اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

اخبار عامة

"عدو صامت يفتك بالموصل".. خطر مقاومة العراقيين للمضادات الحيوية يتصاعد

 

شفق نيوز/ حذر موقع "المونيتور" الأمريكي من أن العراق، وخصوصا مدينة الموصل، يقاتل الآن، بعد 6 سنوات على تحرير المدينة من تنظيم داعش، عدوا صامتا يتمثل بارتفاع غير طبيعي في الاصابات التي تقاوم الادوية والمضادات الحيوية، واصفا العراق بانه احد ابرز الاماكن في العالم تضررا من هذه الظاهرة الصحية.

وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ الى ان ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية، تعززها عقود من الحروب والنزاعات، وأنها تشكل تهديدا كبيرا للصحة العالمية، فيما يبرز العراق فعليا كواحد من أكثر الأماكن تضررا من هذه الازمة المتفاقمة، خصوصا في مدينة الموصل حيث تسجل معدلات مقلقة من مقاومة المضادات الحيوية من جانب المنظمات الطبية الدولية غير الحكومية التي تنشط هناك فيما بعد الحرب ضد داعش.

 

وذكر التقرير؛ أن هذه الظاهرة بلغت مستويات مثيرة للقلق حول العالم خلال السنوات الاخيرة حيث اصبح علاج العدوى البسيطة أكثر صعوبة، مشيرا إلى أن العدوى البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية تسببت في مقتل 1.27 مليون شخص في العام 2019 ، وفقًا لدراسة أجرتها مجلة "ذا لانسيت" الطبية، أي أكثر من حصيلة الضحايا الذين يقتلهم فيروس الإيدز أو الملاريا.

 

وبحسب خبراء، فإن مقاومة مضادات الميكروبات (التي لا تتضمن فقط البكتيريا المقاومة ولكن أيضا الفيروسات والفطريات والطفيليات) يمكن أن تتسبب في مقتل نحو 10 ملايين شخص سنويا بحلول العام 2050.

 

وتقول منظمة "أطباء بلا حدود" الانسانية، فانه في العام 2019، كان هناك 40٪ من المرضى في الموصل الذين ادخلوا الى مركز رعاية طبية فيما بعد الجراحة، يعانون من عدوى مقاومة للادوية المتعددة.

 

واوضح التقرير ان "سيفترياكسون" و"ميروبينيم" هما نوعان من المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج مجموعة كبيرة من الالتهابات البكتيرية مثل التهاب السحايا والالتهاب الرئوي، إلا أن مثل العديد من المضادات الحيوية المستخدمة في المستشفيات العراقية، فقد اصبحت اقل فعالية في علاج المرضى لان البكتيريا التي تستهدفها أصبحت مقاومة لها.

 

وتابع التقرير؛ أن مقاومة المضادات الحيوية تحدث عندما تصبح البكتيريا أقل حساسية للمضادات الحيوية المصممة للقضاء عليها، مضيفا أنه بشكل عام فإن المقاومة تتطور بشكل طبيعي مع مرور الوقت، ولكن هذه العملية تجري بشكل أسرع عندما يتم وصف الأدوية أو اساءة استخدامها، مما يؤدي إلى تعرض البكتيريا لمستويات من المضادات الحيوية غير كافية لقتلها ولكنها لا تزال تسمح لها بالتكيف.

 

وفي مستشفى الموصل العام، قال التقرير ان عماد أحمد، وهو عضو لجنة المضادات الحيوية في المستشفى، كان يتنهد وهو يجلس في مكتب صغير، ويدقق في نتائج آخر فحوصات المضادات الحيوية التي جمعتها إدارته.

 

ونقل التقرير عن أحمد قوله "انه تسونامي صامت، وتدريجيا نخسر الادوية الوحيدة التي نأمل في الحصول عليها"، مضيفا "نرى أن سيفترياكسون لا يعمل على 90٪ من العينات التي اختبرناها خلال شهر حزيران/ يونيو. حتى أننا نشهد مقاومة لعقار ميروبينيم، الذي كان حتى الآن أحد أكثر المضادات الحيوية فعالية".

 

وذكر التقرير ان هذه الازمة الصحية الصامتة لا تزال تجتاح المستشفيات الخاصة والعامة في الموصل من دون رادع. ونقل التقرير عن أحمد قوله "هناك خطر حقيقي، الا انه عندما تنظر إلى التعامل الرسمي، لا تشعر أننا في أزمة. العراق متأخر في معالجة هذه القضية".

 

واشار التقرير الى ان الباحثين والأطباء الذين لهم اطلاع على نظام الرعاية الصحية في العراق يلقون بالمسؤولية على ثقافة اساءة استخدام المضادات الحيوية التي غذتها عقود من الحرب والعقوبات.

