اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• مدخل الى الاشتراكية العلمية .. الجزء الثالث - الصفحة 2

 5- أزمة الستالينية

 

 

إن انحدار الثورة العالمية بعد عام 1923 والوضع المتخلف للاقتصاد السوفياتي هما الدعامتان الرئيسيتان لسلطة البيروقراطية في الاتحاد السوفياتي، وهاتان الدعامتان قد تآكلتا تدريجيا منذ نهاية الأربعينات.

فلقد تلا عشرين عاما من هزائم الثورة صعود جديد للثورة العالمية، انحصر في البدء في بلدان متخلفة هي الأخرى (يوغسلافيا، الصين، فيتنام، كوبا)، إلاّ أنه امتد إلى الغرب منذ ماي 1968. وبعد سنوات من جهود «التراكم الاشتراكي»، توقف الاتحاد السوفياتي عن أن يكون بلدا متخلفا، إذ هو اليوم القوة الصناعية الثانية في العالم، ويبلغ المستوى التقني والثقافي فيه مستوى العديد من البلدان الرأسمالية المتقدمة. أمّا البروليتاريا السوفياتية فهي، إلى جانب بروليتاريا الولايات المتحدة، البروليتاريا الأقوى من حيث العدد.

ضمن هذه الشروط، بدأت تزول أسس سلبية الجماهير في البلدان التي تسيطر عليها البيروقراطية السوفياتية، حيث تتوافق مع انتعاش النشاطات المعارضة انقصافات داخل البيروقراطية بالذات التي تخضع، منذ القطيعة بين ستالين وتيتو عام 1948، لسيرورة تمايز متنامية. إن التداخل بين العاملين يشجع على فورات مفاجئة للنشاط السياسي الجماهيري تنطلق على طريق الثورة السياسية، كما حدث في أكتوبر-نونبر 1956 في هنغاريا، أو خلال «ربيع براغ» عام 1968 في جمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية.

جرى إلى الآن قمع هذه الحركات الجماهيرية عبر التدخل العسكري للبيروقراطية السوفياتية، إلاّ أنه بمقدار ما تنضج هذه السيرورات ذاتها في الاتحاد السوفياتي فلن يكون بإمكان أية قوة خارجية أن توقف أمواج الثورة السياسية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي، وسوف يعاد إرساء الديموقراطية السوفياتية، ويتم التحطيم النهائي لأي خطر يهدد بعودة الرأسمالية. سوف يمارس السلطة السياسية الشغيلة والفلاحون الكادحون، كما سيصبح النضال من أجل الثورة الاشتراكية في سائر أنحاء العالم أسهل بما لا يقاس.

 

6- الإصلاحات الاقتصادية

 

بعد موت ستالين، ولاسيما في بداية الستينات، بدأت حركة إصلاح واسعة لطرائق التخطيط والتسيير في الاتحاد السوفياتي وفي العديد من «الديموقراطيات الشعبية». وقد كانت الإصلاحات الأكثر إلحاحا في ميدان الزراعة، حيث كان إنتاج المواد الغذائية على أساس الفرد عند وفاة ستالين أدنى بعض الأحيان مما كان عليه عام 1928، وأدنى فيما يخص الإنتاج الحيواني، مما كان عليه في عهد القياصرة. استهدفت تدابير متتالية إثارة اهتمام الفلاحين، وعقلنة استخدام الآلات الزراعية (التي بيعت للكولخوزات)، وإقامة مزارع دولة عملاقة على «الأراضي البكر» في كازاخستان، والمضاعفة الكثيفة للتثميرات في الزراعة.

أمّا الإصلاحات على صعيد الصناعة فكانت أكثر بطءا وترددا، فالضرورة الموضوعية لتلك الإصلاحات نجمت عن أزمة نمو الاقتصاد السوفياتي وعن انخفاض في نسبة النمو السنوية للإنتاج الصناعي، وهي تتوافق مع نفاد الحوافز التي سمحت بالتسيير كيفما أتفق لعملية التصنيع الواسع، أي دون بذل جهد لتوفير أقصى ما يمكن من نفقات اليد العاملة، والمواد الأولية والأراضي. لقد أدى استنفاد الاحتياطي لضرورة اعتماد حساب أكثر دقة، وخيار أكثر عقلانية بين مختلف مشاريع التثميرات. إن ازدهار الاقتصاد ومضاعفة المشاريع وموارها هددا بزيادة التبذير إلى الحد الأقصى ما لم يتم اعتماد طرائق إدارة وتخطيط أكثر عقلانية.

