثر تأهيلا للتسلح بالوعي الطبقين و الأكثر استعدادا لخوض النضال. لذلك فهي فعلا طليعة المجتمع، و طليعة الشعب الكادح، و طليعتيها تجعلها قائدة للطبقات الكادحة الأخرى التي تجد نفسها مضطرة للتضامن معها في نضالاتها. لكن هل تنتظم الطبقة العاملة هكذا تلقائيا ؟ أم أن الوعي يأتي من خارجها ؟

 

إن أي طبقة مهما كانت مرشحة للنضال، أو لقيادته على صعيد المجتمع ككل لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا توفر لها شرطان :

 

1) شرط الوعي الطبقي .

 

2) شرط التنظيم.

 

فشرط الوعي الطبقي يأتي إلى الطبقة من خارجها، لأنه من إنتاج العمل الذهني الذي هو من مهمة المثقفين الثوريين أو العضويين الذين يلعبون دورهم في جعل الطبقة العاملة تعي موقعها في علاقات الإنتاج، و تدرك مدى عمق الاستغلال الذي يمارس عليها، و كيف تقاومه في أفق التقليص منه أو القضاء عليه، و بذلك تعي في نفس الوقت أن مقاومة الاستغلال لا تكون إلا بواسطة التنظيم.

 

و لكن أي تنظيم يمكن الطبقة العاملة من انتزاع حقوقها ؟

 

إن تنظيم الطبقة العاملة يتحدد بتحدد الأهداف منه.

 

فإذا كان الهدف هو التقليص من الاستغلال نجد أن البرنامج يكون مطلبيا اقتصاديا، و التنظيم الذي يصلح لتحقيق برنامج كهذا هو التنظيم النقابي الذي يستقطب حوله مجموع الطبقة العاملة و سائر الكادحين إذا احترمت المبادئ الأربعة التي هي شرط وجوده و استمراره : الديمقراطية، التقدمية، الجماهيرية، الاستقلالية.

 

أما إذا كان الهدف هو القضاء على الاستغلال بكافة أشكاله، فإن التنظيم لا يكون إلا سياسيا، و التنظيم السياسي الذي يقود الطبقة العاملة التي تنتظم في إطاره وفق مبادئ معينة هو : الحزب الثوري الذي يعرف أيضا بحزب الطبقة العاملة.

 

فلماذا يعتبر حزب الطبقة العاملة حزبا ثوريا ؟ و فيماذا تتجلى ثوريته ؟ و ما هي الأسس التي يقوم عليها ؟ و ما هي مبادئه ؟ و ما هي تجليات برنامجه المرحلي و الاستراتيجي ؟

 

طبيعة الحزب الثوري :

 

قبل الدخول في محاولة الإجابة على هذه التساؤلات لابد من الإشارة إلى أن حزب الطبقة العاملة ليس حزبا انقلابيا، لأن الحزب الذي يسعى إلى الوصول إلى السلطة عن طريق الانقلاب هو حزب يعتمد على النخبة التي تتخلل أجهزة الدولة و خاصة منها الجهاز العسكري الذي يقصر الطريق. و قد يعتقد البعض أن حزبا من هذا النوع هو حزب ثوري لكن من شرط الحزب الثوري أن يقوم بتغيير الهياكل القائمة بهياكل نقيضة، و الذي حصل في الدول التي وقعت فيها انقلابات : أن الهياكل بقيت كما هي، و أن علاقات الإنتاج لم تتغير مما يعطينا أن اعتماد الانقلاب لا يتجاوز إحلال نخبة مكان نخبة أخرى. أما الطبقات ذات المصلحة في التغيير فلا تستفيد شيئا. إن الحزب الثوري يعتمد على الجماهير ذات المصلحة في التغيير، و لا يعتمد على النخبة في الوصول إلى الاستيلاء على أداة السيطرة الطبقية : الدولة. و بوصول الحزب الثوري إلى التحكم في أداة السيطرة الطبقية يسخر هذه الأداة في خدمة الطبقات ذات المصلحة في التغيير.

 

كما أن الحزب الثوري ليس إصلاحيا انطلاقا من أن الحزب الإصلاحي لا يتجاوز في تاكتيكه و استراتيجيته إصلاح الهياكل القائمة، و الحفاظ عليها حتى تستفيد منها الطبقات التي تمثلها تلك الأحزاب الإصلاحية التي لا توجد لها استراتيجية واضحة مما يجعل التاكتيك و الاستراتيجية لديها شيئا واحد كما هو الشأن بالنسبة لأحزاب "المعارضة البرلمانية السابقة التي تحملت مسؤولية حكومة التناوب" السابقة.

