اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

مع إيران ام مع أمريكا ترامب؟// عارف معروف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عارف معروف

 

عرض صفحة الكاتب

مع إيران ام مع أمريكا ترامب؟

عارف معروف

 

1-      بالنسبة للبعض منا لا يمكن تناول الشأن الإيراني او ما يتعلق به بأي قدر من الموضوعية والحياد، إذْ تصدر النظرة الى هذا الشأن عن موقف مسبق وعاطفة "ثابته" ، وهذه العاطفة وذاك الموقف ما عادا نتاجا للبروبغندا العدائية التي استلزمتها حربٌ ضروس استمرت لثمانية أعوام واكلت من الأموال والانفس والفرص ما لا يمكن تعويضه لتعود الى نقطة البدء، منذ اكثر من ثلاثة عقود. ولا هي نتاج لفوبيا اشاعتها بروبغندا تالية أوسع نطاقا واكثر عمقا استهدفت شعوب المنطقة العربية وحاولت جعل العداء والكراهية والشكوك والاوهام اسسا ثابته في النظرة والعلاقة مع الجارة المسلمة فقط، وانما تعززت بانطباعات ومواقف لاحقة، وسّعت من مدى المتأثرين بهذا الامر، تأسست على ما افرزته الحالة العراقية منذ 2003 وحتى اليوم. فلقد تعاظم النفوذ الإيراني في العراق ووجد له آليات وواجهات وقوى وشخوص، ارتبط بعضها بأشد وجوه وانشطة العملية السياسية حلكة وفسادا، ومن الطبيعي جدا ان ينعكس هذا الامر في الموقف من ايران وفي الاستجابة للكثير مما تهدف اليه الدعاية المضادة لها من أغراض وغايات من جهة، اضافة الى مساعي وخطط في برمجة وتنميط الشخصية العراقية وفقا لانتمائها الطائفي او العنصري اشتغلت عليه جهات وأجهزة ذات إمكانات إعلامية كبيرة واستهدف ضمن من استهدف "السُنة" العراقيين بحيث تصبح كراهية ايران وشيطنتها بل واحلالها محل العدو الصهيوني جزءا من تكوينهم النفسي والفكري، مع شغلٍ مكملٍ على الجانب المضاد في تحويلها لدى الشيعة العراقيين الى قطبِ ولاء وحالة مثالية لا يأتيها الباطل ولا يعتورها الزلل، من جهة أخرى.

 

2-   ان هذا الامر جعل ايران، رغم قربها الشديد ومساهمتها الحقيقية في تقرير الكثير من جوانب الواقع العراقي، سلبا او إيجابا، تبدو مجهولة تماما بالنسبة للبعض، بل تابو، لا يمكن الحديث بشأنه حديثا معقولا او التعاطي معه بعقلانية بغية فهمه، ويكون الحال اكثر مدعاة للاستغراب حينما يطال بتأثيره الكثير المثقفين والإعلاميين والناشطين، من الوطنيين واليساريين والديمقراطين. فايران ليست واحدة، كما هو شأن كل مجتمع حيّ وحقيقي، فالى جانب ان هناك ايران الشعب وايران النظام، وما يمكن ان يفرزه كل ذلك من معطيات، فان النظام السياسي نفسه ليس وحدة واحدة، ولا يمكن ان يكون كذلك في أي مجتمع آخر خارج اطار الأنظمة الشمولية المغلقة، الاّ في نظرة الوعي المسطح وفهمه للأمور. وتحت سطح ما يبدو انه لونٌ واحد ثمة تمايزات ومصالح متباينة وصراعات وتطلعات الى آفاق مختلفة الى الدرجة التي لا تعدم حتى اشّد القوى الخارجية عداءا لإيران صلات وقوى وشخصيات متعاونة او متوافقة معها في الآفاق والغايات في الداخل، رغم ان التيار السائد والصوت الأعلى هو للقوى والبرامج التي تدعو الى الاستقلالية والى الحمائية التجارية والحد من نفوذ وهيمنة الامبريالية ودعم قضايا التحرر وخصوصا العربية ومعاداة إسرائيل.

 

3-      ان هذا الواقع غير الصحي لحالة الوعي بصدد عنصر مهم من عناصر الواقع السياسي الإقليمي والعراقي، والهجوم الاستراتيجي الجديد الذي بدأته إدارة ترامب مؤخرا على  المنطقة برمتها واختارت ان تكون ايران فيه بمثابة الثور الأبيض، في القصة المعروفة، يستدعي مقاربة موضوعية تبتعد عن مواقع العداء او الولاء غير المشروطين وتصدر عن تقييم يحاول ان يكون موضوعيا للموقف وللمصلحة الوطنية العراقية بعيدا عن هذين الموقعين المتنافيين قطبيا.