إن ضغط الجماهير الكادحة التي أنهكتها عقود من التضحيات والتوترات وترغب في تحسين استهلاكها وتنويعه، بالإضافة إلى ضرورة الاقتراب بالقرارات -على مستوى الصناعة الخفيفة- من تلك الرغبات الاستهلاكية، قد فعلا فعلهما في الاتجاه ذاته. وقد شجع عنصر آخر أيضا السعي وراء الاصلاحات، ونقصد بذلك التأخر التكنولوجي المتناهي بالنسبة للثورة التكنولوجية الثالثة للاقتصاد الرأسمالي، وهو تأخر ناجم عن نظام حوافز مادية بالنسبة للبيروقراطية يثبط الهمم إزاء الاختبار والتجديد على صعيد التكنولوجيا، لذا تم تعديل شكل تلك الحوافز مذ ذاك.

لقد جرى الاعتقاد بالحؤول دون تبذير المواد الأولية وقوة العمل وبتشجيع استخدام للتجهيز أكثر عقلانية، عن طريق ربط العلاوات المقدمة للمديرين بـ«الربح» (الفرق بين سعر الكلفة وسعر المبيع) المفترض أنه «يؤلف» النتيجة الإجمالية النهائية للمشروع، بدل ربطها بالإنتاج الخام المعبر عنه بمصطلحات مادية. كانت النتائج متواضعة، لكن إيجابية في الصناعة الخفيفة، إلاّ أنها لم تعدل أبدا في طبيعة النظام الهجينة، لأن أسعار المبيع ظلت تحددها سلطات الخطة المركزية.

إن أهمية تلك الإصلاحات جميعا محدودة، بقدر ما لا تحل المشكلة الأساسية، فما من «آلية اقتصادية»، خارج الرقابة الديموقراطية والعامة التي يمارسها جمهور المنتجين والمستهلكين، يمكنها أن تبلغ الحد الأقصى من المردود مقابل الحد الأدنى من الجهود. كل إصلاح يميل إلى إحلال شكل جديد من التعسفات البيروقراطية والتبذيرات محل الشكل السابق، وليس هناك من عقلنة إجمالية للتخطيط ممكنة في ظل سلطة البيروقراطية وانتفاعها المادي المعتبر محركا رئيسيا لتنفيذ الخطة. إن الإصلاحات لم تعد الرأسمالية ولم تعد إدخال ربح المشاريع كدليل لقرارات التثمير، إلاّ أنها زادت من تناقضات النظام الداخلية. فمن جهة زادت من حدة اندفاع جناح من البيروقراطية لصالح استقلال أكبر لمديري المعامل، وألغت بعض مكاسب الطبقة العاملة من مثل ضمان حق العمل، وزادت من جهة أخرى من حدة مقاومة الشغيلة للميول إلى تحطيم تلك المكتسبات والاقتصاد المخطط.

 

7- الماوية

 

كان انتصار الثورة الصينية الثالثة عام 1949 أهم انتصار حققته الثورة العالمية منذ انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية. فهو كسر التطويق الرأسمالي للاتحاد السوفياتي وحفز حفزا عظيما سيرورة الثورة الدائمة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعدل موازين القوى بشكل محسوس على المستوى العالمي على حساب ألإمبريالية. ولقد تم ذلك الانتصار لأن القيادة الماوية للحزب الشيوعي الصيني قطعت على مستوى الممارسة مع الخط الستاليني القائل بـ«كتلة الطبقات الأربع» وبالثورة على مراحل، وقادت انتفاضة زراعية واسعة واتجهت نحو تدمير الجيش والدولة البرجوازية، رغم إعلاناتها المؤيدة لتحالف مع تشانغ كاي تشيك.

إلاّ أن هذه الثورة الظافرة كانت منذ البدء مشوهة بيروقراطيا، فالقيادة الماوية حدّت من نشاط البروليتاريا المستقل، إذا لم تمنعه منعا تاما، والدولة العمالية التي أقيمت لم يتم إرساؤها على أساس المجالس العمالية والفلاحية المنتخبة ديموقراطيا. انتشرت أشكال إدارة وامتيازات بيروقراطية تتشبه بتلك القائمة في روسيا الستالينية. وهو ما أدى إلى استياء متنام لدى الجماهير، لاسيما الجماهير العمالية والشابة، سعى ماو إلى احتوائه عن طريق تفجير «الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى» بين عامي 1964 و1965.

