اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الدور الأمريكي في وصول الإسلام السياسي إلى الحكم في إيران وإشعال الحرب العراقية الإيرانية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حامد الحمداني

 

مقالات اخرى للكاتب

الدور الأمريكي

 في وصول الإسلام السياسي إلى الحكم في إيران

 وإشعال الحرب العراقية الإيرانية

12/2/2012

 

كان عام 1979 عاماً حاسماً بالنسبة لنظام شاه إيران محمد رضا بهلوي، فقد بلغ السخط الشعبي أقصى درجاته، بسبب الظروف المعيشية القاسية من جهة، والأساليب القمعية التي مارسها النظام في إخضاع الشعب، وتصفية كل مظاهر الديمقراطية والحريات العامة، وانعدام العدالة الاجتماعية.

 

فلم يعد الشعب الإيراني يصبر على استبداد نظام الشاه، وتجاهله لتدهور أحوال الشعب المعيشية، حيث اندفعت جماهير الشعب الإيراني في تظاهرات صاخبة مطالبة بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم.

 

لكن نظام الشاه بدلاً من أن يستجيب لمطالب الشعب، ويجري اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية حقيقية، فإنه اتخذ الوسائل القمعية ضد المتظاهرين، والتي أوقعت العديد من الضحايا، مما أدى ذلك إلى تصاعد موجة الاحتجاجات الهادرة التي أخذت بالتوسع والانتشار، وأصر نظام الشاه على قمعها مستخدماً قواته المسلحة، حيث احتدم الصراع بين الطرفين والذي سبب سقوط الألوف من الضحايا.

 

 لكن المقاومة المسلحة ضد نظام الشاه الدكتاتوري أتسعت أكثر فأكثر بعد أن انظم إليها سائر أطياف الشعب وقواها السياسية، حيث جعلت نظام الشاه يترنح أمام بسالة الشعب وتصميمه على خوض المعركة حتى النهاية، وبات نظام الشاه في مهب الريح موشكاً على السقوط.

 

سبّبَ ذلك الوضع الخطير في إيران أشد القلق للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، فقد كانت مقاومة الشعب الإيراني لنظام الشاه قد وصلت ذروتها، وبات من المستحيل بقاء ذلك النظام، وبدت أيامه معدودة، وكان لابد أن يضمن الغرب مصالحه النفطية في الخليج .

 

 كان هناك على الساحة الإيرانية تياران يحاولان السيطرة على الحكم، الأول تيار ديني يقوده [آية الله الخميني] من منفاه في باريس، والتيار الثاني يساري يضم حزب تودا الشيوعي، وحزب مجاهدي خلق اليساري، وقد وجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام خيارين أحلاهما مُرْ.

 

 فقد كان التيار اليساري يقلقها بالغ القلق، نظراً لموقع إيران الجغرافي على الخليج أولاً، ولكونها ثاني بلد منتج للنفط في المنطقة ثانياً، ولأن إيران تجاور الاتحاد السوفيتي ثالثاً.

 

وبناء على ذلك فإن مجيء اليسار إلى الحكم في إيران سوف يعني في نظر الإدارة الأمريكية وصول الاتحاد السوفيتي إلى الخليج، وهذا يهدد المصالح الأمريكية النفطية بالخطر الكبير، ولذلك فقد اختارت [أهون الشرين] بالنسبة لها طبعاً، وهو القبول بالتيار الديني ودعمه لاستلام السلطة خوفاً من وصول التيار اليساري إلى الحكم، وسهلت للخميني العودة إلى إيران، حيث تم نقله على عجل بطائرة خاصة  من باريس لتسلم زمام الأمور بالبلاد، بعد أن أوشك نظام الشاه على السقوط.

 

 وهكذا تمكن  التيار الديني من تسلم زمام السلطة، بدعم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وتأسست الجمهورية الإسلامية في إيران في آذار 1979، وتم استبعاد وتهميش القوى اليسارية، ثم ما لبث نظام الخميني أن استأثر بالسلطة لوحده، وشن حملته ضد شركائه في الثورة، وسرقه تضحياتها من أجل انتصار الثورة.

 

إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهِ السفن كما يقول المثل، فلم تكد تمضي سوى فترة قصيرة من الزمن حتى تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، بعد أن أقدم النظام الجديد على تصفية أعداد كبيرة من الضباط الكبار الذين كانوا على رأس الجيش الإيراني، كما جرى تصفية قادة جهاز [السافاك] الأمني الذي أنشأه الشاه بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية، وجرى أيضاً تصفية كافة الرموز في الإدارة المدنية التي كان يرتكز عليها حكم الشاه.

