اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الأقليات القومية والدينية في الواقع العربي والاسلامي (الآشوريين نموذجاً) ج4 والاخير// وليم أشعيا عوديشو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الأقليات القومية والدينية في الواقع العربي والاسلامي (الآشوريين نموذجاً)

( الجزء الرابع )

وليم أشعيا عوديشو

 

الفصل الرابع

المبحث الأول/ حقوق الأقليات في دستور بعض الدول الاسلامية:

إن مواد الدستور في الدول الاسلامية تتباين نظرتها وتشريعاتها حول الأقليات القومية والدينية فمثلاً من غير المسموح في المملكة العربية السعودية ممارسة الشعائر علنياً من قبل أتباع الديانات غير الإسلامية ، وتمنع أنشاء كنائس او معابد ، أما في دولة الكويت فتوجد فيها أقلية مسيحية صغيرة ومعترف بها من الحكومة الكويتية ، وفي العراق سوريا ومصر والأردن ولبنان تتمتع الأقليات الدينية بحرية العبادة وجميع حقوق المواطنة والمشاركة في الحياة السياسية العامة بنسب متفاوتة ، وكذلك الامر في بلدان شمال افريقيا ، والدول الإسلامية في آسيا كأندونيسيا وماليزيا وباكستان ، وفي إيران تعيش أقليات قومية ودينية وطنية متعددة ، أي انها إيرانية الأصل وليست طارئة كالمجوس والزرادشت إضافة الى اقليات قومية ودينية غير فارسية كالآشوريين والأرمن والكورد واليهود ويعترف دستور جمهورية إيران الإسلامية رسمياً بالأقليات الدينية الثلاث (الزرادشت واليهود والمسيحيون) والتي تتمتع بالحرية في ممارسة شعائرها الدينية ، والعمل على ممارسة حقوقها وفق اديانها في مجال الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية (المادة 13) ، ومن الجدير بالذكر أن أساس الانتماء في الجمهورية الإسلامية هو المواطنة أي أن كل من يحمل الجنسية الإيرانية يتمتع بجميع الحقوق والحريات المدنية والسياسية ، ولايعتبر الأنتماء الديني أو المذهبي أساسا ً في بناء الدولة ، هذا المبدأ يتجسد بقوة في منح الأقليات القومية والدينية حق التمثيل في البرلمان الإيراني ، إذ تنص المادة(64) على أن ((ينتخب الزرادشت واليهود كل على حدة نائباً واحداً ، وينتخب الآشوريين والكلدانيين معاً نائباً واحداً ، وينتخب المسيحيين والأرمن في الجنوب والشمال كل على حدة نائباً واحداً )) في مجلس الشورى الإيراني ، أي أن هناك مقاعد في البرلمان الإيراني مخصصة لتمثيل الأقليات الدينية لا ينافسهم عليها المسلمون الذين يشكلون الاكثرية ، وهذا بحد ذاته ضمان كبير وحق دستوري للأقليات الدينية. المصدر : د. صلاح عبد الرزاق / مجلة الاسلام والديمقراطية.

 

المبحث الثاني / حقوق الاقليات في الدستور العراقي الجديد:

بالرغم من عدم وضوح ما ينص صراحة على تمثيل الأقليات الدينية والقومية في مجلس النواب في الدستور العراقي الجديد إلا أن المادة (48 / أولا ً) تشير الى أن تكوين مجلس النواب يجب ان ((يراعي تمثيل سائر مكونات الشعب فيه)) ، وهذه أشارة الى ضرورة وجود تمثيل لجميع المكونات العراقية (الكورد والاشوريين والتوركمانوالإيزيديين))، والأقليات الدينية (المسيحيين والصابئة المندائيين) ، ومن جانب آخر كان قد تم احتساب أصوات الأقليات الدينية على اساس الدائرة الانتخابية الواحدة ، اي على مستوى العراق لضمان تجميع أصوات الناخبين المنتمين للأقليات، ويضمن الدستورالعراقي الجديد في المادة (40) لأتباع الديانات والمذاهب حرية:

 

1-ممارسة الشعائر الدينية. 2-إدارة الأوقاف وشؤونها وسياستها الدينية. 3-تكفل الدولة حرية العبادة وحماية اماكنها.

وتنص المادة (39) على ((أن العراقيين أحرار في الألتزام بأحوالهم الشخصية، حسب ديانتهمأو مذاهبهم أو اديانهم أو معتقداتهم أو أختياراتهم)).

ويقر الدستور العراقي استخدام اللغات التي تتحدث بها الأقليات القومية والدينية في المؤسسات الرسمية والخاصة. أذ تنص المادة (4 / أولا ً) على ((حق العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الأم كالتركمانية والسريانية والأرمنية، في المؤسسات التعليمية الحكومية، وفقا ً للضوابط التربوية، أو بأي لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة)). وتضمن المادة (4 / رابعا ً) على أن ((اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الأدارية التي يشكلون فيها كثافة سكانية)). وتنص المادة (4 /خامسا) على انه ((لكل أقليم أو محافظة أتخاذ اي لغة محلية أخرى، لغة رسمية أضافية، أذا أقرت غالبية سكانها ذلك بأستفتاء عام)). من جانب آخر يشمل الأقليات مضمون المادة (14) التي تساوي بين جميع العراقيين بلا أستثناء، حيث تنص على أن ((العراقيين متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الأقتصادي أو الأجتماعي)).