هذه «الثورة» دمجت أشكالا أصيلة من التعبئة والوعي المعاديين للبيروقراطية لجماهير المدن مع محاولة ماو تطهير جهاز الحزب الشيوعي من خصومه داخل البيروقراطية. وعندما هددت تعبئة الجماهير والتطور الأيديولوجي الأكثر فأكثر نقدية من جانب «الحراس الحمر» بالإفلات من رقابة الجناح الماوي، أوقف هذا الجناح «الثورة الثقافية»، وأعاد إلى حد بعيد وحدة البيروقراطية، مرجعا إلى مراكز القيادة معظم البيروقراطيين الذين تمت تنحيتهم حين بلغت تلك «الثورة» ذروتها.

إن النزاع الصيني-السوفياتي الذي أثارته محاولة البيروقراطية السوفياتية فرض رقابة صارمة على قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وإلغاء المساعدة الاقتصادية والعسكرية المقدمة لجمهورية الصين الشعبية ردا على رفض ماو الانحناء أمام تلك القرارات التعسفية، تحول تدريجيا من نزاع بين البيروقراطيتين إلى نزاع على مستوى الدولة وإلى معركة تنظيمية وأيديولوجية داخل الحركة الستالينية العالمية. لقد وجهت النزعة القومية الضيقة للبيروقراطيتين السوفياتية والصينية ضربة قاصمة لمصالح الحركة العمالية والمعادية للإمبريالية على المستوى العالمي، وسمحت للإمبريالية بالمناورة لاستغلال النزاع الصيني-السوفياتي.

تمثل الماوية على المستوى الأيديولوجي تيارا خاصا داخل الحركة العمالية، العديد من وجوهه تنويع من التشويه الستاليني للماركسية-اللينينية، إلاّ أنه لا يمكن حصره بالستالينية. ففيما الستالينية ناتج وتعبير في الوقت ذاته عن ثورة مضادة سياسية داخل ثورة بروليتارية ظافرة، فالماوية هي في الوقت ذاته تعبير عن انتصار ثورة اشتراكية وعن الطبيعة المشوهة بيروقراطيا منذ البدء لتلك الثورة. إنها تدمج إذا ملامح مقاربة أكثر مرونة وأكثر انتقائية للعلاقات بين الأجهزة والجماهير، مع ملامح مميزة لخنق كل استقلال لنشاط الجماهير وتنظيمها، لاسيما الجماهير العمالية. وهي تتميز على وجه الخصوص بعدم فهم الطبيعة الاجتماعية للبيروقراطية العمالية وأصول الانحطاط البيروقراطي المحتمل للثورات الاشتراكية والدول العمالية، طالما هي بذاتها التعبير الأيديولوجي عن واحد من أجنحة البيروقراطية. وهي إذ تماثل بصورة غير مسؤولة وغير علمية بين «البيروقراطية» و«بورجوازية الدولة» في الاتحاد السوفياتي، تبرر مسبقا كل انعطافات السياسة الخارجية الصينية والمجموعات الماوية، إلى حد وضع الإمبريالية الأمريكية والاتحاد السوفياتي، والأحزاب البرجوازية والأحزاب الشيوعية، على قدم المساواة، لا بل إلى حد اعتبار الاتحاد السوفياتي والأحزاب الشيوعية «العدو الرئيسي للشعوب»، عارضة التحالف مع القوى الإمبريالية العظمى والأحزاب البورجوازية في مجه الاتحاد السوفياتي والأحزاب الشيوعية. زد على أن هذه التكتيكات تستند إلى الموضوعة التي تقول أن معظم البلدان الرأسمالية ليست اليوم إزاء مهمة الثورة الاشتراكية، بل فقط إزاء مهمة «النضال من أجل الاستقلال القومي في مواجهة القوى العظمى».