 

 وجاء احتلال السفارة الأمريكية في طهران من قبل الحرس الثوري الإيراني، واحتجاز أعضاء السفارة كرهائن، وإقدام الحكومة الإيرانية على طرد السفير الإسرائيلي من البلاد، وتسليم مقر السفارة الإسرائيلية إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، كل تلك الأحداث المتتالية أثارت قلق الولايات المتحدة، ودفعتها لكي تخطط لإسقاط النظام الجديد في إيران قبل أن يقوى ويشتد عوده، أو على الأقل إضعافه وإنهاكه.

 

وتفتق ذهن المخابرات المركزية إلى أن خير من يمكن أن يحقق هذه المهمة هو إشعال الحرب بين العراق وايران، ووجدت ضالتها في عميل مخابراتها صدام حسين، الذي مهدت له الطريق لقيادة الانقلاب ضد الرئيس أحمد حسن البكر، واستلامه السلطة المطلقة في البلاد، للقيام بهذه المهمة، وبهذه الوسيلة تضرب الولايات المتحدة عصفورين بحجر واحدة فالعراق، وإيران دولتان قويتان في منطقة الخليج، ويملكان إمكانيات اقتصادية هائلة، ولحكامهما تطلعات خارج حدودهما، إذاً يكون إشعال الحرب بين البلدين وجعل الحرب تمتد لأطول مدة ممكنة، بحيث لا يخرج أحد منهما منتصراً ويصل البلدان في نهاية الأمر إلى حد الإنهاك، وقد استنزفت الحرب كل مواردهما،  وتحطم اقتصاد البلدين، وهذا هو السبيل الأمثل للولايات المتحدة لبقاء الخليج في مأمن من أي تهديد محتمل.

 

وهكذا خططت الولايات المتحدة لتلك الحرب المجنونة، وأوعزت لصدام حسين، بمهاجمة إيران والاستيلاء على منطقة [خوزستان] الغنية بالنفط، واندفع صدام حسين لتنفيذ هذا المخطط  يحدوه الأمل بالتوسع صوب الخليج، وفي رأسه فكرة السيطرة على منطقة [خوزستان] وهي منطقة عربية تدعى [عربستان].

 

ولم يدرِ بخلد صدام ما تخبئه له الأيام؟ ولا كم ستدوم تلك الحرب؟ وكم ستكلف الشعب  العراقي من الدماء والدموع، ناهيك عن هدر ثروات البلاد، واحتياطات عملته، وتراكم الديون الكبيرة التي تثقل كاهل الشعب العراقي واقتصاده المدمر.

 

فقد سعت الإمبريالية بأقصى جهودها لكي تديم تلك الحرب أطول فترة زمنية ممكنة، وهذا ما أكده عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، وعلى رأسهم [ريكان] و[كيسنجر]، وغيرهم من كبار المسؤولين الأمريكيين. فلقد صرح الرئيس الأمريكي [ ريكان ] حول الحرب قائلاً:

{ إن تزويد العراق بالأسلحة حيناً، وتزويد إيران حيناً آخر، هو أمر يتعلق بالسياسة العليا للدولة }.

وهكذا بدا واضحا أن الرئيس ريكان كان يهدف إلى إطالة أمد الحرب، وإدامة نيرانها التي تحرق الشعبين والبلدين معاً طالما أعتبر البلدان، بما يملكانه من قوة اقتصادية وبشرية، خطر على المصالح الإمبريالية في الخليج، وضمان وصول النفط إلى الغرب، وبالسعر الذي يقررونه هم لا أصحاب السلعة الحقيقيين.

 

أما هنري كيسنجر، الصهيوني المعروف، ومنظّر السياسة الأمريكية فقد صرح قائلاً:{ إن هذه هي أول حرب في التاريخ أردناها أن تستمر أطول مدة ممكنة ولا يخرج أحد منها منتصراً وإنما يخرج الطرفان منها مهزومين}.

 

وطبيعي أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إذا لم تستمر الحرب إلى أمد طويل، وإضافة إلى كل ذلك كان سوق السلاح الذي تنتجه الشركات الغربية مزدهراً ومحققاً أرباحاً خيالية لتجار الحروب والموت، في حين استنزفت تلك الحرب ثروات البلدين المادية والبشرية، وسببت من الويلات  والماسي والدموع ما لا يوصف، فلم تترك تلك الحرب عائلة في العراق وإيران دون ضحية.

 

لكن الإمبريالية لا تفهم معنى الإنسانية، فقد كان الفرح يغمر قلوبهم وهم يشاهدون كل يوم على شاشات التلفزيون صور الأقمار الصناعية، تلك المجازر التي بلغ أرقام ضحاياها حداً مرعباً، فقد قتل في يوم واحد من أيام المعارك أكثر من عشرة آلاف ضحية، وكانت مصالحهم الاقتصادية تبرّر كل الجرائم بحق الشعوب، ولو أن تلك الحرب وقعت في أوربا، أو أمريكا أو بين العرب وإسرائيل لسارع الإمبرياليون إلى وقفها فوراً، وبذلوا الجهود الكبيرة من أجل ذلك.