 

وتابع التقرير أن الابحاث الحديثة ربطت ايضا هذه الظاهرة بالحروب الاخيرة التي تسببت في خلق إرث سام من التلوث بالمعادن الثقيلة التي بمقدورها أن تقوي ايضا المقاومة للمضادات الحيوية.

 

ثقافة الوصفات الطبية الزائدة

وذكر التقرير أن مقاومة المضادات الحيوية لفتت الاهتمام كمسألة مثيرة للقلق منذ أكثر من 20 سنة في العراق، خصوصا بعد اكتشاف البكتيريا المقاومة للادوية المتعددة في جروح الجنود الأمريكيين المنتشرين هناك في العام 2003، موضحا أنه بسبب مدى مقاومة الجراثيم للعلاج، كان يتحتم بتر أطراف العديد من الجنود والتي أصيبت بالعدوى بهدف تجنب انتشار العدوى في أجسامهم وقتلهم.

 

واوضح التقرير ان بكتيريا "A. baumannii" الملقب باسم "بكتيريا العراق" من قبل الاطباء الامريكيين، لم يكن البكتيريا الوحيدة المقاومة للادوية التي ابتليت بها المستشفيات. وتابع قائلا إن عددا كبيرا من البكتيريا المسؤولة عن التهابات المسالك البولية أو الرئوية أو الأمعاء كانت تتطور حول العالم كمقاومة للعلاجات.

 

واضاف ان التقرير؛ أن هذه الظاهرة تفاقمت في العراق بسبب سنوات من الإفراط باستخدام المضادات الحيوية واساءة استخدامها، والتي تطورت بشكل جزئي كرد فعل على البيئة الصعبة التي عمل فيها اطباء العراق منذ التسعينيات.

 

ونقل التقرير عن عالم الأنثروبولوجيا الطبية والأستاذ في الانثروبولوجيا في جامعة روتجرز في نيوجيرسي الاميركية عمر الديوه جي قوله إن "فرضيتي حتى الان هي ان هذه مشكلة مستمرة منذ أكثر من 30 عاما"، مضيفا انه "منذ التسعينيات، وفي ظل العقوبات اعتاد أطباء العراق المبالغة في وصف المضادات الحيوية للتعامل مع انهيار نظام المرافق الصحية، وتعود الناس في كافة أنحاء المستشفيات العراقية، على وصف المضادات الحيوية".

 

وبحسب التقرير، فقد أقر العديد من الأطباء والممرضات في الموصل بأن هذه العادة لا تزال متجذرة بعمق في نظام الرعاية الصحية. ونقل التقرير رئيس وحدة التوعية في مستشفى الموصل العام عمر مظفر قوله ان معظم الاطباء يصفون المضادات الحيوية لاي مرض بسيط، ولا يتبعون بروتوكولا علميا أو نهجا تدريجيا مع سوائل الادوية والحبوب، كما أنهم لا يرسلون عينات الى المختبر لمعرفة المضادات الحيوية المطلوبة، مضيفا أن العديد منهم يصفون المضادات الحيوية عن طريق الحقن على الفور.

 

ونقل التقرير عن طبيب الأطفال الذي يرأس مركز اعادة تأهيل الأطفال في مستشفى الموصل مهند اكرم قوله "اننا نرى ان مقاومة المضادات الحيوية تنتشر". وتابع قائلا "لا يمكن للاطفال ان يتحملوا المرض بنفس الصبر الذي يتحمله الكبار، ويريد الآباء علاجا سريعا، ويتوقعون الحصول على الدواء".

 

ولفت إلى أنه عندما يتجه الأطباء الى الادوية الثقيلة ، فمن المرجح أن يعاني المرضى من الآثار الجانبية، ويصاب بعض الاطفال نتيجة لذلك بمشاكل في الكلى. وقال اكرم "نحن نرى الكثير من الحالات هنا، عدوى المسالك البولية المتكررة، والضعف الكلوي، وبعضها يحتاج إلى غسيل الكلى".

 

وبحسب أكرم، فإنه خلال السنوات الاخيرة، غذت العوامل البيئية هذه الديناميكية بشكل أكبر، موضحا أن "التلوث والعواصف الترابية في انحاء العراق، ادى الى ارتفاع مشاكل الحساسية والتهابات الجهاز التنفسي، بينما يستخدم الناس المضادات الحيوية لعلاجها على الرغم من عدم الحاجة الى المضادات الحيوية، وبالتالي تزداد المقاومة".

 

ونقل التقرير عن الديوه جي الذي أجرى مقابلات متعددة مع أفراد من القطاع الصحي في الموصل، قوله إن "القطاع الخاص في العراق اصبح معتمدا بشكل متزايد على الصيدليات الخاصة وصارت الوصفات المفرطة شائعة في عيادات القطاع الخاص"، مشيرا بذلك إلى أن المضادات الحيوية متوفرة في الصيدليات بدون وصفات طبية، مما يسمح للعائلات بالتداوي الذاتي والحصول على الادوية حتى عندما لا يتم وصفها من اطباء مختصين.