إلا أن الدستور العراقي الجديد الذي تم إقراره بإستفتاء شعبي في تشرين أول /2005 لم ينصف الآشوريين عندما لم يتم ذكرهم في ديباجة الدستوركأحد ضحايا الأنظمة القمعية، علماً بأنهم كانوا أول ضحايا إرهاب الدولة المنظم عندما قامت قطعات من الجيش العراقي للفترة 7-11 آب 1933 بقيادة المجرم بكر صدقي بتنفيذ مذابح ضد الآشوريين العزل في منطقة سميل وضواحيها في شمال العراق والتي راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شهيد بينهم أطفال ونساء ورجال دين، بإعتبارها أول إبادة عرقية ضد مكون عراقي أصيل في تأريخ العراق منذ تأسيس الدولة العراقية 1921.

 

المبحث الثالث / في إعادة صياغة الوطن:

تصاب الدولة بالشلل اذا ما تم التعامل مع التعدديات القومية والسياسية والثقافية باعتبارها جنوح نحو التقسيم ، وكما تموت الدولة المتعددة الاعراق والثقافات إذا ما تبنت سياسة صهر مكوناتها القومية في معنى الاحادية والتوحيد القسري ، وتكمن الخطورة في التعامل الخاطىء مع التفسير الثقافوي- الانثروبولوجي للتعددية القومية والثقافية ، وفي امكانية تطوره الى دعوة سياسية - انفصالية للتخلص من مظالم الأكثرية المحيطة بها مع استمرار ممارسة الظلم ضد تلك الأقليات ، وما حصل فعلياً هو تجسد الخطورة من حملة الفكر الشوفيني في الأكثرية من الذين يرفضون وينكرون واقع التعدد القومي والثقافي والديني وضرورة الحل الديمقراطي ، لتنتهي الدول المتعددة المكونات التي تحكمها نخب تنادي بشعارات الوحدة والقومية الاحادية الى التشرذم والحروب الأهلية ، وهكذا نرى أن النمطية وفرض اللون المحدد بالقوة كان دائماً البداية نحو التجزئة وانهيار الدولة ، وكانت بعض النظريات السياسية القومية والأممية قد ساهمت في المبالغة بالدعوة الى احتواء التعدد الثقافي والقومي باعتباره ظاهرة انتقالية عارضة وغير ثابتة لأن مصيرها معرض للتغيير ، وفي هذا الصدد مثلاً لم تفلح النظريات القومية الألمانية التي بشر بها هيغل وفيخته في فرض النمط المحدد ، وكذلك كان انهيار الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا مثالاً آخر يمكن الاستفادة منه ، وحول هذا الموضوع في الحالة العراقية ومن كل ما تقدم يبقى أفضل خيار هو الدولة التي تستوعب التعددية وتكون الدولة بمثابة إطار وطني جامع أي انه يوفّق بين وجهات نظر مختلفة التوجهات ، ويتوافق مع طبيعة تكوين المجتمع العراقي المتنوع ، ويكون إطارا للفهم وللعيش في آن معا ، وليس استناداً الى أطر مرجعية اصولية متزمتة والمقصود هنا في الاصولية هو كافة الآيديولوجيات التي تؤمن فقط بأنها هي الحقيقة وتغرق ما بين الايديولوجيا والسياسة ، وهذا يدعونا للتحدث عن صيغة جديدة مختلفة عن صيغة قيام دولة العراق عام 1921 والأسس المعتمدة آنذاك ، وذلك بالعمل في صياغة عراق جديد يستجيب للحقائق الجديدة والمتغيرات الأقليمية والدولية ، ومن هنا يجب أن يتحمل السياسيين المسؤولية وألا يدفعوا الأمور نحو أزمة في ما يتعلق بالاختيارات الكبرى في شأن الدولة ، وأن تسود روح الحوار والانفتاح والإخلاص للعراق ولشعبه الذي يستحق كل التكريم ، وأن تكون هذه الروح هي الروح الحاكمة ، ولن يكون العراق ذو لون قومي واحد بل أن الهوية العراقية تتكوَّن من تنوعه ، والتعاون لتثبيت وترسيخ صيغة العيش المشترك التي يجب أن يتميز بها العراق في المنطقة ، أن سوء الفهم او الخلل في طرح إشكالية التعايش كانت سببها الحكومات المتعاقبة في العراق التي فشلت في تطوير الصيغة التشريعية والقانونية للتعايش ، باعتبار أن للعراقيين تجارب ولو قصيرة الأمد في تكوين مجتمعاً سياسياً متجانساً ضمن محيط ثقافي واحد ذي قيم مشتركة مع الاحتفاظ بالتنوّع الخاص لدى كل منهم ، وباعتبار ان التنوع لا يتنافى أبداً مع وجود مجتمع سياسي سليم ، وهذا يعرف في السياسة وعلم الاجتماع السياسي بالنظام التوافقي وهو يتمثل اليوم في العراق بما يسمى اصطلاحاً بالاستحقاق الوطني في تشكيل الدولة العراقية المعاصرة ليشارك فيها كافة مكونات الشعب العراقي والتي تكتسب خصوصية في الحالة العراقية للتوصل الى حكومة إئتلاف موسعة تضم المكونات الصغيرة أيضاً ، ومن أجل حماية الأقليات يفضل تبني مسألة النسبية في التمثيل لحماية المكونات الصغيرة واستحداث حق النقض في بعض الجوانب كطريقة لحماية رأي الأقلية ، واعتماد اسلوب الادارة الذاتية كوسيلة للمحافظة على خصوصية المكونات الصغيرة ، وهذا يعني قمة الممارسة الديمقراطية ، وأن الحاجة الى ضمانات تشريعية وقانونية سببه هو أن الأقلية في المجتمعات المتعددة محكوم عليها سياسياً بالبقاء في موقع ضعيف ، وكذلك المشاركة الرمزية في الائتلاف الحكومي لا يكفي لحمايتها ان لم يكن لديها حق النقض في بعض الحالات التي تخصها ، وحول الادارة الذاتية التي تخص الأقليات فمن الممكن تطبيق نظام الادارة الذاتية لها في المناطق التي يشكلون فيها الأكثرية للمحافظة على خصوصياتهم الديموغرافية وفي الحالة الآشورية تبرز القرى والقصبات الآشورية في محافظة دهوك ووبعض قصبات سهل نينوى وفي مدينة عنكاوا في محافظة أربيل كمناطق يشكل فيها الآشوريين بكافة تسمياتهم الكنسية الأكثرية السكانية فيها.