 

و الفرق بين الأحزاب الإصلاحية و الانقلابية : أن الإصلاحية لا تسعى إلى تغيير قيادة الدولة بقدر ما تسعى إلى دعمها و المحافظة عليها مع إصلاح بعض الهياكل التي لا تمس الجوهر. أما الأحزاب الانقلابية فهي مهتمة فقط بالسيطرة على قيادة الدولة لقناعتها أن مركز القيادة هو السبيل إلى تحقيق الطموحات اليمينية أو اليسارية، لأن الانقلابيين ينتمون إلى "اليمين المتطرف، أو اليسار المغامر" و بوصول أحدهما إلى السيطرة على قيادة الدولة تؤدي الجماهير الكادحة ثمنا غاليا يأتي على رأسه حرمان الجماهير من مختلف الحقوق وفي مقدمتها الحقوق السياسية التي منها حق التعبير عن الرأي.

 

فلماذا يعتبر حزب الطبقة العاملة حزبا ثوريا ؟ إنه برجوعنا إلى تاريخ الفكر الاشتراكي العلمي نجد أن المنظرين لا يختلفون حول الدور الذي تلعبه الطبقة العاملة في الاقتصاد كما لا يختلفون حول الإمكانيات النضالية التي تتوفر لها، و الدور الذي تلعبه في شروط معينة إذا كانت حاملة لوعيها الطبقي. و لذلك فثوريتها نابعة من طبيعتها، و عندما تنظم في حزب حامل لأيديولوجيتها فإن هذه الحزب لا يكون إلا ثوريا للاعتبارات الآتية :

 

1) لأنه حزب الطبقة العاملة طليعة الشعب الكادح.

2) لأنه يتبنى الأيديولوجية الاشتراكية العلمية التي هي أيديولوجية الطبقة العاملة.

3) لأنه يعتمد التنظيم الخلوي كأساس لوجوده.

4) لأنه يتبنى مبدأ المركزية الديمقراطية.

5)  لأن العلاقة بين مناضليه قائمة على مبدأ النقد و النقد الذاتي، وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية، و القيادة الجماعية.

6) لأن برنامجه يأخذ بعين الاعتبار المطالب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية لسائر الكادحين بقيادة الطبقة العاملة.

7) لأنه يسعى على المدى البعيد إلى تقويض الهياكل القائمة، و إقامة هياكل نقيضة لجعل السلطة في خدمة الكادحين.

8) لأنه يسعى إلى تقويض العلاقات الاستغلالية كيفما كانت طبيعتها، و إقامة علاقات الإنتاج الاشتراكية مكانها.

9) لأنه يناضل من اجل أن يتمتع الكادحون بمختلف الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي هي جوهر الممارسة الديمقراطية.

10) لأنه يربط في نضاله بين التحرير و الديمقراطية و الاشتراكية ربطا جدليا.

و هذه الاعتبارات التي سقناها ما هي إلا تجليات لثوريته لأنه بدونها يصبح إصلاحيا، أو انقلابيا يمينيا متطرفا أو يساريا مغامرا.

 

أسس الحزب الثوري :

 

و الأسس يقوم عليها الحزب الثوري لا تتجاوز أن تكون ثلاثة :

 

1) الأساس التنظيمي : لأنه بدون التنظيم لا يمكن أن يوجد اصل للحزب الثوري. و الأداة التنظيمية هي الحزب الثوري، و تتشكل أساسا من العناصر الأكثر وعيا من الطبقة العاملة، و من حلفائها الطبقيين كالفلاحين الفقراء و المعدمين، والمثقفين الثوريين، و الشرائح المتضررة من البورجوازية الصغرى، و العاطلين و أشباه العاطلين. و التنظيم يعتبر أداة و وسيلة في نفس الوقت، أداة تجمع الشرائح الأكثر وعيا، و تطور وعيهم، و ترسم خططهم و تراقب حركتهم ، و تفعلهم في أوساط الجماهير الكادحة، و وسيلة لأنه يمكن من قيادة نضالات  الكادحين، و خاصة الطبقة العاملة. كما يمكن من البحث عن التحالفات الطبقية لقيادة تلك النضالات في إطار جبهة وطنية عريضة للنضال من اجل الديمقراطية في مجتمع تحكمه طبقة بورجوازية تابعة أو تحالف طبقي مستغل.