 

متلازمة الموصل

وذكر التقرير؛ أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، تم لفت الانتباه المتزايد الى ازمة مقاومة المضادات الحيوية في الموصل، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن الوضع هناك جرى توثيقه بشكل أفضل مما هو عليه في مدن عراقية أخرى.

 

ولفت إلى أنه في عيادة تابعة لجمعية خيرية، احتشد معظم المرضى أجل قضايا صحية تتعلق بجروح الحرب مثل ضعف السمع بسبب الانفجارات والحروق الحادة على اجساد الاطفال الصغار وبقايا الشظايا التي استقرت في وجه شخص.

 

ونقل التقرير عن الديوه جي قوله إن "احد اسباب رؤيتنا المزيد من (مقاومة المضادات الحيوي) في النزاعات، هو زيادة عدد الجرحى، حيث أن هناك زيادة في التعرض للبكتيريا من خلال هذه الجروح".

 

وتابع التقرير أن الديوه جي قام مع آخرين بالتحقيق في الإرث السام لعقود من الحرب والتي أدت إلى تلويث بيئة العراق بالعوامل المضادة للبكتيريا.

 

ونقل التقرير عن الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت انطوان ابو فياض قوله إنه "من الملاحظ والموثق بشكل جيد، أنه كلما كان هناك صراع، وأينما كانت هناك حرب، فإن مقاومة مضادات الميكروبات تنتشر بشكل أسرع وأوسع ويصعب السيطرة عليها".

 

وتابع ابوفياض قائلا "هناك عوامل ندركها جميعا: الفوضى، النزوح، قلة الادوية، قلة المختبرات، قلة الممرضات. لكن هناك عوامل اخرى ايضا: لقد لاحظنا ارتباطا بالمعادن الثقيلة الناتجة عن الدمار، من التفجيرات، ومن الفوضى".

 

وبحسب "المونيتور"، فإن ابو فياض وفريقه قاموا بالتحقيق في الرابط بين الحرب وتزايد مقاومة المضادات الحيوية، حيث تشير النتائج التي توصلوا إليها، والتي جرى نشرها في مجلة "بي ام جي غلوبال هيلث"، إلى دور الرصاص والزئبق والكروم والنحاس والنيكل والرصاص والزنك والأنتيمون والباريوم والبورون، وهي معادن تستخدم في الاسلحة والمعدات العسكرية والتي تراكمت في البيئة العراقية الطبيعية مع مرور الوقت من نزاع تلو الآخر.

 

وبحسب الديوه جي فان الوضع في الموصل هو "فقط قمة جبل الجليد" في العراق لأنه لا توجد بيانات شاملة ومتاحة للجمهور عن مقاومة المضادات الحيوية في مدن عراقية أخرى. ولفت إلى أن منظمة أطباء بلا حدود، التي دقت ناقوس الخطر لأول مرة بشأن الازمة الصحية الصامتة التي اجتاحت الموصل في العام 2019، كانت المنظمة الوحيدة "التي تقدم تقارير منتظمة عن مقاومة مضادات الميكروبات". لكن في يوليو/ تموز من العام الحالي، توقفت المنظمة أنشطتها الطبية في المدينة بعد أن أوقفت الجمارك العراقية شحنة من الإمدادات الطبية كانت متجهة الى الموصل في بغداد لاكثر من خمسة أشهر، مما أدى إلى انتهاء صلاحية معظمها. ولفت إلى أن الشحنة كانت تضم إمدادات لمختبر الأحياء الدقيقة، وهي أداة أساسية لتحليل مزارع البكتيريا وتحديد المضادات الحيوية التي تستجيب لها.

 

ووفقا لموظفي المستشفيات العامة، فإن السلطات العراقية بدأت الآن تعطي اهتماما متزايدا لهذه الظاهرة حيث وجهت وزارة الصحة المستشفيات لتشكيل لجنة لجمع البيانات حول مقاومة المضادات الحيوية.

 

وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت في العام 2020 من أنه "بدون اتخاذ إجراءات عاجلة، فإننا نتجه نحو عصر ما بعد المضادات الحيوية حيث يمكن أن تقتل العدوى الشائعة والإصابات الطفيفة مرة اخرى".

 

وختم التقرير بالقول إن مثلما يدرك الاطباء في الموصل بشكل جيد، فان العراقيين يقفون في الجبهة الامامية لهذه الازمة الصحية.

 

ترجمة: وكالة شفق نيوز

اخبار عامة

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.