إن الطابع الاعتباطي لهذه النظريات جميعا، التي ليست في نهاية المطاف أكثر من تبريرات لاحقة لمناورات بيكين الديبلوماسية، تمد جذورها في تشويه الماركسية المثالي والإرادي، فبحجة مكافحة «النزعة الاقتصادية» التي هي المراجعة «الأخطر» للماركسية، يتوقف «الماويون الأورثوذكسيون» عن اعتبار الطبقات الاجتماعية كحقائق موضوعية تحددها علاقات الإنتاج التي تعقدها في إنتاجها لحياتها المادية. تجري مماثلة الطبقات الاجتماعية مع خيارات إيديولوجية، ولا تعود البروليتاريا مجموع من يحصلون على أجور لقاء عملهم، بل أولئك الذين «يسيرون وفقا لخط ماو تسي تونغ». وبهذه الطريقة تجري مماثلة تيارات ذات أيديولوجية بورجوازية أو بورجوازية صغيرة داخل الطبقة العاملة مع «البورجوازية» أو «ممثليها»، والنضال الأيديولوجي داخل الحركة العمالية مع «الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبورجوازية». يشكل ذلك مذ ذاك ركيزة رفض الديموقراطية العمالية، وتبرير استخدام العنف والقمع داخل الحركة العمالية، ورفض كل التراث الماركسي-اللينيني للنضال من أجل الجبهة الموحدة للمنظمات العمالية في وجه العدو الطبقي المشترك. تتم مماثلة ديكتاتورية البروليتاريا مع «فكر ماو تسي تونغ»، ويمارسها «حزب ماو تسي تونغ». هكذا تغلق الحلقة، وبعد الدخول في حرب ضد سلطة البيروقراطية في الاتحاد السوفياتي، تنتهي القيادة الماوية إلى تنصيب نظام قيادة بيروقراطية شبيهة جدا بتلك الموجودة في الاتحاد السوفياتي، حتى ولو أحاطت بها بهارج «ديموقراطية مباشرة» و«مشاركة» جماهيرية باتخاذ القرارات. ولا يقل رفض ماو عن رفض ستالين أو خروتشيف أو بريجنيف للنظرية اللينينية حول ديكتاتورية البروليتاريا كديكتاتورية مرتكزة إلى ممارسة السلطة من جانب مجالس العمال والفلاحين المنتخبة انتخابا حرا وديموقراطيا.

*******

 

13/ من النضالات الجارية التي تخوضها الجماهير إلى الثورة الاشتراكية العالمية

 

منذ الحرب العالمية الأولى والشروط المادية الضرورية لقيام مجتمع اشتراكي قيد الوجود. فالمنشأة الكبيرة أصبحت قاعدة الإنتاج، والتقسيم العالمي للعمل بلغ مستوى عاليا، وتحقق التداخل بين البشر جميعا -«التشريك الموضوعي للعمل»- إلى حد بعيد. مذ ذاك أصبح ممكنا من الناحية الموضوعية استبدال نظام الملكية الخاصة والمنافسة واقتصاد السوق بنظام قائم على التشارك بين جميع المنتجين وتخطيط الاقتصاد بغية تحقيق أغراض مختارة بحرية.

***

 

1- شروط انتصار الثورة الاشتراكية

 

إلاّ أن الثورة الاشتراكية، على نقيض كل الثورات الاجتماعية الماضية، تتطلب جهدا واعيا وإراديا من جانب الطبقة الثورية، أي من جانب البروليتاريا. ففي حين أحلت ثورات الماضي نظام استغلال اقتصادي للمنتجين محل نظام آخر، واكتفت هكذا بإزالة الحواجز من على طريق اشتغال هذه الآلية الاقتصادية أو تلك، تسعى الثورة الاشتراكية لإعادة تنظيم الاقتصاد والمجتمع وفقا لمشروع متصور مسبقا، يكمن في التنظيم الواعي للاقتصاد بهدف كفاية كل الحاجات العقلانية لدى البشر وضمان التفتح الكامل لشخصيتهم.

مشروع من هذا النوع لا يتحقق آليا، إنه يتطلب من الطبقة الثورية وعيا كاملا لأهدافها ولوسائل بلوغ تلك الأهداف، لاسيما أن على طبقة الشغيلة خلال نضالها من أجل الثورة الاشتراكية أن تواجه عدوا طبقيا، منظما تنظيما عاليا، يملك أكثر فأكثر شبكة عالمية من القوى العسكرية والمالية والسياسية والتجارية والأيديولوجية بغية تأبيد سيطرته.

يتطلب انتصار الثورة الاشتراكية إذا نوعين من الشروط ليضمن النجاح:

 

  شروطا موضوعية -كما يقال- أي مستقلة عن مستوى وعي البروليتاريين والثوريين، ومن بينها نضج الشروط المادية والاجتماعية (القاعدة الاقتصادية وقوة البروليتاريا العددية) - الحاصلة على المستوى العالمي بصورة مستمرة منذ ما قبل عام 1914. ينبغي أن نضيف كذلك شروطا سياسية، من مثل عجز الطبقة البورجوازية عن الحكم وانقساماتها الداخلية المتعاظمة، ورفض الطبقات المنتجة لسلطة البورجوازيين وتمردها المتعاظم على تلك السلطة. هذه الشروط السياسية الموضوعية الضرورية لانتصار ثورة اجتماعية يتم اكتسابها دوريا في العديد من البلدان، إبان أزمات سابقة للثورة وأزمات ثورية عميقة تنفجر فيها.