 

المبحث الرابع / الديمقراطية بعد المخاض:

ان كافة الشعوب تعيش فترة مخاض صعبة عندما تشهد فترة انتقالات سياسية شاملة كما حصل بعد إحتلال العراق في التاسع من نيسان 2003 ، وهي فترة صاحبتها الفوضى وعدم استقرار والذي يعود سببه الى حجم وآثار التعسف الذي خلفه النظام المخلوع ، والتي يمكن ان يكون لها أثراً سلبياً على عملية إعادة بناء الدولة لفترة معينة ومن خلال التجربة ثبت أن الديمقراطية هي الحل الوحيد لضمان استقرار المجتمع العراقي وديمومته ومنعه من التشرذم والتطاحن ولضمان حقوق مختلف المكونات فيه ، باعتبار أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الشعوب هي مباديء لا يمكن فصلها وعلينا تفعيلها في الصراع من أجل ترسيخ الأمن ومكافحة الارهاب , وإعادة بناء العراق الجديد ، ولكون الديمقراطية ليست قوالب جاهزة يتم استيرادها بل هي فكر وممارسة في أجواء مناسبة وتحتاج الى بناء المؤسسات القانونية القادرة على تأمين الديمقراطية بالشكل الصحيح ، مع اعطاء دورا رئيسيا الى مؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في بناء عراق يؤمن العيش الرغيد لمجموع الشعب ويصون حقوق وحرية وكرامة الفرد والجماعة، بعد عقود طويلة من الحروب الداخلية والخارجية التي أنهكته ، وكان إقرار الدستور العراقي رغم بعض الثغرات الذي رافقته قد أضاف الى العملية السياسية في العراق قوة لكي يصبح النموذج العراقي التعددي الفدرالي نموذجاً يحتذى به في المنطقة ، ومكسب للحداثة السياسية العراقية التي تمثلت في مرونة هذا الدستور للتغيير والتبديل في المستقبل.

 

 

الخاتمة:

واخيراً فلقد ثبت أن بعض مشاكل الأقليات تعود أيضاً الى إخفاق الدول الحديثة في تحقيق القيم والأهداف التي ظهرت من أجلها والذي يتمثل في العالم العربي والاسلامي بالتنمية ، وفي الغرب بالتحديث والرفاه والذي أدى الى تحول ولاء الشعوب من الدولة الهدف والقيمة الى مصالح تلك الشعوب وثقافتها القومية ورغباتها الخاصة ، إضافة الى المشاكل الإقتصادية والعامل الخارجي في تصعيد الصراعات لترتبط تلك الصراعات بحركة فكرية ثقافية وهيكلية لا تتطابق مع سياسة الدولة والأهداف التي قامت من أجلها ، ولقد أصبحت صحوة الأقليات في العصر الحديث ذو أهمية كبيرة بعد تفاقم الاختلافات والحروب بين القوميات داخل الوطن الواحد وبعد التسليم بأن عصر الأمبراطوريات والأمم الكبيرة لن يعود وليبقى الخيار الوحيد المتبقي أمام الدول ذات التنوع القومي والديني هو ألاستجابة بشكل حضاري لحقوق تلك القوميات سعياً من أجل الأمن وحقوق المواطنة للمحافظة على وحدتها ما دام ذلك لا يهدد الثوابت الوطنية العليا.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.