 

و بواسطة التنظيم المرتكز على مبادئ و قوانين علمية ثابتة يكون مناضلوا الحزب الثوري وحدة يحصل فيها التواصل بين المناضلين قيادة و قاعدة، و لكن هذه الوحدة لابد لها من أساس آخر ترتكز عليه، انه :

 

2) الأساس الأيديولوجي : إن أيديولوجية الحزب الثوري باعتباره حزبا للطبقة العاملة لا يمكن أن تكون إلا أيديولوجية الطبقة العاملة. و أيديولوجية الطبقة العاملة هي الاشتراكية العلمية بشقيها : المادية الدياليكتيكية، و المادية التاريخية. بالإضافة إلي تجارب حركة التحرر العالمية. و المناضل المنتمي إلى الحزب الثوري لابد له من التسلح بهذه الأيديولوجية، و لابد من الاستفادة من مختلف التجارب من اجل رسم برنامجه السياسي المرحلي، و تحديد هدفه الاستراتيجي، و المناضل الذي لا يتسلح بالأيديولوجية العلمية يبقى عرضة للأخطار و المنزلقات الأيديولوجية، و خاصة منها ذات الطبيعة الإصلاحية أو اليسارية الانتهازية، بل قد يتأثر بالأيديولوجية البورجوازية و الإقطاعية. فيتسبب في خلق اضطراب في صفوف الحزب، لأنه توجد بين التنظيم و النظرية الثورية و الخط السياسي علاقة جدلية. و لذلك، فإن تحقيق الوحدة الأيديولوجية و تحققها لا يتم إلا عن طريق التسلح المستمر بالفكر الاشتراكي العلمي، و هذا يقتضي إقامة مدرسة لتكوين الأطر الحزبية، و تكوين خزانة لهذا الغرض بهدف ترويج الفكر الاشتراكي العلمي في المجتمع حتى لا تبقى حكرا على المنتمين للحزب الثوري. و إذا حقق المناضلون الثوريون مستوى عاليا من التكوين الأيديولوجي فإن ذلك ينعكس بالضرورة على بنية الحزب الداخلية التي تصير خميرة فاعلة في الواقع الاجتماعي و في مختلف المجالات مما يؤدي إلى توسيع قاعدة الحزب على مستوى الكم و على مستوى تغلغله في مختلف قطاعات المجتمع لكن ذلك يتوقف على أساس آخر إنه :

 

3) الأساس السياسي : لأنه بدون هذا الأساس لا يمكن للحزب الثوري أن يرتبط بالجماهير، و بالتالي فإنه سيبقى تنظيما مغلقا، وسيفتقد قدرته على قيادتها، و توجيه نضالاتها. و الأساس السياسي ليس إلا موقفا يمس الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي تشكل في مجملها في منظومة من الحقول التي يصعب الفصل بينها، و التي تتحدد في إطار برنامج الحزب السياسي المرحلي، و الاستراتيجي. فالموقف السياسي هو موقف من نمط الإنتاج المهيمن، و من البنيات الفوقية، و على رأسها أجهزة الدولة التي توظف لتأبيد الهيمنة الطبقية البورجوازية التابعة. و بذلك يكون الموقف السياسي على المدى البعيد هو الوصول إلى السلطة، لأنه بدون تلك السلطة لا يمكن القضاء على نمط الإنتاج البورجوازي التبعي. إلا أنه في أفق تحديد هذا الهدف الاستراتيجي لابد من إنتاج الشروط الموضوعية المؤدية إليه. و لذلك فالحزب الثوري يبلور مواقف سياسية مرحلية تتناسب و الشروط الموضوعية المتغيرة، كما تتناسب و إرادة الجماهير الشعبية الكادحة، بحيث لا تمر مناسبة دون أن يحدد الحزب الثوري موقفه منها، انطلاقا من البرنامج العام الذي ترسمه هيآت الحزب المقررة على المستوى الوطني أو القومي، أو العالمي، و الذي يشرح الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية محددا موقف الحزب منها، و طارحا البديل الذي يعمل المناضلون الحزبيون على تحقيقه من خلال عملهم في مختلف المنظمات الحزبية و الجماهيرية. و النقطة الجوهرية في البرنامج الحزبي هي تحرير الإنسان و الأرض عن طريق تحقيق الممارسة الديمقراطية بمعناها السياسي و الاجتماعي و الحقيقي، حتى تتفجر طاقات الشعب الكادح النضالية التي هي السبيل إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي.