 

  وشروطا ذاتية، أي متعلقة بمستوى وعي الطبقة البروليتاريا وبدرجة نضج قيادتها الثورية أو حزبها الثوري وتأثير تلك القيادة وقوتها.

يمكن أن نستخلص أن الثورات الاشتراكية الظافرة منذ الحرب العالمية الأولى كانت ممكنة موضوعيا في العديد من المرار وفي العديد من البلدان، ونكتفي في هذا المجال بالإشارة إلى البلدان المتقدمة صناعيا، من مثل ألمانيا بين 1918 و1920، وعام 1923، وفي أعوام 1930-1932، وإيطاليا بين 1919 و1920 وبين 1946 و1948، وبين 1969 و1970، وفرنسا عام 1936، وبين 1944 و1947، وفي ماي 1968، وبريطانيا بين 1919 و1920، وعام 1926، وعام 1945، وإسبانيا بين 1936 و1937 الخ. الخ.

بالمقابل، لم تكن الشروط الذاتية ناضجة لانتصار الثورة، فغياب الانتصارات الثورية في الغرب مرتهن إلى الآن قبل كل شيء بـ«أزمة العامل الذاتي للتاريخ»، أزمة الوعي الطبقي والقيادة الثورية للبروليتاريا.

 

2- بناء الأممية الرابعة

 

انطلاقا من هذا التحليل المرتكز إلى الإفلاس التاريخي للإصلاحية والستالينية في قيادة البروليتاريا إلى النصر، اضطلع تروتسكي وقبضة من الشيوعيين المعارضين منذ عام 1933 بمهمة بناء قيادة ثورية جديدة للبروليتاريا العالمية، وقد أسسوا عام 1938 الأممية الرابعة لهذه الغاية.

طبعا لم تصبح بحد ذاتها الأممية الثورية الجماهيرية التي ستكون وحدها قادرة على العمل كهيئة أركان عامة للثورة العالمية، إلاّ أنها تنقل برنامج هكذا أممية ثورية جماهيرية وتتقنه وتحسنه، بفضل نشاطاتها الدائبة في قلب الصراع الطبقي في خمسين بلدا. وهي تكون كادرات ثورية على قاعدة هذا البرنامج وعبر نشاطاتها المتعددة، وتحفز هكذا عن سابق تصور وتصميم توحيد تجارب الثوريين ووعيهم على المستوى العالمي، عن طريق تعليمهم العملل داخل تنظيم واحد بدل أن ينتظروا عبثا توحيدا من هذا النوع من النتائج العفوية لانطلاق القوى الثورية في مختلف بلدان العالم وأجزائه، تلك القوى التي تتطور منفصلة بعضها عن البعض الآخر.

لا تكتفي الأممية الرابعة بأن تنتظر بصورة سلبية «ذلك المساء العظيم» فيما تنجز إبان ذلك برنامجها. وهي لا تتقوقع في الدعاية المجردة لهذا البرنامج. كما أنها لا تبذر كذلك قواها في نشاطية وتحريض عقيمين، محصورين في دعم النضالات المباشرة للجماهير المستغلة.

إن بناء أحزاب ثورية جديدة وأممية ثورية جديدة ينطوي في الوقت ذاته على الدفاع الحازم عن البرنامج الماركسي الثوري الذي يجمع دروس كل التجارب الماضية للصراع الطبقي، وعلى الدعاية والتحريض من أجل برنامج عمل هو جزء من البرنامج الماركسي-الثوري العام، دعاه تروتسكي برنامج المطالب الانتقالية وهو يستوحي تعابير استخدمها قادة الأممية الشيوعية خلال سنواتها الأولى، وعلى التدخل المتواصل في نضالات الجماهير بغية الوصول بها إلى أن تتبنى عمليا برنامج العمل هذا، وبغية تزويد تلك النضالات بأشكال تنظيم تؤول إلى خلق مجالس عمالية.

إن ضرورة قيام أممية ثورية، هي أكثر من جمع أحزاب ثورية قومية، ضرورة ترتكز إلى قواعد مادية صلبة. فالعصر الإمبريالي هو عصر الاقتصاد والسياسة والحروب العالمية، والإمبريالية هي نظام عالمي متمفصل، وقوى الإنتاج أصبحت دولية منذ زمن بعيد. أمّا رأس المال فينتظم يوما بعد يوم على المستوى الدولي في تروستاته الكبيرة متعددة الجنسيات، والدولة القومية صارت منذ زمن بعيد عائقا دون التطورات اللاحقة للإنتاج والحضارة. من هنا لا يمكن حل مشكلات الإنسانية إلاّ على المستوى العالمي، تلك المشكلات التي نختصرها بالأمور التالية: الحؤول دون الحرب النووية العالمية، سد جوع نصف الكرة الجنوبي، تخطيط النمو الاقتصادي، التوزيع العادل للموارد والمداخيل بين الشعوب جمعاء، حماية البيئة، وضع العلم في خدمة الإنسان.