 

4-    ابتداءا، لقد تراجعت إدارة ترامب عن اتفاق دولي ملزم، وصفته الولايات المتحدة الامريكية نفسها بانه اتفاق "تاريخي" في حينه، لتطالب ايران باتفاق جديد سبقته باثني عشر شرطا او املاءا لا يمكن ان تقبل بها وتستجيب لها الاّ دولة خاسرة لحرب وقيادة مهزومة! في الوقت الذي تجد فيه اطراف الاتفاق الأخرى "روسيا، الصين، بريطانيا، المانيا، وفرنسا" انه ما يزال يقدم أساسا صالحا للحل. ثم أعقبت ذلك بعقوبات شديدة تريد من الدول الأخرى الالتزام بها وتهدد انها ستُعامل مثل ايران في حال خرقها لهذه العقوبات. ان إدارة ترامب تُقدم على سابقة التحلل من التزامات عقدتها بنفسها أولا وتتصرف وكأنها الاب الراعي او الحاكم المطلق للدول والشعوب الأخرى التي يتعين ان تستجيب لما يريده دون كلمة اعتراض او حتى تردد!

 

5-      ان مثل هذا الواقع والقبول به يمكن ان يشكل تهديدا خطيرا لمعنى وحقوق السيادة والاستقلال والحرية لكل الشعوب والدول الأخرى وخصوصا دول المنطقة، ومن شأنه ان يمّكن الولايات المتحدة من ان تملي عليها سياساتها الخارجية والداخلية بالتفصيل وبما يطمن أمريكا الى امنها الاستراتيجي الذي تراه، واقعا، يمتد الى حيث تمتد إسرائيل او الأنظمة الموالية والتابعة، كما جاء ضمنيا في املاءات بومبيو الاثني عشر!

 

6-   ومن الواضح ان هذا الانسحاب ودعوة ايران الى القبول صاغرة بالجلوس الى مفاوضات من اجل اتفاق جديد هو في الحقيقية توقيع على صك استسلام سيتضمن حتما إمكانية الوصول وتفتيش أي مكان في ايران كما جاء في املاءات بومبيو، وهو ذات ما سمح به النظام العراقي السابق دون ان يشفع له في تلافي الغزو والاحتلال، لاحقا، وبعد ان سلم كل شيء، وهي تجربة تعيها القيادة الإيرانية جيدا ولمست عن قرب عواقبها!

 

7-      لذلك فمن  الطبيعي ان ترفضها ايران ومن الطبيعي أيضا، ان يكون الموقف المبدئي السليم لكل من يؤمن بقيم الحرية والاستقلال وحق الأمم والأنظمة في اختياراتها وتحديد سياساتها وفق مصالحها هو الرفض لهذه السياسة والتضامن مع ايران كدولة مستقلة وشعب له الحق في الحياة والحرية.

 

8-    من جهة أخرى لا يمكن تجاهل ان طبيعة هذه الاملاءات ومحتوى هذه السياسة هو اعلان صريح لحرب قادمة او سوق واضح باتجاهها، حرب ستكون بعيدة عن حدود الولايات المتحدة الامريكية، لكن اراضي وشعوب المنطقة ستكون ميادين مفتوحة لها، حتما، وسيطال التهديد، مرة اخرى، وبصورة اوسع بما لا يقاس، البشر والمصالح والبنى والثروات بل وسيغير حتما وجه وتكوين المنطقة السياسي بما يخدم غايات ومصالح القوى الكبرى، وبالنسبة للعراقيين، قد تكون كارثة جديدة تتوج سلسلة الكوارث المستمرة التي اكتووا بنارها وكانوا وقودا لها منذ ثلاثة عقود وحتى اليوم، لكنها هذه المرة قد تكون طامة مهلكة، اذ ان من السهل، كما هو معروف، البدء بالحرب ولكن من المستحيل التنبؤ بمداها ونهايتها، ناهيك عن ان الاسلحة والأساليب والحركات قد لا تكون مما هو متوقع او محسوب!

 

9-      لذلك فمن الجهل القاتل وانعدام المسؤولية الترحيب بالموقف الأمريكي وعده شيئا نافعا، باي صورة من الصور، للمصلحة العراقية، بدعوى انه سيخفف من نفوذ ايران ورجالها في العراق، بل ولا يقل عن ذلك، في المسؤولية الأخلاقية للمثقف والناشط الذي يكرس نفسه ودعوته لقيم الاستقلال والحرية غض النظر عما يجري وعدم رفضه وادانته والتحريض ضده. فالسبحة، دائما تكر، والدائرة التي تبدأ بالثور الأبيض، كما اكدت التجربة التاريخية البعيدة والقريبة، لن تكتمل الاّ بنحر الثيران المعاندة جميعا!

 

10-  واذا كانت الإدارة الامريكية، على عهد بوش، قد داعبت بعض الامال الساذجة لقسم من العراقيين بالقول انها جاءت الى العراق تحت راية "محررين لا فاتحين" الاستعمارية القديمة وادعت انها تستهدف النظام لا العراق الذي تحمل له وعودا طيبة بالديمقراطية والتنمية، فأن ترامب فضح جوهر السياسة الامريكية واعلن على رؤوس الاشهاد بان الشعب العراقي لا وجود له وان السيادة العراقية امر مضحك وانه يريد النفط العراقي تعويضا له عن غزوه! بل وحتى حلفاءه الخليجين لم يتورع عن تسميتهم بالبقرة التي يتعين حلبها تكرارا وهو يجمع المليارات منهم ثمنا لحمايتهم كما قال! فبأي عرس دموي مهلك يمّني البعض انفسهم، وبأية عبودية مؤبدة يحلمون!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.