 

و قد سمي البرنامج السياسي المرحلي مرحليا لأنه أولا يرتبط بمرحلة معينة حتى إذا استنفذها يعمل على وضع برنامج مرحلي آخر اختلفت شروطه عن البرنامج السابق. و الغاية من البرنامج المرحلي هي إنضاج الشروط التاريخية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي تجعل جماهير الشعب الكادح تتحمل مسؤوليتها في عملية التغيير الجذري. و بدون رسم هذا البرنامج المرحلي، و النضال من اجل تحقيقه، يبقى الحزب الثوري بعيدا عن الجماهير الكادحة، و يبقى فعله محصورا في دائرة محددة مما قد ينعكس سلبا على مستقبل الحزب الثوري نفسه، فيتحول إلى حزب مغامر، أو إصلاحي، و تلك هي النهاية الحتمية للحزب الذي لا يضع في حسابه الارتباط بالجماهير الكادحة التي تمده بالمناضلين، و تدعم نضالاته، و تستجيب لتنفيذ برنامجه و تدافع عنه، و تساهم في تطويره.

 

مبادئ الحزب الثوري :

 

و حزب كهذا لابد له من مبادئ و ضوابط، و أهم مبادئه تأخذ أسسها من المركزية الديمقراطية و مبادئها و خاصة منها :

 

1) النقد و النقد الذاتي.

2) المحاسبة الفردية و الجماعية.

3) خضوع الأقلية لرأي الأغلبية.

 

4) القيادة الجماعية.بالإضافة إلى مبادئ الاشتراكية العلمية التي نجدها في مختلف الأدبيات، و في مقدمتها الأدبيات المتعلقة بالمادية الديالكتيكية و المادية التاريخية التي تمدنا بأدوات التحليل العلمي الملموس للواقع الملموس.

 

و المركزية الديمقراطية تتكون من نقيضين : المركزية، و الديمقراطية. فالمركزية تعني صدور القرارات عن جهاز مركزي إلى مختلف التنظيمات و على مختلف المستويات التي عليها أن تنضبط لتلك القرارات، و أن تعمل على تنفيذها بوعي و مسؤولية. لكن قبل اتخاذ القرارات لابد من الرجوع إلى مختلف التنظيمات، و خاصة منها ذات الصفة التقريرية، لمناقشة ما يجب اتخاذه من قرارات تتناسب و المرحلة، حتى يساهم الجميع فيها وفقا للممارسة الديمقراطية الداخلية التي لابد أن تتوفر في التنظيم الثوري، و هكذا يتبين أن الجمع بين النقيضين في إطار وحدة و صراع الأضداد صار ممكنا في مبدأ المركزية الديمقراطية. و قد تحدث شروط موضوعية تغلب فيها المركزية على الديمقراطية فتظهر قيادة الحزب التي لا تكون إلا جماعية و كأنها تحتكر القرار، و يظهر المناضلون و كأنهم مجرد جنود في تنظيم عسكري، ولا يعرفون إلا الانضباط للقرارات التي تتخذ من قبل القيادة. كما قد تحدث شروط موضوعية تغلب فيها الديمقراطية على المركزية، فتظهر التنظيمات المختلفة، و كأنها منتديات للنقاشات المختلفة، و كأن جميع المناضلين يتواجدون في جميع الأجهزة، و يناقشون مختلف القضايا، و تختفي إلى الظل القيادة الحزبية التي عليها أن تصغي إلى تلك النقاشات المنظمة تحت إشرافها لاتخاذ القرارات التي تعمل على بلورتها. و هكذا يتبين أن العلاقة بين المركزية و الديمقراطية هي علاقة جدلية، و لا يمكن للحزب الثوري أن يكون مركزيا صرفا، و لا ديمقراطيا صرفا. لأن ذلك قد يؤدي به إلى التفكك أو التشرذم الحلقي الذي يشكل خطرا على الحزب كما يحصل في العديد من الأحزاب ذات التوجه الديمقراطي الإصلاحي أو الليبرالي.