إنه لمن قبيل الطوباوية أن نريد ضمن هذه الشروط التقدم نحو الاشتراكية فرادى، أن نريد الإجهاز على خصم منظم عالميا فيما نحتقر كل تنسيق أممي للمشروع الثوري، لا بل أن نريد مواجهة تروستات متعددة الجنسيات عبر نضالات عمالية مقصورة على بلد واحد.

أضف إلى ذلك أن للنضالات الثورية اتجاها موضوعيا وعفويا للامتداد على المستوى الدولي، لا فقط ردا على تدخلات مضادة للثورة من جانب العدو الطبقي، بل كذلك، على وجه الخصوص، بفعل الحافز الذي تمارسه على شغيلة العديد من البلدان. إن التأخير المتواصل لخلق منظمة أممية حقيقية للثوريين لا يعني التأخر فقط بالنسبة للضرورات الموضوعية لعصرنا بل كذلك بالنسبة للاتجاهات العفوية للقطاعات الجماهيرية الأكثر تقدما.

في إطار الصعود الجديد للنضالات العمالية ولتجذر الشبيبة عبر العالم منذ نهاية الستينات، الذي يرمز إليه ماي 1968 في فرنسا، تمكنت الأممية الرابعة من مضاعفة قواها بشكل محسوس. إنها الآن موجودة في 65 بلدا، وفي كل القارات. عشرون من منظماتها شهدت تطورا ذا شأن إذ حققت انغراسا حقيقيا وسط الجماهير، وشاركت أحيانا من مستوى القيادة، في نضالات طبقية مهمة. نشير في هذا المجال إلى دور التروتسكيين الفرنسيين في ماي 1968 وفي تشكيل طليعة عمالية ونقابية جديدة مذ ذاك. وإلى دور التروتسكيين الأمريكيين في التعبئة ضد الحرب القذرة في فيتنام! وإلى دور التروتسكيين الإسبانيين في تكوين طليعة ثورية جديدة! وإلى دور التروتسكيين الأرجنتينيين والمكسيكيين والكولومبيين في خلق تيار طبقي داخل الحركة الجماهيرية في بلدانهم! وإلى دور التروتسكيين السيلانيين في إعادة إطلاق اليسار العمالي بعد انحدار القيادة القديمة للحركة العمالية إلى حضيض التعاون الطبقي. تلك الأدوار تشكل بعض النتائج الرئيسية التي تم التوصل إليها ما بين 1968 و1977.

 

3- المطالب المباشرة والمطالب الانتقالية

 

إن الاستغلال والاضطهاد الإمبرياليين، في عصرنا، يدفعان الجماهير في كل مرة من جديد على طريق معارك كبرى. إلاّ أن الجماهير، متروكة لذاتها، لا تصوغ أكثر من أهداف مباشرة لتلك النضالات، من مثل الدفاع عن الأجور الفعلية أو زيادتها والدفاع عن بعض الحريات الديموقراطية الأساسية أو انتزاعها، وإسقاط حكومات قمعية بوجه خاص، الخ.

يمكن للبرجوازية أن تقدم تنازلات للجماهير المناضلة تلافيا لتطور معاركها إلى درجة تهديد مجمل الاستغلال الرأسمالي. وهي تسمح لنفسها بذلك، لاسيما أنها تمتلك العديد من الأدوات الصالحة للاستعمال من أجل إفراغ تلك التنازلات من مضامنها، واستعادة يد ما تقدمه اليد الأخرى. فإذا كانت تقبل بزيادات في الأجور، يمكن لرفع الأسعار أن يبقي الأرباح عند مستواها الأصلي، وإذا تم الحد من دوام العمل يمكن تسريع وثيرته، وإذا انتزع الشغيلة تدابير ضمان اجتماعي يمكن مضاعفة الضرائب التي تصيب مداخيلهم، بحيث يدفعون بذاتهم ما يبدو أن الدولة تمنحهم إياه، الخ.

