اخر الاخبار:
هزة ارضية تضرب غربي نينوى وسكان يستشعرون قوتها - الأربعاء, 06 تشرين2/نوفمبر 2024 10:41
اطلاق رواتب المتقاعدين لشهر تشرين الثاني - الأحد, 03 تشرين2/نوفمبر 2024 09:39
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

من (سويله ميش) الصوت هز السماوة// يوسف أبو الفوز

 

 

عرض صفحة الكاتب 

من (سويله ميش) الصوت هز السماوة

يوسف أبو الفوز

 

هو النصير الشيوعي (كاظم عبد الحسن وروار حاشوش). مواليد 1956 مدينة السماوة. نحن أبناء مدينة واحدة، عشنا معا صخب مراهقتنا التي امتلأت بالسياسة مبكرا، فكنا جنبا إلى جنب في التظاهرات الاحتجاجية والسياسية، وفي اجتماعات ونشاطات اتحاد الطلبة واتحاد الشبيبة الديمقراطي. بل وانتُدبنا مرة معا وساهمنا في نشاط فني لرابطة المرأة فكان (كاظم) يعتبر ذلك (تنسيبا)! وجدنا أنفسنا معا أعضاء في أول خلية حزبية بعد ترشيحنا للحزب، ومن مصادفات الحظ أن أستاذنا في المدرسة الإعدادية هو نفسه الذي رشحنا للحزب في الفترة نفسها. ساهمنا معا في نشاطات مسرحية مدرسية، ثم بعد الدراسة الإعدادية، أخذتني معدلاتي الدراسية إلى البصرة للدراسة الجامعية، وذهب هو للدراسة الجامعية في بغداد، لكننا بقينا على تواصل مستمر، وكنا نقضي أياما جميلة وحافلة في عطلات الصيف، خاصة أوقات تسكعنا في شوارع المدينة ليلا حتى ساعات متأخرة، وبمعية مجموعة طيبة من الأصدقاء، في مقدمتهم الشهداء (جمال ونّاس)، (زهير عمران موسى)، حيث كانت هذه الجولات عبارة عن (ندوات متحركة) حيث تثار النقاشات حول مختلف المواضيع الثقافية والسياسية. رصد رجال الأمن، من جلاوزة العفلقيين، جولاتنا هذه وحاولوا التحرش بنا أكثر من مرة، بل وانتقدنا بعض الرفاق (الجبهويين!!) واعتبروا جولاتنا هذه مضرة بمسيرة عملية التحالف القائم مع حزب البعث يومها. مع تصاعد الهجمة البوليسية من قبل أجهزة النظام القمعية في عام 1978 انقطعت أخبار كاظم وروار عني، وخاصة بعد مغادرتي الوطن في صيف 1979.

 و ... في يوم من شهر تشرين الثاني عام 1982، في كردستان وإلى مقر بيتوش، مقر أنصار الفوج التاسع، تصل مفرزة ومعها مجموعة أنصار جدد، قادمين من عمق الوطن التحقوا عبر تنظيم الداخل!

معهم كان رفيقي وصديقي كاظم وروار.

مع بدء هجمات أجهزة الأمن في عام 1978 اختفى كاظم عن الأنظار طويلا. كان جريئا فأختار مدينة تكريت مكانا للتخفي منتحلا أوراقا (تكريتية). حين التقينا كان قد اختار لنفسه اسم (أبو مهدي)، وإذ كنت حينها معنيا بشؤون الملتحقين الجدد، كان عليّ أن أنظم له استمارة الالتحاق بقوات الأنصار، التي كانت تعتمد لتكون مصدرا للمعلومات عن النصير، وحين أردنا تثبيت الاسم الحركي له، اقترحت عليه تغيير اسمه لعدة أسباب:

أولا: لأن هناك نصير يحمل اسم (ابو مهدي) وهو بالمصادفة من مدينة السماوة أيضا.

ثانيا: إن اسم (أبو ...)  يجعله يبدو عجوزا، وهو شاب متدفق الحيوية.

وثالثا: إن سكان القرى الكردية تعبوا من قصة الـ (أبو ...) التي تحملها أسماء أنصارنا.

وافق كاظم على مقترحي فورا، لكنه قال:

ـــ بما أن لي حرية اختيار الاسم، فسوف اختار اسما يجعلك تدور بأذانك كلما نادوني به!