 

أن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها هي إن تلك الحرب كانت من تدبير الإمبريالية الأمريكية وشركائها، وأن صدام حسين قد حارب نيابة عنهم، ولمصلحتهم بكل تأكيد، وأن لا مصلحة للشعب العراقي إطلاقاً في تلك الحرب، ولا يوجد أي مبرر لها، وإن الشعب الإيراني تربطه بالعراق علاقات تاريخية ودينية عميقة، إضافة إلى علاقات الجيرة التي تمتد جذورها لقرون عديدة.

 

 كما أن إيران لم تكن مستعدة لتلك الحرب، ولم يعتقد حكام إيران أن النظام العراقي يمكن أن يقدم على مثل هذه الخطوة، وهذا ما يؤكده اندفاع القوات العراقية في العمق الإيراني خلال أسابيع قليلة دون أن يلقى مقاومة كبيرة من قبل الجيش الإيراني.

 

وفي أواسط عام 1982، استطاع النظام الإيراني احتواء هجوم الجيش العراقي، وتوغله في عمق الأراضي الإيرانية، وإعداد العدة للقيام بالهجوم المعاكس لطرد القوات العراقية من أراضيه بعد أن تدفقت الأسلحة على إيران، وقامت الحكومة الإيرانية بتعبئة الشعب الإيراني، ودفعه للمساهمة في الحرب، حيث شنت القوات الإيرانية هجوماً واسع النطاق على القوات العراقية التي عبرت نهر الطاهري متوغلة في العمق الإيراني، واستطاع من تطويق القوات العراقية، وخاضت ضدها معارك شرسة ذهب ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي الذين ساقهم  صدام حسين إلى ساحات القتال، وانتهت تلك المعارك باستسلام بقية القوات العراقية بكامل أسلحتها للقوات الإيرانية.

 

أحدث الهجوم الإيراني هزة كبرى للنظام العراقي وآماله، وأحلامه في السيطرة على منطقة خوزستان  الغنية بالبترول، وكان حكام العراق قد ساوموا حكام إيران عليها بموجب شروط المنتصر في الحرب، إلا أن حكام إيران رفضوا شروط العراق، وأصروا على مواصلة الحرب، وطرد القوات العراقية بالقوة من منطقة خوزستان.

 

وبعد ذلك الهجوم الذي أنتهي بهزيمة العراق في منطقة خوزستان، حاول النظام العراقي التوصل مع حكام إيران إلى وقف الحرب، وإجراء مفاوضات بين الطرفين، بعد أن وجد نفسه في ورطة لا يدري كيف يخرج منها، مبدياً استعداده للانسحاب من جميع الأراضي الإيرانية المحتلة، إلا أن حكام إيران، وعلى رأسهم [الإمام الخميني] رفضوا العرض العراقي، وأصروا على مواصلة الحرب.

 

واستمرت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين يمدون الطرفين بالسلاح كي تستمر الحرب كما خططوا لها، حتى تحولت بعد ثمان سنوات إلى حر الناقلات، وباتت ناقلات النفط مهددة بقصف الطائرات والصواريخ عند ذلك قررت الولايات المتحدة وقفها.

 

 وخرج البلدان من الحرب يمتلكان جيوشاً جرارة واقتصاد منهك، فكان أن تهور صدام مرة أخرى ، فما كاد يخرج من تلك الحرب المجنونة ليغزو الكويت، ويدخل في حرب مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وثلاثون دولة أخرى عام 1990، دمرت قدرات العراق العسكرية  والاقتصادية، وتم فرض الحصار الجائر على العراق الذي استمر حتى غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، ودمر البنية الاجتماعية العراقية.

 

أما حكام طهران قد انكبوا على إصلاح أوضاعهم الاقتصادية، ثم التفتوا إلى التسلح من جديد، وأخذت طموحاتهم تتصاعد عاماً بعد عام لكي تصبح إيران دولة نووية، متجاهلين كل الضغوط الدولية، التي تطورت على التهديدات العسكرية من قبل الدول الغربية وإسرائيل، والتي قابلها حكام طهران بالتهديدات المتقابلة، مما ينذر باشتعال الحرب في الخليج من جديد والتي تهدد بالانتشار في منطقة الشرق الأوسط، ولم يتعلم حكام طهران الدرس من صدام وحروبه الكارثية، فالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لن يدعو حكام طهران يهددون مصالحهم النفطية في الخليح، ومهما بلغت إيران من أسباب القوة فإنها تبقى عاجزة عن تحقيق النصر في أي حرب جديدة، وستجلب الكوارث على شعبها ووطنها إن هي استمرت في مغامرتها العسكرية.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.