من أجل الخروج من هذه الدائرة المفرغة، ينبغي دفع الجماهير لتضع لأنفسها أهدافا لنضالاتها الجارية تتمثل بمطالب انتقالية يتعارض تحقيقها مع المسار الطبيعي للاقتصاد الرأسمالي والدولة البرجوازية، وينبغي أن تصاغ هذه المطالب بحيث تفهمها الجماهير، وإلاّ بقيت حبرا على ورق. يلزم أن تكون في الوقت ذاته قادرة على أن تثير بمضمونها، وباتساع النضالات التي تستثيرها، رفضا إجماليا للنظام الرأسمالي وولادة أجهزة من النموذج السوفياتي، أجهزة ازدواجية سلطة. ليست المطالب الانتقالية صالحة فقط في فترة الأزمة الثورية الحادة -ومن بينها مطلب الرقابة العمالية-، بل هي تتجه على وجه التحديد نحو توليد هكذا أزمة ثورية، عبر دفع الشغيلة إلى رفض النظام الرأسمالي، سواء على المستوى العملي أو على مستوى وعيهم.

 

4- القطاعات الثلاث للثورة العالمية في أيامنا

 

بفعل تأخر الثورة الاشتراكية في البلدان الصناعية المتقدمة تجد البروليتاريا العالمية نفسها في مواجهة مهام مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم.

ففي البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، لا يمكن للشغيلة والفلاحين الفقراء أن ينتظروا هرع عمال البلدان المصنعة لمساعدتهم. إن اندلاع نضالات جماهيرية وحركات ثورية واسعة أمر محتوم بفعل العبء الثقيل من القمع والبؤس الذي فرضته الإمبريالية على الجماهير العمالية والفلاحية في تلك البلدان. على الشغيلة أن يدعموا كل حركة جماهيرية معادية للإمبريالية، سواء كانت موجهة ضد السيطرة الأجنبية أو ضد الاستغلال الذي تمارسه التروستات الأجنبية، وسواء استهدفت الثورة الفلاحية أو تصفية ديكتاتوريات محلية دموية. إن البروليتاريا التي اكتسبت القيادة السياسية لتلك الحركات الجماهيرية، بفضل حزمها واجتهادها في تبني المطالب التقدمية لكل طبقات الأمة وشرائحها المستغلة، إنما تقاتل لأجل استلام السلطة، ولتطيح في الوقت ذاته ملكية البرجوازية الصناعية وسلطتها.

وفي البلدان العمالية المتبقرطة، تنتفض الجماهير من أجل انتزاع حريتها الديموقراطية، وذلك في وجه احتكار ممارسة السلطة من جانب البيروقراطية، وضد انبعاث الاضطهاد القومي، وضد الفوضى والتبذير والامتيازات المادية الملازمة للتسيير البيروقراطي للاقتصاد. إنها تطالب بتسيير الدولة العمالية بواسطة الشغيلة أنفسهم، المنظمين في مجالسهم (السوفييتات)، وبتسيير الاقتصاد المخطط عن طريق نظام مجالس شغيلة ممركز ديموقراطيا.

أما في البلدان الإمبريالية فتتحول حركات الجماهير ضد الاستغلال الرأسمالي والتضييق على الحريات الديموقراطية أو إلغائها، بفضل البرامج الانتقالي وبناء قيادة ثورية جديدة، إلى نضالات لإطاحة الدولة البرجوازية ومصادرة رأس المال، فإلى ثورة اشتراكية ظافرة.

إن المهام المختلفة التي تواجه البروليتاريا والثوريين في أجزاء مختلفة من العالم -أي مهام الثورة الدائمة في البلدان المتخلفة ومهام الثورة السياسية المناهضة للبيروقراطية في البلدان العمالية المتبقرطة، ومهام الثورة البروليتارية في البلدان الإمبريالية- إنما تعكس التطور اللا متساوي والمركب للثورة العالمية. فهذه الأخيرة لا تنفجر بصورة متشابهة في كل البلدان، إذ لا تعيش كل البلدان ضمن شروط اجتماعية واقتصادية وسياسية متماثلة.

تكمن المهمة العليا للماركسيين الثوريين في التوحيد التدريجي لتلك الحركات الثورة الثلاث في السيرورة ذاتها للثورة الاشتراكية العالمية. هذا التوحيد ممكن موضوعيا بفضل كون طبقة اجتماعية واحدة، هي البروليتاريا، قادرة لوحدها على أن تقود إلى الشاطئ الأمين المهام التاريخية المتمايزة للثورة في كل من القطاعات الثلاثة التي أشرنا إليها، وسيصبح هذا التوحيد حقيقيا بفضل التربية والسياسة الأمميتين للطليعة الثورية التي سوف تستخلص من النضالات الجارية يوما بعد يوم تجارب تضامن أممي بين الشغيلة والمضطهدين في كل البلدان، وتقاتل بصورة منهجية كره الأجنبي والعنصرية ومختلف المسبقات القومية، من أجل إدخال هذا الوعي الأممي إلى أعماق الجماهير الواسعة.