واختار اسم (يوسف)! الذي هو اسمي الصريح والمجهول بالطبع للغالبية من الأنصار!

وإذ ساعدته قدراته الجسدية، وراح يحمل سلاح R B G 7 باستمرار، حاول الأنصار منحه لقب (يوسف أر بي جي) لكنه كان يرفضه، فكانوا ينادونه أحيانا (يوسف عرب) وكان يرفض ذلك دائما، كان يقول بحزم:

ـــ يوسف وبس! ما عاجبكم سأبدله!

وصرنا نلتقي باستمرار لنستعيد ذكريات طرية عن مدينتنا، وأصدقائنا. كان محبوبا بين الأنصار لسرعة بديهيته، وروحه الفكهة التي لا تجعل شيئا يمر دون تعليقاته الساخرة. مشكلته الحقيقية أنه كان أكولا، ولمعالجة هذا الأمر صدر قرار من إدارة الفوج بمنحه حصة أكل مضاعفة لأن حصة شخص واحد لا تكفيه، ورغم ذلك كان يقوم بغارات سرية على مزارع الإدارة، والحقول المجاورة، وكان على رفاقه الأنصار التستر له على ذلك!

وإذ اعتاد الأنصار، من أجل تغيير المزاج، وبسبب محدودية ممتلكاتهم، أن يتبادلوا ساعاتهم، قمصانهم، بنادقهم، بدلاتهم، فكنت واياه دائما نتبادل أشياءنا. هكذا قمنا أنا وإياه، بعد ان استحممنا بتبادل قمصاننا، قبل أن أتوجه في مهمة ألى مكان اخر. كان ذلك قبل ايام من معركة (سويله ميش).

من أين لي أن أعرف أن ذلك سيكون لقاءنا الأخير، وان كاظم سيستشهد، وهو يرتدي قميصي؟

في 25 / 9 / 1983 في سهل (شاره زوور)، في محافظة السليمانية، في قرية (سويله ميش)، ذات الأربعة عشر بيتا المتناثرة كرؤوس الفطر على تلال منخفضة. نجح مرتزقة النظام الديكتاتوري (الجحوش) بالتسلل ليلا، والاقتراب من القرية وتطويقها، من مختلف الجهات. فجرا اكتشف أنصار الفوج التاسع ذلك، وتعذر انسحابهم، واضطروا، وعن قرب، إلى خوض، معركة بطولية ضارية، غير متكافئة، استمرت طوال النهار. تداخلت خطوط القتال بين الأنصار وقوات العدو الذي زج إلى أرض المعركة بوحدات مدرعة مع طيران الهليكوبتر، وثم وصل المنطقة مفرزة دعم من أنصار الفوج 15 / گرميان، ومفرزة من أنصار مقر قاطع السليمانية ــ كركوك، ومجاميع متفرقة من أحزاب حليفة هبت للمنطقة بشكل متأخر، مما ساعد أنصار الفوج التاسع على الانسحاب نحو مواقع أكثر أمنا. خلال المعركة الضارية استشهد النصيران البطلان، آمر الفصيل الأول ومعاون آمر السرية، (ياسين طاهر حمه صالح)، والنصير (جلال هونكريني)، وتمكن العدو من اسر ثلاثة أنصار اخرين، هم : سامال ( ئاراس اكرم ) ، ومحمد حمه فرج، ويوسف (كاظم عبد الحسن وروار ). بعد يومين، على شارع حلبجة ــ سيد صادق، تم إعدام الأنصار الأسرى في مشهد استفزازي لجماهير المنطقة ولركاب السيارات الذين أوقفوا بالقوة ليشهدوا بشاعة الجريمة. ارتجل الشهيد كاظم كلمة فضح بها حقيقة السلطة وحث الجماهير على مواصلة النضال، وتقدم ورفاقه لمواجهة الرصاص بشجاعة وهم يهتفون باسم الحزب الشيوعي العراقي وقوات الأنصار.

من (سويله ميش) الصوت هز السماوة

ما مات (ابن وروار) بدمه   نتغاوه.

 

 

رحلة أتحاد الشبيبة الديمقراطي الى بحيرة ساوة، صيف 1973، الشهيد كاظم (المبتسم ) وسط الصورة وخلفه يقف الكاتب

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.