 

أما بالنسبة للنقد و النقد الذاتي فلابد من هذه الثنائية، فالنقد يعني الكشف عن الخطأ في الممارسة النظرية و العملية وفق منهج دقيق قائم على التحليل العلمي للوقائع و الأحداث بشقيها النظري و العملي قصد حماية الحزب الثوري مما قد يتسرب إليه من ممارسات نظرية أو عملية يمينية انتهازية أو يسارية مغامرة. و بذلك يكون سلاح النقد وجيها، و ضروريا شرط الابتعاد به عن الذاتية التي قد تسقط التنظيم في صراعات هامشية، و عن الأشياء التي لا تدخل في إطار الممارسة التنظيمية الأيديولوجية و السياسية. و نقد كهذا إذا ثبتت صحته يستوجب النقد الذاتي الذي يعني الاعتراف أمام الأجهزة المعنية بارتكاب الأخطاء المنقودة، و اعتراف كهذا يستلزم الانتباه و الحذر مستقبلا حتى لا تتكرر نفس الأخطاء، لأن تكرارها يجعل التنظيم لا يبارح مكانه، و لا يتجاوزه إلى ما هو أرقى. و بالتالي يجعل النقد عديم الجدوى مما يستلزم استئصال الداء من جذوره باتخاذ القرارات اللازمة بجعل التنظيم الحزبي يتقدم إلى الأمام. و العلاقة القائمة بين النقد و النقد الذاتي هي علاقة جدلية بحيث لا يمكن الفصل بينهما في الممارسة التنظيمية و الأيديولوجية و السياسية. و الغاية من النقد و النقد الذاتي هي الدفع بالتنظيم إلى الأمام حتى يلعب دوره اكثر في الساحة الجماهيرية.

 

و مما يدخل في خانة النقد و النقد الذاتي ما يصطلح على تسميته بالمحاسبة الفردية و الجماعية التي تنصب على المهام المقرر إنجازها، لأنه في مختلف المستويات التنظيمية في الحزب الثوري يكلف المناضلون بصفة فردية أو جماعية بإنجاز مهام  تنظيمية أو نضالية. ثم يحاسب الجميع على إنجاز تلك المهام أو عدم إنجازها للوقوف على السير العادي للعمل الحزبي. و مبدأ المحاسبة الفردية و الجماعية بمثابة اللحمة التي تحقق وحدة الحزب، لأنه يشمل مختلف الأجهزة و المناضلين العاملين في كل جهاز. و عندما يتوقف العمل بهذا المبدأ يصاب التنظيم في مختلف مستوياته بالشلل، لأن تنفيذ القرارات و القيام بالمهام سيصبح خاضعا للمزاج الشخصي بدل الالتزام الحزبي كما هو منصوص عليه في القانون الداخلي للحزب الثوري.

 

 

و خلال المحاسبة لابد أن يبرز الاختلاف في التحليل و الاستنتاج مما يطرح مسألة الحسم في الأمور المختلف حولها، فتلجأ الأجهزة إلى التصويت، و يتكرس بذلك خضوع الأقلية للأغلبية، و هذا عين الممارسة الديمقراطية الصحيحة بين المناضلين، لكن هذا لا يعني إلغاء الرأي الذي لم ينل الأغلبية، بل إن النقاش المستمر الذي تعرفه الأجهزة قد يعطي لذلك الرأي صيغة الموضوعية فيكتسب بدوره الأغلبية. و بذلك يستوعب الحزب الثوري جميع مناضليه عن طريق استيعاب آرائهم. إلا أن القاعدة أصبحت عرفا و قاعدة في اجتماعات هياكل الحزب الثوري هي تجنب اللجوء إلى التصويت، و استنفاذ النقاش إلى أقصى مداه لترسيخ القناعات الفردية و الجماعية بالمواقف الصائبة حفاظا على وحدة الحزب التي هي الضمانة الأكيدة لجعله يلعب ذلك الدور الرائد في قيادة نضالات الشعب الكادح، تلك الوحدة التي لا مجال معها لظهور الأغلبية أو الأقلية. بالإضافة إلى أنها تقطع الطريق على بروز مرض الحلقية الذي قد يؤدي بالحزب الثوري إلى التقسيم و التشرذم.

 

إن استنفاذ النقاش و توظيف التحليل العلمي يرقى بالحزب إلى مستوى الوحدة العضوية التنظيمية أو الأيديولوجية و السياسية مما يكسبه قوة أمام الأعداء الطبقيين، و قدرة على الإبداع في مختلف المجالات التي يتحرك فيها. و لذلك فاللجوء إلى التصويت لجعل الأقلية تخضع لرأي الأغلبية لا يحصل إلا في الضرورة القصوى، و في شروط موضوعية دقيقة لا مجال معها لاستنفاذ النقاش، و تقتضي السرعة في اتخاذ القرارات التي تفعل الحزب اكثر، و تجعله يتجاوز وضعيته في تلك الشروط إلى ما هو افضل.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.