 

5- الديموقراطية العمالية والتنظيم الذاتي للجماهير والثورة الاشتراكية

 

إن أحد الوجوه الرئيسية لعمل الجماهير المباشرة، لحركات التظاهر أو الإضراب الضخمة التي يقومون بها، إنما هو رفع مستوى وعيهم عن طريق تزايد ثقتهم بأنفسهم.

يعتاد الشغيلة والفلاحون الفقراء وصغار الحرفيين والنساء والشباب والأقليات القومية والعرقية على التعرض خلال الحياة اليومية للانسحاق والاستغلال والاضطهاد من جانب خليط من المالكين والأقوياء. لديهم انطباع أن التمرد مستحيل وغير مجد، وأن قوة خصومهم كبيرة لدرجة ينتهي معها كل شيء إلى «العودة للنظام» على الدوام. إلاّ أن هذا الخوف، هذا الإحباط، هذا الشعور بالدونية والعجز، يذوب فجأة في مصهر التعبئة والمعارك الجماهيرية الكبرى. فالجماهير تكتسب إذ ذاك وعيا عميقا لسلطتها العظيمة الكامنة، منذ تتحرك مجتمعة، بصورة جماعية ومتضامنة، منذ تتنظم وتنظم معركتها بفعالية.

لذا يعلق الماركسيون الثوريون أهمية قصوى على كل ما يضاعف هذا الشعور بالثقة بالذات لدى الجماهير، على كل ما يحررهم من السلوك المطواع والخاضع الذي تشربوه خلال الآلاف من سنوات سيطرة الطبقات المالكة. «لسنا شيئا، فلنكن كل شيء»: إن هذه الكلمات من المقطع الأول في نشيدنا، «نشيد الأممية»، تلخص بصورة مدهشة تلك الثورة النفسية التي لا بد منها لأجل انتصار ثورة اشتراكية.

على طريق التنظيم الذاتي للجماهير، تلعب دورا حيويا جمعيات ديموقراطية للمضربين تنتخب لجان إضراب، وكل آلية مشابهة داخل أشكال أخرى للعمل الجماهيري. في تلك الجمعيات تتمرن الجماهير على حكم ذاتها بذاتها، وبتعلمها قيادة نضالاتها الخاصة بها تتعلم كيف تدير الدولة والاقتصاد غدا. إن أشكال التنظيم التي تعتاد هكذا عليها هي الأشكال الجنينية للمجالس العمالية القادمة، للسوفييتات القادمة، هي أشكال التنظيم الأساسية للدولة العمالية التي ينبغي بناؤها.

إن وحدة العمل التي لا بد منها من أجل جمع قوى الشغيلة المبعثرة، الروح الوحدوية العظيمة التي تجمع عبر حالات التعبئة والأعمال الجماهيرية الكبرى ملايين الأشخاص الذين لم يعتادوا على العمل معا، لا يمكن تحقيقها من دون ممارسة أوسع قدر من الديموقراطية العمالية. ينبغي للجنة إضراب منتخبة ديموقراطيا أن تكون، من حيث تحديدها، منبثقة من كل المضربين في المنشأة، أو في الفرع الصناعي، أو المدينة، أو المنطقة، أو البلد الذي يشهد حالة الإضراب. إن استبعاد ممثلي هذا القطاع أو ذاك من الشغيلة المعنيين، بحجة أن آراءهم السياسية أو الفلسفية لا تناسب قادة الإضراب المؤقتين، هو كسر لوحدة الإضراب، وبالتالي كسر للإضراب.

يطبق المبدأ ذاته على كل أشكال العمل الجماهيري الواسع وعلى أشكال التنظيم التمثيلية التي يتخذها. إن الوحدة التي لا غنى عنها من أجل تحقيق النصر تفترض الديموقراطية العمالية مسبقا، أي مبدأ عدم استبعاد أي تيار من المقاتلين. فللكل الحق في الكلام والتمثيل، وللكل الحق في الدفاع عن اقتراحاتهم الخاصة بهم بغية تتويج النضال بالنصر.

إذا تم احترام تلك الديموقراطية فسوف تحترم الأقليات بدورها قرارات الأكثريات لأنها تحتفظ بإمكانية تعديلها على ضوء التجربة. وبهذا التأكيد للديموقراطية العمالية تبشر أشكال التنظيم الديموقراطية لنضالات الشغيلة بإحدى خصائص الدولة العمالية القادمة، المتمثلة بتوسيع الحريات الديموقراطية لا الحد منها.

*******

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.